هل تأخير إخراج الزكاة يبطل ثواب صيام رمضان؟.. الإفتاء تجيب
تاريخ النشر: 5th, April 2025 GMT
بيّنت دار الإفتاء المصرية، حكم صيام من يؤخر إخراج الزكاة عن وقتها دون عذرٍ أو مَن لا يلتزم بإخراجها أصلًا، مشيرة إلى أن صيامه صحيحٌ شرعًا لأن كلُّ عبادةٍ منهما مستقلةٌ عن الأخرى، فهذا الإنسان طائع بأدائه الصيام غير طائع بتأخير الزكاة عن وقتها أو عدم أدائها.
وشددت دار الإفتاء، في فتواها عبر موقعها، على أنه يجب على كلِّ مكلف أن يجتهد في أداء جميع الفرائض التي فرضها الله عليه على قدر طاقته واستطاعته؛ فالملتزم بجميع الفرائض أعظم أجرًا، وأكثر ثوابًا، وأفضل حالًا ممن يلتزم ببعضها، ويفرط في البعض الآخر.
وأكدت أن التكاليف الشرعية التي جاء بها الإسلام منظومة متكاملة من شأنها ضبط حركة الإنسان وتنظيم جميع علاقاته في هذه الحياة، أي: علاقته بربه، وعلاقته بنفسه، وعلاقته بأخيه الإنسان، بل وعلاقته بالكون بأسره، ورأس هذه التكاليف وأصلها الأركان الخمسة التي بُني عليها الإسلام؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» متفقٌ عليه.
وتابعت أن الله سبحانه وتعالى أوجب على المسلمين أن يؤدوا هذه العبادات بأكملها، أي: أن المسلم مأمورٌ بها جميعًا، فيجب عليه أن يلتزم بكلِّ ما فرضه الله تعالى عليه، قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ [البقرة: 208]، والمعنى: أي التزموا بكلِّ شرائع الإسلام وعباداته التي أمر الله تعالى بها ورسولُه صلى الله عليه وآله وسلم من غير أن يتخير أحدٌ منكم أداء بعضها وترك بعضها الآخر؛ لقوله تعالى ناعيًا على هؤلاء: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ [البقرة: 85].
وأوضحت الإفتاء، أن هذا ما نطقت به عبارات المفسرين، حينما عقبوا على الآية الآمرة بالدخول في السلم:
قال الإمام الطَّبَرِيُّ في "جامع البيان" (3/ 600، ط. هجر): [تأويل ذلك: دعاء للمؤمنين إلى رفض جميع المعاني التي ليست مِن حكم الإسلام، والعمل بجميع شرائع الإسلام، والنهي عن تضييع شيء مِن حدوده] اهـ.
وقال الإمام الْـمَاوَرْدِيُّ في "النكت والعيون" (1/ 268، ط. دار الكتب العلمية) ناقلًا قول الإمامين مجاهد، وقتادة: [والدخول في السِّلْم: العمل بشرائع الإسلام كلها] اهـ.
أثر عدم إخراج الزكاة على صحة الصوموأشارت إلى أنه مع أن المسلم مأمورٌ -على قدر طاقته البشرية- بأداء كلِّ الفرائض المفروضة عليه جملة واحدة دون ترك أيٍّ منها إلا أن كل عبادة منها مستقلة بذاتها؛ فكل فريضة من هذه الفرائض لها شروطها وأركانها الخاصة بها، فإذا أدى الإنسان عبادةً من العبادات مستوفيةً شروطها وأركانها فهي صحيحة وبَرِئَتْ ذمته منها، وخرجت من عهدته، ولا يؤثر في صحتها تركُ غيرها من العبادات الأخرى المفروضة عليه أيضًا.
قال العلامة نجم الدين الطُّوفي في "شرح مختصر الروضة" (1/ 441، ط. مؤسسة الرسالة): [الصحة في العبادات: وقوع الفعل كافيًا في سقوط القضاء، وقيل: موافقة الأمر.
معنى هذا: أن العلماء اختلفوا في معنى صحة العبادات، فالفقهاء قالوا: الصحة وقوع الفعل كافيًا في سقوط القضاء؛ كالصلاة الواقعة بشروطها وأركانها مع انتفاء موانعها، فكونها كافية في سقوط القضاء -أي: أنها لا يجب قضاؤها- هو صحتها] اهـ.
وقال العلامة الزَّرْكَشِي في "البحر المحيط" (2/ 16، ط. دار الكتبي): [أما الصحة في العبادات فاختُلف فيها؛ فقال الفقهاء: هي وقوع الفعل كافيًا في سقوط القضاء؛ كالصلاة إذا وقعت بجميع واجباتها مع انتفاء موانعها، فكونها لا يجب قضاؤها هو صحتها] اهـ.
ومقتضى ذلك: أنه ليس من شروط صحة العبادة امتثال المكلف لغيرها من العبادات وقيامه بها، بحيث يكون تَرْكُ ذلك مؤثرًا على صحتها أو موجبًا لعدم قبولها؛ إذ لا ارتباط بين إسقاط الفرائض التي يؤديها وبين الفرائض التي يتهاون في أدائها، فلكلٍّ ثوابه، ولكلٍّ عقابه.
وعلى ذلك: فإذا وجبت الزكاة في حقِّ أحد ولم يُخْرِجْها أو قصَّر في أدائها فإنه آثم بعدم القيام بهذا الفرض، فإن أدى فرضًا آخر وهو الصيام فصيامه صحيح، وإثمه بتركه أداء الزكاة لا يؤثر في صحة الصيام، وهو بهذا مطيع في الصيام غير مطيع في الزكاة.
قال الإمام السَّرَخْسِي في "أصوله" (1/ 81، ط. دار المعرفة): [ألَا ترى أن الصائم إذا ترك الصلاة يكون فعل الصوم منه عبادة صحيحة هو مطيع فيه وإن كان عاصيًا في ترك الصلاة؟] اهـ.
وقال العلامة أبو بكر الجَصَّاص في "الفصول في الأصول" (2/ 179، ط. أوقاف الكويت): [وكون الإنسان مرتكبًا للنهي عاصيًا في غير المعقود عليه (لا يمنع وقوع فعله موقع الجواز، كما أن كونه عاصيًا في تركه الصلاة لا يمنع) صحة صيامه إذا صام] اهـ.
وقال الإمام الآمِدِيُّ في "أبكار الأفكار" (4/ 385-386، ط. دار الكتب والوثائق القومية) في الردِّ على شبهة القائلين بكون المعصية محبطةً للأعمال مطلقًا: [إن التقابل بين الطاعة والمعصية: إنما يتصور في فعلٍ واحدٍ بالنسبة إلى جهةٍ واحدةٍ، بأن يكون مطيعًا بعينِ ما هو عاصٍ مِن جهة واحدة، وأما أن يكون مطيعًا في شيء، وعاصيًا بغيره، فلا امتناع فيه، كيف وأن هؤلاء وإن أوجبوا إحباط ثواب الطاعات بالكبيرة الواحدة، فإنهم لا يمنعون من الحكم على ما صدر من صاحب الكبيرة من أنواع العبادات... كالصلاة، والصوم، والحج، وغيره بالصحة، ووقوعها موقع الامتثال، والخروج عن عهدة أمر الشارع؛ مع حصول معصية في غيرها، بخلاف ما يقارن الشرك منها، وإجماع الأمة دلَّ على ذلك، وعلى هذا: فلا يمتنع اجتماع الطاعة والمعصية، وأن يكون مثابًا على هذه ومعاقبًا على هذه] اهـ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: تأخير إخراج الزكاة إخراج الزكاة الزكاة دار الإفتاء الإفتاء المزيد دار الإفتاء قال الإمام اهـ وقال جمیع ا
إقرأ أيضاً:
هل يعتبر موتى حوادث الطرق من الشهداء؟.. الإفتاء تجيب
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه: هل يعتبر موتى حوادث الطرق من الشهداء؟
وأجابت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة: الشخص الذي يموت في حوادث الطرق والسير وبسبب الإصابات الناجمة عنها معدودٌ من شهداء الآخرة، وذلك بشرط عدم التفريط في الاحتراز باتخاذ وسائل الوقاية والأمان المقررة، وعدم الزج بنفسه في الحادث بقصد التخلص من الحياة، وإلا فأمره مفوضٌ إلى مولاه عزَّ وجلَّ.
فضل الشهادة في الإسلام
امتنَّ الله تعالى على الأمة المحمدية بتعدُّد أسباب الشهادة وكثرة خصالها وعلو منازلها وتفاوت درجاتها رحمةً وتفضلًا على مَن اختصهم بها وجعلهم مِن أهلها؛ فعن الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دُفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ، وَيُرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الْإِيمَانِ، وَيُزَوَّجُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ إِنْسَانًا مِنْ أَقَارِبِهِ» أخرجه الإمام أحمد، وابن ماجه -واللفظ له-.
بيان أسباب الشهادة والمراد بشهيد الآخرة
قد وردت جملة كبيرة من الأحاديث والآثار في بيان أسباب الشهادة وذِكْرها، منها: ما جاء في حديث جابر بن عتيك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سأل من كان حاضرًا وقت وفاة عبد الله بن ثابت رضي الله عنه: «مَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ؟» قَالُوا: الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَالَ: «الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللهِ: الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدَةٌ» أخرجه الإمام مالك في "الموطأ"، والإمام أحمد -واللفظ له-، وأبو داود والنسائي.
واتفقت كلمة العلماء وشراح السُّنَّة النبوية المطهرة على أن المراد بـ"الشهادة" الواردة في هذا الحديث الشريف وأمثاله من الأحاديث والآثار ما أطلق على صاحبها "شهيد الآخرة"، بمعنى أن الذي مات بأحد هذه الموتات المذكورات له مثل أجر الشهيد في الآخرة فقط، فهو كالشهيد حقيقةً عند الله تعالى في وُفور الأجر وعظيم الثواب دون أن تجري عليه أحكام الشهيد حقيقةً في الدنيا، ولهذا يُغسَّل ويُكفَّن كسائر الموتى.
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (13/ 63، ط. دار إحياء التراث العربي): [قال العلماء: المراد بشهادة هؤلاء كلهم غير المقتول في سبيل الله أنهم يكون لهم في الآخرة ثواب الشهداء، وأما في الدنيا فيُغَسَّلون ويُصلَّى عليهم] اهـ.
وقال الحافظ بدر الدين العَينِي في "شرح سنن أبي داود" (6/ 29، ط. مكتبة الرشد): [هؤلاء كالشهداء حقيقةً عند الله تعالى في وُفور الأجر، ولهذا يُغسَّلون ويُكفَّنون كسائر الموتى، بخلاف الشهيد الحقيقي، وهو الذي قُتل ظلمًا، ولم تجب بقتله دية، أو وُجد في المعركة قتيلًا] اهـ.
هل يعتبر من يموت بحوادث الطريق من الشهداء؟
تدور أسباب الشهادة الواردة في الأحاديث على تنوعها حول معنى واحد، وهو المرض مع شدة فيه أو كثرة ألم، مع ظهور تحرُّز الأشخاص المصابين بها قبل موتهم من خلال اتباع أساليب الأمان وعدم الإهمال في أسباب وأدوات الوقاية من خطر الإصابة قبل حدوثها، وخصوصًا في حالات الغرق أو الحرق أو الهدم، وإلا لحقهم إثم التقصير في التحرز.
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (13/ 63، ط. دار إحياء التراث العربي): [وقد قال العلماء: وإنما كانت هذه الموتات شهادة بتفَضُّل الله تعالى بسبب شِدَّتها وكثرة ألَمِهَا] اهـ.
ويتحقق هذا المعنى في حالات وفيات حوادث الطرق والسير سواء كانت الوفاة على الفور من وقوع الحادث أو حال تطور الإصابة الناجمة عن الحادث؛ وذلك لأن المُشاهدة تقضي بأن المتوفَّين بسبب ذلك أن الحادث أصابهم بقضاء الله وقدره ولم يلقوا بأنفسهم فيه على سبيل القصد والتخلص من الحياة، ولم يُفَرطوا في التحرز باتخاذ وسائل الأمان، وهذا بحسب الغالب، ومن ثَمَّ فلا تخلو -في الجملة- حالة من حالاتها من وجود سبب من أسباب الشهادة الواردة في السُّنَّة النبوية المطهرة؛ بل قد تجتمع في بعض الأحوال، فيُزاد في الأجر والثواب على تعدد الأسباب وتنوع الخصال؛ فـ"كلُّ مَن كثر أسباب شهادته زِيدَ له في فتح أبواب سعادته" كما قال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (3/ 1132، ط. دار الفكر).
وهذا كله مشروط بكون هذا الشخص المتوفَّى قد أصابه الحادث بقضاء الله وقدره ولم يُلقِ بنفسه فيه على سبيل التخلص من الحياة، ولم يُفَرط في التحرز عنه باتخاذ وسائل الوقاية والأمان ومعايير السلامة المقررة في هذا الشأن.وأكدت بناءً على ذلك: ان الشخص الذي يموت في حوادث الطرق والسير وبسبب الإصابات الناجمة عنها معدودٌ من شهداء الآخرة، وذلك بشرط عدم التفريط في الاحتراز باتخاذ وسائل الوقاية والأمان المقررة، وعدم الزج بنفسه في الحادث بقصد التخلص من الحياة، وإلا فأمره مفوضٌ إلى مولاه عزَّ وجلَّ.