سودانايل:
2025-05-30@22:16:39 GMT

التعليم في السودان: قصة مجد وتحديات

تاريخ النشر: 23rd, April 2025 GMT

في قلب كل سوداني تجاوز العقد السادس من عمره، ينبض حب خاص للعلم؛ قصة متجددة تروي أيامًا كان فيها التعليم في السودان مصدر فخر وإلهام، ورمزًا لصناعة النخبة التي حملت اسم السودان عاليًا في المحافل الإقليمية والدولية.
في عام 2014، وخلال عملي كممثل لمنظمة الصحة العالمية في لبنان، تلقيت رسالة عاجلة من المكتب الإقليمي في القاهرة بضرورة استقبال شخصية دولية مرموقة مهتمة بأوضاع اللاجئين السوريين.

كان المسؤول في طريق عودته إلى جنيف بعد زيارة لسوريا والأردن، وكان هدف اللقاء عرض دور مكتبنا في خدمة اللاجئين السوريين. ونظرًا لضيق وقت زيارته، أعددت تقريرًا مفصلًا لتسليمه له مباشرة.
عندما التقيت المسؤول الأممي، لاحظت منذ لحظة دخوله مكتبي نظرة مليئة بالتساؤلات. تصفح التقرير سريعًا، ثم قال: "هذا التقرير أجاب عن كل ما كنت أنوي سؤالك عنه، لكن هناك سؤال واحد أرجو أن تحدثني عنه." وعندما استفسرت عن سؤاله، أجاب بدهشة: "خلال زيارتي لدمشق وعمان، التقيت عددًا كبيرًا من المسؤولين الأمميين، ولاحظت أن معظمهم من السودانيين. جميعهم يتقلدون مناصب رفيعة بكفاءة واقتدار. حدثني عن التعليم في السودان، كيف استطاع بلد بإمكانات بسيطة أن يخرج كل هذه النخبة اللامعة؟" ظل يلاحقني بالأسئلة عن التعليم لمدة ساعة ونصف، دون أن يتطرق إلى شؤون اللاجئين التي جاء من أجلها. شعرت حينها بمزيج من الفخر والخوف من الحسد، واستعذت بالله، وأخبرته أن تعليمنا كان بسيطًا في مبناه، لكنه عظيم في رسالته. جلسنا على الأرض، كتبنا على الرمل وعلى ألواح الأردواز، لكن عقولنا كانت تعانق السماء. معلمونا كانوا قدوة في الإخلاص للعلم وحب الحقيقة، وجامعاتنا كانت منارات علمية حقيقية تعد الإنسان للعالم، لا لمجرد وظيفة.
هذه ليست الحكاية الوحيدة. فقد سألتني طبيبة سعودية ذات مرة بدهشة بعد مشاهدتها برنامجًا وثائقيًا عن التعليم في السودان: "كيف خرج من هذه المدارس البسيطة كل هؤلاء العلماء الذين درسونا في الجامعات؟" فأجبتها: "ليس المبنى ما يصنع الإنسان، بل الرسالة التي يحملها المعلم."
لقد غزا خريجو الجامعات السودانية، خاصة جامعة الخرطوم، العالم العربي والأفريقي بكفاءاتهم. تميزوا بإتقان اللغتين العربية والإنجليزية، وبالتفوق العلمي والمهني، حتى أن دول الخليج استعانت بهم لبناء نهضتها التعليمية والأكاديمية في السبعينيات والثمانينيات. لم يكونوا مجرد موظفين، بل صناع نهضة حقيقية.
ولكن، مع مرور الزمن، بدأت ملامح التراجع تظهر. ففي نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، أثرت الأزمات الاقتصادية على التعليم. وتصاعدت المشكلات مع الحرب الأهلية والصراع السياسي. وفي التسعينيات، جاءت سياسات التوسع الجامعي والتعريب للمناهج لتضعف الجودة الأكاديمية. ومع العقوبات الدولية عام 1997، تدهورت البحوث العلمية، وعانت الجامعات من العزلة. أما الحرب الأخيرة (2023)، فقد دمرت البنية التحتية للجامعات، وأوقفت الدراسة في كثير منها. لقد عايشت بنفسي أثراهتمام الدولة بالتعليم السوداني، فبفضل دعم الدولة وقتها، تمكنت من متابعة دراستي العليا في جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس، رغم بساطة دخل والدي، الموظف البسيط في بريد الأبيض.
فهناك مؤشرات خطيرة تهدد مستقبل التعليم في السودان منها تدهور مهارات القراءة والكتابة وتفشي الأخطاء الإملائية والنحوية و ضعف الخط اليدوي فالمعلمون يؤكدون أن خط الطلاب بات غير مقروء بسبب الاعتماد المفرط على الأجهزة الإلكترونية و انهيار دور المكتبات المدرسية فالمدارس الحكومية تفتقر لمكتبات مجهزة أو أن المكتبات مغلقة و تراجع إتقان اللغات إذ قلت نسبة طلاب الثانويات يستطيعون التحدث بالإنجليزية بطلاقة بصورة ملحوظة و ضعف تدريب المعلمين خاصة في المناطق المتأثرة بالنزاعات لم يتلقوا تدريبًا مستمرًا منذ خمس سنوات و تردي البنية التحتية المدرسية فالمدارس تفتقر إلى الكراسي والمكاتب والمعدات الأساسية و ارتفاع معدلات التسرب المدرسي خاصة في المناطق الريفية و ندرة الأنشطة اللاصفية بانتظام كالأنشطة الرياضية أو الثقافية أو الفنية.
التعليم السوداني، رغم تاريخه العريق، يمر بمنعطف خطير. إذا أردنا إعادة بناء نهضتنا، فعلينا أن نعيد الاعتبار للمعلم، ونوفر الدعم الحقيقي للبحث العلمي، ونربط مدراسنا و جامعاتنا بالعالم الأكاديمي الدولي، ونغرس حب العلم والعمل الجاد في أبنائنا. و لنعلم أن التغييرات المطلوبة قد تحتاج لزهاء عقدين من الزمان لتؤتي أكلها بإذن الله إذا أحدثنا التغيير اليوم.
مضى زمانٌ وكنا سادة العلم نشرِي الهدى ونضيء الدروبا
تغير الحال وانحسر الضياء وأصبح العلم في أرضي غريبا
بقلم: الدكتور حسن المهدي البشري الغبشاوي

hassanemelbushra@gmail.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: التعلیم فی السودان

إقرأ أيضاً:

التعليم العالي يعلن بدء الدراسة في 12 جامعة أهلية ضمن خطة التوسع 2025/2026

 عقد مجلس الجامعات الأهلية اجتماعه الدوري، برئاسة الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وبحضور الدكتور ماهر مصباح أمين المجلس، والسادة أعضاء المجلس، وذلك بمقر الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة.

في مستهل الاجتماع، قدم المجلس الشكر للسيد الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية، لإصدار سيادته 12 قرارًا جمهوريًا بإنشاء 12 جامعة أهلية جديدة، وتشمل (جامعة السويس الأهلية، جامعة دمنهور الأهلية، جامعة القاهرة الأهلية، جامعة عين شمس الأهلية، جامعة سوهاج الأهلية، جامعة كفر الشيخ الأهلية، جامعة الوادي الجديد الأهلية، جامعة الفيوم الأهلية، جامعة طنطا الأهلية، جامعة الأقصر الأهلية، جامعة دمياط الأهلية، جامعة مدينة السادات الأهلية). 

كما نعى المجلس الدكتورة ريم بهجت رئيس جامعة مصر للمعلوماتية والرئيس المؤسس لجامعة مصر للمعلوماتية، داعين الله أن يتغمدها بواسع رحمته وأن يسكنها فسيح جناته ويلهم ذويها الصبر والسلوان. 

الأعلى للجامعات: توقعات بزيادة أعداد المقبولين بكليات الطب للعام الدراسي المقبلقرارات مهمة خلال اجتماع الأعلى للجامعات وافتتاح كلية السياحة والفنادق بالغردقة

وأكد الدكتور أيمن عاشور أن الجامعات الأهلية تمثل رافدًا مهمًا في منظومة التعليم العالي بمصر، وتلعب دورًا أساسيًّا في استيعاب الزيادة في الطلب على التعليم الجامعي، مشيرًا إلى أهمية دور الجامعات الأهلية في تقديم تعليم متميز من خلال برامج تعليمية متطورة تلبي احتياجات سوق العمل المحلي والإقليمي والدولي. 

ووجه الوزير بضرورة تسويق الجامعات الأهلية لبرامجها الدراسية على المستوى الإقليمي؛ لجذب المزيد من الطلاب الوافدين، من خلال التعاون مع المكاتب الثقافية المصرية بالخارج، مشيرًا إلى الفكر الجديد الذي تم اتباعه في إنشاء الجامعات الأهلية الجديدة، واستثمار الموارد المتاحة بما يضمن الاستدامة، ويثبت قدرة الدولة على تنفيذ مشروعات قومية ناجحة. 

ووجه الدكتور أيمن عاشور بسرعة إعلان نتائج امتحانات الفصل الدراسي الثاني للعام الجامعي الحالي 2024/2025 عقب الانتهاء منها.

وأكد الدكتور أيمن عاشور أهمية توسع الجامعات الأهلية في تنفيذ خطط الأنشطة الرياضية والفنية والثقافية والاجتماعية، ودعم أصحاب المواهب الرياضية والفنية، خلال إجازة نهاية العام الدراسي الحالي، موجهًا بضرورة استغلال فترة الإجازة في إجراء أعمال الصيانة التي تتطلبها المعامل والمنشآت الجامعية.

وأوضح الوزير أن العلاقة بين الجامعات الحكومية والأهلية تقوم على التعاون والتكامل، موجهًا بضرورة تقديم تجربة تعليمية متطورة تشمل برامج دراسية بينية حديثة مواكبة لأحدث النظم التعليمية الدولية، مع وجود هيكل إداري جديد يضم نوابًا لرئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية، والعلاقات والشراكات الدولية، والابتكار وريادة الأعمال. 

واستعرض المجلس تقريرًا حول أبرز أنشطة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي خلال شهري أبريل ومايو، ومنها اجتماع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء مع الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث، لاستعراض جاهزية واستعدادات الجامعات الأهلية الجديدة وهي (جامعة السويس الأهلية، جامعة دمنهور الأهلية، جامعة القاهرة الأهلية، جامعة عين شمس الأهلية، جامعة سوهاج الأهلية، جامعة كفر الشيخ الأهلية، جامعة الوادي الجديد الأهلية، جامعة الفيوم الأهلية، جامعة طنطا الأهلية، جامعة الأقصر الأهلية، جامعة دمياط الأهلية، جامعة مدينة السادات الأهلية)، والتي ستبدأ الدراسة بها خلال العام الدراسي القادم 2025/2026. 

كما ترأس الدكتور أيمن عاشور اجتماع مجلس أمناء جامعة جنوب الوادي الأهلية. 

وترأس الدكتور أيمن عاشور اجتماع مجلس أمناء جامعة جنوب الإسكندرية الأهلية. 

كما ترأس الدكتور أيمن عاشور اجتماع مجلس أمناء جامعة الزقازيق الأهلية. 

وصرح الدكتور عادل عبدالغفار المستشار الإعلامي والمتحدث الرسمي للوزارة، أن المجلس وافق من حيث المبدأ على تغيير اسم جامعة جنوب الوادي الأهلية ليصبح قنا الأهلية، على أن يتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في هذا الشأن. 

وأضاف المتحدث الرسمي أن المجلس وافق على تشكيل لجنة عليا برئاسة وزير التعليم العالي والبحث العلمي وعضوية رؤساء الجامعات الحكومية ورؤساء الجامعات الأهلية المنبثقة عنها، على أن تُعقد اللجنة بشكل دوري؛ لتعزيز التعاون بين الجامعة الحكومية والجامعة الأهلية المنبثقة عنها. 

وأحيط المجلس علمًا بقرارات وزير التعليم العالي والبحث العلمي بشأن تشكيل اللجان المختصة بترشيح رئيس كل من الجامعات التالية (جامعة المنصورة الأهلية، جامعة أسيوط الأهلية، جامعة شرق بورسعيد الأهلية، جامعة جنوب الوادي الأهلية، جامعة الزقازيق الأهلية). 

كما أحيط المجلس علمًا بنظام الإعلان والتقدم والتسجيل للطلاب الجدد بالجامعات الأهلية.

طباعة شارك وزارة التعليم العالي البحث العلمي الجامعات الأهلية

مقالات مشابهة

  • مفوضية اللاجئين: 313 ألف لاجئ وصلوا إلى ليبيا من السودان منذ بداية الصراع  
  • مفوضية اللاجئين: 313 ألف لاجئ وصلوا إلى ليبيا من السودان منذ بداية الصراع
  • خبراء أميركيون: ترامب يحاول تدمير التعليم وجمع كل السلطات في يده
  • اللكمة التي أشعلت حرب ترامب على الجامعات الأميركية
  • إطلاق منصة لتوحيد القبول بالجامعات وجهات التعليم العالي
  • مساعد وزير التعليم: منصة قبول تهدف إلى توحيد إجراءات القبول في الجامعات.. فيديو
  • التعليم تُطلق منصة قبول الوطنية لتوحيد إجراءات القبول في الجامعات
  • بعد إنشاء 12 جامعة جديدة.. توجيه من وزير التعليم العالي لمجلس الجامعات الأهلية
  • «التعليم» تُطلق «منصة قبول» الوطنية لتوحيد إجراءات القبول في الجامعات والجهات التعليمية
  • التعليم العالي يعلن بدء الدراسة في 12 جامعة أهلية ضمن خطة التوسع 2025/2026