الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً للإعلام.. والتمكين الذاتي حاجة ملحّة
تاريخ النشر: 30th, May 2025 GMT
دبي: محمود محسن
أكد إعلاميون ومؤثرون مشاركون، ضمن فعاليات قمة الإعلام العربي، أنه في ظل الطفرة المتسارعة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ودوره في صناعة المحتوى الإعلامي، لم يعد السؤال المطروح اليوم هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإعلامي؟ بل أصبح كيف يمكن للإعلامي أن يتعايش مع هذا التطور، ويوظفه لمصلحته؟
حيث يرى بعضهم أن الذكاء الاصطناعي أصبح أداة فعالة يمكن أن تدعم العمل الإعلامي، وحذر آخرون من الاستخدام المفرط أو غير المنضبط لهذه الأدوات.
بين الإيجابيات والمخاوف، أضاءت «الخليج» على ملامح المشهد الإعلامي الجديد، واحتياجات كل إعلامي إلى تعلم كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي مساعداً، لا بديلاً.اللمسة البشرية
يقول الإعلامي رامي رضوان: «لا شك في أن للذكاء الاصطناعي دوراً متزايداً في مختلف القطاعات، والإعلام ليس استثناءً، التأثير قد يكون كبيراً، خصوصاً لمن لا يواكبون التطورات المتسارعة في هذا المجال، لكن حتى اللحظة، ما زلت أؤمن بأن اللمسة البشرية ومجهود الصحفي الحقيقي هما العنصر الأهم في صناعة المحتوى الإعلامي.
منذ مدة قصيرة، كنا نستبعد فكرة أن الذكاء الاصطناعي يمكنه تقديم البرامج أو الأخبار، إلا أننا شهدنا تجارب فعلية لروبوتات تقدم نشرات إخبارية على بعض القنوات، لكنها لم تحقق النجاح المتوقع، التجربة لم تستمر، وهذا يعكس أن التفاعل البشري لا يزال عنصراً جوهرياً في الإعلام.
وأضاف «الوضع تغير بسرعة خلال الأشهر القليلة الماضية فقط، ظهرت تقنيات مذهلة في إعادة تركيب الصوت، وصناعة محتوى يبدو بشرياً بدرجة كبيرة، ومع ذلك لا يمكنني الجزم بأنه سيحل محل الإعلاميين بالكامل، لكنه بلا شك سيأخذ مساحة أكبر خلال 5 إلى 15 عاماً القادمة».
أما في ما يخص إمكانية أن تضع الحكومات ضوابط تحمي الموظفين من استبدال بالذكاء الاصطناعي بهم، فإجابتي واضحة لا يمكن ذلك، أي محاولة لفرض قيود عليه بهدف حماية الوظائف التقليدية، ستكون محاولة للوقوف ضد حركة التطور الطبيعي. والحل ليس في المنع، بل في التطوير وعلينا أن نوجد لأنفسنا مكاناً داخل هذا التطور، ونستثمر الذكاء الاصطناعي في تطوير أدواتنا.
فيما يقول وليد الأصبحي: «الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً، لكنه صار واقعاً، والسؤال الآن كيف نستخدمه؟ في مهام صحفية وإعلامية، هو أداة ممتازة للمساعدة، يساعد على الصياغة، الترتيب، والتلخيص، وحتى الأفكار لكن المهم ألا نعتمد عليه بالكامل، الإعلام الحقيقي فيه روح ومشاعر، وصوت إنساني، وهذا ما لا يستطيع الذكاء الاصطناعي تقليده.
ما نكتبه من محتوى بإحساسنا يبقى مختلفاً وأقوى، في عصر مزدحم بالذكاء الاصطناعي، مهم جداً نستخدمه بإيجابية، مع احترام حقوق الملكية الفكرية، والتمييز بين ما هو بشري وما هو آلي.
أما المستشار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، المهندس أحمد جمال، فيقول: «من وجهة نظري وفي رأي الكثير من الخبراء، الذكاء الاصطناعي لن يحل محل الإنسان بالكامل، بل ما نشهده هو أن من سيتفوق في المستقبل، هو الإنسان القادر على التمكين الذاتي باستخدام أدواته. أؤكد أننا نعيش عصر الذكاء الاصطناعي، ويجب أن نبدأ برحلة تمكين أنفسنا من أدواته، أنا لا أدعو لأن نكون خبراء أو مطوري نماذج، ولكن يكفينا أن نفهم أنواعه، وكيفية توظيفها في مجالاتنا.
تماماً كما تعلمنا قيادة السيارة من دون الحاجة إلى معرفة كيف صنعت، علينا تعلم قيادة أدوات الذكاء الاصطناعي، تعلم كيفية استخدام نماذج مثل chat GPT، ومهارات هندسة الأوامر أو هندسة التلقين، وفهم كيفية طرح الأسئلة الصحيحة، واستكشاف المنصات المتخصصة في مجالاتنا سواء في الطب، الهندسة، القانون أو التعليم. وأضاف «نعمل حالياً على تطوير ما يعرف بوكلاء الذكاء الاصطناعي (AI Agents)، وهي نماذج ذكية تعمل على أجهزة المستخدم مباشرة دون الحاجة إلى الاتصال بالسحابة، يمكنه إدارة مهام مثل حجز تذاكر السفر، البحث عبر الإنترنت، تنفيذ عمليات شراء، بل ويصل الأمر إلى أن يكون وكيل تسويق، أو مستشاراً قانونياً، أو حتى وكيلاً داخل مؤسسة حكومية يساعد الموظفين بدلاً من استبدالهم».
وعن المخاطر المحتملة يقول المهندس أحمد إن المخاطر متعلقة بالنماذج السحابية المفتوحة، حيث لا توجد شفافية عن كيفية استخدام البيانات، وهذا يهدد الخصوصية خصوصاً عند استخدام النماذج في جهات حكومية أو أكاديمية، إضافة إلى الهلوسات الناتجة عن نماذج غير دقيقة أو غير معتمدة، والتي قد تؤدي إلى تقديم معلومات خطأ في مجالات حساسة مثل الطب أو الأبحاث، لهذا أنصح دائماً باستخدام نماذج تعمل محلياً.
أما مشرف الإعلام الرقمي، حاتم الشولي فيقول «الذكاء الاصطناعي اليوم قادر على إنجاز الجوانب الفنية من العمل الصحفي، مثل إنتاج الفيديو، وتوليد الصور والصوت، وتحليل تقارير البيانات الطويلة بسرعة وكفاءة لكنه رغم قوته، يبقى مساعداً لا بديلاً، الصحفي هو من يفهم السياق، ويدرك خلفيات القصة، ويقرأ ما وراء الخبر، السياق لم تدرب عليه الخوارزميات، ولا تدركه أدوات الذكاء الاصطناعي، خصوصاً في منطقتنا العربية التي تتميز بتعقيداتها السياسية والثقافية، المطلوب اليوم من الصحفي هو أن يتحلّى بالمرونة وقابلية التعلم، ويوظّف أدوات الذكاء الاصطناعي لتسريع العمل وتحسين النتائج، لا أن يخشاها.
وقال صانع المحتوى والمخرج عيسى الحبيب «الذكاء الاصطناعي غيّر المشهد الإبداعي، صار يسهل علينا خطوات كثيرة كانت تحتاج فريق كامل، من تحرير الفيديو إلى بناء القصة وإنتاج المحتوى، كل شيء أصبح أسرع وأسهل، ورغم الإيجابيات، إلا أن الجانب السلبي خطر، اليوم صار من الصعب تمييز المحتوى الحقيقي من المزيف. نحتاج إلى أن تطور المنصات آليات واضحة تساعد الناس على معرفة ما إذا كان المحتوى مصنوعاً بالذكاء الاصطناعي أم لا، إذا ما وضعت ضوابط واضحة، سنواجه فوضى رقمية وتشويشاً في الثقة بالمحتوى. مؤمن أن التكنولوجيا تخدمنا، لكن نحتاج وعياً وتشريعاً لتنظيمها».
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات الإعلام العربي الإمارات الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
أحمد الطيب: نعمل مع الفاتيكان لوثيقة أخلاقيات الذكاء الاصطناعي
ألقى فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، كلمة رئيسية، خلال الافتتاح الرسمي لقمة الإعلام العربي، أعرب فيها عن تقديره لفكر ورؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، والتي أثمرت عَقد القمة بما لها من قيمة بصفتها منصة مهمة للنقاش الفكري والإعلامي في عالمنا العربي والإسلامي.
وأكد فضيلته تقديره للموضوعات التي تتطرق إليها القمة حول الدور المحوري للإعلام العربي في مواجهة التحديات الأخلاقية الحديثة، في ظل عالم مفتوح يَموج بالطفرات والأزمات الإنسانية والأخلاقية المتلاحقة، معرباً عن أمنياته في أن يكون هذا اللقاء سبباً في الوصولِ إلى استراتيجية إعلام عربي مشترَك قابل للتطبيق، وقادر على التعبير عن واقع الأمة، وحماية شبابها من التحديات التي تواكب التقدم التكنولوجي الكبير.
وحذّر مما تروج له بعض المنصات الرقمية من شعارات أثرت بالسلب في الذوق العام والفطرة السليمة، واضطربت بسببها معايير الحُسن والقُبح، وموازين الخطأ والصواب.
وقال فضيلته: «لقد عانينا نحـــن -العرب والمسلمين- من رسائل وتقارير إعلامية لتشويه صورتنا في عقول الغربيين؛ بل في عقول العالم كُله، بعد ما ربطت بين الإسلام وبين العنف والتطرف، وظلم المرأة، وصَورته -زُوراً وبهتاناً- في صورة حركة اجتماعية أو أيديولوجية سياسية تدعو إلى العُنف والتعصب والكراهية والتمرد على النظام العالمي».
وأعرب فضيلة الإمام الأكبر، عن أسفه أن كثيراً من الصور المضلِّلة تسلَّل إلى المنطقة، وانعكست آثارها سلباً على الخطاب الإعلامي العربي، حيث انزلق البعض إلى تصدير ثقافة زائفة، تُعنى بنقد كل ما هو عربي المنشأ أو إسلامي الفكر والتوجه.
وقال: «ما زاد من جسامة التحديات الراهنة ومن خَلَل كبير في الاعتزاز بالهوية، ومن توسيع للفجوة بين وَعْينا المعاصر، وبين تُراثنا الذي كان بالأمسِ القريب من أقوى مصادر عِزنا وفخرنا وصمودنا في وجه العابثين بماضي هذه الأمة وبحاضرها».
وتطرّق فضيلته إلى الأوضاع التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والأزمة التي تواصلت فصولها على مدار تسعة عشر شهرا، وما يجب على الإعلام العربي حيالها من مسؤولية تاريخية لتوضيح للحقائق، وإبراز صمود الشعب الفلسطيني، والحفاظ على القضية الفلسطينية حاضرة في وجدان شعوب العالم شرقاً وغرباً.
وأضاف: «ننتظر الكثير من الجهود الإعلامية المكثفة لمواجهة الظاهرة المسمّاة بظاهرة «الإسلاموفوبيا»، والتصدي لآثارها السيئة في الشارع الغربي، على الرغم من أنها لا تَعْدو أنْ تكون وَهْماً أو خَيالاً صُنِعَتْ منه تهاويل لتشويه صورة الإسلام والحَطِّ من مبادئِه التي تقوم على السلام والعيْش المُشترك، وذلك على الرغم مِمّا نَعْلَمه من حقوق الإنسان والحيوان والنبات والجماد في شريعة الإسلام السمحاء».
وأشار فضيلة شيخ الأزهر الشريف في كلمته، إلى المحاولات الرامية إلى الطعن في ثوابت حضارة الشرق وأصول أخلاقياتها واجتماعها الإنساني والأسري، والدعوة إلى طَمْسِ معالم هذه الأخلاق التي تأسست -ولا تزال تتأسّس- عليها حضارات الشرق قاطبة، في مسعى هدفه تجفيف كل منابع القوة والاستقلال ومشاعر الاعتزاز بالشخصية العربية والإسلامية.
وقال فضيلته: «كل ذلك جدير بأن يضع في رقابنا جميعاً -وبخاصة الإعلاميين- أمانة التفكير الجادّ في كيفية التصدي لهذه الرياح المسمومة وإنقاذ شبابنا وأوطاننا مما تحمله من عوامل الاستلاب والفناء والذوبان».
وحول التقدم التكنولوجي الذي يشهده العالم حالياً، أكد فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، أن هذا التطور التقني، لاسيما في مجال الذكاء الاصطناعي، لابد أن يُحاط بسياج من المسؤولية الأخلاقية والضوابط المهنية، حتى لا ينقلب إلى وَحْش كاسر يُهدد الإنسانية بأَسرها، مشيراً إلى أن المسؤولية هُنا تَقع على عاتق الخبراء والمشرّعين، وعليهم وحدهم حراسة هذه التقنيات من الانحراف عن غاياتها النبيلة، انطلاقاً من مبادئ إنسانية بعيدة كل البعد عن أغراض الهيمنة والسيطرة والغزو الثقافي.
كما أشار فضيلته إلى ما بدأه مع البابا فرنسيس الراحل، من مشروع إصدار وثيقة جامعة حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وقال فضيلته: «قد قطعنا في إعدادها شوطاً طويلاً، وكانت على وَشْك الظهور لولا أن الأقدار شاءت -برحيل البابا- ترتيباً آخر، ونحن على تواصل مع الفاتيكان في عهدها الجديد لإتمام هذا المشروع، ونأمل أن يكون قريباً بمشيئته تعالى».
وحول ما يتعرض له الإعلام من ظروف ميدانية صعبة، قال فضيلته: «من واجب الوفاء أن أستحضر -معكم- مأساة زملائكم الصحفيين الفلسطينيين، وغيرهم ممن شاءت أقدراهم أن يدفعوا حياتهم ثمناً لشرف الكلمة وحرمة الحقيقة وتصوير الواقع، وقد استُشهد منهم ما يزيد على مئتي إعلامي على تراب غزة، وآخرون غيرهم ممن أصيبوا بجروح بالغة، أو ممن بُترت أَطرافهم، أو هُدّمت بيوتهم، أو فقدوا أسرهم، أو تشرّدت عائلاتهم».
واختتم فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، كلمته قائلاً: «أدعو كل من ينتسب إلى مهنة الإعلام النبيلة، أن يشارك في وضع استراتيجية إعلام عربي، تكون درعاً يحمي الحق، ويصون قيم الأمة ويحفظ هويتها، هذا؛ وإن الأزهر الشريف ليسعِده أن يكون معكم، وداعماً لكم في تحقيق هذا الواجب المقدس».