لجريدة عمان:
2025-06-03@04:06:46 GMT

مجلس التعاون .. نظرة على فكرة التأسيس

تاريخ النشر: 1st, June 2025 GMT

احتفل مجلس التعاون الخليجي الأسبوع الماضي بمناسبة مرور 44 عاما على تأسيسه، ذلك التأسيس الذي لم يكن سهلا على الإطلاق، فلم تكن ولادته صدفة، ولم تكن سهلة ميسرة، رغم أنها ولادة طبيعية جاءت نتيجة لما سبقها من أفكار وتحضيرات واستعدادات لاستقبال الوليد الجديد.

وعلى وقع جدلية أيهما يجلب الاستقرار: الأمن أم الاقتصاد، المال أم البندقية؟ تقاطعت الرؤى، وتلاقت الأفكار على إنشاء مجلس التعاون.

طرحت ثلاث رؤى: رؤية تقوم على التعاون الاقتصادي والسياسي، ورؤيتان تقومان على الأمن والدفاع. ولكن قبل هذا لم تأت هذا الأفكار في الأساس من فراغ ولا صدفة، أو كانت مجرد رغبة في إنشاء تجمع إقليمي بين الدول إذ كانت الأرضية مهيأة وجاهزة للبناء عليها؛ لما تمتاز به هذه المنطقة من التشابه، والتكوين، والتناغم في الكثير من المجالات. يتمثل ذلك في التماثل في الوضع الاقتصادي، والسياسي، والاجتماعي والترابط الأسري والقبلي، والامتداد الطبيعي والأنثروبولوجي، والروابط الدينية والثقافية، وسهولة التواصل والتنقل منذ الأزل بين أبناء هذه الدول، وبيئة صحراوية، وعادات وتقاليد مشتركة إضافة إلى العلاقات التاريخية الودية، والتعاضد والتكافل، وكذلك التشابه في الأنظمة والبنى السياسية.

إضافة إلى ذلك كان الهاجس الأمني والدفاعي هو المسيطر والدافع الرئيسي وإن غلبت فكرة التكامل الاقتصادي. وكان كذلك للصخب الإقليمي والدولي عاملاً آخر رسخ الفكرة وعجل بها. كل تلك الأفكار كانت تهدف إلى إنشاء شيء ما يجمع أبناء الدول العربية المطلة على الخليج العربي؛ اتحاد أو مجلس أو منظمة، فليكن ما يكون.

لذلك كانت فكرة إنشاء مجلس أو منظمة تربط أبناء هذه الدول. وفكرة إنشاء تجمع إقليمي كانت فكرة سابقة ومبكرة جدا رغم أنها لم تتبلور كمشروع إلا في أوقات لاحقة، وربما استدعتها الظروف أكثر. فحسب المصادر أن الفكرة الأولى لإنشاء تجمع إقليمي تولدت من عُمان، وكان في وقت باكر جدا. وكان السلطان قابوس - طيب الله ثراه - يشغله الهاجس الأمني والعسكري وأمن دول المنطقة، ويعود ذلك إلى تكوينه العسكري الأمني، نستشف ذلك من حديثه لإحدى الصحف بأن عُمان منذ عام ١٩٧٤ كانت تدعو إلى إيجاد تجمع لدول الخليج العربية. وكان السلطان يولي أهمية قصوى لفكرة مجلس التعاون الخليجي - الأمن الجماعي الخليجي - معتقدا أن هذا هو الخطر الذي يهدد الدول؛ لذلك وجب القيام بجهود منسقة لدرء هذا الخطر، والوقاية منه. فالدور الأمني لمجلس التعاون الخليجي دور رئيسي وأساسي بالنسبة لعمان؛ لذلك وجدت الفكرة لإنشاء التجمع الإقليمي، ومهدت الأرضية لظهور أفكار أخرى في هذا الشأن. وكانت الفكرة خلال هذه الفترة تلوح في أفق المنطقة ليأتي مايو عام ١٩٧٦ ويقدم أمير دولة الكويت فكرة إنشاء وحدة خليجية؛ بهدف تعزيز التعاون وتوثيق الروابط بين شعوب المنطقة، قدمها أثناء زيارة لدولة الإمارات العربية المتحدة، ولقائه مع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. حظي المقترح بالدعم والتأييد من الجميع. يتمثل المقترح الكويتي في التركيز على الجوانب الاقتصادية والثقافية والسياسية، وقد بني في الأساس على مقترح لأمير البحرين الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة يتمثل في إقامة منظمة إقليمية تضم دول الخليج العربية تحت مظلة واحدة، وهو المقترح الذي أحاله أمير الكويت الراحل جابر الأحمد إلى جامعة الكويت؛ لبلورته وصياغته كمشروع لإنشاء المجلس.

وفي أكتوبر عام ١٩٧٦ عاد السلطان قابوس بن سعيد ودعا إلى اجتماع في مسقط حضره وزراء خارجية دول الخليج، وحضره العراق وإيران، قدم خلاله السلطان قابوس فكرة إنشاء قوة بحرية مشتركة للدفاع عن مضيق هرمز؛ بوصفه الشريان الحيوي في المنطقة. ركز المقترح على إعطاء الأولوية للأمن والتعاون العسكري؛ بوصفهما ركيزة الاستقرار لدول المنطقة. وفي عام ١٩٧٨ تقدمت المملكة العربية السعودية بمقترح آخر يتضمن إنشاء منظمة خليجية تهدف إلى توحيد مصادر السلاح لدول الخليج، وإقامة تعاون بين قوات الأمن الداخلي في الدول المعنية لضمان الاستقرار والأمن الداخلي، بعيدا عن الأحلاف العسكرية مع القوى الأجنبية.

وكان للظروف الدولية والإقليمية التي أحاطت بالمنطقة دور مهم في التعجيل بفكرة الإنشاء، وتمثل ذلك في قيام الثورة الإيرانية في ١٩٧٩، والتحول الديناميكي في الوضع بشكل عام، والتوجس والقلق الذي تولد لدى قادة الدول الخليجية من شعارات الثورة، وخصوصا شعار تصديرها. وكذلك انفجار الوضع بقيام الحرب العراقية الإيرانية في عام ١٩٨١، وقبلها اتفاقية السلام التي وقعتها مصر مع (إسرائيل)، والغزو السوفييتي لأفغانستان، والحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي وأمريكا.

وفي نفس السياق صرح عبدالله يعقوب بشارة أول أمين عام للمجلس بأن فكرة إنشاء المجلس جاءت «من استياء تولد لدى قادة دول الخليج من الأساليب غير المعتادة وغير الأخلاقية التي اتّبعتها بعض العواصم لتأمين الموافقة الخليجية على البرنامج الذي وضعته بغداد ضد مصر، إضافة إلى نجاح الثورة الإيرانية وما رافقها من صوت ثوري شعاراتي موجه ضد دول الخليج، وانفجار الحرب العراقية الإيرانية في سبتمبر عام ١٩٨٠، والوضع المتوتر بين سلطنة عُمان واليمن الجنوبي، والتبدلات التي شهدتها الساحة الدولية على إثر غزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان، والتهديد الذي رافقه لاستقرار باكستان». كل تلك الأجواء والظروف دفعت بالفكرة إلى مرحلة متقدمة جدا، وقد تبلورت تلك الأفكار في مشاريع ثلاثة قدمت لقادة دول المجلس أثناء انعقاد القمة العربية في عمّان في نوفمبر ١٩٨٠. وفي القمة الإسلامية في الطائف في كانون الثاني ١٩٨١ اجتمع قادة الخليج لمناقشة ثلاثة مشاريع: عماني وكويتي وسعودي، وتم خلال الاجتماع الاتفاق على إنشاء تكتل اقتصادي سياسي بين الدول.

وكان الاتفاق على إنشاء المجلس هو سنام العمل الدؤوب وذروة الاجتهاد الذي أطلقه القادة، وتم الإعلان عن إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية في ٢٥ مايو ١٩٨١ في القمة الخليجية الأولى التي عقدت في مدينة أبوظبي. وقد هدف منذ تأسيسه إلى تحقيق التعاون بين دوله وتنمية علاقاتها، والتنسيق والتكامل والترابط، وتعميق وتوثيق الروابط والصلات بين شعوبها في مختلف المجالات. وإنشاء المشاريع المشتركة، ووضع أنظمة متماثلة في جميع المجالات.

ورغم أن الصيغة التي تم التوافق عليها هي التجمع والتكامل الاقتصادي - كما نستشف ذلك من الأهداف المجلس -؛ لكن بقي الهاجس الأمني والعسكري هو العامل الذي يلوح في الآفاق، ويخيم على المنطقة، وبقيت نظرة الدفاع المشترك حاضرة في أروقة المجلس؛ فقد تكلل ذلك بإنشاء قوة درع الجزيرة المشتركة في عام ١٩٨٢، ليأتي عام ١٩٩٠ عام الغزو العراقي للكويت، وتشترك هذه القوة في تحرير الكويت.

ولو ألقينا نظرة على الأهداف الرئيسية التي قام عليها المجلس وسعى إلى ترسيخها منذ إنشائه في مايو من عام ١٩٨١، وتساءلنا: هل استطاع المجلس بعد كل هذه السنوات (أربعة عقود) أن يحقق تلك الأهداف؟ بلا شك هناك بعض العثرات والإخفاقات، ولكن لا يمكن إلا أن نقول: إن للمجلس بعض الإنجازات التي تتناغم مع أهدافه، وتتمثل في التكامل الاقتصادي في بعض الجوانب، وإن بشكل هيكلي مؤسساتي، ومن ثمرة ذلك سوق خليجية مشتركة، واتحاد جمركي، وضريبة جمركية موحدة، وإجراءات متشابهة، ومنظومة تشريعية موحدة، وتحقيق جزء من المواطنة الخليجية المتمثلة في العديد من القرارات التي تساوي بين أبناء دول المجلس، والانتقال بالهوية الشخصية. ورغم بعض العثرات والإخفاقات والأزمات السياسية التي عصفت بالمجلس، ورغم الأماني الكبار المعولة عليه؛ إلا أن صمود المجلس ووقوفه في وجه الكثير من العواصف التي كادت أن تطيح به يعتبر إنجازا يحسب له. وطالما وجدت الرغبات الصادقة والمتجددة لدى أبناء دول المجلس والقادة؛ فإن المسيرة سوف تستمر، وتتجدد الأماني والطموحات.

بدر الشيدي كاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مجلس التعاون لدول الخلیج فکرة إنشاء دول الخلیج

إقرأ أيضاً:

الإمارات تشارك في اجتماع لجنة التعاون المالي والاقتصادي بدول مجلس التعاون

الكويت (الاتحاد)
شاركت الإمارات في الاجتماع الـ 123 للجنة التعاون المالي والاقتصادي بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي انعقد اليوم في دولة الكويت، بحضور أصحاب المعالي وزراء المالية في دول المجلس، وترأس وفد الدولة معالي محمد بن هادي الحسيني، وزير دولة للشؤون المالية، وضم الوفد خالد علي البستاني المدير العام للهيئة الاتحادية للضرائب، وعلي عبد الله شرفي، وكيل الوزارة المساعد لشؤون العلاقات المالية الدولية بالإنابة، إلى جانب عدد من المختصين من وزارة المالية والهيئة الاتحادية للضرائب، والهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ.
محاور الاجتماع
وناقش الاجتماع عدداً من الملفات ذات الأولوية لتعزيز مسار التعاون المالي والاقتصادي الخليجي، وتم اتخاذ القرارات المناسبة بشأنها، ومنها نتائج الاجتماع (84) للجنة محافظي البنوك المركزية بدول المجلس، ونتائج اجتماعات هيئة الاتحاد الجمركي، ونتائج الاجتماع (14) للجنة رؤساء ومدراء الإدارات الضريبية بدول المجلس، إلى جانب مستجدات السوق الخليجية المشتركة وتوصيات الفعالية المشتركة التي تم عقدها بين وزارة المالية بدولة الإمارات والأمانة العامة لمجلس التعاون على هامش القمة العالمية للحكومات التي عقدت في فبراير 2025.
كما تم استعراض التقدم المنجز في برنامج تحقيق الوحدة الاقتصادية الخليجية بحلول عام 2025، ومتابعة التنسيق الخليجي في الفعاليات الاقتصادية العالمية، وبرنامج تحقيق الوحدة الاقتصادية بين دول المجلس، بالإضافة إلى عرض مرئي حول إحصائيات السوق الخليجية المشتركة قدمه المركز الإحصائي الخليجي.
تسريع التكامل
وأكد معالي محمد بن هادي الحسيني أن تعزيز العمل الخليجي المشترك في المجالات المالية والاقتصادية يشكل أولوية استراتيجية لدولة الإمارات، خاصة في ظل التحديات المتسارعة التي يشهدها الاقتصاد العالمي.
 وشدد على أن استكمال متطلبات السوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي يعد ضرورة لتعزيز كفاءة الأداء الاقتصادي في دول المجلس، ورفع قدرتها التنافسية إقليمياً ودولياً.وأشار معاليه إلى أن المرحلة المقبلة تتطلب تسريع وتيرة التكامل المؤسسي والعمل على مواءمة السياسات المالية والضريبية والجمركية بما يحقق الانسجام والتكامل بين اقتصادات دول المجلس، مؤكداً أن دولة الإمارات مستمرة في دعم كل الجهود والمبادرات التي تسهم في إرساء اقتصاد خليجي موحد، وتوفير بيئة جاذبة ومحفزة للاستثمار والتجارة.
واختتم معاليه بالتأكيد على أهمية تكثيف التعاون وتبادل الخبرات بين الدول الأعضاء، واستثمار الفرص المتاحة من خلال المشاريع الخليجية المشتركة، بما يضمن تحقيق النمو المستدام والازدهار الاقتصادي لمواطني دول المجلس، وتعزيز حضورها كمجموعة اقتصادية مؤثرة في المشهد العالمي.
تبادل الرؤى شكل الاجتماع منصة مهمة لتبادل الرؤى حول الأولويات المالية والاقتصادية للمرحلة المقبلة، وتعزيز جاهزية دول المجلس للتعامل مع المستجدات الإقليمية والدولية، إلى جانب دعم الخطط التنفيذية ذات العلاقة بالتكامل الاقتصادي، بما يرسخ مكانة مجلس التعاون على مستوى العالم.

أخبار ذات صلة مسؤولون تايلانديون: قفزة في الاستثمارات الإماراتية في تايلاند 92.67 % نسبة مؤشر ثقافة الاستدامة بين موظفي «كهرباء ومياه دبي»

مقالات مشابهة

  • شرطة دبي تحتفي بذكرى التأسيس من مقرها الأول
  • الخليج يواجه الإغراق التجاري برسوم تصل إلى 83% ويطالب باحترام سيادة الكويت
  • “الوزاري الخليجي” يدين إنشاء وكالة لتهجير الفلسطينيين ويؤكد أهمية إنهاء حصار غزة
  • التعاون الخليجي يدعو العراق إلى احترام الكويت وترسيم الحدود البحرية
  • عُمان تشارك في مناقشة مستجدات تداعيات رفع الرسوم الجمركية الأمريكية على دول الخليج
  • سلطنة عُمان تشارك في اجتماع للجنة التعاون المالي والاقتصادي بدول مجلس التعاون بالكويت
  • وزير المالية يرأس وفد المملكة المُشارك في اجتماع لجنة التعاون المالي والاقتصادي لدول الخليج بالكويت
  • الإمارات تشارك في اجتماع لجنة التعاون المالي والاقتصادي بدول مجلس التعاون
  • الشراكة الاستراتيجية بين الصين وآسيان ودول الخليج