غزة ما بين “حجار داود” و”ركاب جدعون”
تاريخ النشر: 2nd, June 2025 GMT
في قلب المأساة، حيث تتقاطع النيران مع الصمت الدولي، وتعلو صرخات الأطفال فوق ركام البيوت، تقف غزة مجددًا في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية. وبينما تطلق إسرائيل على عدوانها الأخير اسم “ركاب جدعون”، أطلقت المقاومة الفلسطينية في غزة اسم “حجار داود” على عملية الرد. ليست مجرد تسميات عسكرية، بل معركة رموز ومعانٍ تعكس جوهر الصراع القائم منذ عقود.
بين التاريخ والواقع: مواجهة متجددة
“ركاب جدعون” هو اسم مستمد من سرديات توراتية، يُرمز فيه إلى القائد جدعون الذي خاض حروبًا باسم “الشعب المختار”. تستخدمه إسرائيل اليوم لتغليف عدوانها بلغة دينية مغموسة بالعنف والتفوق. في المقابل، جاء اسم “حجار داود” استحضارًا لقصة النبي داود في مواجهته الشهيرة مع جالوت، بسلاح بدائي وقلب ثابت. وبين جدعون وداود، تكتب غزة حكايتها الحديثة؛ حكاية من يواجه طاغوت العصر بحجر، وصاروخ محلي الصنع، وإرادة لا تلين.
هذه ليست مجرد حرب بين قوتين غير متكافئتين، بل معركة بين مشروع استعماري يسعى لتكريس نفسه بالقوة، وشعب أعزل يقاتل من أجل حقه في الحياة والحرية والكرامة.
العملية الإسرائيلية: نار لا تفرّق
منذ بدء عملية “ركاب جدعون”، تواصل إسرائيل تنفيذ حملة قصف شرسة على قطاع غزة، استهدفت كل شيء: المنازل، المساجد، المستشفيات، المدارس، وحتى مراكز الإيواء. تُبرَّر هذه الهجمات بما يسمى “الردع الاستباقي”، بينما المشهد الحقيقي يظهر شعبًا يُذبح تحت أنقاض بيته، ويُهجّر من أرضه مرة بعد أخرى.
المجازر اليومية ليست ناتجة عن خطأ أو خلل، بل هي جزء من عقيدة عسكرية تتعامل مع الفلسطيني كتهديد وجودي. لقد تحولت غزة في العقل الإسرائيلي من مجرد جغرافيا إلى “مشكلة أمنية” يجب التخلص منها، مهما كانت الكلفة البشرية.
الرد المقاوم: إرادة لا تُقهر
رغم الحصار، والقصف، والدمار، خرجت المقاومة الفلسطينية لتعلن بدء عملية “حجار داود”. وقد شكّل ذلك مفاجأة استراتيجية لإسرائيل، حيث كشفت المقاومة عن جاهزية عالية، وقدرة على المناورة والرد، وفرضت معادلات جديدة في الميدان.
لم تكن “حجار داود” مجرد رد فعل، بل إعلانًا صريحًا بأن المقاومة قادرة على الدفاع عن شعبها، وعلى التصعيد حين يلزم. الرسالة الأهم: أن الغطرسة العسكرية لن تمر دون ثمن، وأن الشعب الذي يُذبح نهارًا، يمكنه أن يفاجئ العالم ليلًا بقوته وثباته.
المعركة ليست فقط في الميدان
ما بين “حجار داود” و”ركاب جدعون”، هناك معركة أخرى تُخاض بالتوازي: معركة الرواية. الإعلام الغربي، كعادته، يختزل الصراع في عناوين سطحية: “تبادل إطلاق نار”، “صراع معقّد”، أو “دفاع إسرائيلي”. يُحجَب السياق، وتُطمَس الحقيقة، وتُغسل يد الجلاد.
لكن أمام هذه الهيمنة الإعلامية، ظهرت أصوات حرّة – عربية وعالمية – تنقل الحقيقة كما هي: غزة ليست عدوًا، بل ضحية مقاومة. الأطفال الذين يُقتلون ليسوا أضرارًا جانبية، بل أجسادًا شاهدة على جريمة مستمرة.
عار الصمت العربي
في الوقت الذي تنهمر فيه الصواريخ على غزة، تلتزم أنظمة عربية الصمت، بل وتفتح لبعض المعتدين أبواب التطبيع. لم تعد الخيانة تهمس في الظل، بل تعلن عن نفسها على الملأ، بتبريرات باردة ومواقف مخزية. وكأن غزة لا تعنيهم، وكأن أطفالها لا يشبهون أبناءهم.
لكن في المقابل، شعوب هذه الأمة – رغم القهر – لا تزال تنبض بالحياة. خرجت التظاهرات، ارتفعت الأصوات، وامتلأت الشوارع بالرايات والدموع. لا تزال فلسطين تعني شيئًا حقيقيًا في وجدان الأحرار، وستبقى.
غزة تُلخّص الصراع
غزة ليست مجرد جغرافيا ضيقة على الخريطة، إنها البوصلة الأخلاقية للعالم. إما أن تكون مع الحق أو مع القتل. لا حياد في هذه اللحظة. من يصمت على الظلم، يشارك فيه، ومن يبرر الإبادة، يسقط من إنسانيته.
“حجار داود” ليست فقط اسم عملية، بل إعلان عن ولادة زمن جديد في المقاومة الفلسطينية. زمن يُصنع من بين الأنقاض، وتُكتب فيه معادلات الردع بحروف الدم، لا باتفاقات القهر. زمنٌ تقول فيه غزة: أنا هنا، أقاتل، وأصمد، وأصوغ من وجعي مستقبلًا حرًّا رغم الألم.
وفي الخاتمة: بين الحجر والدبابة
في النهاية، ما بين “حجار داود” و”ركاب جدعون”، تنتصر الروح على الآلة، والحقيقة على الدعاية، والحق على القوة. ستبقى غزة رمزًا للشرف الإنساني، وستبقى مقاومتها عنوانًا لعصر لا يزال يرفض الخنوع.
ولن تنتهي القصة هنا… فكل قصف يولّد مقاومة جديدة، وكل شهيد يخلّف ألف مقاتل، وكل دم يُسفك يكتب صفحة أخرى في سفر الحرية الفلسطيني.
الشروق الجزائرية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه غزة المقاومة غزة الاحتلال المقاومة عربات جدعون قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد صحافة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تسحب قوات من غزة بالتزامن مع انتهاء عربات جدعون
قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي اليوم الخميس إن الجيش قرر سحب الفرقة 98 من قطاع غزة بالتزامن مع انتهاء عملية "عربات جدعون" العسكرية التي بدأها في مايو/أيار الماضي وتكبد خلالها عشرات القتلى من ضباط وجنود.
وأضافت الإذاعة أن هذه الفرقة أنهت مهامها القتالية في شمال القطاع وبدأت الاستعداد للانسحاب.
وتابعت أن الجيش قلص عدد قواته خلال الأيام الماضية بعد سحب لواء المظليين والكوماندوز والمدرعات.
وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن 4 فرق عسكرية لا تزال تتمركز في القطاع، مشيرة إلى أن فرقتين منها فقط تنفذان مهام قتالية في شمال قطاع غزة وفي مدينة خان يونس (جنوب)، في حين تقوم الفرقتان الأخريان بدور دفاعي.
وأوضحت أن رئيس الأركان إيال زامير قرر تقليص عدد قوات الاحتياط في كل الجبهات بنسبة 30%.
ونقلت عن مصادر أن قوات الجيش الإسرائيلي في غزة تتمركز في مناطق سيطرت عليها وتنتظر قراراتِ المستوى السياسي.
ويأتي الحديث عن انتهاء عملية عربات جدعون بعد أن فشلت في تحقيق تحول في المواجهة مع المقاومة الفلسطينية التي ردت بعملية "حجارة داود".
وخلال يونيو/حزيران ويوليو/تموز، تكبد الجيش الإسرائيلي ما لا يقل عن 40 قتيلا، وشهدت هذه الفترة عمليات نوعية للمقاومة في خان يونس وبيت حانون المناطق الشرقية لمدينة غزة ومنها حي الشجاعية.
في غضون ذلك، نقلت القناة 12 عن قائد القيادة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي قوله إن الحرب التي تخوضها إسرائيل في غزة طويلة وصعبة ومرهقة لكنها ضرورية، مضيفا أن الجيش لن يتوقف حتى يحقق هدفي إعادة المحتجزين وهزيمة حركة حماس.
تغيير الإستراتيجية
وتعليقا على تقارير سحب الجيش الإسرائيلي قوات من غزة، قال الخبير العسكري اللبناني العميد الركن المتقاعد إلياس حنّا إن إسرائيل تبدّل إستراتيجياتها وتغيّر القوات داخل القطاع، “لكن المردود في النهاية هو نفسه”، على حد تعبيره.
إعلانوأوضح حنّا، في حديث للجزيرة نت، أن إسرائيل انتقلت من إستراتيجية سابقة إلى ما سمي عربات جدعون، وهي عملية قال رئيس الأركان الإسرائيلي إنها جاءت لتحقيق أهداف معينة، أبرزها قتل عدد كبير من القيادات في غزة.
وأشار الخبير العسكري إلى أن الفرقة 98 تم استنزافها بشكل كبير، وقد يكون لذلك عدة أسباب، أولها إراحتها تمهيدا لإعادتها إلى عملية جديدة قد تستهدف تطويق مدينة غزة، وعزل وسط القطاع، ثم بدء عملية استنزاف طويلة، بحسب ما صرح به رئيس الأركان إيال زامير.
وقال حنا إن "الوحدات الخاصة لا تعمل في العادة إلا في إطار عمليات خاصة، أما الآن فهي تقاتل كأنها قوات مشاة عادية، وهذا سبب تذمّراً كبيرا داخل هذه الوحدات، لأن تجهيزها وتدريبها ومهامها مختلفة تماماً".
ولفت إلى أن هناك 5 فرق عسكرية إسرائيلية مرتبطة بالعمليات في قطاع غزة، "لكن ليس بالضرورة أن تكون جميعها تعمل داخل القطاع، لأن المساحة صغيرة جدا"، موضحا أن العمليات عادة ما تنفذ ضمن ما يعرف بـ"تاسك فورس"، أي قوات مهام مشتركة تضم دبابات ومشاة ووحدات خاصة وهندسة وغيرها.
وختم العميد الركن المتقاعد إلياس حنّا بالإشارة إلى أن هذا التحول قد يرتبط أيضا بحل سياسي يتم التحضير له له بعد زيارة المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف (الذي وصل اليوم إلى إسرائيل)، مشيرا إلى إلى إمكانية الدخول في مرحلة جديدة من العمليات أو المفاوضات.