عربي21:
2025-06-03@18:55:37 GMT

غزة ما بين “حجار داود” و”ركاب جدعون”

تاريخ النشر: 2nd, June 2025 GMT

في قلب المأساة، حيث تتقاطع النيران مع الصمت الدولي، وتعلو صرخات الأطفال فوق ركام البيوت، تقف غزة مجددًا في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية. وبينما تطلق إسرائيل على عدوانها الأخير اسم “ركاب جدعون”، أطلقت المقاومة الفلسطينية في غزة اسم “حجار داود” على عملية الرد. ليست مجرد تسميات عسكرية، بل معركة رموز ومعانٍ تعكس جوهر الصراع القائم منذ عقود.



بين التاريخ والواقع: مواجهة متجددة
“ركاب جدعون” هو اسم مستمد من سرديات توراتية، يُرمز فيه إلى القائد جدعون الذي خاض حروبًا باسم “الشعب المختار”. تستخدمه إسرائيل اليوم لتغليف عدوانها بلغة دينية مغموسة بالعنف والتفوق. في المقابل، جاء اسم “حجار داود” استحضارًا لقصة النبي داود في مواجهته الشهيرة مع جالوت، بسلاح بدائي وقلب ثابت. وبين جدعون وداود، تكتب غزة حكايتها الحديثة؛ حكاية من يواجه طاغوت العصر بحجر، وصاروخ محلي الصنع، وإرادة لا تلين.

هذه ليست مجرد حرب بين قوتين غير متكافئتين، بل معركة بين مشروع استعماري يسعى لتكريس نفسه بالقوة، وشعب أعزل يقاتل من أجل حقه في الحياة والحرية والكرامة.

العملية الإسرائيلية: نار لا تفرّق
منذ بدء عملية “ركاب جدعون”، تواصل إسرائيل تنفيذ حملة قصف شرسة على قطاع غزة، استهدفت كل شيء: المنازل، المساجد، المستشفيات، المدارس، وحتى مراكز الإيواء. تُبرَّر هذه الهجمات بما يسمى “الردع الاستباقي”، بينما المشهد الحقيقي يظهر شعبًا يُذبح تحت أنقاض بيته، ويُهجّر من أرضه مرة بعد أخرى.

المجازر اليومية ليست ناتجة عن خطأ أو خلل، بل هي جزء من عقيدة عسكرية تتعامل مع الفلسطيني كتهديد وجودي. لقد تحولت غزة في العقل الإسرائيلي من مجرد جغرافيا إلى “مشكلة أمنية” يجب التخلص منها، مهما كانت الكلفة البشرية.

الرد المقاوم: إرادة لا تُقهر
رغم الحصار، والقصف، والدمار، خرجت المقاومة الفلسطينية لتعلن بدء عملية “حجار داود”. وقد شكّل ذلك مفاجأة استراتيجية لإسرائيل، حيث كشفت المقاومة عن جاهزية عالية، وقدرة على المناورة والرد، وفرضت معادلات جديدة في الميدان.

لم تكن “حجار داود” مجرد رد فعل، بل إعلانًا صريحًا بأن المقاومة قادرة على الدفاع عن شعبها، وعلى التصعيد حين يلزم. الرسالة الأهم: أن الغطرسة العسكرية لن تمر دون ثمن، وأن الشعب الذي يُذبح نهارًا، يمكنه أن يفاجئ العالم ليلًا بقوته وثباته.

المعركة ليست فقط في الميدان
ما بين “حجار داود” و”ركاب جدعون”، هناك معركة أخرى تُخاض بالتوازي: معركة الرواية. الإعلام الغربي، كعادته، يختزل الصراع في عناوين سطحية: “تبادل إطلاق نار”، “صراع معقّد”، أو “دفاع إسرائيلي”. يُحجَب السياق، وتُطمَس الحقيقة، وتُغسل يد الجلاد.

لكن أمام هذه الهيمنة الإعلامية، ظهرت أصوات حرّة – عربية وعالمية – تنقل الحقيقة كما هي: غزة ليست عدوًا، بل ضحية مقاومة. الأطفال الذين يُقتلون ليسوا أضرارًا جانبية، بل أجسادًا شاهدة على جريمة مستمرة.

عار الصمت العربي
في الوقت الذي تنهمر فيه الصواريخ على غزة، تلتزم أنظمة عربية الصمت، بل وتفتح لبعض المعتدين أبواب التطبيع. لم تعد الخيانة تهمس في الظل، بل تعلن عن نفسها على الملأ، بتبريرات باردة ومواقف مخزية. وكأن غزة لا تعنيهم، وكأن أطفالها لا يشبهون أبناءهم.

لكن في المقابل، شعوب هذه الأمة – رغم القهر – لا تزال تنبض بالحياة. خرجت التظاهرات، ارتفعت الأصوات، وامتلأت الشوارع بالرايات والدموع. لا تزال فلسطين تعني شيئًا حقيقيًا في وجدان الأحرار، وستبقى.

غزة تُلخّص الصراع
غزة ليست مجرد جغرافيا ضيقة على الخريطة، إنها البوصلة الأخلاقية للعالم. إما أن تكون مع الحق أو مع القتل. لا حياد في هذه اللحظة. من يصمت على الظلم، يشارك فيه، ومن يبرر الإبادة، يسقط من إنسانيته.

“حجار داود” ليست فقط اسم عملية، بل إعلان عن ولادة زمن جديد في المقاومة الفلسطينية. زمن يُصنع من بين الأنقاض، وتُكتب فيه معادلات الردع بحروف الدم، لا باتفاقات القهر. زمنٌ تقول فيه غزة: أنا هنا، أقاتل، وأصمد، وأصوغ من وجعي مستقبلًا حرًّا رغم الألم.

وفي الخاتمة: بين الحجر والدبابة
في النهاية، ما بين “حجار داود” و”ركاب جدعون”، تنتصر الروح على الآلة، والحقيقة على الدعاية، والحق على القوة. ستبقى غزة رمزًا للشرف الإنساني، وستبقى مقاومتها عنوانًا لعصر لا يزال يرفض الخنوع.
ولن تنتهي القصة هنا… فكل قصف يولّد مقاومة جديدة، وكل شهيد يخلّف ألف مقاتل، وكل دم يُسفك يكتب صفحة أخرى في سفر الحرية الفلسطيني.

الشروق الجزائرية

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه غزة المقاومة غزة الاحتلال المقاومة عربات جدعون قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد صحافة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

ولاية الجزيرة .. أسرار وأخبار ليست للنشر !!

■ المسافة من شارع النيل بمدني إلي قري جنوب الجزيرة محتشدة بالصور والمشاهد التي تحكي عن مختصر قصة الذي حدث ويحدث في مدني الآن .. وقبل تاريخ السقوط الحزين !!

■ عشت مدة 3 أشهر داخل مدينة مدني .. تجولت وجلست في عدة مواقع داخل مدني .. بالصدق كله كان يخالجني شعور لم أستطع التهرب من تبعاته .. ( نفّست) عن هواجسي هذه بالبوح للصديقين العزيزين طلال إسماعيل ومجدي العجب .. قلت لهما: أشتم رائحة خيانة ستقود إلي سقوط هذه المدينة في يد عصابات الجنجويد !!

■ داخل نادي الجزيرة وعلي كباية شاي بدعوة من مجدي العجب نقلت له ملاحظتي .. عدد كبير من صحفيين وإعلاميين وسياسيين داعمين لمليشيا التمرد يتجمعون يومياً داخل نادي الجزيرة .. وفي قصر الثقافة المقابل له كانوا ينظمون دورات تدريبية وأخري متخصصة بدعم ورعاية وتمويل من منظمات دولية مشبوهة .. ومما يؤسف له أن قيادة الولاية في تلك الأيام كانت علي صلة بهذه المجموعة ترعاها وتوفر لها السكن والإعاشة من داخل دواوين حكومة ولاية الجزيرة !!

■ داخل سوق مدني الكبير .. وبلا حياء رفع طبيب شاب يعمل بمستشفي مدني عقيرته بأنه يقف وراء التقارير الدورية لمنظمات خارجية عن تدهور الأوضاع الأمنية داخل مدني .. فوجئ الطبيب الشاب بأن من بين من يحدثهم صحفي داعم للجيش .. كانت جلسة نقاش ساخنة إنتهت بإعتذار من الطبيب الشاب لشخصي بأنه لم يقصد مايقول !!

■ من شارع النيل وتحديداً من مطعم حوش السمك مررت بعدة مواقع جلست فيها كثيراً وزاد يقيني بأن مكروهاً ما سيصيب مدني ..

■ حملني واجب العزاء في وفاة الأخ العزيز بدرالدين البشري إلي زيارة قرية شلعوها الخوالدة لمواساة أسرته المكلومة .. وفي الطريق إلي قبر بدرالدين مررت بمنطقة كبري البوليس حيث تم دفن جثث مئات من عصابات المليشيا الذين قتلوا في هذا الموقع الذي شهد نهاية المعركة الفاصلة لتحرير مدني .. هنا عادت الحياة إلي هذه المحطة التي تنقل المسافرين والعائدين إلي المناقل وعدد من قري جنوب الجزيرة ..

■ المينا البري .. الكريبة مهلة . الطلحة .. كبري بيكا .. المدينة عرب .. حسين الخوالدة .. ود البر .. الجبيلية .. عوفينا .. ودرعية .. ربجيت .. ود مكنون ..ثم العودة مرة أخري إلي مدني عبر هذه القري والأماكن الوادعة .. هنا تعافي الناس من جراح الأبدان .. وعادوا سريعاً إلي مباشرة حياتهم البسيطة .. رفيقي إلي رحلة العزاء والذي كان يقود العربة وهو من أبناء مدني .. قال إن أخطر تحول تاريخي في حياة إنسان الجزيرة أنه أُجبِر علي حمل السلاح .. وأنه لن يكون بعد اليوم لقمة سائغة في أيدي من يفكرون مجرد تفكير في الإعتداء عليه ..

■ قبل مغيب شمس ذلك اليوم تجولت داخل سوق مدني .. ذات الأماكن التي إرتدتها من قبل .. إشتريت خاتماً .. مسبحة .. عطر .. جلست بطرف قهوة إرتشفت فنجاناً بصحبة صديق ثرثار قطع علي تأملاتي في حركة وتجوال البائعين والتجار .. الركشات .. التكاتك .. الحمير .. محلات الموبايل ..

■ عند مكتبة الصفا جوار مستشفي مدني صافحت صديقي صاحب المكتبة وزملائه الذين عادوا إلي ذات المكان .. من هنا اقتنيت وقرأت أجمل كتب وروايات الروائي الأردني أيمن العتوم .. يسمعون حسيسها .. أنا يوسف .. ياصاحبي السجن .. حديث الجنود .. ذائقة الموت ..وهنا أيضاً اقتنيت روائع دوستوفيسكي .. الجريمة والعقاب .. الإخوة كارامازوف .. الليالي البيضاء.. الشياطين .. الأبله ..

■ مساحة المكتبة صغيرة مكاناً لكنها متسعة بالمعاني والروائع التي تغطي علي عشوائية سوق مدني وضوضاء أصواته المزعجة والغريبة .. قبل أن أغادر المكتبة أعطاني صاحبها نسخة قديمة من رواية ستة لأيمن العتوم وهو كاتب أنصح محبي القراءة العميقة بمتابعته ..

■ عدت إلي مقر سكني ودواخلي أكثر إطمئناناً أن ولاية الجزيرة عامة ومدينة ود مدني خاصة قد نفت حتي الآن خبثها شريطة أن يتم التعامل الحاسم مع أخطر وأهم قضية تعيشها ولاية الجزيرة حالياً .. علمت من شخصية رفيعة بمدني أنه تم القبض علي آلاف المتعاونين مع مليشيا التمرد من بينهم أطباء وطلبة جامعات وتجار وموظفون بالدولة وجنود سابقون بالمؤسسات الأمنية والعسكرية وسياسيون وكوادر تنظيمات حزبية وفئات أخري من قطاعات المجتمع .. ومن بين هؤلاء من سجّل إعترافات قضائية بالتعاون مع مليشيا التمرد ..

■ من جهته حدّثنا والي الجزيرة بأن العدد الكلي للمتعاونين المقبوض عليهم أكثر من أربعة ألف متعاوناً يتم التعامل معهم وفق القانون وتمكينهم من الحصول علي كافة حقوقهم القانونية ..

■ قبل أيام صدرت أحكام بإعدام عدد ممن ثبت تعاونهم مع مليشيا التمرد بولاية الجزيرة ..

يُضاف هذا العدد إلي أكثر من خمسة ألف من المحكوم عليهم بالإعدام في كافة أرجاء البلاد .. وهو عدد سيزيد بسبب تعطيل مجلس السيادة بالسودان لقرار إعادة المحكمة الدستورية لمباشرة مهامها .. وتلك قضية أخري سنعود إليها بعد ختام مشاهداتنا بولاية الجزيرة !!

عبد الماجد عبد الحميد

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • غزة بين عربات جدعون وحجارة داود: معركة الرمز والمرجعية
  • بيان توضيحي من الوزير السابق هيكتور حجار.. هذا ما جاء فيه
  • مغردون: سيناريو عربات جدعون في رفح يتكرر في الشمال
  • ليست حماس فقط.. إسرائيل تستهدف الجميع
  • انقلاب ميكروباص وإصابة 7 ركاب أعلى الطريق الأوسطي
  • عربات جدعون.. كيف تحولت لخطة اقتلاع غزة من جذورها بأوامر الإخلاء؟
  • عاجل. عبوات ناسفة تتسبب في انهيار جسرين على قطاريْ ركاب وبضائع غرب روسيا وسقوط قتلى وجرحى
  • عمليات حجارة داود سلسلة كمائن لكتائب القسام
  • ولاية الجزيرة .. أسرار وأخبار ليست للنشر !!