بقلم : الحقوقية انوار داود الخفاجي ..

في شوارع بغداد والبصرة والناصرية وإقليم كردستان، لم يعد من الغريب أن ترى رجل الأمن يلوّح بهراوته أو يطلق قنابله الصوتية والغازية في وجه شاب أعزل لا يحمل سوى لافتة مكتوبة بخط يده، أو ربما صوت مبحوح يطالب بماء وكهرباء وتعيين ورواتب . المشهد الذي بات مألوفاً، لا يجب أن يُقبَل، لأن ما هو مألوف ليس بالضرورة ما هو صائب.


أن يضرب رجل الأمن المتظاهرين، فذلك ليس مجرد تجاوز فردي ، كما تُحب بعض التصريحات الرسمية أن تصفه. بل هو سلوكٌ متجذّر في عقلية أمنية تشبعت بثقافة القمع لا الخدمة، بثقافة السيطرة لا الحماية. رجل الأمن الذي يُفترض أن يكون حامي الشعب تحوّل، في مشاهد كثيرة، إلى أداة لكتم الصوت، وربما في بعض الحالات، إلى قاتل لا يُسأل عمّا يفعل.

من أين أتت هذه التصرفات؟ من أين أتى الضرب والتعذيب والخطف وحتى القتل بدم بارد؟ الجواب ليس بسيطاً، لكنه واضح. إنها نتيجة تراكم سنوات من الفساد والمحاصصة والطائفية التي أنتجت نظاماً سياسياً يخشى أي صوت حر. فبدلاً من أن يُربّى رجل الأمن على مبادئ القانون وحقوق الإنسان، يُدرّب في أجواء الخوف والطاعة العمياء. يُقال له المتظاهر عدو ، ويُعطى الضوء الأخضر لضربه، كأنه لا يضرب مواطناً مثله، بل عدواً للدولة.

المسؤول عن ذلك ليس فقط الشرطي الذي يحمل الهراوة، بل من أرسله، ومن أصدر الأمر، ومن صمت عن المحاسبة. المسؤول هو النظام السياسي بكل مفاصله و من بيده القرار الأمني والسياسي. الجميع شريك في هذه الجريمة، بالصمت أو بالتواطؤ أو بالتحريض.
كيف يدافع المواطن عن نفسه إذن؟ هل هو أمام رجل أمن أم أمام نظام قمعي؟ الحقيقة أن رجل الأمن، في كثير من الأحيان، لم يعد يمثل القانون، بل أصبح واجهة لنظام لا يؤمن بالحقوق. والدفاع هنا لا يكون بالسلاح أو العنف، بل بالوعي، بالإعلام، بالقانون إن وُجد وبالموقف الشعبي المتماسك. المتظاهر ليس وحده، بل هو صدى لمطالب شعب بأكمله، والصدى إذا تكرر يتحول إلى موجة لا يمكن قمعها إلى الأبد.
ما يجري في العراق ليس شأناً أمنياً، بل معركة وعي وكرامة بين جيل يريد ابسط مقومات الحياة، ونظام يريد الصمت والجمود والخضوع. وبين الاثنين، يتوجب علينا أن نختار: هل نقف مع العصا أم مع الصوت؟ مع من يكمم الأفواه أم من يفتح العيون؟

ختاما الشارع العراقي قال كلمته مراراً، لكن من في السلطة يضع يديه على أذنيه. فمتى يُحاسب القامع لا المقموع؟ ومتى نرى في رجل الأمن صورة المواطن، لا سوط الجلاد؟

انوار داود الخفاجي

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات رجل الأمن

إقرأ أيضاً:

الأولمبي العراقي يتدرب في البصرة استعداداً للبحرين

الأولمبي العراقي يتدرب في البصرة استعداداً للبحرين

مقالات مشابهة

  • الأولمبي العراقي يتدرب في البصرة استعداداً للبحرين
  • مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية: مظاهرة الإخوان أمام سفارة مصر موقف مشين وأمر مضحك للغاية
  • الانتقالي يعتبر مقتل مواطن في تريم تصعيد خطير ويحمل السلطة المحلية وجماعة الهضبة المسؤولية
  • عماد قناوي: آن الأوان لتسعير عادل يحمي السوق والمستهلك معًا
  • مقتل مواطن في تريم حضرموت والشرطة تصرح: ''حدث ذلك عن طريق الخطأ''
  • رئيس شعبة المستوردين: «آن الأوان لتسعير عادل» يحمي السوق والمستهلك معًا
  • الأمن العراقي يفكك شبكة عابرة للحدود ويضبط بحوزتها كمية كبيرة من المخدرات
  • حضرموت.. مقتل مواطن في تريم برصاص الأمن خلال احتجاجات
  • أمام الكاميرا.. فيديو لسائح برتغالي يتعرض للسرقة في سوريا
  • محافظ بورسعيد يهنئ مدير الأمن الجديد ويؤكد استمرار التعاون لخدمة المواطن