الجزيرة نت تدخل أزقة اللاجئين الأفارقة جنوب تل أبيب
تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT
القدس المحتلة – بدت الأحياء القديمة جنوب تل أبيب، مدينة أشباح يخيم عليها صمت قاتل، وهو ما يعكس حالة التوتر والمستقبل المبهم الذي تعيشه المنطقة عقب الصدامات بين الشرطة الإسرائيلية وآلاف من اللاجئين الأفارقة من أصول إريترية.
وعقب الاشتباكات، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نيته ترحيل المهاجرين الأفارقة، وقال نتنياهو -خلال اجتماع مع لجنة وزارية معنية بشؤون الهجرة أمس الأحد- إنه "تم تجاوز الخط الأحمر.
ويبلغ عدد اللاجئين الأفارقة في إسرائيل 50 ألفا، بعد أن استقروا في الفترة (2006 – 2012)، حسب بيانات مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، وذلك قبل أن تقوم ببناء جدار على طول حدودها مع مصر لمنع "تسلل طالبي اللجوء والعمال المهاجرين من أفريقيا".
وقدرت إحصاءات وزارة الداخلية الإسرائيلية أن حوالي 120 ألف لاجئ من أفريقيا دخلوا البلاد في العقدين الأخيرين، حيث تم ترحيل أكثر من نصفهم بعد رفض طلبات اللجوء وإجبارهم على قبول الهجرة الطوعية مقابل 3500 دولار والانتقال لبلد ثالث أو السجن، بينما تم منح إقامة مؤقتة لمن تبقى، تتجدد كل 3 أشهر.
وسط جنوب تل أبيب، بدت الطرقات -على غير العادة- شبه خالية سواء من اللاجئين الأفارقة، أو من تبقى من اليهود بالمكان وباتوا أقلية.
فقد تحولت المنطقة، السبت، إلى ساحة حرب خلفت 171 جريحا في صفوف اللاجئين الإريتريين بينهم 16 في حالة خطيرة جدا، أصيبوا بالرصاص الحي للشرطة التي اعتقلت 40 لاجئا.
ما حصل في جنوب تل أبيب لم يفاجئ كثيرا من الإسرائيليين، الذين يرون أن المنطقة تحولت إلى مستنقع للعنف والجريمة يتم تجميع اللاجئين الأفارقة فيها.
وأشار معهد "دراسة الأمن الشخصي والمرونة المجتمعية" التابع للكلية الأكاديمية، إلى إن جنوب تل أبيب يتصدر المخالفات الجنائية ومعدلات العنف والجريمة بواقع 7% من إجمالي الجرائم في البلدات الإسرائيلية.
وعلى وقع الصدامات والموجهات، انطلقت ومرافقي سائق سيارة الأجرة، إلى حيث يتجمع آلاف اللاجئين الأفارقة في الساحة الخلفية لعاصمة إسرائيل التجارية والاقتصادية.
ووسط الحالة الضبابية التي تغلف مصير اللاجئين الأفارقة بعد صدامات السبت، طلبت من مرافقي أن يخفف السرعة لتوثيق المشاهد التي غلب عليها التوتر وحالة الغليان التي تخفيها جدران المنازل التي يقطنها اللاجئون، وغالبيتهم من أصول إريترية وسودانية وإثيوبية.
طالبني السائق بتوخي الحذر وإخفاء الكاميرا ونصحني بعدم النزول من السيارة، قائلا إن اللاجئين الأفارقة "يخشون الكاميرات ولا يهابون سلاح الشرطة الإسرائيلية، هم يسيطرون على جنوب تل أبيب وكأنهم أصحاب السيادة".
وأضاف "المنطقة شهدت صدامات لم تعهدها بالسابق تل أبيب، وهو ما أدخل الخوف والرعب في قلوب سكانها اليهود".
كسرت حاجز الخوف وترجلت من السيارة، وحاولت تبادل أطراف الحديث مع بعض طالبي اللجوء من إريتريا، الذين التزموا الصمت وسارعوا للاختفاء عن الأنظار وعدم الاكتراث لسؤالي: "كيف وضعكم بعد المواجهات والصدامات؟".
اتجهت إلى مقهى صغير وقديم، فسمعت صوتا عاليا "احذروا؛ إنه صحفي.."، بعضهم تنحى جانبا عن الطريق وقدحت عيناه شررا، في نظرة بعثت من خلالها رسائل متعددة، تلخص السياسات العنصرية والتمييزية التي تنتهجها ضدهم حكومات إسرائيل المتعاقبة منذ عقدين، حيث حطت بهم مسِيرة التشريد في البلاد بعد أن دخلوها عبر شبه جزيرة سيناء.
اقتربت من محطة للحافلات، حيث جاش في داخلي شعور بالطمأنينة حين رأيت امرأة سودانية مع أطفالها، وعائلة أخرى من أصول إريترية.
تبادلت أطراف الحديث مع العائلتين خلال دقائق انتظار الحافلة للعودة للمنزل المستأجر الذي لا تتعدى مساحته 80 مترا ويقطنه 15 من اللاجئين.
سردت أمل (اسم مستعار) من إقليم دارفور للجزيرة نت تجربتها في البلاد الممتدة إلى 15 عاما، قائلة إن "جنوب تل أبيب هجره غالبية اليهود بعد أن تحولت المنطقة إلى مخيم كبير للاجئين".
تعيش أمل مع زوجها وأطفالها الأربعة بلا امتيازات ولا حقوق، وبظروف اجتماعية واقتصادية مزرية، وفقر مدقع عمقته الإقامة المؤقتة التي تمهد للترحيل القسري.
وقالت إنها تعرفت على زوجها في جنوب تل أبيب، حيث يحرم أولادهما من الإقامة الدائمة، حسب ما ينص عليه القانون الإسرائيلي.
استمعت بهدوء لحديث أمل وزوجها أحمد (اسم مستعار) الذي تحدث عن استغلاله في العمل، حيث يعمل 16 ساعة لكسب لقمة عيشه، وكثيرا ما كان يتم استغلاله وطرده من العمل دون تقاضي مستحقاته.
تفرض السلطات الإسرائيلية عليه وعلى غيره من طالبي اللجوء الأفارقة، ضريبة دخل تصل إلى 20% من قيمة المعاش الشهري الذي لا يتعدى ألف دولار، بينما تحرم العائلات من الخدمات الاجتماعية والصحية، وتخصص المدارس في جنوب تل أبيب صفوفها الخالية من الطلبة الإسرائيليين لصالح الطلاب من اللاجئين الأفارقة.
وتصنف السلطات في إسرائيل الكثير من طالبي اللجوء أنهم "مهاجرون اقتصاديون" ولا يتم قبول طلبات اللجوء إلا في حالات نادرة، قائلة إنها ليست ملزمة قانونا باستضافتهم، على الرغم من القوانين الدولية.
على جانبي الشارع الرئيسي المتجه لمحطة الحافلات المركزية القديمة كانت المنطقة هادئة، فلا يعكر هذا الصمت سوى هدير محركات بعض المركبات والحافلات العامة والدرجات النارية لبعض الفضوليين الذين كسروا حاجز الخوف وقدموا إلى جنوب تل أبيب، لتفقد حجم الخسائر والأضرار التي سارعت البلدية بإزالتها لتظهر وكأن الحياة في جنوب تل أبيب عادت إلى طبيعتها.
لكن في شارع "ياد هحروتسيم" المتفرع من المحطة المركزية القديمة والمتجه نحو شارع "ألينبي"، بدت الأضرار واضحة على العديد من المحال التجارية، فضلا عن القاعة التي استضافت الفعالية التي نظمتها سفارة إريتريا في تل أبيب بمناسبة ذكرى بداية "الكفاح المسلح" ضد الحكومة الإثيوبية.
تحولت هذه الفعالية إلى الشرارة التي أشعلت التباين في نظام بلادهم، حيث فجرت غضب آلاف طالبي اللجوء الإريتريين الذي اعتبروا الفعالية ترويجا لنظام حكم الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، علما بأن نحو 18 ألف لاجئ من أصول إريترية يقيمون بإسرائيل إضافة إلى 32 ألف لاجئ من السودان ودارفور وإثيوبيا.
وتوافد إلى الموقع مئات من معارضي الحكومة الإريترية للحيلولة دون تنظيم الحدث، واندلعت اشتباكات وأعمال شغب بين المؤيدين والمعارضين، قبل أن تتدخل قوات الأمن التي عدّت التجمع مظاهرة غير مرخص لها، وأمرت بإخلاء الشارع.
قبل أن أغادر مدخل أحد الأزقة وأصل إلى موقف السيارات المؤدي إلى شارع "همسجير"، حيث كان السائق بانتظاري، فاجئني لاجئ يستقل دراجة هوائية وقد اعترض الطريق، ويبدو أنه كان يرصد تحركاتي.
سألني بنبرة غضب وبلغة عبرية ركيكة "ماذا صورت؟، أرني الصور.. احذفها". شرحت له أنني التقطت صورا عامة وليست صورا لأشخاص. لم يقتنع بالصور التي عرضتها عليه عبر شاشة الكاميرا، وظل مصرا على طلبه.
لكن ما هي إلا لحظات، حتى تجمهر من حولي عشرات اللاجئين الأفارقة، غالبيتهم يجيدون اللغة العربية، حيث خرجوا من منازلهم التي تحصنوا بها خشية من تداعيات الصدامات والاعتقالات، منهم من اعتدى علي جسديا، وبعضهم حاول تحطيم الكاميرا وإتلاف عدستها.
استمر هذا السجال المصحوب بالاعتداء أيضا قرابة 20 دقيقة، حيث اخترق الحشود من حولي لاجئا يتحدث العبرية بطلاقة، قائلا "إنك تخاطر، كيف لك الدخول والتجوال هنا بين اللاجئين، فهذه منطقة نفوذهم ولا يدخلها أحد غريب".
طلب مني حذف الصور، وأجبته بأنني سأقوم بذلك لكنهم يواصلون الاعتداء علي ويمنعونني من ذلك. فرقهم وأبعدهم عني وحذفت مجلد الصور من الكاميرا، وبعد أن تأكدوا من ذلك أخلوا سبيلي.
وكنت قد وافقت على حذفها بلا تردد لأنني كنت متأكدا بأنه سأقوم باسترجاعها من الشريحة الذكية للكاميرا، وهو ما حصل فعلا.
في نهاية المطاف، عدت إلى مرافقي الذي كان يرقب ما حصل عن بعد، قائلا "لقد حذرتك.. هنا دولة داخل دولة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: اللاجئین الأفارقة طالبی اللجوء الأفارقة فی من اللاجئین ألف لاجئ من بعد أن
إقرأ أيضاً:
مفوضية اللاجئين: أزمة السودان وصلت نقطة اللاعودة مع تضاعف أعداد اللاجئين بتشاد
وجهت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تحذيراً بشأن حالة الطوارئ الإنسانية المتفاقمة في شرق تشاد، حيث تضاعف عدد اللاجئين السودانيين الواصلين إلى البلاد لأكثر من ثلاث مرات، وخلال ما يربو قليلاً عن عامين من الصراع الدامي.
التغيير ـــ وكالات
منذ أبريل 2023، عبر أكثر من 844,000 لاجئ سوداني إلى تشاد. وقبل هذه الأزمة الأخيرة، كانت تشاد تستضيف نحو 409,000 لاجئ سوداني فروا من موجات سابقة من النزاع في إقليم دارفور بين عامي 2003 و2023. وعلى مدى عامين ونيّف، شهدت البلاد ارتفاع عدد هؤلاء اللاجئين إلى أكثر من 1.2 مليون شخص، وهو ما يتجاوز بكثير العدد الذي استقبلته البلاد خلال العقدين السابقين، ويشكل ضغطاً تصعب التعامل معه من حيث قدرة تشاد على الاستجابة.
بدأ التدفق الأخير إلى تشاد في أواخر أبريل 2025، وذلك في أعقاب الهجمات العنيفة التي شنتها الجماعات المسلحة في شمال دارفور في مطلع الشهر نفسه. وأسفرت تلك الهجمات على مخيمات النازحين، بما في ذلك مواقع الاستضافة في زمزم وأبو شوك ومدينة الفاشر، عن مقتل أكثر من 300 مدني ودفعت بعشرات الآلاف إلى البحث عن مكان آمن. وخلال مدة تربو على الشهر من الزمن، وصل 68,556 لاجئاً إلى مقاطعتي وادي فيرا وإنيدي إست في تشاد، حيث بلغ متوسط عدد من يعبرون الحدود يومياً 1,400 شخص في الأيام القليلة الماضية. يضطر هؤلاء المدنيون للفرار في حالة من الذعر، والكثيرون منهم يتنقلون وسط إطلاق النار، وعبر نقاط التفتيش المسلحة ويتعرضون للابتزاز والقيود المشددة التي تفرضها الجماعات المسلحة.
وقد أجرت فرق الحماية التابعة للمفوضية مقابلات مع 6,810 من اللاجئين الواصلين حديثاً منذ أواخر أبريل، وكشفت عن روايات مروّعة عن العنف والفقدان. وأبلغ عدد مذهل بلغ 72 بالمائة عن وقوع انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك العنف الجسدي، والانتهاكات الجنسية، والاحتجاز التعسفي والتجنيد القسري، فيما قال 60 بالمائة منهم بأنهم قد انفصلوا عن أفراد أسرهم.
وإلى جانب حالة النزوح الطارئة، هناك أزمة هائلة تتكشف فصولها وتطال الأطفال.
وصلت نسبة الأطفال في سن الدراسة وأولئك المحرومين من الالتحاق بالمدارس حالياً إلى 66 بالمائة، وهناك 30 طفلاً وصلوا مصابين بجروح خطيرة.
ومن بين المتضررين، هناك الطفلة حواء البالغة من العمر سبع سنوات، والتي كانت قد فرّت إلى تشاد مع شقيقتها الكبرى بعد أن فقدت والدتها ووالدها وشقيقيها في قصفٍ على مخيم زمزم. وأثناء الهجوم، تعرّضت حواء لإصابات بالغة، واستلزم الأمر بتر إحدى ساقيها. قصتها ليست سوى واحدةٍ من بين قصصٍ لا حصر لها تعكس الخسائر الجسدية والنفسية المدمرة للحرب المستعرة على المدنيين في السودان. لقب باتت الحاجة ملحة لتوسيع نطاق توفير الرعاية الصحية ودعم الصحة النفسية لمعالجة المعاناة المباشرة، وإرساء أسس التعافي والمصالحة.
وعلى الرغم من الجهود التي يبذلها الشركاء في المجال الإنساني والسلطات المحلية، ما زالت الاستجابة لحالات الطوارئ تعاني من نقص خطير في التمويل. كما أن ظروف الإيواء مزرية بنفس القدر، حيث لم تُلبى سوى نسبة لا تتجاوز 14بالمائة من الاحتياجات الحالية، مما يترك عشرات الآلاف عرضةً لعوامل الطقس القاسية وانعدام الأمن. يحصل اللاجئون حالياً على 5 لترات فقط من المياه للشخص الواحد يومياً، أي أقل بكثير من المعيار الدولي الذي يتراوح بين 15 و20 لتراً للاحتياجات اليومية الأساسية. ويجبر هذا النقص الحاد العائلات على اتخاذ قرارات صعبةٍ تعرض صحتهم وكرامتهم للخطر. وبالإضافة إلى ذلك، ما زال نحو 290,000 لاجئ عالقين على الحدود، تحت رحمة العوامل الجوية وانعدام الأمن وخطر التعرض لمزيد من العنف.
كما تشدد المفوضية على الحاجة الملحة لإقرار المجتمع الدولي بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي يشهدها السودان، والعمل على القضاء عليها. فالعنف في مدينة الفاشر وما حولها، وانتشار نقاط التفتيش، والقيود التي تفرضها الجماعات المسلحة على التنقل، تجعل حركة المدنيين محفوفة بالمخاطر بشكل متزايد، وتؤدي لزيادة المخاطر التي يتعرض لها أولئك الذين ما زالوا يحاولون الفرار.
في إطار الاستجابة الإقليمية للاجئين في السودان، تسعى المفوضية وشركاؤها في تشاد بشكل عاجل للحصول على 553.7 مليون دولار أمريكي لتلبية الاحتياجات الإغاثية للاجئين الفارين من السودان إلى شرق تشاد، بما في ذلك توفير خدمات الحماية والمأوى والغذاء والمياه والصرف الصحي.
لقد اضطر أربعة ملايين شخص حتى الآن للفرار من السودان إلى الدول المجاورة منذ بداية الحرب، والتي دخلت عامها الثالث، وهو ما يمثل منعطفاً مأساوياً في أزمة النزوح الأكثر ضراوةً في العالم. وفي حال استمر النزاع، فسوف يواصل آلاف الأشخاص الآخرين الفرار، مما يعرض الاستقرار الإقليمي والعالمي للخطر.
تعتبر حالة الطوارئ في السودان أزمة إنسانيةٍ وأمانٍ وطفولةٍ. إنّ حياة ومستقبل الملايين من المدنيين الأبرياء، بمن فيهم الأطفال مثل حواء، على المحك. ومن دون زيادة كبيرة في التمويل، لا يمكن تقديم المساعدات الإغاثية بالحجم والسرعة المطلوبَين.
الوسومأزمة إنسانية الأطفال السودانيين في تشاد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حالة الطوارئ الإنسانية