لهذه الأسباب.. يرفض مزارعو النجد عقود الانتفاع
تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT
د. عبدالله باحجاج
تركزت عملية بحثنا عن الأسباب في بنود عقود الانتفاع نفسها، انطلاقًا من المبدأ القانوني الشهير "العقدُ شريعة المتعاقدين" فلا يمكن أن يلتزم المُزارع بالتزامات قانونية الّا وهو يعلم أنه سينفذها، وإلّا تترتب عليه مُساءلة قانونية وتداعيات كبيرة، وكان الهاجس المُسيطر على عملية البحث في مواد العقود، يدور حول معرفة طبيعة المواد التي يُبنى عليها الرفض المُطلق، والرفض المطلق قد أصدرته الجمعية الزراعية بظفار، بعد نقاشات مستفيضة مع المُزارعين، وخرجوا بموقف جماعي يتمسكون فيه بخيار التمليك عوضًا عن الانتفاع.
فكيف تُركت التطورات لتصل الآن إلى موقفين مُتعارضين، رغم وجود قنوات للحوار بين الأطراف، تتمثل هنا في الجمعية الزراعية بظفار ومكتب تطوير منطقة النجد الزراعية؟
قضية الزراعة في النجد لم تعد محل خلافات، كما كانت منذ بضعة سنوات، وقد تجاوزت أسوأ سيناريوهاتها عندما كادت الجرافات تُدمِّر المزارع، لولا اندلاع أزمة كورونا فجأةً، ولن نجد مسؤولًا مُهمًا أياً كان موقعه إلّا ويقدِّر أهمية الزراعة في النجد، ودور المزارعين المواطنين في المساهمة في الأمن الغذائي؛ مما يجعلنا نضع علامات تعجب كبيرة من بعض مواد عقود الانتفاع التي تضع شروطًا واشتراطات قاسية، تُفقِد المزارعين عنصر الاستقرار والأمان النفسي، وتعامِلَهُم كمستثمرين "جُدد" وبآجال زمنية قصيرة، لا يمكن لأي شخص أن يبني عليها قرارات استراتيجية باطمئنان؛ بل إن بعض المواد تجعل مستقبل المزارعين مجهولًا، وتحت طائلة السلطة الإدارية المطلقة، علمًا بأن أغلبهم مزارعون عاديون، يشتغلون فيها مع أبنائهم لسد احتياجاتهم ورفع مستوى دخلهم، ويجتهدون كثيرًا في رفد أسواقنا المحلية بالفواكه والخضراوات المختلفة، ومن أهم هذه المواد المثيرة للجدل:
- مدة العقد سنتان قابلة للتجديد. فهل هذه الفترة تصنع الاستقرار والأمان؟
- القيمة المالية لعقد الانتفاع 50 ريالًا للفدان حتى 100 فدانٍ، وعقبها تُصبح قيمة ما زاد عن المئة فدان 5 ريالات للفدان، وهذه التسعيرة لن تخدم مزارعي النجد من المواطنين، وإنما الشركات الزراعية الاستثمارية؛ فعندما نأخذ شركة تمتلك أكثر من 2000 فدان، فإننا سنجدها تدفع للفدان قرابة 6 ريالات، وكلما زاد عدد أفدنتها انخفضت الرسوم عليها. أما المواطن المزارع، فسيدفع 5 آلاف ريال سنويًا على 100 فدان، ومنذ يناير بداية كل سنة جديدة! أي مُقدمًا، ولن يتمكنوا من الوفاء بالاستحقاقين المالي والزمني، ولو وقَّعوا على العقد، فسيُدخِلون أنفسهم في مساءلة قانونية وسحب أراضيهم.
- يحق للجهة الحكومية المُشرِفة على هذا الملف مُراجعة مقابل حق الانتفاع كل 5 سنوات، ويحق لها زيادته بنسبة 6%، وهنا حالة جنوح نفعي تنسى أو تتناسى أنها تتعامل مع مواطن مزارع، وليس شركة استثمارية، مع صاحب الأرض يترزق منها مع مجموعة أبنائه.
- غرامة تأخير بواقع 6% سنويًا من إجمالي المبالغ المتأخرة عن مقابل الانتفاع السنوي.
- سداد كافة الرسوم والضرائب الى الجهات الحكومية المختصة عن كافة الأعمال والأنشطة التجارية والأرباح وغير ذلك المعمول بها حاليًا أو تلك التي سيُعمل بها لاحقًا ما لم يحصل على إعفاء من الجهات الحكومية المخولة لذلك، وبذلك هم يحملون المزارعين على التوقيع لمستقبل مجهول، فكيف يوقعون العقود على بياض؟
- تشغيل المواطنين العمانيين في المشروع وفق مقتضيات العقد.
- يُلغى كل ما يُخالف هذا العقد من عقود سابقة مُبرمة بين الطرفين لذات الغرض محل العقد. وهنا مُحاولة لإلغاء التوجيهات السامية للسلطان الراحل قابوس بن سعيد، التي كانت تدعم المزارعين، وكانت سببًا في إدخال التيار الكهربائي للكثير من المزارع وشق الطرق إليها.. وهنا إشارة واضحة إلى إلغاء أعمال اللجنة الوزارية بشأن الحيازات النجدية، والخطابات المتبادلة بين الجهات ذات العلاقة بشأن الإعفاء من مقابل حق الانتفاع للمدد المحددة لنوع المزروعات.
فهل تلكم البنود تشجع المواطن المزارع على توقيع عقود الانتفاع؟ إنها تجرده من كامل حقوقه التي اكتسبها منذ 1983، وتمنحه صفة المستثمر الجديد، وتحمله أعباءً مالية فوق طاقته، وتتجاهل الحقائق الثابتة التالية:
- طبيعة وخصائص الزراعة في صحراء الربع الخالي؛ حيث البرد الشديد والحر الشديد والرياح الشديدة، والجراد العابر والجراد المقيم، والآفات التقليدية المتجددة التي تستنزف الأموال لمكافحتها.
- الخسارة تكتنف المخاوف في كل المواسم للعوامل سالفة الذكر.
- ارتفاع أسعار المُدخَلات الزراعية.
- ارتفاع أسعار فاتورة الكهرباء.
- الدورة الاقتصادية للزراعة في النجد؛ إذ أوجدت مجموعة مصالح لشريحة كبيرة من المواطنين، فهناك باعة لمُدخَلات زراعية، وسائقون، ومسوِّقون، ومستهلكون.. إلخ.
- عدم التفرقة بين مَزارع المواطنين ومزارع الشركات الاستثمارية الكبيرة.
- لم تأتِ العقود لتسوية قضايا زراعية ذات ثقل اجتماعي ومتجذرة تاريخيًا.
من الواضح أن الجهات الحكومية المختصة بهذا الملف لم تستشر حتى الجمعية الزراعية بظفار، لذلك لم نتفاجأ بإجماع رفض العقود، وتمسكهم بالبُعد التاريخي لمزارعهم في قلب الصحراء؛ فتاريخهم هناك يرجع إلى بداية الثمانينيات من القرن الماضي عندما أكملوا مسيرة آبائهم وأجدادهم الذين حفروا الآبار يدويًا في الصحراء، ووضعوا بصماتٍ زراعية فيها، توارثها الأبناء بدافعية استكمال المسيرة وبشعور المغامرة، قياسًا على إمكانياتهم المالية المتواضعة، وقياسًا على صحراء الربع الخالي ذات المناخ الصعب والرمال المتحركة، وبُعدها عن الأسواق كثيرًا، وكانوا سببًا في انكشاف إمكانيات النجد الزراعية للشركات الكبيرة، وقدموا للسوق العماني اكتفاءً ذاتيًا في الكثير من الفواكه والخضراوات، والآن يؤسسون تاريخًا في إنتاج القمح.
من هنا.. فإنَّ أي عقود بين المزارعين والجهات الحكومية ينبغي أن تراعي الواقع والتاريخ من جهة، وتفرِّق بين مزارع المواطنين ومزارع الشركات الاستثمارية الكبيرة، بحيث يُفترض أن تكون العقود تنظيمية ومساعِدة على استمرارية نجاح مبادراتهم الزراعية. وآخر ما ينبغي التفكير فيه هو الرسوم؛ فكل مُزارع عُماني يُثبِت وجوده في الصحراء ينبغي أن تُفتح له كامل التسهيلات والتشجيع؛ لأن الأهداف الاستراتيجية من ذلك أعظم، وتتجسد في تقليص الفجوة في الأمن الغذائي وزيادة الدخل على المستوى الوطني، خاصةً وأن الزراعة في النجد قد فتحت مصادر رزق كثيرة مباشرة وغير مباشرة، والكل يعلم المخاوف من مستقبل نقص الغذاء، ويعلمون كذلك الحتمية الوطنية المتعددة في الإنتاج المحلي والاستقرار الاجتماعي.
إنهم يعلمون كذلك أن ثمة حاجة وطنية في الحفاظ على فئة المزارعين الصغار، لدواعي عدم احتكار شركات الاستثمار الزراعية للأسعار، والتخفيف من مخاطر فشل استثماراتها؛ سواءً لعوامل جيوسياسية أو استثمارية، وقد أثبتت مَزارع المواطنين في النجد أنه ينبغي الرهان عليها، ففيها مزارعون ثبّتوا أقدامهم في الصحراء، وتحوّل لون بشرتهم إلى لون الصحراء في تحدٍ يصنع الإعجاز لسلة غذائنا.
إنَّنا نُطالب بحوارٍ جادٍ يقوده مكتب تطوير منطقة النجد مع الجمعية الزراعية بظفار، وتُرفع نتائجه لمكتب محافظ ظفار ووزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه ووزارة الإسكان والتخطيط العمراني؛ فالمكتب لم يُفعَّل حتى الآن بالطموح المأمول، وهو المُناط به تطوير منطقة النجد الزراعية، وإعداد خارطة استثمارية متكاملة للمناطق النجدية الواعدة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، ومهمته كذلك توزيع الأراضي الزراعية الاستثمارية.. لذلك امنحوا الاختصاص للجهات المؤسسية المختصة، ونحن على يقين أنها قادرة على حل كل المشاكل.. أما التفكير الفوقي في تحديد الرسوم ووضع الشروط؛ فمآلاته ستكون الرفض المطلق.
هناك مُقترح مُعتبر من شخصية بارزة في الجمعية الزراعية بظفار يقضي بتمليك المئة فدان الأولى، ومن ثم فرض رسوم 5 ريالات على ما يزيد بعد ذلك بصورة تصاعدية، وهذا حقُ كل مُزارعٍ جادٍ وما أكثرهم، وينبغي أن يُمنحوا حقًا مُستدامًا- طويل الأجل للزراعة ومعفيٍ من رسوم الانتفاع ومن بقية الرسوم والضرائب؛ تشجيعًا لنجاحهم في زراعة الصحراء التي لا تقارن بأي منطقة زراعية أخرى؛ بل على العكس، نجد مَزارع تُملَّك واراضٍ شاسعة تُشرْعَن لواضعي اليد عليها، مثل سهل صلالة ومناطق أخرى! بينما يتم التعامل مع المواطنين في الصحراء بسياسة تمييزية مختلفة، وهم الأحق بالاعتبار والاعتداد والتقدير؛ لأنهم أحيوا الصحراء الميتة وعمّروا أراضٍ شاسعة فيها، ويمنحونا الاطمئنان على سلة غذائنا، والمصلحة الوطنية تحتِّم الثنائية المزدوجة: "التمليك والرسوم"، وهو الحل الأنسب لمجموع المصالح في البلاد.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مهتمون بزراعة النخيل لـ"الرؤية": التمور العمانية من الأجود في العالم.. ودعم المزارعين يعزز الصادرات للخارج
◄ أمبوسعيدي: هناك أصناف من التمور أوشكت على الانقراض
◄ الكعبي: نريد تعزيز مكانة عُمان في السوق العالمية
◄ النعماني: التمور العمانية تلقى قبولا واسعا بالخارج
◄ التغيرات المناخية والحشرات وشح المياه من أبرز التحديات أمام التوسع في زراعة النخيل
الرؤية- سارة العبرية
أكد عددٌ من المهتمين بأشجار النخيل أنَّ قطاع زراعة النخيل يشكّل ركيزة اقتصادية مُهمة تسهم في تحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الناتج المحلي، لافتين إلى أنَّ العلاقة بين العُماني والنخلة ليست مجرد علاقة إنتاج غذائي؛ بل ارتباط روحي وثقافي عميق متجذر في الهوية العُمانية.
وشدد المهتمون بزراعة النخيل- في تصريحات لـ"الرؤية"- على ضرورة تعزيز منظومة الدعم والابتكار لتمكين النخلة العُمانية من بلوغ الأسواق العالمية بثقة واستدامة.
وقال مصطفى بن محمد أمبوسعيدي إن سلطنة عُمان تزخر بتنوع واسع في أصناف النخيل تصل إلى أكثر من 400 صنف؛ حيث تتميز كل محافظة بصنف مُعين يعكس طبيعتها الجغرافية وتقاليدها الزراعية، فولاية دماء والطائيين تشتهر بصنف النغال الذي يُعد من أشهر الأصناف المبكرة في السلطنة، وقد نال شهرة داخلية وخارجية نظرًا لتقدمه الزمني وجودته، فيما تتميز محافظات الشرقية بصنف المبسلي وأبي نارنجه والبرني، والباطنة بأصناف مثل أم السلا والمنومة والأشهل، بينما تنتشر أصناف أبو معان وأبو خموس في الظاهرة والبريمي، وتنفرد ولاية جعلان بصنف أبي دعن المستخدم في استخراج الدبس، أما أصناف النغال والخلاص والخنيزي والفرض والخصاب والجبري والهلالي والزبد وخلاص عُمان فهي منتشرة على نطاق واسع في مختلف ولايات السلطنة.
وأضاف أن الزراعة في السلطنة تنقسم إلى منطقتين رئيسيتين؛ الأولى هي منطقة الساحل وتناسبها الأصناف التي تتحمل الرطوبة مثل أم السلا والمنومة والأشهل، أما الثانية فهي منطقة الحجور التي تشمل المناطق الصحراوية والواحات الزراعية، حيث تحتاج الأصناف إلى حرارة عالية مثل خلاص الظاهرة والبرني والحنظل والنغال والفرض والخنيزي وجبرين.
وأشار أمبوسعيدي إلى أنَّ بعض الولايات تحتفظ بأصناف مميزة مثل البرني وأبو نارنجه في الشرقية، والخلاص في الظاهرة ونزوى وبهلاء والبريمي، وأبو خموس في محضة، وقش غنوي في الرستاق، وقش قنطرة في نزوى، بينما ينتشر صنف لزاد بوشر الذي تعود بدايته إلى ولاية بوشر، مبينا أن بعض الأصناف أوشكت على الانقراض مثل البلعق والمنزف والصرنا، إلى جانب وجود أصناف نادرة مثل قش حميد بن غريب والزاد ومن الصعب الحصول عليها.
ويلفت إلى أنَّ الثقافة الزراعية لأهل المكان تؤثر في مدى انتشار الأصناف، فمثلاً لا يُزرع صنف أبو نارنجه في الظاهرة أو البريمي رغم قدرته على النمو هناك، والعكس صحيح، مرجعًا السبب إلى بعد المسافات وصعوبة نقل الفسائل في ظل القوانين المنظمة وحالات الإصابة بالسوسة ودوباس النخيل، مما يحصر بعض الأصناف في مناطق محددة.
ويشير إلى أن موسم الرطب في السلطنة يمتد من بداية مايو وحتى ديسمبر، وهو الأطول عالميًا نظرًا للموقع الجغرافي وتنوع الأصناف، إذ تبدأ الأصناف المبكرة مثل قش لزق والبهلاني وقش قاروت وقش بطاش والصلاني والنغال، التي تُستهلك كرطب، تليها أصناف تُستخدم للرطب والتمر معًا، في حين تُستخدم بعض الأصناف في نهاية الموسم كرطب فقط بسبب انخفاض درجات الحرارة مثل الهلالي والخصاب ونبته الوافي ونشو الوخر، كما يتفاوت الذوق العام في تفضيل الرطب بين من يفضلونه عالي السكريات أو متوسطًا أو خفيفًا، ويزداد الطلب والسعر في بداية الموسم لقلة المعروض، فيما تنخفض الأسعار تدريجيًا مع دخول أصناف أكثر إنتاجًا مثل النغال.
وشرح أمبوسعيدي أن جودة التمر تُقاس بعدة معايير من بينها أن يكون متقلودًا أو مطوقًا كما في تمر المجدول وأبي معان والفرض، وتُفضل الأصناف الخالية من القشرة والكبيرة الحجم، وهو ما يمكن تحقيقه عبر تقليل عدد الثمار عند التلقيح وزراعة نخيل التمر في أماكن مكشوفة وجافة ورطوبة قليلة، كما إن التحاليل المخبرية للعناصر الغذائية تؤكد تفوق صنف الفرض من حيث الفوائد الصحية.
وبيّن أن البحوث الزراعية ساهمت في نشر الأصناف التجارية عبر تقنية الزراعة النسيجية، حيث يمكن إنتاج آلاف الفسائل من فسيلة واحدة، كما تم إكثار الأصناف المحلية مثل الفرض والخلاص وأبو نارنجه والبرني مما سهّل على أصحاب المشاريع الحصول على الفسائل بسهولة ويسر، وسهل عليهم استزراع الأصناف الخارجية مثل المجدول والصقعي والشيشي والبرحي وأم الدهن وغيرها.
وتابع أمبوسعيدي قائلاً: "كما كان للتقنيات الحديثة دور في تحسين جودة الإنتاج، فقد أسهمت أنظمة الري الذكية في تنظيم استهلاك المياه وتقليل التكاليف، إلى جانب استخدام الطائرات في تلقيح النخيل لتقليل الجهد والوقت، والآليات الحديثة لرش المبيدات، وتم تطوير وسائل لحماية الثمار من الحرارة العالية والآفات من خلال استخدام الشباك الزراعية الخضراء والقماش القطني الأبيض، مما ساعد في الحفاظ على جودة الأصناف الحساسة مثل أبي معان والفرض، كذلك ساعدت التقنيات الحديثة في بناء بيوت تجفيف للتمور باستخدام مراوح تتحكم في الرطوبة والحرارة، مما سهّل عملية التجفيف وسرّعها خلال فترة قصيرة جدا، وساهمت الآلات الحديثة في تغليف التمور وتحضيرها للتصدير، حيث تحافظ الأكياس البلاستيكية على جودة التمور لفترات طويلة".
وأشار أمبوسعيدي إلى أنه على الرغم من هذه التطورات، تواجه زراعة النخيل عدة تحديات أبرزها التغيرات المناخية التي تؤثر على جودة أصناف مثل الخلاص، إضافة إلى انتشار آفات كالسوسة ودوباس النخيل واللفحة السوداء التي تضعف النخلة وتقلل إنتاجها، كما أن شح المياه وارتفاع ملوحة الماء والتربة، خصوصًا في مناطق الباطنة، شكّلا عائقًا كبيرًا أمام التوسع في زراعة النخيل، مشيرا إلى أن الحل يكمن في بناء السدود وتوفير أنظمة ري حديثة ومحطات تحلية المياه لدعم المزارعين".
وقال أمبوسعيدي إن صنف "الفرض" يُعد من أبرز الأصناف التجارية في السلطنة، فهو لا يحتاج إلى جهد كبير في التعامل معه، ووقته مناسب نهاية الموسم ولا يتأثر بالتقلبات المناخية، كما أن قيمته الغذائية عالية، ويُستخدم في صناعة الدبس وله سوق خارجي رائج في دول مثل الهند وسنغافورة وتركيا، ويأمل أن يبلغ صنف الفرض العالمية، شريطة أن يتم دعم المزارعين بالمبيدات والأراضي وفتح المصانع ومنظومة تسويق فعالة داخليًا وخارجيًا، لتتحول زراعة النخيل إلى مورد اقتصادي حقيقي يدعم الإنتاج المحلي ويعزز الصادرات.
من جانبه، قال سالم بن حمدان الكعبي مزارع في ولاية محضة، إن ولايته تنفرد بخصوصية زراعية تميزها عن بقية ولايات سلطنة عُمان، خاصة في ما يتعلق بزراعة النخيل وتنوع أصنافها، موضحا أن صنف "أبو خموس" يعتبر الصنف المحبوب لأهالي محضة، إلى جانب أصناف مثل الصقعي، البرحي، السكري، أبو بديع، المجهول، نوادر، نبتة سيف، سلطانة، الخضري، العنبرة، المجناب، النميشي، الرملي، المدهونة، أم الدهن، الزاملي، بقل الظاهر، بقل الراهي، بقل سالم، بقل الطوعة، مردسنج، الملفودة، زاده، أبو معان، الشيشي، وغيرها. كثير من هذه الأصناف لم تكن مألوفة لدى المزارعين في المناطق الأخرى من السلطنة.
وذكر الكعبي: "أهل محضة يفضلون أصنافهم المحلية للاستهلاك الشخصي، وعلى رأسها أبو خموس الذي لا تكاد تخلو منه مزرعة أو بيت، ويتم ترتيبه وتغليفه في علب خاصة بطرقهم التقليدية، أما ما يزيد عن حاجتهم، فيعرضونه للبيع مثل تمر الخلاص، والفرض، وأبو معان، والنغال، وجميعها تحظى بإقبال كبير بفضل جودتها، والأهالي كانوا من أوائل من استخدم الطرق الحديثة في تغليف التمور وتخزينها في الفريزرات لحفظ اللون والطعم لأطول مدة مُمكنة.
وأكد الكعبي أنَّ ارتباط الإنسان بالنخلة ليس مُجرد علاقة زراعية؛ بل هو ارتباط روحي قديم، مستشهداً بالموروث الديني والاجتماعي الذي يشبه النخلة بـ"عمة الإنسان"، ويصف طعم الرطب المحلي بأنَّه لذة حقيقية لا يُدركها إلا من تربى على أرضها.
وتابع قائلاً: "إنَّ المناخ الفريد لمحافظة البريمي -بين الجاف والرطب- وعذوبة المياه والأسمدة العضوية المستخدمة، ساهم في جعل تمورها مطلوبة في الأسواق المجاورة، بدءاً من النغال وانتهاءً بالخصاب والهلالي، والعلم الحديث أثبت الفوائد الصحية للنخيل، وهو ما كان يعرفه الأجداد بالفطرة، والمستهلك اليوم أصبح يحرص على شراء أصناف محددة مثل الفرض والخلاص والنغال نظراً لقلة سكرياتها أو فوائدها العلاجية المستمدة من المرويات النبوية".
وأكد الكعبي رفضه لفكرة استيراد الرطب في بلد يُعد من كبار منتجيه ومصدريه، متسائلاً: لماذا نستورد منتجاً نملكه بجودة أعلى وطزاجة أفضل؟ مؤكداً أن الرطب المحلي يصل إلى المستهلك خلال وقت قصير من القطاف، على عكس المستورد الذي يفقد جودته بسبب التخزين والنقل. كما ثمّن جهود وزارة الزراعة والثروة السمكية وموارد المياه في دعم المزارعين، مشيداً بدورها في نشر الأصناف ذات الجودة العالية عبر مختبر "جماح" لإنتاج الفسائل النسيجية، ودعم إقامة حقول تجارية للنخيل، وتوفير الإرشاد ومكافحة الآفات، وتنظيم المعارض التخصصية للتمور.
ويأمل الكعبي في مزيد من الدعم للوصول إلى مرحلة متقدمة من الإنتاج والتصدير، بما يعزز مكانة عُمان في السوق العالمية. ويقول: "نريد أن نعود للصدارة كما كنَّا؛ بل أفضل، مدججين بالعلم والمعرفة والثقافة التي تهيئنا لمنافسة العالم بثقة، ونجعل من نخيلنا موردًا وطنيًا نفخر به".
وفي السياق، قال حمد بن خلفان النعماني الرئيس التنفيذي لمصنع الأفلاج للتمور بولاية المضيبي، إن المصنع يعمل على تصنيع وإنتاج التمور العُمانية عالية الجودة، ويتميز كذلك بإنتاج العديد من الأصناف النادرة والمستوردة من التمور والأرطاب، مضيفاً أنَّ الطاقة الإنتاجية للمصنع تبلغ نحو 750 طنًا سنويًا، ما يجعله من بين أبرز المصانع في المحافظة من حيث القدرة التشغيلية والتنوع في الإنتاج.
وحول مدى الإقبال على منتجاتهم، أوضح أن فريق العمل في المصنع يقوم بتسويق وبيع التمور بالجملة وعبر محلات البيع بالتجزئة، إلى جانب التصدير الخارجي بالتعاون مع شركاء المصنع في القطاع، مؤكدًا أن "المنتج العُماني بدأ يلقى قبولًا واسعًا خارج حدود السلطنة".
أما عن أبرز أنواع التمور التي يوفرها المصنع، فيشير النعماني إلى تميزهم بأصناف مثل الخلاص والفرض وأبو نارنجه والنغال والبرني، إلى جانب أصناف مستوردة تحظى بإقبال كبير مثل عنبرة المدينة، السكري، المجدول، الصقعي، وأصناف أخرى من دول مختلفة. كما لفت إلى اهتمام المصنع بإنتاج أصناف عُمانية نادرة من بينها مردسنج، عجيبة، غريبة، تسواهم، وغيرها من الأصناف المميزة.
وفيما يتعلق بالتحديات التي تواجههم، لفت النعماني إلى "أن الأمطار الموسمية قد تتسبب أحيانًا في تلف جزء من المحصول، إضافة إلى الآفات التي تُصيب النخيل مثل سوسة النخيل ودوباس النخيل والأمراض الفطرية، موضحًا أن هذه العوامل تؤثر بشكل مباشر على جودة وكميات التمور.
ولفت النعماني إلى أن الدعم الحكومي للقطاع الزراعي أصبح أكثر وضوحًا في السنوات الأخيرة، سواء من خلال توقيع عقود الانتفاع للحقول النموذجية للنخيل بالتنسيق مع وزارة الثروة الزراعية، أو من خلال التوجيه لرواد الأعمال عبر موجهات هيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب القروض التنموية المقدمة من بنك التنمية العُماني، مضيفا أن نشاط المعارض التخصصية للرطب والتمور التي تقام بالتعاون مع غرف التجارة والصناعة في مختلف المحافظات، أسهم في تعزيز الحراك التسويقي والترويجي للتمور العُمانية.