قال ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي إن على الولايات المتحدة أن تضبط الفعل العسكري في غزة والحفاظ على طريق للسلام.

وأضاف في مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز" أن رغبة إسرائيل بتدمير حماس مفهومة، بعد الهجمات التي قتلت 1.300 إسرائيليا في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، لكن الهجمات أثارت سؤالا حول الكيفية التي يتم فيها ردع حماس عن شن هجمات مماثلة في المستقبل.



واستدرك قائلا  حتى لو كان الهدف مفهوما فإن هذا لا يعني أن ملاحقته هو المسار الأمثل أو المستحسن؛ فاستراتيجية إسرائيل قاصرة من ناحية الهدف والأساليب. فحماس هي شبكة، وحركة وأيديولوجية كما هي منظمة. فيمكن قتل قيادتها ولكن الكيان سينجو بطريقة أو بأخرى. وقد بدأت إسرائيل بحملة غارات على غزة، وهناك أدلة واسعة أنها تحضر لغزو بري. وهو ما يضع واشنطن في مكان صعب.

ولا يعارض هاس دعم أمريكا لإسرائيل وحقها بالانتقام، لكنه يقول إن عليها أن تتحكم بالطريقة التي يتكشف فيها الانتقام. ولا تستطيع الولايات المتحدة إجبار "إسرائيل" على وقف  الهجوم البري أو التحكم به حال شنه، ويمكن لصناع السياسة الأمريكية وعليهم أن يحاولوا الحد منه. ويجب عليهم اتخاذ الخطوات لمنع توسع الحرب. وعليهم النظر لما بعد والضغط على نظرائهم الإسرائيليين منح الفلسطينيين طريقا نحو دولة قابلة للحياة.

وأكد أن الرأي الداعم لأمريكا وعملها لكي تشكل الرد الإسرائيلي على الأزمة لا يقوم فقط على واقع أن النصيحة الجيدة أو القاسية هي ما يدين له الصديق لصديقه، بل لأن الولايات المتحدة لديها مصلحة في الشرق الأوسط، وأبعد من هذا حيث لا تخدمها عملية غزو عسكري لغزة واحتلاله ولا سياسات طويلة الأمد لا تعطي الفلسطينيين أي أمل لرفض العنف. وأهداف أمريكية كهذه قد تكون موضوعا لحوارات وسياسة صعبة، إلا أن البديل هو حرب واسعة واستمرار لوضع راهن لا يمكن الحفاظ عليه، وسيكون أخطر وأصعب.


ويعتقد هاس، أن الجدال الأول ضد غزو عسكري شامل لغزة، هو أنه سيكون مكلفا وبالتأكيد سيكون أكبر من فوائده، فحماس لا تمثل أهدافا عسكرية جيدة، فقد ضمنت بنيتها العسكرية في داخل المناطق المدنية بغزة، وأي محاولة لتدميرها يحتاج إلى هجوم عسكري واسع على المناطق المدنية ذات الكثافة السكانية العالية، والذي سيكون مكلفا على إسرائيل وسيقود إلى ضحايا مدنيين، سيؤدي إلى زيادة الدعم لحماس بين الفلسطينيين. وستتكبد إسرائيل خسائر فادحة ويمكن أسر جنود آخرين. ولو كانت هناك مقارنة تاريخية، فهي مثل التجربة الأمريكية في أفغانستان والعراق، وليس بما حققته إسرائيل في  1967 و 1973. كما أن استخدام القوة الضاربة ضد غزة ( وليس ضربات ضد حماس) سيؤدي لشجب دولي، وستتوقف عمليات التطبيع العربي مع "إسرائيل" وبخاصة السعودية، وستعلق علاقات "إسرائيل" مع جيرانها العرب إن لم تتراجع. وعملية عسكرية طويلة قد تحفز حربا إقليمية أوسع، تحدث بقرار من حزب الله (بحث إيراني) لشن هجمات صاروخية أو هجمات متتالية في الضفة الغربية تستهدف "إسرائيل" والحكومات العربية، وتحديدا الأردن ومصر.

وتساءل هاس: حتى لو سحقت "إسرائيل" حماس، فماذا بعد؟

ويجيب: لا بديل عن  السلطة الموجودة في المكان. وتفتقد السلطة الوطنية التي تشرف على الضفة الشرعية والمكانة في غزة. ولا حكومة عربية مستعدة لأن تخطو وتتحمل المسؤولية، وستظهر حماس أو نسخة عنها سريعا، كما حدث عندما انسحبت "إسرائيل" عام 2005. كل هذا لا يعني عدم تحرك "إسرائيل" ضد حماس. بل على العكس، فلها الحق للدفاع عن النفس ويسمح لها بضرب الإرهابيين الذين ضربوا أو يحضرون لهجوم أينما كانوا. ويجب عليها أن تظهر الثمن الذي سيدفعه أي طرف يحاول شن هجمات كهذه. وتظل كيفية الرد على هجمات حماس، سؤالا منفصلا. فخيار مختلف يبتعد عن العملية العسكرية الشاملة واحتلال غزة، والقيام بهجمات مستهدفة ضد قادة ومقاتلي حماس. وبهذه الطريقة سيتم تحطيم قدرات حماس وتقليل الخسائر بين المدنيين والجنود الإسرائيليين. وعلى إسرائيل أن تعيد بناء قدراتها العسكرية على الحدود مع غزة والتي ستعيد الردع وتقلل من فرص الهجمات الإرهابية في المستقبل.

وأصبح لدى بايدن رصيد جيد لدى الحكومة الإسرائيلية والإسرائيليين بسبب خطابه في 10 تشرين الأول/ أكتوبر، وزار وزير الخارجية أنتوني بلينكن "إسرائيل" وتم رصد حزمة مساعدات عسكرية ومالية. ويجب على الولايات المتحدة و"إسرائيل" تجنب نتيجة تجبر فيها "إسرائيل" على وقف إطلاق النار وسط شجب دولي وإقليمي. ويمكن للحكومات العربية، بمن فيها السعودية أن تؤكد على هذه الرسالة وتسهل عملية الإفراج عن الرهائن وتؤشر إلى أن التطبيع سيتواصل بعد نهاية الحرب وفي حالة تصرف "إسرائيل" بمسؤولية.

أما الهدف الثاني الذي يجب على أمريكا تحقيقه، بحسب هاس، هو منع حرب واسعة، والخطر الأكبر نابع من حزب الله الذي يملك 150.000 صاروخ قادر على ضرب "إسرائيل"، ويمكن أن يقرر دخول الحرب. والطريقة الوحيدة هو إقناع "إسرائيل" بعدم القيام بعملية كبيرة لا تميز وتعطي المبرر لحزب الله الدخول في الحرب. ولدى الولايات المتحدة قدرة محدودة للحد من حزب الله إلى جانب تجربة "إسرائيل" في لبنان والتي لا تعطي صورة عن خيارات جيدة. وتستطيع واشنطن إخبار  إيران بأنها ستتحمل مسؤولية أفعال حزب الله. ويجب أن تؤشر أمريكا لإيران بأنها ستجلب عليها الضرر جراء تحركات حزب الله، مثل تخفيض صادرات النفط التي تبلغ يوميا مليوني برميل. ولأن معظم النفط ينتهي في الصين، فيجب أن تكون جاهزة لإخبار بكين أنها ستفرض عقوبات على الذين يقومون بتصديره أو ضرب منشآت نفطية ومصافي نفط مختارة. ويجب أن تضع واشنطن قيودا على تخفيف العقوبات وما يمكن أن تتسامح به من ناحية البرنامج النووي الإيراني. وتقترح التقارير الإخبارية أن إيران زودت حماس بالسلاح والتدريب والدعم، ولكن لا توجد أدلة مباشرة عن أمرها بالعملية أو التخطيط لها. ولو ثبت أن إيران لعبت دورا في هجمات حماس، فيجب أن على واشنطن التفكير بأفعال اقتصادية أو عسكرية ضدها.


وعندما ينجلي غبار المعركة يجب على الولايات المتحدة أن تبدأ بحملة دبلوماسية مستدامة وإحياء حل الدولتين. ويجب على واشنطن التعلم من تجربة بريطانيا في أيرلندا الشمالية في تسعينيات القرن الماضي، فقد تبنت لندن مسارين، الأول من خلال تعزيز الوجود الأمني والعسكري وقتل واعتقال أعضاء الجيش الأيرلندي الحر والجماعات المسلحة الأخرى. وكان هذا المسار يهدف إلى إخبار الأيرلنديين المسلحين أنهم لا يمكنهم  الوصول إلى السلطة بالقوة. لكن المسار الثاني، هو الذي نجح وتوج باتفاق الجمعة السعيدة في 1998، وسمح هذا المسار لقادة الجيش الأيرلندي المشاركة في  المفاوضات التي وعدتهم بعضا مما كانوا يريدون تحقيقه لو نبذوا العنف. وأكد صناع السياسة البريطانية لهم أنهم يستطيعون تحقيق الكثير عبر التفاوض مما سيحققونه في المعركة. وهذا لا يعني أن الظروف مواتية للعودة إلى مفاوضات جادة، لكن حماس جعلت نفسها غير مؤهلة للمشاركة في العملية السياسية ولا يوجد كيان فلسطيني لدية القوة للتنازل (وهو ما لدى حماس)، والسلطة الوطنية ضعيفة ولا تحظى بشعبية.

وقبل هجوم حماس تبنت حكومة بنيامين نتنياهو سياسات قتلت المفاوضات بحسن نية، وحكومة الوحدة الوطنية أنشئت لشن حرب لا للتفاوض، وهناك حاجة لحكومة جديدة بتفويض جديد في مرحلة لاحقة. إلا أن محاولة التفاوض على المدى القريب ستكون عبثية أو أسوأ، ولكن على الدبلوماسية الأمريكية العمل وبناء سياق للمفاوضات. وهناك حاجة لمسار سياسي إسرائيلي- فلسطيني. وبدونه فعمليات تطبيع جديدة مع الدول العربية ستكون صعبة، لأن السعودية قد تشترط التطبيع مع "إسرائيل" بوضع الفلسطينيين. ولن تبقى "إسرائيل" مزدهرة وقوية وآمنة بدون دولة فلسطينية إلى جانبها، ودولة واحدة تعمل على تأبيد الوضع الراهن يهدد كل هذه المزايا. ويجب على الولايات المتحدة حث "إسرائيل" في السر أولا ثم العلن على ضرورة البحث عن شريك فلسطيني، فقد ظلت استراتيجية إسرائيل الماضية تركز على تقويض السلطة الوطنية لكي تقول إنه لا يوجد هناك شريك موثوق به للسلام.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة غزة امريكا غزة طوفان الاقصي صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على الولایات المتحدة حزب الله

إقرأ أيضاً:

استطلاع: انقسام أمريكي حاد حول تأييد إسرائيل

كشف استطلاع جديد أجرته مؤسسة "جالوب" الأمريكية عن أكبر فجوة حزبية في تاريخ الولايات المتحدة تجاه إسرائيل، حيث أبدى 83% من الجمهوريين رأيًا إيجابيًا تجاه إسرائيل، مقابل 33% فقط من الديمقراطيين، ما يمثل فارقًا قياسيًا بلغ 50 نقطة بين الحزبين، وهو أعلى من أي وقت مضى.

ويأتي هذا التراجع الحاد في التأييد الديمقراطي بالتزامن مع تصاعد الانتقادات للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي بدأت في أكتوبر 2023 وأدت إلى استشهاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين، غالبيتهم من النساء والأطفال. 

كما أشار الاستطلاع إلى أن 60% من الديمقراطيين و44% من المستقلين يحملون الآن آراء سلبية تجاه إسرائيل، وهي المرة الأولى التي تسجل فيها أغلبية حزبية رأيًا سلبيًا تجاه تل أبيب.

تراجع عام في تأييد إسرائيل

وبحسب نتائج الاستطلاع، الذي أجري في الفترة ما بين 3 و16 فبراير 2025، انخفضت نسبة الأمريكيين الذين ينظرون إلى إسرائيل نظرة إيجابية إلى 54% فقط، وهي الأدنى منذ عام 2000. وكانت أدنى نسبة تأييد لإسرائيل قد سجلت عام 1989 عندما بلغت 45% فقط.

وأشار التقرير إلى أن التحول السلبي في مواقف الديمقراطيين يعود بشكل أساسي إلى المعارضة المتزايدة لأعمال الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، بالإضافة إلى ارتباط إسرائيل السياسي بإدارة الرئيس دونالد ترامب، الذي أعلن في وقت سابق دعمه غير المشروط لحكومة بنيامين نتنياهو، والتقى به مؤخرًا في واشنطن.

تزايد التأييد للفلسطينيين

بالمقابل، أظهر الاستطلاع ارتفاعًا في النظرة الإيجابية للأراضي الفلسطينية، حيث وصلت إلى 32% مقارنة بـ18% فقط في العام السابق، وهو أعلى رقم تسجله القضية الفلسطينية في استطلاعات "جالوب" منذ عقود. 

ويفترض مراقبون أن هذا التغير ربما يكون ناتجًا عن حجم الخسائر البشرية في غزة، أو بسبب تغير في صياغة أسئلة الاستطلاع التي استخدمت هذا العام مصطلح "الأراضي الفلسطينية" بدلًا من "السلطة الفلسطينية".

وأظهرت نتائج الاستطلاع أن الديمقراطيين أصبحوا أكثر تعاطفًا مع الفلسطينيين، والمناطق التي تحكمها السلطة الفلسطينية، وكذلك مع مصر (61%) وكوبا (55%)، أكثر من تعاطفهم مع إسرائيل.

انقسام سياسي حول مواقف الدول الأخرى

وسجل الاستطلاع انقسامات حزبية واضحة تجاه دول أخرى؛ إذ يميل الجمهوريون إلى تقييم روسيا والسعودية بشكل إيجابي، بينما يبدي الديمقراطيون تفضيلًا لفرنسا وألمانيا والهند وبنما.

ويمثل هذا التغير الدراماتيكي في الرأي العام الأمريكي، وخاصة بين صفوف الديمقراطيين والمستقلين، إشارة إنذار واضحة للقيادة الإسرائيلية بأن الغطاء الشعبي الأمريكي لم يعد مضمونًا، خصوصًا مع تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة وتزايد الانتقادات الدولية.

طباعة شارك إسرائيل جالوب استطلاع غزة الأراضي الفلسطينية

مقالات مشابهة

  • مصدر: إسرائيل وأمريكا قد تغيران استراتيجيتهما بشأن غزة بعد انسحاب حماس من المفاوضات
  • خبير أمني: الحملات التي تستهدف تشويه مصر في ملف غزة مخطط متكامل
  • خبير استراتيجي: مصر أكبر من كل المحاولات الساعية لتشويه صورته
  • عاجل. بسبب تدويل الأزمة مع إسرائيل.. الولايات المتحدة تعلن عن عقوبات ضد السلطة الفلسطينية
  • من بينها التعويض..إيران تضع شرطين لاستئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة
  • الأمين العام لحزب الله: كل من يطالب بتسليم السلاح يخدم المشروع الإسرائيلي
  • نعيم قاسم: سلاح حزب الله شأن داخلي ومن يطالب بتسليمه يخدم إسرائيل
  • نائب:قضية خور عبد الله سيادية ويجب التعامل معها بمسؤولية وطنية
  • استطلاع: انقسام أمريكي حاد حول تأييد إسرائيل
  • ترامب: إسرائيل ترفض حصول حماس على المساعدات التي يتم توزيعها في غزة