أثير- عبدالرزّاق الربيعي

دروس كثيرة يمكننا أن نتعلّمها من استضافة البريطاني بيرس مورغان للإعلامي المصري باسم يوسف في برنامج حواري تناول ما يجري في قطاع غزّة، حيث انتشر اللقاء بسرعة البرق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والجروبات، حتى تجاوزت مشاهداته الـ ١٣ مليون مشاهدة، وأبرز هذه الدروس، معرفة تأثير الخطاب الإعلامي، على الجمهور العريض، لو أحسنّا صياغته، وجوّدنا في طروحاتنا، وهذا هو الفرق بين الإعلامي المحنّك، الموهوب، والإعلامي الطارئ على المهنة، خصوصا لو جاء هذا الخطاب من شخص مؤثّر، وله متابعون، كثر في أنحاء العالم، مثل( باسم يوسف) – له أكثر من ١١ مليون متابع في منصة (x) و٥ ملايين في الانستغرام – الذي استغلّ كلّ لحظة من الدقائق الأربعين المخصّصة له، في توجيه رسائل إنسانية شرح من خلالها الأبعاد الإنسانية للقضية للعالم، عبر حوار هادئ، يخلو من الانفعال، والصراخ، كما اعتدنا في البرامج الحواريّة التي نشاهدها عبر القنوات الفضائية العربيّة، بل كان هادئا، يتكلّم بدم بارد، يخلو من أيّ انفعال، وقد حافظ على ابتسامته، وسخريته منذ بداية الحلقة عندما قال عن الشعب الفلسطيني إنه” شعب يصعب قتله، أعرف هذا، لأني متزوج واحدة منهم ، حاولت عدة مرات ولم أستطع قتلها ” حتى نهاية الحلقة عندما قال “على فكرة عائلة زوجتي بخير وأرسلوا لنا صورة المنزل فقد تم قصفه” وعرض صورة منزل مهدّم عبر هاتفه النقّال، ثمّ علّق” إنه جميل سيكون موضوعا جيدا لعيد الهالوين” ثم ابتسم، وهذا الأسلوب هو المناسب في عالم فقد منطقه، لكن ليس أية سخرية بل سخرية مريرة، أو ما تسمّى بالكوميديا السوداء، حتى في أسئلته الساخرة:
“ما هو سعر الصرف الحالي للأرواح البشرية؟
ما هو سعر الصرف المناسب لكي تكونوا سعداء؟”.

كذلك كان أداؤه الحركي عاليا، وكل حركة للعيون والأيدي محسوبة بدقّة- قال في حديث للسي إن إن في عام 2017م بأنه يأخذ دروسا في التمثيل، لا ليمثل، فهو، كما قال، يتلقى طلبات للتمثيل، لكنه يعتذر عن تلبيتها، بل ليتمكّن من توظيف أدواته التعبيرية في أحاديثه بشكل أفضل، ليكون تأثيره في الجمهور أكبر، عندما يطلق كلمته التي تمتلك فعل الرصاصة في عصر هيمنت عليه الصورة، مؤكّدا أن الكلمة لم تفقد تأثيرها، ولكن أية كلمة!؟ بالتأكيد الكلمة الصادرة من القلب، التي تقدّم على طبق شهي، وكان تمكنه عاليا لأنه حضّر جيّدا، لما سيقوله في الحوار في البرنامج الذي كان يبثّ بثا مباشرا على الهواء، متحدّثا بمنطق الإعلام الغربي، لكن بهيئة ساخرة، وكان واقعيا في طروحاته، يلجأ للتشبيهات البليغة عندما يريد تقريب الصورة ليكون تأثيره أكبر، كقوله عندما أراد أن يتحدّث عن خطاب الإعلام الإسرائيلي، الذي يصف ردّة فعل المقاومة الفلسطينية بالإرهاب” إنهم يطلقون النار على سمك في برميل وينزعجون من رذاذ الماء”، وكان يتحدّث بطلاقة وسرعة بحيث لم يترك المجال للمحاور المحنّك (بيرس مورغان) الذي شغل موقع رئيس تحرير عدة صحف بريطانية وأمريكية، وسبق له العمل في شبكة سي إن إن، أن يقاطعه، ليقول كل رسائله التي جهّزها، ونجح في ذلك، إلى أبعد حدّ، وأوضح أبعاد القضية للعالم وبالتأكيد كسب تعاطفه مع القضية الفلسطينية، فانتصر على محاوره الذي لم يتمكن من مجاراته، وكان جريئا في طروحاته، شجاعا، فقد قال كلمته دون أن يخشى ردّة فعل أمريكا التي يقيم بها، في لوس أنجلوس تحديدا، بعد هروبه من مصر عام 2017م، وكلنا نعرف حساسيّة الظرف، وعدم تساهل الغرب الذي جعل من إسرائيل خطا أحمر، رغم ما يدّعيه من تبنّيه للديمقراطية.

وهذا ما أخفق به إعلامنا التقليدي، الذي لم يزل يتبع الأساليب القديمة، وعرض البرامج الحوارية التي يعلو بها الصراخ، والخطب الإنشائية الحماسية، كما قال نزار قباني:
“إذا خسرنا الحرب لا غرابة
لأننا ندخلها بكلّ ما يملكه الشرقيُّ
من مواهب الخطابة
بالعنتريات التي
ما قتلت ذبابة”
وخلال 40 دقيقة أمضيناها في متابعة المبارزة الإعلامية في البرنامج تعلّمنا من (باسم يوسف) دروسا كثيرة، من أجل أن يكون خطابنا الإعلامي ناجحا، ومؤثّرا!.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: باسم یوسف

إقرأ أيضاً:

النهضة المتجددة.. عهد جديد من الشراكة بين الدولة والمجتمع وترسيخ قيم المواطنة الفاعلة

 

 

 

 

◄ إطلاق مصطلح "النهضة المُتجددة" مثَّل الانطلاقة الجديدة في مسيرة التحديث والتطوير

◄ وضع مرتكزات جديدة تعزز من جهود الحوكمة والمراقبة والتطوير

◄ التأكيد على العلاقة التشاركية بين الحكومة والمواطنين

◄ التشديد على أهمية الحفاظ على الهوية الوطنية وتوظيف التاريخ المجيد

 

الرؤية- ناصر أبوعون

مثَّل الخطاب السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- يوم الأربعاء الثامن عشر من نوفمبر 2020، آليّةً وركيزةً من أعلى سلطة في الدولة، شارك من خلالها المواطنين مجموعة من الحقائق الاجتماعية والسياسية، وأعاد تعريف وشرح وتبسيط مصطلحات المواطنة، والتنمية والاستقرار والنجاح، ثم سلّط الضوء على مجموعة من الحقائق يمكن الإسهاب والتفصيل فيها على النحو التالي:

أولًا: مشروع نهضوي يطور ذاته ويُنتج أدواته

(1) إعادة إنتاج مصطلح "النهضة المباركة"، ولكن في ثوب جديد يعتمد على التحديث والتطوير والتجدد، وتواصل مشروعيّة الحكم دونما انقطاع بين سائر الأجيال المتتالية. ومن هنا تمّ استحداث مصطلح "النهضة المتجددة" ومنه ستكون الانطلاقة الجديدة نحو تثبيت شرعية حُكم سلطانيّ يرتكز على التعاون بين مؤسسة الحُكم والمواطنين، وتضافر الجهود والتشاركية في إنتاج مشروع نهضوي حداثي يطوّر ذاته ويُنتج أدواته.

(2) أكد الخطاب السامي على أن مشروعيّة مؤسسة الحكم ترتكز إلى عملية تواصل تاريخيّ منذ عهد المؤسس الأول للدولة، وأنّ جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أبقاه الله- عروة وثقى في سلسلة آل سعيد وامتداد طبيعي للسلطان الراحل قابوس بن سعيد منهجًا وفلسفة واقتداءً وإرثًا طبيعيًا. ومن ثَمَّ ضمَّن خطابه عبارات ذات وقع وأثر في نفوس المواطنين؛ مثل: "تمَكَّنتْ عُمانُ بِحِكْمَةِ سُلطانِها الرَّاحِلُ".

(3) جاء مفتتح الخطاب مرتكزًا على عبارات مقتبسة من القرآن الكريم وهو المصدر الأعلى للحقيقة، ولها صدى عالٍ في نفوس المواطنين؛ فبدأ جلالته بالبسملة والحمد والثناء على الله "بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، له الحمد وله الشكر، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على خير خلقه، محمد النبي الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه الطاهرين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين".

ثانيًا: رؤية سياسية جديدة في إدارة الدولة

رغم أنّ ظلال الأزمات العالمية (الصحية والمالية) ألقت بظلالها على حياة الناس، وتراجعت مشاركة المواطنين في عمان وسائر البلدان في مناشط الحياة العامة قسرًا؛ إلا أنّ حكومة صاحب الجلالة أخذت زمام المبادرة وأدارت أشد الأزمات "الأزمة الاقتصادية، وتراجع أسعار النفط، وأزمة كورونا" برؤية معرفية وحنْكة سياسية. وجاء الخطاب السامي في إطار تقني ومعرفي وشارحًا ومنطلقًا من هدفين استراتيجيين: (1) إدارة أزمة كورونا وتداعياتها: ومن خلاله أكد على أنّ دور الدولة يعمل على أربعة محاور متوازية؛ هي: (التخطيط العلميّ، وتسخير الإمكانات ومتابعة النتائج، واستيعاب وتدارك التأثيرات) بينما كان على المواطنين والمقيمين الالتزم بالإجراءات الحكومية، والقيام بالأدوار المنوطة بهم للخروج من أزمة كورونا وتداعياتها المالية. (2) التنظيم الإداريّ للدولة: ومن خلاله طرح جلاته – أبقاه الله – رؤية جديدة وتنظيمية في إدارة الدولة ترتكز إلى (الحوكمة) و(المراقبة) و(التطوير)، والتي تُعرفى بتقنيات الدولة المعرفية في إدارة حياة المواطنين. وأشار إليها جلالته في معرض كلامه من خلال أربع مصطلحات كانت مثار حديث الناس لفترات طويلة؛ وهي: (اللامركزية في إدارة الولايات والمحافظات)، و(مراجعة التشريعات والقوانين لتواكب متغيرات العصر)، و(تطوير الجهاز الإداري للدولة)، واستحداث أدوات جديدة للمحاسبة).

ثالثًا: السلطة التنظيمية والمواطن التطوعي

لقد جاء الخطاب السامي حداثويا لأبعد الحدود، ودارسًا لطبيعة الشعب العمانيّ؛ فقد أكد جلالته – أبقاه الله – على فكرة "السلطة التنظيمية" التي تدير شؤون المواطنين والمقيمين وتُعيد تشكيل سلوكهم في مواجهة الأزمات الطارئة وترتكز على محورين: (أ) رقابة اجتماعية متفهِّمة وغير قاهرة وإبراز أهمية المحاسبة والشفافية. (ب) تشجيع نموذج المواطن الملتزم والذات المنضبطة سلوكيا في تعاملها مع سائر الأزمات "كورونا نموذجًا"، حيث يتحوّل لاحقا إلى مواطن تطوعيّ ومساند للدولة في تحقيق أهدافها؛ يشارك في: تحقيق أهداف رؤية عمان 2040، ويلتزم بالإجراءات الوقائية في مواجهة كورونا، ويتفهّم، ويُقدّر إجراءات التقشف، ويساند الدولة في مشاريعها التنموية.

رابعًا: مواطنون لا رعايا وشركاء مصير

لقد أكد الخطاب السامي ضِمنًا على مصطلح "مواطنين لا رعايا" للتأكيد على التشاركية بين الحكومة والمواطنين كمنهج، لذا أكد الخطاب في مفرداته على مصطلحات "الدعم والواجب والحرص والسلامة" ومن ثَمّ نجد بِنية الخطاب أكدت على أنّ سُلطة الحكم اجتماعية لا رعوية بالدرجة الأولى؛ وتجلى ذلك في مجموعة من العبارات نذكر منها: "الدولة تؤدي واجباتها الأساسية"، و"رعايتنا ودعمنا على الدوام"، و"سنحرص على توجيه جزء من العوائد للحماية الاجتماعية"، و"الحفاظ على صحة وسلامة الجميع".

خامسا: استحضار الماضي والهويّة العُمانية

ولأننا نعيش في عالم متسارع ومتغيّر، وتتبدّل فيه الهُوِّيات، بل تتحلّل وتذوب؛ فقد جاء الخطاب السامي داعيًّا إلى الحفاظ على الهوية الوطنية الجامعة المانعة من الانزلاق في الشخصية الكونية التي تشتغل عليها القوى الكبرى وتعتمدها كأداة سيطرة؛ وفي سبيل ذلك انتهج (1) لغة عاطفية في بعض مقاطع الخطاب ووظّف بعض العبارات العاطفية المؤثرة في وجدان المواطن العماني من أجل تحقيق هدفين: الأول: استحضار  الهويّة العُمانية الجامعة، لإدماج المواطنين في "كيان واحد" يجسّد وحدة الأمة العمانية؛ لذا كرر عبارات من نوع "المواطنون الأعزاء"، و"أبناء عمان الأوفياء"، و"الوطن العزيز". (2) استحضار الماضي، ومن خلاله يتم استدعاء الذاكرة العُمانية وهذه إحدى استراتيجيات الخطاب السياسي، وتوظيف التاريخ المجيد للأمة العمانية في دعم مشروع النهضة المتجددة، والتأكيد على مشروعية الحُكم الجديد؛ لذلك تردد على لسان جلالة السلطان هيثم المعظم عبارات تشير إلى "السلطان قابوس الراحل"، "وتراث عُمان"، و"نهضة عُمان".

مقالات مشابهة

  • أيمن الرمادي: إشاعات فيريرا أضرت بالزمالك.. وكان على الإدارة الرد فورًا
  • صمتٌ مريب… وازدواجية فاضحة: ما الذي يجري في أربيل؟
  • البيت الأبيض: ترامب خضع لرنين مغناطيسي على القلب وكان طبيعياً
  • ندوة توعوية حول “تجديد الخطاب الديني” بطب أسنان الإسكندرية
  • وزير الاتصال ينعى الصحفي الراحل عبدالرزاق طعان
  • النهضة المتجددة.. عهد جديد من الشراكة بين الدولة والمجتمع وترسيخ قيم المواطنة الفاعلة
  • الصحفي عبدالرزاق أبو هزيم في ذمة الله
  • بعد عرضهما في القاهرة.. تتويج صوت هند رجب وكان يا مكان في غزة بالدوحة
  • كيف اطلب النجاح من الله عز وجل ؟
  • دروس الحرب الأوكرانية