نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للصحفي أوين جونز تساءل في بدايته عن المخالفة التي ارتكبها عالم الأحياء الحسابي مايكل آيزن، والتي أدت إلى إقالته من منصبه كمحرر في مجلة "eLife"، وهي مجلة علمية مرموقة متخصصة في علوم الطب الحيوي وعلوم الحياة.

وكان آيزن، اليهودي الأمريكي المنتمي لعائلة إسرائيلية، شارك منشورا من موقع "The Onion" الساخر، تحت عنوان "انتقاد سكان غزة المحتضرين لعدم استخدام الكلمات الأخيرة لإدانة حماس".



وقال جونز في المقال الذي ترجمته "عربي21"، إن هذه "الفكاهة السوداء" تحدثت عن حقيقة لا تقبل الجدل: لقد مات الفلسطينيون بسبب منطق الذنب الجماعي، كما أقره الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ، الذي أعلن أن الأمة بأكملها هي المسؤولة. وأشاد آيزن بـ"أونيون" لامتلاكها "شجاعة وبصيرة ووضوحا أخلاقيا أكبر من قادة كل مؤسسة أكاديمية" وأدان حماس أيضا. وبعد عشرة أيام تم فصله.

وأصدر مجلس إدارة "eLife" بيانا يشير فيه إلى أن "نهج آيزن في القيادة والتواصل ووسائل التواصل الاجتماعي كان في الأوقات المهمة ضارا بتماسك المجتمع الذي نحاول بناءه وبالتالي بمهمة "eLife". وفي ظل هذه الخلفية، ساهم حدوث المزيد من هذا السلوك في قرار مجلس الإدارة". وإذا كان هناك أي مرة أخرى، فإنهم لم يذكروا تفاصيل عن تلك المرات المزعومة السابقة.


وأضاف كاتب المقال أنه "منذ ردت إسرائيل على فظائع حماس بهجوم شرس أدى إلى مقتل أكثر من 8000 فلسطيني، كانت هناك محاولة لإسكات وترهيب ومضايقة المتعاطفين مع الفلسطينيين. ومن المحتم أن الفلسطينيين هم الذين يعانون وطأة الحملة الرامية إلى وصم حتى أبسط رفض للمذابح التي يتعرض لها شعبهم".

وتابع قائلا: "خذ على سبيل المثال عدنية شبلي، الكاتبة الفلسطينية الشهيرة الحائزة على جائزة LiBeraturpreis الألمانية لعام 2023 عن روايتها ’تفصيل ثانوي’، التي تحكي القصة الحقيقية لاغتصاب جندي إسرائيلي فتاة بدوية فلسطينية في عام 1949 وقتلها. وبعد بدء الفظائع الحالية، أجل المنظمون حفلها بسبب الحرب التي بدأتها حماس، والتي يعاني منها ملايين الأشخاص في إسرائيل وفلسطين".

وأشار جونز إلى استهداف شخصيات أدبية غير فلسطينية أخرى. أجرى فييت ثانه نغوين، ابن اللاجئين والمتعاطف مع النازحين الآخرين، محاضرة في مركز 92nd Street Y centre  في نيويورك بعد أن وقع على رسالة مفتوحة تطالب "بوضع حد للعنف والدمار في فلسطين". يصف المركز نفسه على موقعه على الإنترنت بأنه "منظمة يهودية تفتخر"، وفي بيان لـ رويترز، قال المركز إنه يريد أن يستغرق بعض الوقت ليقرر أفضل السبل لاستخدام منصته "لدعم مجتمع 92NY بأكمله".

وتساءل الكاتب عن الحملة الأمريكية من أجل حقوق الفلسطينيين، التي تم إلغاء مؤتمرها الطويل في هيوستن بعد أن وصفت غرفة التجارة اليهودية الأرثوذكسية الحدث بأنه "مؤتمر لمؤيدي حماس"، وأشار فندق هيلتون إلى مخاوف أمنية كسبب للإلغاء.

وذكر أن المتحدثة الرئيسية، رشيدة طليب، أول عضوة منتخبة في الكونغرس من أصل فلسطيني على الإطلاق، تعرضت لحملة تشهير من قبل الجمهوريين، في محاولة لتوبيخها بتهمة "النشاط المعادي للسامية" و"التعاطف مع المنظمات الإرهابية" - وكلها هجمات لا أساس لها من الصحة.

وفي الوقت نفسه، ورد أن قناة MSNBC  منعت ثلاثة من مذيعيها المسلمين من تقديم برامجهم، دون أي تفسير. ووصفت هيئة الإذاعة أي تغيير في البرامج بأنه "محض صدفة"، بحسب المقال.

وأردف جونز في مقاله: "هنا في بريطانيا، قيل لنا منذ فترة طويلة أن الطلاب "المتيقظين" [woke وهو مصطلح يستخدم للناشطين الحقوقيين مثل الذين شاركوا في أنشطة حياة السود مهمة] يشكلون تهديدا للحرية الأكاديمية. لكن لم تكن هناك إدانات عالية لجامعة ليفربول هوب بعد أن أجلت محاضرة للمؤرخ الإسرائيلي البريطاني آفي شلايم، الذي تحدى عمله الرواية التاريخية الرسمية لإسرائيل. وكان دفاع الجامعة هو أن القرار تم اتخاذه مع الأخذ بعين الاعتبار مصلحة وسلامة الطلاب والموظفين".


ودافعت الوزيرة في مجلس الوزراء البريطاني ميشيل دونيلان عن مشروع قانون التعليم العالي (حرية التعبير) العام الماضي بزعم أن "الحرية الأكاديمية في هذه المؤسسات يتم تقويضها بطريقة تعرض ديمقراطيتنا بأكملها للخطر"، و"نجد الأكاديميين يمارسون الرقابة الذاتية على أنفسهم بدافع الخوف"، بحسب ما أورده المقال. 

ومع ذلك، فإنه في نهاية الأسبوع الماضي، في رسالة إلى هيئة البحث والابتكار في المملكة المتحدة، أعربت عن "اشمئزازها وغضبها" من تعيين اثنين من الأكاديميين في مجموعتها الاستشارية المعنية بالمساواة والتنوع والشمول، وأحدهما - على حد تعبيرها - "يدين العنف من كلا الجانبين لكنه يشير إلى 'الإبادة الجماعية والفصل العنصري'" اللذين تمارسهما إسرائيل.

ونوه المقال إلى إدانة إسرائيل بسبب الفصل العنصري من قبل منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية بتسيلم، في حين حذر خبراء الأمم المتحدة من "خطر الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني".

وأضاف أن هذه مواقف مشروعة تماما للتعبير عنها من قبل الأكاديميين، لكن مناصرة دونيلان لحرية التعبير تتلاشى عندما تتسبب الآراء حول القمع الإسرائيلي العنيف للفلسطينيين بإزعاجها.

في هذه الأثناء، قام حزب العمال بإيقاف آندي ماكدونالد عن العمل بسبب كلمته خلال المظاهرة المناهضة للحرب يوم السبت في لندن، وأقتبس مباشرة: "لن نرتاح حتى نحصل على العدالة، وحتى يتمكن جميع الناس، الإسرائيليون والفلسطينيون، بين النهر والبحر من العيش في حرية سلمية".

وعلق الكاتب بالقول: لكي نكون واضحين، كان ماكدونالد يعبر ببلاغة عن دعمه الحماسي لحل الدولتين: ولكن في حزب العمال الذي ينتمي إليه ستارمر، فإنه يعتبر هذا المطلب الإنساني بالتعايش السلمي مشينا أخلاقيا، على عكس دعم الصواريخ التي تنهمر على المدنيين، بما في ذلك الأطفال. كما أنه تمت إقالة النائب المحافظ بول بريستو من دوره كمساعد حكومي لمطالبته بوقف إطلاق النار. في بريطانيا الحديثة، أولئك الذين يعارضون الإبادة الجماعية هم الذين يعتبرون خارج نطاق القانون.

وشدد الكاتب على أن قضية فلسطين تفضح نفاق ما تسمى بثقافة الإلغاء. لقد طُلب منا منذ فترة طويلة أن نعتقد أن هناك إسكاتا جماعيا للشخصيات العامة بسبب قولها أشياء تحقر وتهين الفئات المهمشة - من الأشخاص المتحولين جنسيا إلى اللاجئين. وعلى عكس المتعاطفين مع الفلسطينيين، فقد رددوا شعارات مشتركة على نطاق واسع بين النخب السياسية والإعلامية. ولكن أولئك الذين يتحدون النظام الاقتصادي أو السياسة الخارجية الغربية ــ أو كليهما ــ كانوا يواجهون دائما إسكاتا حقيقيا، بحسب جونز.

واختتم الكاتب مقاله بالقول إن مجرد معارضة العنف ضد المدنيين هو تعريض الحياة المهنية والسمعة للخطر. ولهذا الترهيب عواقب مميتة؛ فهو يقوض الضغط الشعبي على حلفاء إسرائيل الغربيين لوقف المذبحة وإنهاء الاحتلال والاستعمار والفصل العنصري الذي يغذي هذا الكابوس. والرد بطبيعة الحال لا يكمن في الخوف، بل في رفع الصوت أعلى من أي وقت مضى.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة غزة الفلسطينيون بريطانيا الغربية بريطانيا فلسطين غزة الاحتلال الإسرائيلي الغرب صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

ماذا نعرف عن مشروع التهويد الأخضر الذي تنفذه إسرائيل؟

طالما ارتبط مشروع تهويد القدس بمحاولات إحكام الاحتلال فرض السيطرة على الأرض، وإقصاء الهوية الأصيلة، ومن بين وسائل التهويد التي لا يتم تسليط الضوء عليها "التشجير الاستيطاني"، وقد عاد الحديث عنها تزامنًا مع الحرائق الضخمة التي اندلعت في القدس المحتلة في نهاية شهر أبريل/ نيسان الماضي، وكيف أسهمت هذه النباتات الدخيلة في مفاقمة الحرائق واتساع رقعتها، لتطال أكثر من 100 موقع في جبال القدس المحتلة، وهو ما أجبر الاحتلال على طلب المساعدة وإخلاء المستوطنين من مناطق الحرائق وغيرها من الإجراءات.

ونسلّط الضوء في هذا المقال على جانبٍ منسيّ من تهويد شطري القدس المحتلة مرتبطٍ بالحدائق والتشجير، ونقدّم من خلاله إطلالة على تاريخ هذا النمط الخفيّ من التهويد، وكيف وظف المشروع الصهيوني الغابات لتحقيق أهدافه في السيطرة على الأرض الفلسطينية، وإخفاء القرى العربية، واستمرار هذا الأسلوب حتى يومنا هذا، من خلال "الحدائق التوراتية" التي تحاصر الشطر الشرقي من القدس المحتلة.

من البدايات إلى ملايين الأشجار الدخيلة

بدأ الاستيطان في القدس بشكلٍ مبكر، فتوازيًا مع توسع الأحياء الفلسطينية خارج البلدة القديمة، استطاع بعض الأثرياء إنشاء أحياء يهودية خارج حدود البلدة القديمة، أُقيم حي "يمين موشيه" في منطقة جورة العناب في عام 1850، وهو أول الأحياء اليهودية التي أُقيمت في القدس، وقد اشتراه السير موشيه مونتيفيوري في عام 1854، تلاه حي "مئاه شعاريم" في منطقة المصرارة، و"ماقور حابيم" في المسكوبية في عام 1858، واستطاع مونتيفيوري بناء سبعة أحياء استيطانية أخرى حتى عام 1892.

إعلان

وعلى الرغم من القيود العثمانية فإن الاستيطان استمرّ بالتوسع، فحتى عام 1917 وصل عدد المستوطنات إلى نحو 16 مستوطنة، وقد تركزت في الشطر الغربي من القدس، ولعب أثرياء الصهاينة دورًا بارزًا في تمويل هذه المستوطنات، بدعمٍ من القنصليات الأجنبية.

وبالتوازي مع بدايات الاستيطان، أطلقت المنظمات الصهيونية نوعًا آخر من الاستيطان، وهو الاستيطان بالتشجير، من خلال الصندوق القومي اليهودي (Jewish National Fund)، والذي تأسس في عام 1901، وبحسب معطيات الصندوق فقد استطاع منذ تأسيسه زراعة أكثر من 260 مليون شجرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتغطي هذه الغابات أكثر من 250 ألف فدان (نحو 1.1 مليون دونم)، وبحسب معطيات الصندوق تتنوع الأشجار المنتشرة في هذه المساحات ما بين البلوط، الصنوبر، اللوز، السرو، الأرز وبعض الأنواع الأخرى.

ولا تقدّم معطيات "الصندوق" بياناتٍ واضحة حول حجم التشجير الاستعماري في شطري القدس المحتلة، إلا أن أجزاء كبيرة من شطرها الغربيّ تمّ تشجيرها، ومن أبرزها الجبال الغربية في هذا الشطر، والطريق التاريخي الواصل ما بين القدس ويافا، وغيرها من المناطق التي تحيط بالبلدة القديمة.

التشجير وإحياء نبوءات توراتية

لم تقف أهداف أذرع الاحتلال عند السيطرة على الأرض فقط، وهو ما سنبينه لاحقًا، إلا أنه ارتبط بالأساطير الدينية التوراتية، من خلال ربط المشروع الاستعماري في الأراضي المحتلة بالأشجار، فقد استند التفسير الصهيوني إلى نصوصٍ تتحدث عن "الأرض الموعودة" الغنية، والتي تضم أنواعًا من الأشجار، وهي: "الصنوبر، الصندل، الفستق، البلوط، الأرز، الطرفاء، السرو، الصفصاف، العرعر، الحور، الطلح".

إلى جانب مركزية الزراعة في الفكر اليهودي، وتخصيص أعياد خاصة بالشجرة تعود إلى الحقبة المبكرة من الاستيطان في عام 1887، ودفع مختلف الشرائح الاجتماعية على المشاركة في التشجير خلال يوم محدد من العام، وتُشير المعطيات إلى ربط اليهودية مفهوم الشجرة بالإنسان، ومن العادات لدى المستوطنين زراعة شجرة سرو أو صنوبر للمولودة الأنثى، وشجرة أرز للمولود الذكر، في سياق ارتباط الأشجار والإنسان في الفكر اليهودي، وغيرها.

إعلان

وعلى الرغم من هذه المركزية الدينيّة، فإن الدفع نحو استنساخ البيئة الأوروبية وسرعة الوصول إلى النتائج، كانت هي التي تدفع الصندوق القومي اليهودي لاختيار أنواع الأشجار، فقد زُرعت أشجار الكينا بشكلٍ كبيرٍ جدًا في المراحل الأولى من "الاستيطان الأخضر"، وتشكل اليوم شجرة الصنوبر نحو ثلث عدد الأشجار في الغابات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، على الرغم من ذكر هذه الشجرة لمرة واحدة فقط في النصوص اليهودية.

توظيف الزراعة في المشروع الصهيوني

"كانت فلسطين في نظر المهاجرين الصهاينة الجدد كصفحة بيضاء سيصمّمون عليها وطنهم المُتَخَيَّل، ويحقّقون عليه النبوءة بخلق شيء من لا شيء"، بهذه العبارة المهمة التي أوردتها إليسا روزنبرغ في بحثها بعنوان "خلق شيء من لا شيء". وروزنبرغ أكاديمية إسرائيلية ومهندسة للمناظر الطبيعيّة.

وتُشير روزنبرغ إلى توسيع التحريج (زراعة الغابات) بشكل كبير إبان الاحتلال البريطاني، بالتوازي مع عمل الصندوق القومي اليهودي، وكان هدف البريطانيين منع تعرية التربة، وتثبيت الكثبان الرملية، وتوفير الأخشاب والوقود، وقد سهّل وجود جهات معنية بالغابات في جميع أنحاء الإمبراطورية البريطانية استيراد البذور والشتلات من المستعمرات البريطانية البعيدة، بما في ذلك الهند، وأستراليا، ومصر، وقبرص.

واستجلب الاحتلال البريطاني نحو 250 نوعًا من النباتات من 20 دولة مختلفة خلال مدة احتلاله. وأسهم الاحتلال البريطاني بإطلاق التشجير الاستيطاني بقوة، فقد زرعت سلطات "الانتداب" نحو 20 مليون شجرة، ووفّرت نحو 15 مليون شجرة أخرى للمستوطنات اليهودية ولجهاتٍ أخرى، وفي الفترة نفسها لم يكن نشاط الصندوق القومي اليهودي بهذه القوة، فقد أسهم بزراعة أعداد أقل بكثير من الأشجار خلال المدة نفسها.

من أبرز تجليات حملات التشجير الممنهجة، محاولة استنساخ التصور الأوروبي- الصهيوني لهذه الأرض، وتُشير المصادر إلى أن العمال وجلّ مهندسي الغابات في الصندوق القومي قدِموا من أوروبا الشرقية، وهو ما أدى إلى تنفيذ تصوراتهم عن الغابات وشكلها واستعمالاتها في الأراضي المحتلة التي يتم تشجيرها، وهو ما أدى لأن تصبح غابات الصنوبر التي أقامها الصندوق أشبه بغابات شمال أوروبا، إضافةً إلى محاولة المستوطنين الدخلاء التكيف مع الأراضي المحتلة، في محاولة للعثور على مكان "يشبه" هؤلاء الدخلاء في بلادٍ غريبة عنهم.

إعلان

ولم يكن الارتباط بالأرض التي قدِم منها المستوطنون هو الماثل في هذه الغابات فقط، بل عملت هذه الأذرع التهويدية على ربط هذه الحدائق مع رواية الاحتلال، على الصعد الروحية والدينية، وعبر تخليد الشخصيات المؤسِسة للكيان، وتلك الداعمة له في تأسيسه، فقد أطلق الصندوق على هذه الغابات الاستيطانية أسماء المستوطنين الأوائل، والمقاتلين، وغيرهم من رموز الكيان، إلى جانب شخصيات أسهمت في دعم الاستيطان، وعلى سبيل المثال تُشكّل الغابات المزروعة في القدس المحتلة لغرض الذكرى والتخليد، ما يعادل ثُلث هذه الغابات، ومن أبرز هذه الغابات "غابة القديسين" أو "الشهداء".

الحدائق التوراتية وابتلاع أراضي القدس

بدأت فكرة الحدائق التوراتية على أثر احتلال الشطر الشرقي من القدس المحتلة منذ سبعينيات القرن الماضي، وتصاعدت بشكل كبير في العقدين الماضيين، مع إقرار سلطات الاحتلال عددًا من المخططات الهيكلية، والتي وصلت إلى سبع حدائق ضخمة.

والحدائق "التوراتية" مصطلح مضلل يهدف منه الاحتلال إلى إسباغ روايته الدينية على الأراضي الفلسطينية في المدينة المحتلة بهدف السيطرة عليها، وما يتبع هذه السيطرة من منع أي وجود فلسطينيّ في محيط الأقصى، وبطبيعة الحال ارتباط هذه المصطلحات بـ"المعبد" المزعوم والعدوان المتصاعد على الأقصى، إذ تتركز هذه الحدائق في محيط المسجد الأقصى، وتلاصق سور القدس التاريخيّ، وفي عددٍ من المواضع تتوسع لتطوق البلدة القديمة والمناطق المحيطة بها، وخاصة في الجهات الجنوبية والشرقية والشمالية.

وتُشير المعطيات إلى تصاعد الاهتمام الحكومي الإسرائيلي بهذه الحدائق منذ عام 2005، فقد أقرت أذرع الاحتلال ميزانياتٍ ضخمة لتطوير هذه الحدائق، وتُشير المعطيات إلى أن هذه الحدائق شملتها ميزانيات متعلقة بتعزيز موقع القدس "وجهة سياحية"، ودعم بلدية الاحتلال في القدس ومشاريع تهويدية أخرى، ولا يقوم على هذه الحدائق جهة بعينها، إذ ينشط على تطويرها عددٌ من أذرع الاحتلال من بينها جمعية إلعاد الاستيطانية، وسلطة الطبيعة والحدائق العامة الإسرائيلية، وبطبيعة الحال تُشارك كلٌ من بلدية الاحتلال في القدس، وشركة تطوير القدس، ما سمح بتعزيز حجم هذه الحدائق، فقد تجاوزت مساحتها 2700 دونم، وتتوزع هذه الحدائق على الشكل الآتي:

إعلان الحديقة التوراتية المحيطة بالبلدة القديمة، ومساحتها 1100 دونم، وهي أكبر هذه الحدائق، تمت المصادقة عليها في عام 1974، وتُعدّ أخطرها، فهي ملاصقة لسور القدس والأقصى، وتستهدف أجزاء من مقبرة الرحمة، إلى جانب ضمها عددًا من الحفريات والمواقع الأثرية، والمخاطر المترتبة على هذه الحديقة بالذات، أن الاحتلال يتعامل معها على أنها امتدادٌ للمساحات غير المسقوفة في الأقصى، وأن البناء الإسلامي لا يتجاوزها، في سياق مخططاته الرامية إلى تهويد المسجد وتقسيمه. الحديقة التوراتية في وادي الصوانة ومساحتها 170 دونمًا. الحديقة التوراتية في السفوح الشمالية الشرقية لجبل المشارف على أراضي بلدة العيسوية/الطور، ومساحتها 730 دونمًا. "حديقة الملك" التوراتية، المقامة على أراضي حي البستان في بلدة سلوان، ومساحتها 50 دونمًا. حديقة جبل الزيتون ومساحتها 470 دونمًا. حديقة "شمعون هتصديق" على أراضي حي الشيخ جراح، ومساحتها 120 دونمًا. حديقة "باب الساهرة" ومساحتها 40 دونمًا.

وإلى جانب "الحدائق التوراتية"، تفتتح بلدية الاحتلال عددًا كبيرًا من الحدائق الاستيطانية، وتصاعد افتتاحها في ظل استمرار العدوان على غزة، ففي 16/2/2024 كشفت مصادر فلسطينية عن توقيع بلدية الاحتلال في وقتٍ سابق اتفاقية مع الصندوق القومي اليهودي، لتحويل أراضٍ من بلدة بيت حنينا وحزما إلى غابة استيطانية بمساحة ألف دونم.

وخلال شهر يوليو/ تموز 2024 افتتحت بلدية الاحتلال 3 حدائق جديدة للمستوطنين، على أراضي المقدسيين، أحدثها في قرية المالحة. ومن قبلها حديقتان على أراضي جبل المكبر وبيت حنينا في مستوطنتي "أرمون هنتسيف" و"راموت". وفي 28/8/2024 افتتحت بلدية الاحتلال حديقة عامة في مستوطنة التلة الفرنسية، على مساحة 63 دونمًا.

ويستمرّ افتتاح الحدائق، وكان آخرها في 14/5/2025، وكانت الحديقة التاسعة التي افتتحتها بلدية الاحتلال منذ 7/10/2023.

إعلان "تزهير الصحراء" والاستيلاء على الأرض وغيرها

في خطاب افتتاحي "للكنيست" عام 1951، طلب رئيس وزراء الاحتلال ديفيد بن غوريون من المستوطنين الاتحاد من أجل "تزهير الصحراء"، وأعلن عن حملة لزراعة آلاف الأشجار "على مساحة 5 ملايين دونم"، وهو ما يعادل حينها نحو ربع مساحة دولة الاحتلال، وأشار بن غوريون إلى واحدٍ من أهداف المشروع يتمثل بأنه "الطريقة الوحيدة لمساعدة اليهود على تنمية علاقة وجدانية قوية مع الأرض".

ورغم من هذا الهدف الحالم، فإن التشجير الكثيف أسهم في تحقيق سيطرة الاحتلال على مساحاتٍ شاسعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن أمثلة هذا الطمس ما قامت به "غابات القدس"، والتي غطت عددًا كبيرًا من القرى الفلسطينية على غرار قرى "القبو، علّار، صوبا، عين كارم" وغيرها.

وتُظهر الكثير من الصور التي يلتقطها المشاؤون أطلال منازل الفلسطينيّين بين أشجار الصنوبر، كما في قرية عجّور قضاء القدس المُقام على أراضيها حديقة بريطانيا، وقرية لوبيا قضاء طبريا المُقام على أراضيها حديقة جنوب أفريقيا، إضافةً إلى الكثير من المواضع الأخرى، التي ظهرت على أثر اندلاع حرائق في جبال القدس، من بينها المدرجات الزراعية، التي تمثل جزءًا من هوية هذه البلاد وإرثًا تاريخيًا زراعيًا قيّمًا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • أمل الحناوي: إسرائيل تستهدف المدنيين وتعرقل جهود الإغاثة بغزة
  • الأرصاد الجوية: طقس غير مستقر بسبب منخفض جوي.. تصعيد إسرائيلي عنيف يستهدف منازل المدنيين شرق غزة | أخبار التوك شو
  • تفاصيل مخفية عن انفجار صرف: 250 ضحية وإبادة7 عائلات بالكامل ومقتل 20 طالبة .. صحفي من بنى الحارث يكشف تفاصيل الكارثة التي تتستر عليها جماعة الحوثي
  • دبلوماسي أوروبي يهدد بتصعيد الضغط على إسرائيل
  • مديونية العراق تتجاوز 130 مليار دولار وعجز يهدد الرواتب
  • حماس: المقترح الأمريكي الذي وافقت عليه إسرائيل حول الهدنة في غزة لا يستجيب لمطالبنا
  • الصحة الفلسطينية: عدد كبير من المرضى في مستشفيات غزة فارق الحياة بسبب نقص الخدمات
  • ماذا نعرف عن مشروع التهويد الأخضر الذي تنفذه إسرائيل؟
  • المهندس البشير: قيمة الاستثمار 7 مليارات دولار سيسهم بتوليد 5 آلاف ميغا واط الأمر الذي يسهم في زيادة عدد ساعات التغذية الكهربائية وينعكس إيجاباً على جميع مناحي الحياة
  • السيد القائد الحوثي: القرآن الكريم النعمة الكبرى بكتاب الهداية الذي فيه البركة الواسعة في كل مجالات الحياة