د. مزمل أبو القاسم: حميدتي.. خطاب العار والإنكار
تاريخ النشر: 1st, January 2024 GMT
لا ندري بِمَ نصف الخطاب الذي ألقاه قائد المليشيا بمناسبة أعياد استقلال الدولة التي سعى وجدَّ واجتهد في هدم بنيانها وتقويض أركانها.. دولة 56 التي وضع علمها على يمينه المخضبة بدماء أهل السودان، وخاطب شعبها المنكوب بأمره، المقتول برصاص مليشياته، المشرد بانتهاكات مجرميه.
* من سخرية الأقدار أن يتحدث مجرم الحرب وسافك الدماء وقاتل الأبرياء وهاتك الأعراض عن الأمن والاستقرار والديمقراطية والتحول المدني والعدالة والسلام.
* عن أي أمنٍ يتحدث من أهدر طمأنينة ملايين السودانيين، وقتل أبناءهم، واستحى نساءهم، ونهب أموالهم وممتلكاتهم؟
* عن أي استقرار يتشدق من تسبب في تحويل أكثر من نصف أهل السودان إلى مشردين ونازحين ولاجئين وأفقدهم كل ما يملكون، وطردهم من بيوتهم وأسكن فيها أوباشه المجرمين، فدنسوها ونهبوها وأورثوا أهلها الحزن والفقر والعوز والألم والنزوح واللجوء والتشرد والدماء والدموع؟
* عن أي ديمقراطية يتحدث مجرم الحرب حميدتي؟
* كيف يمكن للديمقراطية أن تتحقق بالقتل والسلب والنهب والخطف والاغتصاب والتصفيات العرقية وتدمير البنيات الأساسية واحتلال مؤسسات الدولة ونهبها وسرقة أموال المواطنين وممتلكاتهم؟
* عن أي تحول مدني يتحدث من انبنى تاريخه كله على إشهار البنادق في وجوه المدنيين العُزّل وقتلهم بدم بارد.. وكيف يمكن للتحول المدني المزعوم أن يتم باجتياح القرى واحتلال المدن وترويع أهلها وقتلهم وطردهم من منازلهم وسرقة متاجرهم وأسواقهم وبيوتهم وبنوكهم وسلبهم كل ممتلكاتهم؟
* عن أي عدالة يتشدق من اقتحم السجون وأخلاها من نزلائها وجنَّد القتلة وعتاة المجرمين في صفوف قواته التي لا تعرف سوى القتل والنهب والسلب.. وكيف يتحدث عن العدالة من احتلت قواته مجمعات المحاكم ومقار النيابة وأقسام الشرطة وقوضت ونهبت وحرقت ودمرت كل مؤسسات العدالة في البلاد؟
* عن أي سلام مستدام يتحدث مجرم الحرب وسفّاك دماء الأبرياء في الخرطوم والجنينة وأردمتا ونيالا وزالنجي وكُتم وكاس وطويلة ومورني ومليط وكبكابية والمسيد وألتي والتكلة والكاسنجر ورفاعة والحصاحيصا والكاملين والقطينة وحنتوب الجميلة ومدني الغضة والمدينة عرب والحاج عبد الله وغيرها من مدن وقرى وحلّال السودان التي أحالت قوات القتل السريع نهاراً ليلاً، وأمنها خوفاً، وأفراحها أحزاناً، وعمارها دماراً، واستقرارها نزوحاً وتشرداً ولجوءاً، وضحكات أطفالها دموعاً، وزغاريد نسائها بكاءً؟
* كيف ينكر هذا المجرم المعتدي الأثيم فعائل قواته وانتهاكات جنجويده ليزعم أنه بسط السلام في أرجاء دارفور بعد أن حرقها بنيرانه وقتل أهلها ودفن بعضهم أحياء، واغتصب نساءها وسباهنَّ وباعهن مثل الإماء.. كيف يدعي أن دارفور المدمرة الباكية المتشحة بالسواد والآلام باتت تنعم بالسلام تحت إمرة مليشياته التي ما دخلت مدينةً أو قرية إلا فرّ منها الناس فرار الصحيح من المجزوم والأجرب؟
* من المثير للسخرية أن يمعن هذا المجرم الأثيم في إنكار جرائم قتلته ونهابيه، لينسبها إلى (متفلتين) وهميين.. فمدني التي يتباكى عليها وينكر ما حدث فيها من جرائم مروعة وانتهاكات موجعة؛ لم تعرف الخوف ولا القتل ولا السلب ولا النهب ولا النزوح والتشرد إلا بعد أن اقتحمها (الأشاوس) المزعومون، فوقعوا في أهلها تقتيلاً وسلباً ونهباً واغتصاباً وأجبروهم على مفارقة دورهم ووداع مدينةٍ وادعة أحالها الأوباش إلى جحيم.
* كيف يجرؤ حميدتي على تهنئة الطوائف المسيحية بأعياد الميلاد، بعد أن اقتحمت قواته المجرمة الكنائس وأطلقت الرصاص على القساوسة واغتصبت الراهبات ونهبت الكنائس ودمرتها وأحالت بعضها إلى ثكنات عسكرية وخضبتها بالدماء وأسكتت أجراسها وحظرت ترانيمها الجميلة؟
* من المضحكات المبكيات أن يتشدق مجرم الحرب عن محاربة خطاب الكراهية، بينما تمعن قواته في القتل على أساس العرق واللون والقبيلة، مثلما فعلت مع أبناء قبيلة المساليت في الجنينة وأردمتا، ومع أبناء قبيلة الفور في نيالا وزالنجي، ومثلما يفعل أبواقه الذين ظلوا يتوعدون أهل الشمال بالغزو والقتل والسحل منذ أن بدأ قائدهم حربه المجنونة في منتصف شهر أبريل الماضي؟
* وعن أي جيش واحد يتحدث.. هل يتوهم أن أهل السودان سيقبلون وجود مرتزقته (قتلة الأبرياء ومفاصلي النساء) في جيشهم الوطني.. أو يرضون به أو بمناصريه الذين لا يقلون عنه إجراماً وخيانةً في أي عملية سياسية مقبلة؟
* كيف يحلم هذا القاتل الغاصب بأن يحكم أهل السودان بعد أن سقاهم المُر وجرّعهم الحنظل ودمر بلادهم وشرد أطفالهم وشيوخهم واغتصب نساءهم وسرق أموالهم ونهب كل ممتلكاتهم؟
* لا حاجة لأهل السودان بديمقراطية (الشفشفة)، ولا مدنية القتل والنهب والسلب والخراب والدمار، وعلى مجرم الحرب المعتدي الأثيم أن يركز ويتقبل مصيره المحتوم، لأن عاره سيلاحقه أينما ذهب، وأهل السودان لن يسامحوه ولن يغفروا لهم ما فعله بهم، وسيطاردونه أينما ذهب، وسيجلبونه إلى ساحات العدالة ليلقى فيها جزاءه العادل، فالبِر لا يبلى والذنب لا يُنسى.. والديّان لا يموت.
*د. مزمل أبو القاسم
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: أهل السودان مجرم الحرب بعد أن
إقرأ أيضاً:
المصافحة التي لم تتم.. خلافات عميقة تعوق التوصل لاتفاق في غزة برعاية أمريكية
في الوقت الذي تتكثف فيه الجهود الدولية للتوصل إلى هدنة توقف نزيف الدم في قطاع غزة، تكشف المقترحات المتبادلة بين الأطراف المعنية عن حجم الهوة التي تفصل بين مواقف كل من حركة "حماس" وإسرائيل، برعاية ومتابعة أمريكية مباشرة.
ومع كل اقتراب من نقطة الاتفاق، تظهر الشروط المتبادلة كحواجز أمام تحقيق اختراق سياسي حقيقي، مما يُبقي المشهد مفتوحًا على مزيد من التعقيد والمعاناة الإنسانية.
كشفت تقارير إعلامية، الإثنين، أن حركة "حماس" وافقت مبدئيًا على مقترح هدنة تقدّم به المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، يقضي بوقف إطلاق النار لمدة 70 يومًا مقابل الإفراج عن 10 رهائن أحياء على دفعتين، إلى جانب إطلاق سراح مئات من الأسرى الفلسطينيين، بينهم محكومون بأحكام عالية ومؤبدات.
غير أن متحدثًا باسم ويتكوف نفى هذه الموافقة، مشيرًا إلى أن المفاوضات لا تزال مستمرة، وسط تضارب في الروايات. ووفق صحيفة "إسرائيل هيوم"، فإن مسؤولًا إسرائيليًا رفيعًا – لم يُكشف عن اسمه – وصف المقترح بأنه لا يعكس "نية حقيقية من قبل حماس للمضي قدمًا"، مشددًا على أن "أي حكومة مسؤولة في إسرائيل لا يمكن أن تقبل بهذا الطرح"، ما يعكس موقفًا إسرائيليًا رافضًا للعرض الأمريكي – أو على الأقل لبعض بنوده.
مطالب جديدة تثير الجدلالمقترح الذي طُرح عبر وسطاء تضمن بنودًا غير مسبوقة من قبل حركة حماس، من بينها طلب مصافحة علنية بين خليل الحية، القيادي في الحركة ورئيس وفدها المفاوض، والمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، كرمز لضمانة بعدم استئناف القتال عقب فترة التهدئة. كما تضمن الإفراج التدريجي عن 10 رهائن، 5 منهم في اليوم الأول من الهدنة، والباقون بعد شهرين.
هذه البنود – بحسب الصحافة العبرية – تتناقض مع الخطة الأصلية التي قدمها ويتكوف، والتي تنص على إطلاق سراح جميع الرهائن على مرحلتين: الأولى مع بداية التهدئة، والثانية في نهايتها. كما شملت مطالب حماس انسحابًا واسعًا للقوات الإسرائيلية من المناطق التي سيطرت عليها في قطاع غزة، إضافة إلى إدخال كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية، وهو ما تعتبره إسرائيل "تنازلات مفرطة".
غضب إسرائيلي داخليردًا على هذه التطورات، أصدر "منتدى عائلات الرهائن" بيانًا غاضبًا، انتقد فيه استمرار الحرب ورفض الاتفاقات الجزئية، واصفًا إياها بأنها "خسارة إسرائيلية يمكن، بل يجب، تجنبها". وطالب المنتدى بعقد اتفاق شامل يعيد جميع الأسرى الـ58 وينهي الحرب، مشيرًا إلى أن "الحكومة يمكنها التوصل إلى مثل هذا الاتفاق صباح الغد إذا اختارت ذلك"، في إشارة إلى وجود دعم شعبي واسع لهذا الخيار.
مقترح "بحبح" بين التفاؤل والتشكيكفي خضم هذا التوتر، كشفت تقارير إعلامية عن وثيقة جديدة يُبحث فيها حاليًا، قدمها الوسيط الفلسطيني–الأمريكي بشارة بحبح، بالتنسيق مع ويتكوف، تقضي بوقف شامل للحرب خلال فترة الهدنة، وتعهد من حماس بعدم تنفيذ هجمات أو تهريب أسلحة أو تطوير ترسانتها العسكرية خلال هذه الفترة.
لكن هذه الوثيقة لم تُعلن رسميًا، وتُقابل بقدر من التشكيك في إسرائيل، خصوصًا في ظل تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأخيرة، والتي جدّد فيها التزامه بإعادة جميع الرهائن "أحياء وأموات"، تزامنًا مع مواصلة جيشه قصفه المكثف على القطاع.
وفي ظل تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتفاقم الكارثة الإنسانية، انتقد الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، موقف المجتمع الدولي، وخصوصًا الإدارة الأمريكية، مؤكدًا أنها لا تمارس ضغطًا حقيقيًا على إسرائيل لوقف إطلاق النار أو إدخال المساعدات.
أمريكا لا تمارس ضغطًا حقيقيًا على الاحتلالوأضاف الرقب في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن ما تفعله إدارة ترامب لا يتجاوز الضغط السياسي، عبر مقترحات مثل تلك التي تقدم بها المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، والتي رفضتها إسرائيل رغم قبول حماس بها، في محاولة لإفشال الجهد الأمريكي.
وأوضح الرقب أن واشنطن، رغم قدرتها على التأثير الفعلي، تكتفي بتصريحات سياسية لا ترقى إلى مستوى الأفعال، مضيفًا: "لو أرادت الإدارة الأمريكية وقف العدوان لعلّقت إمدادات السلاح والذخيرة، لكنها تتواطأ ضمنيًا مع حكومة نتنياهو المتطرفة". ولفت إلى أن تصريحات ترامب المتناقضة توحي برغبته في وقف الحرب، دون أي تحرك عملي يجسد هذه الرغبة، معتبرًا أن ما يصدر عن واشنطن ليس سوى "دغدغة مشاعر" ومحاولة لتبرئة الذات من الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
وفي ما يخص الموقف الأوروبي، أشار الرقب إلى وجود تحول نسبي في الخطاب الأوروبي نتيجة الجرائم المتواصلة في غزة، واستخدام الاحتلال لسياسة التجويع، وهو ما بدأ يحرج الاتحاد الأوروبي.
وأوضح أن دولًا مثل فرنسا تتحرك فعليًا لعقد مؤتمر دولي للسلام، بينما ما تزال دول أخرى كالمجر والنمسا ترفض أي ضغط على الاحتلال.
وأكد أن أوروبا تمتلك أوراق ضغط مهمة، لكنها لم توظفها بعد بشكل مؤثر.
وفي ختام تصريحاته، شدد الرقب على أن واشنطن وبروكسل قادرتان على وقف الحرب وإنهاء معاناة غزة، لكن غياب الإرادة السياسية واستمرار سياسة الكيل بمكيالين، يمنحان الاحتلال مزيدًا من الوقت لارتكاب مجازره دون رادع، وسط تصريحات دولية شكلية لا تغير من واقع المعاناة اليومية للفلسطينيين.
وفي ظل تصاعد الضغوط الدولية على إسرائيل لوقف هجومها على غزة، يتبيّن أن الطريق نحو هدنة حقيقية ما زال طويلًا، وأن أي تقدم مشروط بقبول تنازلات مؤلمة من الطرفين.
ومع تعنّت الحكومة الإسرائيلية، ومطالب حماس التي تعكس عمق معاناة الشعب الفلسطيني، يبقى أفق التهدئة رهينًا بإرادة سياسية غير متوفرة بعد، ما ينذر باستمرار الأزمة الإنسانية في القطاع الذي يقبع تحت نار الحرب منذ أكثر من 19 شهرًا.