بعد غد .. فريد فاضل يفتتح معرض وتبقى الروح في الأوبرا
تاريخ النشر: 1st, February 2024 GMT
يفتتح الفنان الدكتور فريد فاضل، معرضا للفن التشكيلي تحت عنوان و"تبقى الروح"، في السادسة مساء بعد غد السبت بقاعة صلاح طاهر للفنون بالأوبرا.
وذكرت دار الأوبرا المصرية -في بيان اليوم الخميس - أنه من المقرر أن تستمر فعاليات المعرض حتى يوم الخميس الموافق 8 فبراير الجاري، ويضم 50 لوحة جديدة منفذة بالألوان الزيتية مستوحاة من العديد من مصادر الإلهام الإبداعية المفضلة لدى الفنان الدكتور فريد فاضل منها الريف المصري، بورتريهات أولاد البلد، الورود ،الطبيعة الصامتة ، أبنية القاهرة التاريخية، شواطئ الإسكندرية وبلاد النوبة القديمة.
ونوهت الأوبرا إلى أن الفنان الدكتور فريد فاضل يتميز بأسلوب متفرد في لوحاته الواقعية التي تصور الجمال، ويحرص في كل أعماله على إبراز الأصالة وروح الموجودات بألوان مشرقة نابضة بالحياة لتلامس وجدان جمهوره.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
الموصل الحدباء .. عودة الروح
سنوات طويلة مرّت على آخر زيارة لي قمت بها للموصل، المحافظة العراقيّة الوحيدة التي أقمت بها، إذا ما استثنينا بغداد، وكنت يومها في قمّة عنفوان الشباب، لذا فكلّ ما في موصل اليوم يحيلني إلى تلك السنوات العزيزة على الروح، المحفورة في الذاكرة، لذا تحمّست لزيارتها في أوّل دعوة ثقافيّة وجّهتها لي مؤسّسة بابل العالمية للثقافات، فأتاحت لي فرصة الوقوف على منصّة القصيدة في مؤسسة «بيتنا» الثقافية، التابعة لجامعة النور، وفي الطريق إليها، كنتُ أتخيّل المشهد المأساوي للمدينة التي تعرّضت لمحنة قاسية عندما سيطرت عليها الجماعات المسلّحة المتطرّفة (داعش) في يونيو 2014م وعاثت بها فسادا، وتدميرا، واستمرّ الخراب ثلاث سنوات حتى قامت القوات العراقية بشنّ هجوم انتهى بطرد تلك الجماعات في 9 يوليو 2017م، فهربوا مخلّفين دمارا شاملا في (أمّ الربيعين) كما يُطلق على المدينة التاريخية التي اتخذها الآشوريون سنة 1080 قبل الميلاد عاصمة لهم، وكانت تسمّى (نينوى)، وظلّت على امتداد العصور علامة بارزة في تاريخ الثقافة العربية، فرفدتها بأعلام أبرزهم :(أبو تمّام) والسري الرفّاء (ت973م) وعبد الغفار الأخرس المولود في مدينة الموصل سنة 1218 هجري، وحين نتحدّث عن الموسيقى العربية فمن الصعب تجاوز اسم الملا عثمان الموصلي (1271 ــ 1341 هجري) وزرياب الموصلي (173 ـــ 243 هجري) الذي أضاف الوتر الخامس على العود، وعاش في زمن الخليفة العباسي هارون الرشيد، فالموصل تاريخ وذاكرة ثقافية، ليس من السهل محوها، لذا أعيد إعمارها بسرعة، ضمن مشروع أطلقته منظمة اليونسكو تحت عنوان( إحياء روح الموصل)، فبُنيت الجسور، وعُبّدت الشوارع، وشُيّدت البنايات وقد قبّلنا وجه الموصل الجديد في الجولة التي نظّمتها لنا الدكتورة هناء أحمد جبر، في صباح موصليّ منعش، توّج بإفطار محلّي لذيذ في مطعم بمنطقة الغابات يطلّ على نهر (دجلة)، فاسترجعت أجمل الأيام التي أمضيتها في المدينة، وكنت أشتاق لها كثيرا مثلما يشتاق لها كلّ من أقام بها أو زارها، وقد عبّر الشاعر علي الجميل عن هذا الشعور عندما غادرها إلى إسطنبول عام 1911 فخاطب أهلها قائلا:
يا أهلَ مَوصِلَ مـا قطعـتُ مَـدامِعي
عَنكُـم وما زالَ الهُيامُ بنينــــوى
قدْ خُضْتُ فـي لُجَجِ الغرام ببُعدِكُـم
وَشَقيتُ لكنَّ غُصنَ شوقـي ما ذَوى
يا ليتني واليومَ مَوْصِـلُ موصـــلا فَأرى البَشائِــرَ والهَنـاء بنينــوى
في تلك السنوات العصيبة كنت أتلقّى أخبار تدميرها وتخريبها بقلق كبير، لكنّ (العنقاء) لا تستسلم للنيران، فهي تعاندها، فهي عصية على الموت قول أبو العلاء المعرّي:
أرى العنقاء تكبر أن تصادا
فعاند من تطيق له العنادا
فجرى تعميرها، وكان تاج حملة الإعمار إعادة الحياة إلى منارة الحدباء التي بناها الحاكم السلجوقي نورالدين زنكي عام 1172 م، وصارت رمزا للمدينة، فطُبعت صورتها على العملة العراقية، وكان خبر تفجير الجماعات المتطرّفة لها في 2017 م قاسيا على الجميع، وقد صوّر الشاعر وليد الصراف تلك الفاجعة التاريخية والوجدانية والعمرانية في قصيدة يخاطب بها الحدباء قائلا:
حدباء لا تقنطي إني أرى القصبا
لم يصبح الناي لولا أنه ثقبا
أدري المنارة أمست بعد عزّتها
وليمة الدود أدري المسجد انتهبا
وأن ألف حياة تحتها وئدت
وأن ألف غراب فوقها نعبا
لكنّ منارة الحدباء تحدّت الغربان، وقامت من الرماد مثل طائر العنقاء، بهمّة أبنائها، وقد حدّثنا المهندس (رضوان حموشي) الذي أشرف على تنفيذ إعادة بنائها مع د. أحمد العمري الذي بدأ عام 2019م، وانتهى في 13 نوفمبر 2024 عن حرصه على استخدام الطابوق الأصلي، وخاصة في شكلها الخارجي، بالاستعانة بكوادر محلية، مع مراعاة زاوية ميلانها المعروف إلى جهة الشرق، وقد حدث هذا الميلان بسبب شدة الرياح التي أثّرت على مواد البناء (الآجر والجص) وظهر للعيان في القرن الرابع عشر، أي بعد ثلاثمائة سنة من بنائها، وكثيرا ما كنّا حين نزورها في الثمانينيات نقف متسائلين: ماذا لو زاد الميلان وسقطت المنارة؟ ولم نعلم أننا سنشهد هذا السقوط بأيدٍ حاولت العبث بالتاريخ، لكنّه صار ميزة لها مثل ميلان برج (بيزا) الإيطالي، فسمّيت بـ(الحدباء)، وانتقلت التسمية إلى المدينة، فسمّيت موصل الحدباء، واليوم عادت الحدباء بنفس الارتفاع، الذي يبلغ 45 مترا، والنقوش، والزخارف، ونفس الميلان، وبشكل مقصود، مثلما عاد تمثال أبي تمّام حبيب بن أوس بن الحارث الطائي (188 ــ 231 هجري) الذي جعله الخليفة المعتصم مسؤولا عن بريد الموصل، إلى وقفته السابقة في منطقة باب الطوب، بعد أن تمّ تفجيره في عام 2014م مثلما فجّروا تمثال عثمان الموصلي، وطال الهدم جامعي النبيين يونس وشيت (عليهما السلام)، ونبش قبر المؤرخ ابن الأثير، صاحب كتاب (الكامل في التاريخ) ومعالم تاريخية أخرى كثيرة، لكنّ الموصل كأيّ مدينة عظيمة تعرّضت لهجمة ظلاميّة، طوت تلك الصفحة السوداء والمريرة، وعادت تفتح ذراعيها لزوّارها، ليستمتعوا بطبيعتها الخلّابة وجمالها الآسر.