ما حكم الفطر في رمضان للمسافر في البحر لفترة طويلة؟.. الافتاء تجيب
تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT
أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"هل للمسافر في البحر لفترة طويلة أن يفطر؟ فرجلٌ يعمل على إحدى السفن التجارية، وقد يستمر سفرُه بالبحر مدةً طويلة، وأحيانًا يُدركه شهر رمضان المبارك وهو على مَتْنِهَا، فهل يجوز له الفطر؟".
وردت دار الإفتاء أنه يجوز شرعًا للمسافر أن يترخص بالفطر ما دام مسافرًا، فإن لم يكن يشق عليه الصوم ولا يتضرر منه، فالأَوْلَى له والأفضلُ أن يصوم لِيُدْرِكَ فضيلةَ الشهر المبارك وثوابَه.
مشروعية الفطر للمسافر في شهر رمضان
صوم رمضان المبارك مِن أعظم العبادات وأجلها، وأفضل القربات وأحسنها، وهو فرضٌ على كلِّ مكلَّف؛ لعموم قول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].
ومع كونه واجبًا على المكلَّف، إلا أنَّ الشرع الحنيف قد رخَّص للمسافر أن يُفطر مَتَى كانت مسافةُ سَفَرِهِ تُقصَر في مثلها الصلاةُ، ثم يَقضي ما أفطره عدةً مِن أيامٍ أُخَر؛ لقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185].
وهذا ما عليه جماهير الفقهاء مِن المذاهب الفقهية المتبوعة. ينظر: "البحر الرائق" للإمام زين الدين ابن نُجَيْم الحنفي (2/ 304، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"مواهب الجليل" للإمام شمس الدين الحَطَّاب المالكي (2/ 443، ط. دار الفكر)، و"الحاوي الكبير" للإمام المَاوَرْدِي الشافعي (3/ 445، ط. دار الكتب العلمية)، و"كشاف القناع" للإمام أبي السعادات البُهُوتِي الحنبلي (1/ 505، ط. دار الكتب العلمية).
ولا فرق في كون السفر برًّا أو بحرًا ما دام قد تحقق في السفر شروطُه المعتَبَرةُ شرعًا، مِن بلوغه مسافة القصر، وعدم وجود نِيَّةِ الإقامة؛ لقول الله عزَّ وجلَّ في كتابه الحكيم: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [يونس: 22].
قال الإمام ابن رُشْد الجد في "البيان والتحصيل" (2/ 319، ط. دار الغرب الإسلامي): [إنَّ المسافرَ في البحر والبَرِّ سواءٌ في جواز الفطر، ووجوب القصر.. وهذا ما لا اختلاف فيه أَحْفَظُهُ] اهـ.
حكم الفطر للمسافر في البحر لفترة طويلةقد أجمع العلماء على أنَّ المسافر له أن يترخَّص برُخَص السفرِ مُدَّةَ سفره ولو طالت وبَلَغَت شهورًا أو سِنِينَ ما دام لَم يَنْوِ الإقامة ولم يُجْمِعْ نِيَّتَهُ على ذلك.
قال الإمام الترمذي في "سننه" (2/ 434، ط. الحلبي): [أجمع أهلُ العلم على أنَّ المسافر يَقْصُرُ ما لَم يُجْمِعْ إقامةً، وإنْ أتى عليه سِنُونَ] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" (2/ 242، ط. دار الكتب العلمية): [لا أعلم خلافًا فيمَن سافر سفرًا يقصرُ فيه الصلاة، لا يلزمُهُ أَنْ يُتِمَّ في سفره إلا أَنْ يَنْوِيَ الإقامةَ في مكانٍ مِن سفره وَيُجْمِعَ نِيَّتَهُ على ذلك] اهـ.
مذاهب الفقهاء في الأفضلية بين الفطر والصوم للمسافر
أجمع العلماء على أنَّ المسافر له أن يأخذ برخصة الفطر مطلقًا مِن غير تقييد بمشقةٍ ونحوها، إلا أنهم اختلفوا في الأفضلية بين الفطر والصوم لمن لَم يجد مشقةً في سفره.
قال الإمام ابن هبيرة في "اختلاف الأئمة العلماء" (1/ 249، ط. دار الكتب العلمية): [وأجمعوا على أن للمسافر أن يترخص بالفطر ويقضي، ثم اختلفوا هل الأفضل له الصوم أو الفطر؟] اهـ.
فذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أنَّ الصوم للمسافر أفضل إن لم يَضُرَّهُ؛ لقول الله تعالى: ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: 184].
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ، إِلَّا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ" متفقٌ عليه.
وعن أمِّ المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: سَأَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ: «إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ» متفقٌ عليه.
فلو كان الفطرُ في السفر أفضلَ مِن الصوم لَأَفْطَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولَأَمَرَ عبدَ الله بن رواحة وحمزة الأسلمي رضي الله عنهما بالفِطْرِ، ولأنَّ رمضانَ أفضلُ الوقتَيْن مِن وقت الأداء ووقت القضاء، فكان الأداء فيه أَوْلَى؛ لِمَا فيه مِن تبرئة الذمة والمحافظة على فضيلة الوقت.
قال الإمام زين الدين ابن نُجَيْم الحنفي في "البحر الرائق" (2/ 304): [(قوله: وللمسافر، وصومُه أَحَبُّ إنْ لَم يَضُرَّه) أي: جاز للمسافر الفطر؛ لأنَّ السفر لا يَعْرَى عن المشقةِ، فَجُعِلَ في نفسه عذرًا، بخلاف المرض؛ لأنَّه قد يَخِفُّ بالصوم، فَشَرَطَ كَونَهُ مفضيًا إلى الحرج، وإنما كان الصومُ أفضلَ إنْ لم يَضُرَّهُ؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾، ولأنَّ رمضانَ أفضلُ الوقتَيْن، فكان فيه الأداءُ أَوْلَى] اهـ.
وقال الإمام أبو عبد الله المَوَّاق المالكي في "التاج والإكليل" (3/ 376، ط. دار الكتب العلمية): [قال مالك: مَن سافر سفرًا مباحًا تُقْصَرُ في مِثله الصلاةُ، فإنْ شاء أَفْطَرَ، وإنْ شاءَ صَامَ، والصوم أَحَبُّ إِلَيَّ] اهـ.
وقال الإمام جلال الدين المَحَلِّي الشافعي في "كنز الراغبين" (1/ 277، ط. دار المنهاج): [صوم رمضان للمسافر سفرًا طويلًا (أفضل مِن الفطر إن لَم يتضرر به) أي: بالصوم؛ لما فيه مِن تَبْرِئَةِ الذِّمَّةِ، والمحافظة على فضيلة الوقت، فإنْ تضرر به فالفطر أفضل] اهـ.
وذهب الحنابلة والإمامان عبد الملك ابن الماجشون وابن حبيب مِن المالكية إلى أنَّ الفطرَ للمسافر أفضلُ وإن لَم يُجْهِدْهُ الصومُ -واستثنى الإمامُ ابن حبيبٍ سفرَ الجهاد-؛ لقول الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185].
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟»، فَقَالُوا: صَائِمٌ، فَقَالَ: «لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ» متفقٌ عليه.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ» أخرجه الأئمة: ابن خزيمة في "صحيحه"، وأحمد في "مسنده"، والطبراني في "المعجم الأوسط".
قال الإمام شمس الدين الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (2/ 401): [واستَحَبَّ ابنُ الماجشون الفطرَ.. وعن ابن حبيب: يُستَحَب الإفطار إلا في سفر الجهاد، وذكره ابنُ عرفة] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدَامَة الحنبلي في "المغني" (3/ 157-158، ط. مكتبة القاهرة): [والأفضل عند إمامنا رحمه الله الفطرُ في السفر، وهو مذهب ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم، وسعيد بن المسيب، والشعبي، والأوزاعي، وإسحاق] اهـ.
القول المختار في الأفضلية بين الفطر والصوم للمسافر
القول بأن الصوم أفضل للقادر عليه بلا مشقة هو الأَوْلَى بالاتباع، و"أما الآية والحديث فمحمولان على مَن كان يحصل له مِن الصوم مشقةٌ شديدةٌ، بدليلِ أنَّ في صَدْرِ الحديث: أنه رأى رجلًا يُظَلَّلُ عليه، فقال عليه الصلاة والسلام ذلك"، كما قال الإمام شمس الدين الحَطَّاب في "مواهب الجليل" (2/ 401)، "ولأن الفطر رخصةٌ، والصوم عزيمةٌ، وفِعْلُ العزيمة أفضلُ مِن فِعْلِ الرخصة، فأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصَهِ كَمَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِعَزَائِمِهِ» فضعيفٌ عند أهل النقل، وإنْ صحَّ فلا دليل فيه؛ لأنَّهُ أَحَبَّ الأخذَ بالرخصة والعزيمة، وإذا أَحَبَّهُمَا معًا، وكان إحداهما مُسْقِطًا لِمَا تَعَلَّق بالذمة، فهو أَوْلَى"، كما قال الإمام المَاوَرْدِي في "الحاوي الكبير" (3/ 446).
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دار الکتب العلمیة اهـ وقال الإمام قال الإمام ابن الله تعالى لقول الله رضی الله فی البحر ن الفطر ن الصوم الصوم ل ول الله ى الله على أن الله ع
إقرأ أيضاً:
حكم الجمع بين صيام أيام عليا من رمضان والعشر من ذى الحجة؟
قالت دار الإفتاء المصرية، إنه يجوز الجمع بين نية صيام العشر من ذي الحجة وصيام أيام قضاء رمضان.
وأضافت دار الإفتاء، فى اجابتها عن سؤال «هل يجوز الجمع بين النيتين بين صيام العشر الأوائل من ذى الحجة بالإضافة لأيام الكفارة؟»، أنه عندما يصوم الإنسان أيام القضاء منفردة يأخذ ثوابها وعندما يصوم النوافل منفردة يأخذ ثوابها فكثرة الأعمال تعطى أجرًا أكثر.
حكم الجمع بين صيام أيام عليا من رمضان والعشر من ذى الحجة؟وأوضح أن العلماء قالوا إن السُنة تدخل تحت الفرض فقالوا يجوز إندراج صوم يوم عرفة أو الست من شوال مع ما تصومه مما عليك من قضاء فصوم ما عليك من قضاء لك أجر فيه وصوم يوم عرفة لك أجر فيه أيضًا، ولكن الذى يصوم كل شيء منفردًا عن غيره يأخذ الأجرين ولكن تعب يومين.
وأشار الى أنه يجوز إدخال صيام يوم عرفة أو التسع الأوائل من ذى الحجة أو أى صوم نافلة مع أيام القضاء التى تقضيها.
هل يجوز صوم العشر من ذي الحجة قبل قضاء أيام من رمضان؟صيام العشر من ذي الحجة من أفضل الأيام، وأعظمها عند الله وفضل العبادة فيها عظيم، وجاء في فضل قيامها ما رواه الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر.
واستحب أهل العلم صيام الأيام التسعة من ذي الحجة، لما ورد في مسند أحمد وسنن النسائي عن حفصة رضي الله عنها قالت: أربع لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة، والمراد التسعة الأولى من ذي الحجة، إذ يحرم صوم يوم النحر اتفاقًا، وهذا الحديث ضعفه بعض أهل العلم كالألباني والأرناؤوط ولكن الاستدلال به مع ذلك يظل سائغًا، ويتسأل الكثير من الذين عليه أيام من رمضان هل يجوز صوم العشر من ذي الحجة قبل قضاء أيام من رمضان؟.
واختلف العلماء في حكم صيام التطّوع قبل القضاء، فذهب بعض أهل العلم إلى أنه " لا يصح التطوع قبل القضاء، وعللوا : أن النافلة لا تؤدى قبل الفريضة، وذهب البعض الأخر إلى جواز ذلك ما لم يضق الوقت، وقالوا : ما دام الوقت موسّعاً فإنه يجوز أن يتنفّل، كما لو تنفّل قبل أن يصلي، فمثلاً الظهر يدخل وقتها من الزوال وينتهي إذا صار ظل كلّ شيء مثله ، فله أن يؤخّرها إلى آخر الوقت ، وفي هذه المدّة يجوز له أن يتنفّل ، لأن الوقت موسّع، والأفضل أن يجمع بين قضاء النافلة وقضاء رمضان .