حضور شعر المرأة وإبداعها بعامة لم يكُ يتم إلا عبر وسطاء، إما رواة أو مدونين، في حين يظل صوتها واسمها تحت الظل، على أن الوسطاء، رواة ومدونين، يتحكمون بالمنشور، ثم تدهور الوضع ليصبح الاسم نفسه من الممنوعات، ولا نعرف على اليقين متى أصبح اسمها عورةً، فلم يكُ ذلك في الجاهلية مع شيوع الوأد، ولا في عصور الإسلام المبكرة، وإنما جاء متأخراً، وربما يكون ثقافة مدنية وليست بدوية ولا ريفية في الأصل، وقد أمعنت الثقافة في احتكار الصوت والمعنى الشعريين على الرجل دون المرأة، وتخصص الرجل بمصطلح الفحولة مع حرمان المرأة من هذه الصفة حتى لقد ورد في معنى (الفحلة) أنها تعني سليطة اللسان، بينما الفحل هو فصيح اللسان، ما يعني أن تحريك لسان المرأة بالصوت هو إثم ثقافي تجب المحاذرة منه وتوقيه، وحين عمت الكتابة في العصر العباسي جاء الصوت الفحولي ليمنع المرأة من تعلم الكتابة وجاء كتاب (الإصابة في منع النساء من الكتابة) للفقيه البغدادي نعمان بن أبي الثناء الألوسي، وذلك لمنعها من التحايل على قوانين الحجب الثقافي عبر استخدام الكتابة التي لا تحتاج لصوت، ولكنها تحتاج لاسم، وقد حدث أن اعتبر اسمها عورةً، ومن ثم تضافر منعها من الكتابة مع حجب اسمها ليقمع إبداعها، ولكنها لم تنقطع عن الإبداع قط، وقد روى لي أحد الأفاضل مرةً أن في عائلته الكبيرة أكثر من أربعين شاعرةً، وحين لمته على عدم تدوين هذا التراث العائلي الضخم امتعض وجهه وقال: لا لا، عيب عيب، وتعمد قطع الحديث معي وكسر سيل أسئلتي.

وهذه ليست قصةً فرديةً، وإنما هي موروث ثقافي متأصل.
على أن تعلّم المرأة أخيراً للكتابة كشف حذاقة أبي الثناء في حماية إمبراطورية الفحول حين نادى بمنع المرأة من تعلم الكتابة، حيث بمجرد ما تعلمت أصبحت حقاً تنافس الرجل على الإبداع، وأظهرت مهاراتها وقدراتها، أي أن خطة منعها من الكتابة كانت هي القابع الأهم ضد إبداعية المرأة، بما إنها مع الكتابة أظهرت اسمها مثلما أظهرت بوحها، وأظهرت أن استخدام اللسان ليس سلاطةً، وإنما هو سلطة معنوية وتفرد ثقافي، وأتبعت اللسان بالقلم والورقة، ومن ثم ظهرت المبدعة وظهر التأنيث ليكون قوةً معنوية ومعرفية، وبدأ ذلك بالكتابة الوجدانية، كما لدى باحثة البادية، ومي زيادة، ثم الشعرية كما فعلت نازك الملائكة بمبارزة فحول الشعر العمودي، وفتحت آفاق قصيدة التفعيلة، وفي المثالين معاً كشف ثقافي يعصي ثقافة الفحول عبر تعلم سحر الكتابة، وإن كان البحر الشعري فحلاً فالتفعيلة أنثى، وهنا تصل الثقافة إلى التساوي العادل في ميزان القول، كما في ميزان الطبيعة.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: نزف الكلمات د. عبدالله الغذامي يكتب: التعددية والهوية

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي من الکتابة

إقرأ أيضاً:

أزمة السينما في الكتابة.. مصطفى الكيلاني: تامر حسني فنان ذكي لكنه ليس كاتبا

تحدث الناقد الفني مصطفى الكيلاني عن التحديات التي تواجه صناعة السينما المصرية، مشيرًا إلى أن ضعف الكتابة يمثل أحد أبرز الأزمات التي تنعكس على جودة الأعمال المطروحة، خاصة في المواسم الكبرى مثل عيد الأضحى.

منال الشرقاوي تكتب: سينما نجيب محفوظ.. حين صافح الأدب الشاشة الفضيةالمشروع x يحقق 38 مليون جنيه فى السينمات السعودية

وقال الكيلاني خلال لقائه مع الإعلامية آية شعيب عبر برنامج "أنا وهو وهي"على قناة صدى البلد، إن بعض صُنّاع الأفلام باتوا يعتمدون على أنفسهم في جميع مراحل الإنتاج من الكتابة إلى الإخراج، معتبرًا هذا النمط اختزالاً للجهد الإبداعي.

وأضاف: "الكتابة هي الأصعب، والاعتماد على مخرج ضعيف يمكن تعويضه بنص قوي، أما نص ضعيف فلن يُنقذ أي عمل مهما كانت العناصر الأخرى".

وتطرق إلى فيلم "ريستارت"، قائلا: الانتقادات التي وُجهت له تعود في الأساس إلى ضعف السيناريو، رغم تمتع بطله تامر حسني بشعبية كبيرة ومواهب متعددة. 

واسترسل: تامر حسني نجم كبير وذكي جدًا، لكنه لا يمتلك رصيد الكاتب من الأفكار والقراءة والقدرة على التجميع، وهي عناصر لا غنى عنها في نجاح أي عمل سينمائي.

وأكد أن نجاح الأفلام لا يرتبط فقط بأسماء النجوم، بل بجودة المحتوى الفني، مشددًا على ضرورة منح الكتابة مكانتها الحقيقية داخل المنظومة السينمائية.

طباعة شارك مصطفى الكيلاني السينما المصرية صناعة السينما عيد الأضحى

مقالات مشابهة

  • أيهما أقوى ذاكرة: النساء أم الرجال؟ ولماذا؟
  • دراسة :المرأة تصبح أكثر ثرثرة في منتصف العمر
  • د.حماد عبدالله يكتب: المشروعات " الوطنية " الكبري !!
  • حكاية صبية فلسطينية اسمها غريتا
  • أحمر الشفاه..لماذا تعشقه النساء؟
  • د.حماد عبدالله يكتب: الصحافة..... وسنينها !!!!!
  • الكاتب خالد الهنائي لـعمان: شغف الكتابة بدأ باكرا ولم يخرج للجمهور إلا بعد نضج التجربة
  • أزمة السينما في الكتابة.. مصطفى الكيلاني: تامر حسني فنان ذكي لكنه ليس كاتبا
  • د.حماد عبدالله يكتب: " عدم إنسانية " الطاقة الحيوية !!
  • من الطبيعي ألا يفهم فاقد الكرامة لماذا اسمها حرب الكرامة؟!