باتيلي: أدعوا قادة ليبيا لأن يكون لديهم إحساس بالتاريخ ويفكروا في مستقبل بلادهم
تاريخ النشر: 19th, May 2024 GMT
ليبيا – أجرى قسم الأخبار الإنجليزية في مركز أنباء الأمم المتحدة مقابلة صحفية مع المبعوث الأممي المنصرف عبد الله باتيلي تمحورت حول رؤيته للأزمة في ليبيا.
المقابلة التي تابعتها وترجمتها صحيفة المرصد حث خلالها باتيلي قادة البلاد على إنهاء الجمود وإعادة ليبيا إلى طريق السلام والاستقرار، داعيًا إياهم مرة أخرى إلى أن يكون لديهم إحساس بالتاريخ وأن يفكروا في مستقبل بلادهم في ظل اهتمام جيوسياسي متجدد من جانب بعض القوى الإقليمية والدولية.
وبحسب باتيلي تشهد ليبيا أنظمة انتقالية مختلفة منذ العام 2011 فيما قرر الجميع في مرحلة أو أخرى تهيئة الظروف لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية ليعم السلام والاستقرار في البلاد، مبينًا أن العقد الفائت أظهر الحقيقة ومفادها نوايا حسنة تم الإعلان عنها ولكن لم يتم تنفيذها.
ووفقًا لباتيلي ليبيا ليست دولة فقيرة لوجود موارد كافية لكل ليبي ليعيش في رخاء في وقت استمر فيه كل القادة الانتقاليين في التنافس ولم يكونوا مهتمين فعلياً بإجراء الاستحاقات الانتخابية لأنهم ليسوا مهتمين بالاستقرار ما جعلهم يغذون باستمرار التوترات بدعم من مجاميع مسلحة مؤيدة لهم.. وفيما يلي نصر المقابلة:
س/ لقد حذرتم من أن التدافع المتجدد على ليبيا بين اللاعبين الداخليين والخارجيين يجعل الحل بعيد المنال لماذا نرى هذا التدافع يتجدد في الآونة الأخيرة؟
ج/ في مرحلة ما خلال الصراع كانت هناك درجة معينة من الإجماع بين اللاعبين الدوليين والإقليميين على أنه ينبغي عليهم مساعدة الليبيين في التوصل إلى اتفاق للتوافق من أجل تسوية سياسية والتي ستجمع جميع القادة الليبيين وتوحيد ليبيا وبطبيعة الحال إعادة السلام والاستقرار.
ومع ذلك ما رأيته خلال الأشهر الماضية هو أنه بسبب تأثير الأزمة الأوكرانية على ليبيا سواء من حيث الثروة والنفط والغاز ولكن أيضًا الموقع العسكري والجيوسياسي للبلااد في وسط البحر الأبيض المتوسط فإن هذه الجغرافيا لقد جدد موقف ليبيا نوعا من الاهتمام الجيوسياسي لعدد من القوى الإقليمية والدولية.
وأضافت الأزمة الأوكرانية بعدا جديدا للأزمة الليبية بسبب تداعياتها الاقتصادية والجيوسياسية وفي الوقت نفسه كان للحرب في السودان أيضا تأثير خلال الأشهر الأخيرة على الوضع الأمني والوضع الاقتصادي وبعيدا عن الحدود الجنوبية المباشرة لليبيا.
وهناك الأزمة في منطقة الساحل والتي تفاقمت أيضاً خلال الأشهر الأخيرة في مالي وبوركينا فاسو وبطبيعة الحال وضع اللاجئين في تشاد وقد أثر كل هذا بشكل كبير على الوضع الداخلي في ليبيا.
س/ في بيان صدر هذا الشهر أعرب أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عن امتنانهم لكم وأكدوا من جديد التزامهم بعملية سياسية شاملة يقودها ويملكها الليبيون وتيسرها الأمم المتحدة ما رأيك في هذا؟
أرحب به وآمل أن يتم تنفيذ ما نسميه عملية يقودها ويمتلكها الليبيون من قبل جهات فاعلة ليبية حسنة النية وهذه مشكلة نواجهها دائما لأنه طالما أن هؤلاء القادة لم يكونوا مستعدين للانخراط بعملية تفاوض شاملة للتوصل إلى تسوية سلمية يمكنهم الاستمرار باحتكار العملية السياسية أخشى أنه لا يمكننا التوصل إلى حل.
س/ ما هي آخر الجهود التي بذلتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لعكس التحدي المتعمد للانخراط الجاد والمثابر لتأخير الانتخابات في ليبيا؟
المجلس الأعلى للدولة والمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية والجيش الوطني الليبي هي الهياكل اليوم التي يمكنها صنع السلام أو الحرب في ليبيا وهم في قلب المشكلة في البلاد ولهذا السبب بالنسبة لنا كان يُنظر إلى ذلك على أنه آلية شاملة يمكن أن تحقق تسوية سلمية، إذا كانوا على استعداد للقيام بذلك.
وللأسف بعضهم وضع شروطا مسبقة كما أنهم للأسف حظوا بدعم بعض اللاعبين الخارجيين الذين اتخذوا مبادرات موازية كانت تميل إلى تحييد مبادراتنا وطالما أن هؤلاء اللاعبين أنفسهم مدعومون بطريقة أو بأخرى من قبل لاعبين خارجيين فلن يكون لدينا حل.
ولهذا السبب قلت للمجلس إنه من المهم ألا يتحدث جميع اللاعبين الدوليين وجميع اللاعبين الإقليميين نفس اللغة فحسب بل يتصرفوا أيضا وفقا لذلك لدعم عملية سلمية وشاملة في ليبيا.
س/ في حين يستمر الجمود السياسي في ليبيا أصبح الوضع الاقتصادي متوترا بشدة. وما هي آخر ملاحظاتك في هذا الصدد؟
تدهور الوضع الاقتصادي واضح للجميع لقد انخفض الدينار الليبي بالفعل مقابل الدولار والقوة الشرائية للمواطنين تتضاءل أكثر فأكثر وهناك الكثير من الشكاوى بين المواطنين حول هذا الأمر وعلى الرغم من ثروة البلاد الهائلة فإن غالبية السكان لا يستفيدون منها.
اليوم ليبيا تراجعت إلى الوراء وهناك المزيد من الفقر وانعدام الأمن وديموقراطية وأمن أقل بالنسبة للجزء الأكبر من السكان وهذا هو الواقع في ليبيا اليوم للأسف.
س/ أعربتم أيضًا عن قلقكم بشأن وجود جهات مسلحة وأسلحة ثقيلة في العاصمة طرابلس هل يمكنك أن تخبرنا المزيد عن الوضع الأمني هناك وفي ليبيا بشكل عام؟
نحن نعلم جميعا أن ليبيا اليوم تكاد تكون بمثابة سوبر ماركت مفتوح للأسلحة وأصبحت ليبيا على نحو متزايد نوعا من دولة المافيا وتستخدم الأسلحة بالمنافسة السياسية الداخلية بين الجماعات المسلحة ولكنها تستخدم أيضا في صفقات الأسلحة وفي سباق التسلح وفي تجارة الأسلحة مع جيرانها وخارجها.
أصبح الوضع الأمني يثير قلق المواطنين بشكل متزايد لأن كل هذه المجموعات تتنافس على المزيد من السلطة والوصول إلى ثروات البلاد وبالتالي فإن منافستها تزيد من حدة التوترات في جميع أنحاء ليبيا وخاصة في الغرب.
س/ هناك قضية أخرى تعاني منها ليبيا وهي الوضع المزري للمهاجرين واللاجئين هل لك أن تخبرنا أكثر عن هذا؟
الهجرة هي إحدى القضايا الساخنة في ليبيا اليوم وكما نعلم هناك الكثير من الاتجار بالبشر ولسوء الحظ وبسبب الوضع الأمني ليس هناك أمل في أن نفكر في تحسن هذا الوضع على المدى المتوسط أو حتى على المدى الطويل وتتحول ليبيا بشكل متزايد إلى نوع من دولة المافيا التي يهيمن عليها عدد من المجموعات.
وهذه المجموعات متورطة في تهريب البنزين والمهاجرين والمعادن مثل الذهب والمخدرات وكل هذا الاتجار مترابط ويتم تنفيذه من قبل نفس المجموعات من الأفراد الذين تم تحديدهم بوضوح في مناطق مختلفة من ليبيا وفي البلدان المجاورة وعبر البحر الأبيض المتوسط.
س/ بينما تستعد لترك منصبك ما هي رسالتك الأخيرة إلى أصحاب المصلحة الليبيين الرئيسيين الذين كما قلت من قبل، لم يتزحزحوا عن شروطهم المسبقة لحضور المحادثات التي دعوتهم إليها العام الماضي؟
أدعوهم مرة أخرى إلى التحلي بحس التاريخ والتفكير في مستقبل بلادهم وعليهم أن يتحملوا المسؤولية الأخلاقية أمام وطنهم وأود أيضًا أن أوجه نداءً إلى معلميهم وإلى أولئك الذين يدعمونهم في الاستمرار في الحفاظ على هذا المأزق الذي يضر بمصالح الشعب الليبي والمنطقة ليس فقط شمال أفريقيا، بل منطقة الساحل أيضًا.
لقد حان الوقت للشعب الليبي الذي كان يطمح إلى السلام والاستقرار أن يتمكن من الوصول لما كان يتوق إليه.
ترجمة المرصد – خاص
المصدر: صحيفة المرصد الليبية
كلمات دلالية: السلام والاستقرار الوضع الأمنی فی لیبیا من قبل
إقرأ أيضاً:
ما الذي يفعله فينا عجزنا تجاه أطفال غزة؟
ترجمة: أحمد شافعي -
شاهدت على شاشة هاتفي في الشهور الماضية من الصور ما سيظل مستوليا عليّ لما بقي من حياتي. رأيت موتى وجرحى وجياعا من الأطفال والرضَّع، وأطفالا يبكون أمهاتهم في ألم وفي خوف، وآباءهم وأخواتهم وإخوانهم. صبيا صغيرا يرتعش هولا من صدمة غارة جوية. مشاهد عصية على الوصف للرعب والعنف أصابتني بالغثيان. ففي بعض الأحيان أعبر هذه الصور والفيديوهات، خوفا مما قد أراه بعدها. ولكنني في غالب الأحيان، أشعر أني مكرهة على أن أكون من الشاهدين.
وأعرف أنني لست وحدي في ذلك. كثيرون للغاية منا، نحن المنعَّمين بما لدينا من امتيازات وأمان، شاهدوا معاناة أطفال غزة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في صور تمتزج امتزاجا صادما بإعلانات ونكات وصور لأطفال آخرين يبتسمون آمنين. وما يجعل الرعب أشد وقعا هو أن هؤلاء الأطفال كان يمكن أن يكونوا أبناءك أنت، أو أبنائي أنا، أو أبناء شخص نعرفه، لولا صدفة الميلاد.
جهر آلاف البشر بمناصرة أولئك الأطفال وأسرهم، سواء بالكتابة للسياسيين، أو بالتبرع للجمعيات الخيرية ومنظمات الإغاثة، أو بالتظاهر في الشوارع. وبرغم ذلك تستمر هذه الحرب على الأطفال، وثمة إحساس طاغ بالعجز عن مساعدتهم. ولا يكاد عقل يتصور ما يمكن أن يسوء إليه الحال، لكن الحال يسوء مع أخبار ترددت هذا الأسبوع بأن أربعة عشر ألف رضيع يعانون من سوء تغذية حاد بحسب تقارير للأمم المتحدة. والسبب في ذلك هو التجويع العمدي، أي استعمال المجاعة سلاحا حربيا و«أداة إبادة» بحسب منظمة هيومان رايتس ووتش.
ينجم عن هذا العجز الطاغي أمام رعب يتجاوز الخيال إحساسٌ جماعيٌّ بالأذى المعنوي، وهو شكل من أشكال الضيق النفسي العميق الذي قد يستشعره الناس حينما يكونون مرغمين على التصرف ـ أو عدم التصرف بالأحرى ـ بما يتعارض تعارضا مباشرا مع قيمهم أو منظوماتهم الأخلاقية. وقد صادفت هذا المصطلح للمرة الأولى عند الحديث مع عاملين في المجال الطبي أصيبوا باضطراب ما بعد الصدمة خلال الجائحة. إذ كان أطباء وممرضون وعمال رعاية صحية يعانون ألما مبرحا لعدم قدرتهم دائما على توفير العلاج للمرضى الذين كانوا في أمسّ الاحتياج إليه، وذلك بسبب نقص المعدات والموارد والقيادة وبسبب عدد المرضى الهائل من المصابين بأمراض خطيرة.
لا مكان على وجه الأرض يبلغ فيه هذا الشعور من القوة مبلغه في غزة نفسها. فبالنسبة للعاملين في المجالين الطبي والإغاثي هناك، قد يكون الحزن والإحساس بالذنب والخيانة وعدم القدرة على مساعدة الجميع واقعا يوميا. وحينما تكون وظيفتك هي أن توفر المساعدة أو التغذية أو العلاج، فقد يتسبب العجز عن القيام بذلك في صدمة عميقة.
ولا بد أن الآباء في غزة يعيشون عذابا عظيم الوطأة إذ يرون أبناءهم يبكون جوعا وهم عاجزون عن إطعامهم. وكثيرا ما أفكر في الرضع الذين كانوا في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة التي تعرضت للقصف، أعني تلك الصورة لحديثي الولادة في مستشفى الشفا وقد وضع السبعة منهم في سرير واحد للحفاظ على حرارتهم وحياتهم. أفكر في أمهاتهم، وكثير منهن اضطررن إلى الولادة دونما مسكنات الألم والمعدات الطبية الملائمة.
أين هم الآن؟ كم من منهم نجا؟ وما أثر ذلك على المسعفين الذين بذلوا الجهد المضني لإنقاذهم؟
لكنني بدأت أيضا أفكر في أثر الأذى المعنوي بالوكالة وعلى نطاق واسع. ولست في معرض مساواته بما يمر به الناس الموجودون على الأرض. لكن ذلك الإحساس بالعجز وما يترتب عليه من إحساس بالتواطؤ: ترى ماذا يفعل هذا الإحساس في الناس من شتى أرجاء العالم ممن يشعرون أن ما يحدث خطأ؟ ما أثر شهود كل هذه المعاناة العميقة، حتى ولو عبر شاشة، والإحساس بالعجز عن العمل أو العجز عن إرغام الآخرين على العمل؟
أفهم الآن لماذا توقفت والدتي عن مشاهدة الأخبار بعد ميلادي. ذلك لأنها لم تقو على احتمالها. أنا أيضا شعرت بإغراء الانكفاء على الذات منذ أن أنجبت ابني، والانغماس في الدفء والأمن اللذين ننعم بهما في حياتنا. لكن الإنترنت يزيد من صعوبة الانفصال، والأخبار تجري في مجرى مواز لحياتنا، والحدود بينهما تنطمس. ففي ليال كثيرة وضعت ابني فيها في مهده، وهو ممتلئ البطن، نظيف الثياب ناعمها، وبكيت في صمت أولئك الأطفال الذين لا ينعمون بالدفء في أسرّة.
وفي الساعات المبكرة حينما يستيقظ طلبا للحليب، يكون أقصى ما يجب عليَّ أن أفعله هو الذهاب إلى الثلاجة والإتيان بالحليب، ونجلس لا منصتين إلى صوت القنابل وإنما منصتان إلى زقزقة عصافير كأنها كانت تملأ السماء.
يبدو لي هذا التناقض بين أمنه وخوفهم تناقضا فاحشا. فهل يكون هذا نوعا من الأذى المعنوي؟ ثمة شيء في مصاحبتك يوميا لكائن صغير ـ
بما له من براءة وبما فيه من ضعف وسخف وطبيعة محبوبة ـ يجعل ألم أي طفل آخر إهانة عميقة. لكنني أعرف أنكم لا ينبغي أن تكونوا آباء لتشعروا بالفزع مما ابتلي به أطفال غزة شعورا تجدونه في أحشائكم. ذلك أنني أومن ـ أو كنت أومن ـ بأنه مغروس في أنفسنا، نحن البشر، أن نشعر بمسؤولية جماعية تجاه الأطفال، وأن هذه المسؤولية الجماعية يمكن أن تمتد لتتجاوز الحدود.
قد يؤدي الإحساس بالعجز في مواجهة هذا الظلم السافر إلى فقدان الثقة أو الإيمان، لا بالحكومات والمؤسسات وإنما بنظام العالم الأخلاقي، وقدرته على حماية الأطفال. وأفكر في أثر هذا، هل ستكون نتيجته ـ مثلما يرجو السياسيون بلا شك ـ هي بلادة في هيئة لا مبالاة؟ فقد تؤدي الأحداث الصادمة إلى فقدان التعاطف حتى ليجب أن يخرج ملايين الناس مرة أخرى رافعين أصواتهم، لكنها أيضا قد توجهنا إلى غضب مفهوم.
لا شك أنني أشعر بفقدان الإيمان. وكنت أشعر بشيء صادق عن الإنسانية، هو أن الناس بطبيعتهم أخيار، وأننا ندين للأطفال بحمايتهم، وقد تغير ذلك بسبب هذا الصراع. فبت أتنقل وداخلي إحساس ثقيل لا يبدو أنني قادرة أن أتخلص منه.
فبرغم أنني على بعد آلاف الأميال من غزة، غيرتني الشهور الثماني عشرة الماضية. تعلمت أن للتعاطف مع الأطفال حدودا سياسية في نظر بعض الناس. فماذا تفعل امرأة مثلي بهذه المعرفة الرهيبة وقد استقرت بداخلها كأنها حجر من رصاص؟ يبدو أنني لا أملك لهذا السؤال جوابا.
ريانون لوسي كوسليت من كتاب أعمدة الرأي في ذي جارديان