تحول التونسي سمير دغفوس قبل 13 عاما من تدريس الهندسة المعمارية والعمل في المكاتب الهندسية إلى محاولة إحياء صناعة البلاط الأندلسي المندثرة في تونس.

ورغم أنه واجه عراقيل من بينها عدم توفر المعدات والحرفيين، فإنه أصبح يصدر منتجاته إلى دول عديدة بينها فرنسا وإيطاليا وألمانيا والسويد والجزائر وليبيا.

دغفوس ليس حرفيا ورث المهنة عن الآباء بل أكاديمي ترك التدريس الجامعي ومكاتب الهندسة المعمارية (الأناضول) أكاديمي يحيي صناعة اندثرت

أمام ورشة على أطراف مدينة نابل، شمال شرقي تونس، تجذب انتباهك آلاف قطع البلاط الأندلسي بأشكال متباينة وألوان زاهية مرصوفة في انتظار تسويقها.

حين تدخل الورشة تجد عمالا منهمكين في صناعة مربعات أسمنتية عليها أشكال نباتية وهندسية متعددة، وصاحب الورشة ليس حرفيا ورث المهنة عن الآباء، بل أكاديمي ترك التدريس الجامعي ومكاتب الهندسة المعمارية في أرقى أحياء تونس العاصمة ومدينة نابل السياحية، ليحيي صناعة اندثرت في بلاده.

بدخولك ورشة التونسي سمير دغفوس تجد عمالا منهمكين في صناعة مربعات أسمنتية (الأناضول) عودة إلى التراث

على أزيز خافت لآلات ضغط تُخرج قطعة البلاط الأندلسي في شكلها النهائي، قال صاحب الورشة سمير دغفوس، "أنا متخرج في كلية الهندسة المعمارية بميلانو (إيطاليا) عام 1991".

وأضاف، "حصلت على شهادة الدكتوراه في الهندسة المعمارية، وعملت سنتين في الهندسة المعمارية ثم قطاع النسيج، وكان لي مكتب هندسي، واشتغلت مدة أستاذا جامعيا بتونس".

مربعات أسمنتية عليها أشكال هندسية متعددة تحيي صناعة اندثرت في تونس (الأناضول)

وعن تحوّله من الهندسة المعمارية إلى إنتاج البلاط الأندلسي، أوضح أن "التكوين في المدرسة العليا للهندسة المعمارية في إيطاليا يجعلك ترجع كثيرا للتراث وكل ما هو تاريخ وأصالة. فأصبح لي ارتباط كبير بالتراث".

وتابع، "بعد رجوعي إلى تونس اختصصت في الترميم والمباني القديمة، وفي إنجاز أحد مشاريعي احتجت إلى هذا النوع من البلاط وبحثت عنه في تونس فلم أجده، فقلت لِم لا أفتح ورشة لصناعة هذا المنتوج؟"
وأردف، "لما كانت المهنة قد اندثرت في تونس، تحوّلت إلى المغرب لأتلقى تكوينا (تدريبا) في هذا الاختصاص صناعة البلاط الأندلسي".

دغفوس: أميل إلى أن أصل هذا النوع من البلاط أندلسي بالفعل فهو يحمل هذا الاسم في المشرق (الأناضول) جذور أندلسية

وبخصوص الجذور التاريخية لهذا البلاط، قال دغفوس "هناك تضارب كثير بشأن تاريخه، ولكنني أميل إلى أن أصله أندلسي، ففي المشرق يسمونه البلاط الأندلسي، وخاصة في لبنان وسوريا".

وزاد أنه "في الدول الغربية هناك رأي آخر، ففي فرنسا يقولون إنه فرنسي، ونفس الأمر في إسبانيا والبرتغال يعتبرونه من تراثهم".

ورأى أن "الأصح أنه تراث برتغالي إسباني أندلسي، مع العلم أنه في البرتغال وإسبانيا يدرس تاريخ هذا البلاط في المدارس الابتدائية، وهناك ورش لتعليم الأطفال كيفية صناعته، ويعتبر تراثا وطنيا".

في ورشة على أطراف مدينة نابل بتونس تجذب انتباهك آلاف قطع البلاط الأندلسي بأشكال متباينة وألوان زاهية (الأناضول) البحث عن معدات

وعن كيفية العثور على معدات لصناعة البلاط الأندلسي، قال دغفوس، "أمضيت 13 سنة في هذا المشروع، والمشكلة الأولى التي واجهتها كانت في توفير معدات الصناعة التي كانت غير متوفرة في تونس".

وأردف، "بقيت أبحث عن حرفيين مارسوا المهنة في الماضي؛ لأنه كان يوجد حرفيون في هذا الاختصاص في الستينيات والسبعينيات. وجدتهم وكانوا متقدمين في السن، فاقتنيت منهم المعدات وأعدت صناعتها".

وأوضح أن "معدات هذه الحرفة تتمثل في القوالب والآلات الضاغطة والأشكال وكل ما يخص هذه المهنة.

و"بحكم تكويني مهندسا معماريا، طورت المهنة والأشكال، وأصبحت ورشتي مدرسة للتكوين، تعلَّم فيها الحرفة ليبيون وجزائريون وإيطاليون"، كما أضاف دغفوس.

للعميل اختيار ما يناسبه من البلاط باللون والشكل والتصميم الذي يفضله (الأناضول) تسويق عالمي

ولم يواجه دغفوس صعوبة في تسويق منتجه، إذ قال: "من حسن الحظ أن مواقع التواصل الاجتماعي كانت وسيلة مهمة للانفتاح على السوق العالمية، و90% من التسويق للدول يتمّ عبرها".

وأضاف أن "عديد الدول نبيع لها منتوجنا، منها فرنسا وإيطاليا وألمانيا والجزائر وليبيا والسويد".

وتابع أن "الحريف (العميل) يمكنه اختيار ما يناسبه من اللون والشكل، ونحن ننتجه بما في ذلك علامات تجارية لشركات، وبالكميات المطلوبة".

دغفوس: المواد المستعملة في صناعة البلاط الأندلسي هي الأسمنت والجليز الأسمنتي (الأناضول) المواد المستعملة

وفيما يتعلق بالمواد المستعملة في صناعة البلاط الأندلسي، قال دغفوس: "الأسمنت، والجليز الأسمنتي (البلاط) فيه جانب القوة والصلابة ولا يندثر أو ينكسر بسهولة".

وبيَّن: "نستعمل نوعين من الأسمنت، الأبيض والأسود والحصى وكربونات الكالسيوم (الرخام المطحون)، وتضاف له الألوان".

وأردف: "هناك الألوان الأساسية التي ننطلق منها لتركيب الألوان حسب المطلوب، وعملنا يدوي بالكميات المطلوبة".

هذا النوع من البلاط  كان منقرضا ونسيه الناس في تونس التي لم يكن بها سوق له (الأناضول) إنقاذ من الاندثار

وتحدث دغفوس عن تجربته وأهميتها بالقول: "قبل 13 سنة كان هذا النوع من البلاط منقرضا من تونس، ونسيه الناس، ولم يكن هناك سوق له، وبالمثابرة والصبر تمكنا من فرض أنفسنا في السوق".

لكنه أشار إلى معوقات أمام هذا الإنتاج: "المشكلة في تونس أن الشباب عازف عن كل ما هو يدوي، فاضطررت أن أجلب يدا عاملة متكونة (مدربة) في المغرب. حاولت تكوين تونسيين في المهنة، ولكن كل المحاولات باءت بالفشل".

 

صناعة البلاط الأندلسي تنتشر في المغرب (الأناضول) حرفي مغربي

العلمي الغالي (47 عاما) أحد العمال المغاربة في ورشة دغفوس قال، "هذه الحرفة تعلمتها عام 1996 من صناعي مغربي".

وتذكر الغالي أول أيامه في الحرفة بالقول، "تعلمت عنده، وأول شيء كلفني به هو تحريك الصباغة فقط، وشيئا فشيئا تعلمت صناعة الغليز (الخلطة الأساسية للبلاط البلدي التقليدي)".

وأردف، "تعلمت في مدينة أرفود من ولاية الرشيدية (وسط شرق المغرب)، وأنا في تونس منذ 2015 وأعمل بحسب الموديل (النمط – التصميم) واللون المطلوب. هذه الصناعة موجودة في المغرب، وهي حرفة أعجبتني رغم صعوبة تعلّمها في البداية، ومنذ ذلك الوقت وأنا أمارسها".

ووفق الغالي فإن "الحرفة اليدوية، مثل الغليز البلدي أو النقش على الخشب أو الجبس، هي أحسن من الصناعات الآلية، وأنا مستمر فيها".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الهندسة المعماریة فی صناعة فی تونس

إقرأ أيضاً:

بالقلم والرمانة.. «مجدي» يبدع في نحت الأسماء على الأختام بالمنوفية

منذ طفولته كان يذهب مع والده في محل عمله لنحت الأسماء على الأختام بطريقة احترافية، فطلب من والده تعليمه سر المهنة، حتى اعتاد على نحت الأشياء التي يراها أمامه في المنزل والمدرسة لتزداد خبرته، وعلى الرغم من ابتعاده عن المجال لعدة أعوام، فأنه لم يجد هويته إلا عندما عاد إلى حلم طفولته الذي راوده طوال حياته، وهو أن يصبح نحاتاً مثل أبيه وأجداده.

أدوات وكيفية النحت 

يستخدم مجدى موريس، 46 عاماً، مقيم بقرية طوخ دلكة بمحافظة المنوفية، القلم المسنون والرمانة التي يثبت بها النحاس ثم يبدع في كتابة الاسم الذي يطلبه الزبائن منه سواء لكبار السن أو لمحو الأمية أو لذوي الهمم، ويكتبه بالمقلوب بدقة وكفاءة عالية لكى يظهر الاسم بالشكل الصحيح عند الختم به على الأوراق، وينجزه في وقت لا يتعدى 5 دقائق بحكم خبرته التي يتمتع بها منذ صغره، فهى من المهن الصعبة التي تحتاج إلى التركيز وتصفية الذهن لعدم الوقوع فى الخطأ، خصوصاً أن الأسماء تكون بالمقلوب.

«عندى غريزة بحب النحت منذ صغري وهو مصدر رزقي الوحيد، وهشتغل الباقي من عمري في المهنة دي»، يقولها «مجدي» لـ«الوطن»، ويكمل أن أجداده كانوا يمتهنون هذا النحت منذ أكثر من 100 عام وظلوا يتوارثونها، لذا هو حريص على تكملة المسيرة.

سعر الختم الواحد 

ويضيف «مجدي»، أن سعر الختم يبلغ 80 جنيهاً، ويجلس بجوار محكمة تلا على ترابيزة صغيرة منتظراً قوت يومه، وأكثر فئة تتوافد عليه هم كبار السن أو محو الأمية الذين يعانون من الصعوبة في الكتابة، وبعد إملاء الاسم من المواطن يبدأ بالكتابة على النحاس لمدة 5 دقائق فقط ويعطيه له دون انتظار، ويتمنى ابن محافظة المنوفية أن يكون له محل أو كشك صغير ثابت له.

مقالات مشابهة

  • بالقلم والرمانة.. «مجدي» يبدع في نحت الأسماء على الأختام بالمنوفية
  • بيان صادر عن ديوان البلاط السُّلطاني
  • قرار تونسي بإلغاء تأشيرة دخول العراقيين للبلاد
  • متحف عُمان عبر الزمان يتأهل لجائزة فرساي العالمية للهندسة المعمارية والتصميم
  • أبزر المعلومات عن برج فوربس.. أحدث الخطط العقارية في العاصمة الإدارية الجديدة
  • نجوم مسرح وكورال مدينة الثقافة والعلوم يتألقون على تياترو آفاق
  • (عمان عبر الزمان) يتأهل لجائزة عالمية سنعرف نتائجها بعد 5 أشهر
  • فيدان: النظام الدولي القائم على القواعد غير كاف لحل القضايا الراهنة
  • وكالة تكشف عن حجم الدعم السعودي الأخير للبنك المركزي اليمني
  • كيف يمكن للتكنولوجيا إحياء المدن التاريخية