سنوات قضاها الكاتب في رحلة البحث عن المفقود متحليا بالعزيمة والصبر اللذَين لم يفارقاه رغم وعورة الطريق. من حكايته نستمد القوة والإرادة في طلب المعالي، فليس هناك أي مستحيل حين تسبق أعمالَنا نيتُنا الصادقة، وهذا ما سنتعرف عليه من خلال قراءتنا لكتاب الكاتب المبدع خلفان بن ناصر الرواحي (محطات لا تنسى) الصادر عن مكتبة الجيل الواعد.

حملت الصفحات الأولى نبذة عن حياة الكاتب ابن الريف خلفان بن ناصر بن سعيد الرواحي المولود في ولاية سمائل وكان لطفولته نصيب من السرد الوافر حيث قضى بداياتها في مسقط رأسه وادي بني رواحة وكان له فيه الكثير من الذكريات الجميلة.

من خلال التعمق بين أروقة الصفحات ستجد سيرة مفعمة بالجمال مصاغة بلغة سهلة سلسة تنزل على المتلقي منزل القبول ويثير لديه الفضول في اكتشاف تفاصيل ما في الكتاب. عند قراءتي وعلى أثر ما شدتني الكلمات تمنيت من الكاتب لو أنهُ أطال أكثر ولم أكد أختم الصفحة الأخيرة حتى تولدت عندي القناعة بجدارة أسلوب الكاتب وصياغته في سرد التفاصيل إلا أنني وددت لو أنه استخدم ضمير المتكلم بدلا من الغائب لتكون الكلمات رنانة حين تنطق بالانا، ولكنها أوصلت المغزى الذي كان يصبو إليه الكاتب.

خلفان ابن الريف اجتهد وصبر وعاش مراحل الجلد وسهر الليالي وكافح حتى نال أسمى ما كان ينتظره.

ومن بين كلماته تنبثق لنا أجمل العبارات التحفيزية التي سطرها لنا لكي تنمي وتغير ويظهر تأثيرها ولتكون دليلا في نفوس من خانتهم شجاعتهم وأوهمتهم نفوسهم بالرسوب عند أول سقوط كما أن النجاح لا يأتي إلا بالإصرار والعزيمة.

تطرق ابن الريف لذكر بداية تعلمه في مدارس القرآن الكريم، حيث كانت في تلك الحقبة لا توجد المدارس التقليدية الأكاديمية، وكانت العلوم حينها تقتصر على القاعدة البغدادية المعروفة التي يكتفي فيها الطالب بحفظ بعض السور من جزء عم، كما ذكر ابن الريف الظروف الصعبة كطريقة التعليم القديمة التي استخدمها مثل الكتابة على كتف الجمال أو الاأقار بعد أن يتم تجفيفها.

تدرج الكاتب في سرده بعدها ليخبرنا أنه أكمل التعليم في مدارس الخيام بأعمدتها الخشبية التي شيدت في ثمانينيات القرن الماضي، وكانت وسيلة النقل متعبة جدا، على الطالب أن يسير في الأماكن الوعرة والدروب الطويلة طلبا للعلم وحين يسدل الليل خيوطه تراه يقرأ مستخدما القنديل المعروف (بالسراج) الذي يعمل بوقود الكيروسين.

من الواجب أن تذكر سيرة هذا الكاتب الذي تحمل مرارة الأيام لكي يسعى لتحقيق أحلامه، فقد كان كالجندي المجهول بشخصيته القوية من خلال ما قرأت له من إصدارات وشعرت بأنني أتقمص شخصيته عندما يبهرني أي موقف مدهش من سرده.

بعد أن أنهيت قراءة هذا الكتاب الشيق الجميل سألت نفسي عن سبب عدم رواجه على نطاق واسع واستغربت لعدم انتشار كتابات هذا الكاتب العظيم وهو الشاعر والفصيح والمهندس والرجل الريفي الذي يبهرنا بتشبيهاته الخيالية التي يكتبها بأسلوب قل نظيره وأعجبني منه أيضا ما كتبه في آخر إحدى قصائده بعد أن أحيل إلى التقاعد: أمضيت عمري فيه بكل كرامة 26 من السنوات، سأظل أحيا مُفعما متفائلا، أعطي منشرح النفس بكل ثبات، الكتاب معجم ومرجع لسبل الحياة القديمة في الزمن الماضي، ودليل محفز لتحقيق الأهداف ويظهر ذلك من أولى الصفحات حتى آخرها ضمن محطات لا تنسى، ومن خلال قراءتنا سنتوقف مع بعض العثرات والمصاعب التي استرسل ابن الريف بالسرد عنها وعن خبرته في اجتيازها والتغلب عليها مؤكدا لنا على العزم والإرادة في سبيل النجاح.

* محمد الزعابي كاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من خلال

إقرأ أيضاً:

أسطوات وفنانون.. كتاب يرصد مناطق مجهولة من سيرة نجوم الفن

كتب- محمد شاكر:

صدر عن دار طفرة للنشر والتوزيع، كتاب "أسطوات وفنانون" في 202 صفحة للكاتب أشرف بيدس.

الكتاب يتعرض إلي 35 فنان وفنانة في مختلف روافد الفن (صلاح جاهين، شادي عبد السلام، صلاح مرعي، فؤاد الظاهري، عايدة عبد العزيز، عمار الشريعي، عبد الله غيث، صلاح قابيل، رشيدة عبد السلام، راجع داود، ياسر عبد الرحمن).

حيث تميز هؤلاء الفنانين بالتفرد وأسهم كل واحد في مجاله إسهاما عظيما ومشرفا تشهده الصناعة ويحفظ في وجدان تلاميذه، واستمتعت به الجماهير العريضة، وبعضهم احتفت به الأوساط الفنية في الخارج أكثر مما حظي به في وطنه، وآخرون حصدوا نصيبهم في الداخل، وقلة قليلة لم يسمع عنها العامة، لكنها احتفظت بكل التقدير من أهل المهنة.

يرصد الكتاب، حكاية وراء كل نجم من نجوم هذا الكتاب تحمل كثيرا من الشجن والشغف والخصوصية تجعلها مصنفة ضمن الحكايات الملهمة التي تقيم جسرا متينا ليعبر فوقه الحالمون، ومنارة يهتدي صوبها كل من يحمل موهبة، ورغم أن الكتاب معني بالسيرة الفنية تناثر علي الورق بعض من تفاصيل ومواقف عاشوها وكادت أن تغرينا للسعي وراءها، وما جعلنا نعزف علي أن نؤسس لها مساحة هو ندرتها عند شخوص كثيرة لم تحترف الترويج والحكي, واستظلت بالابتعاد علي كل ما يلقي الاضواء في اتجاههم عن رضا وقناعة.. والكتابة ليس محاولة لتقديم أي نوع من العرفان فهم أكبر من تلك السطور , لكننا نذكر أنفسنا بهم فقط, في الذكري شرف اتمني أن استحقه.

هذا الكتاب إلي كل من يعمل في الخفاء ولا يتصدر المشهد الدعائي، إلي الجنود المجهولة الذين يبذلون الجهد والعرق لإسعاد البشر، وكل صنايعي وفنان يتحسس طريقه، وإلي طلبة المعاهد الفنية والأكاديمية، ففي هذا الكتاب مهرة وأساتذة منعهم السعي الدؤوب من الظهور، لكن أعمالهم العظيمة شيدت صناعة رائدة.

مقالات مشابهة

  • أوعى تنسى..موعد صلاة عيد الأضحى في الاسكندرية
  • شبهة ارتشاء تقود إلى توقيف ضابط أمن ومقدم شرطة بمكناس
  • وفاة الكاتب السوري فؤاد حميرة نتيجة أزمة قلبية حادة
  • آخر ما نشره "نعم.. الموت حلو يا أولاد".. كتاب وفنانون ينعون فؤاد حميرة أحد أبرز كتاب الدراما السورية
  • دراسة نقدية وشذرات من سيرة غيرية مع قصة قصيرة
  • القديس أبسخيرون الجندي.. سيرة خادة في تراث الكنيسة الأرثوذكسية
  • ألمانيا.. عمال يعثرون على كنز أثناء تركيب خط صرف صحي (صورة)
  • أسطوات وفنانون.. كتاب يرصد مناطق مجهولة من سيرة نجوم الفن
  • الهامش أغلى من الموز.. انتصار الثورة السودانية والربط بين قواها في الريف والهامش والمدن «1- 2»
  • موقع بريطاني: الحرب الإسرائيلية على غزة تعيد إلى الأذهان أهوال الإبادة الجماعية في البوسنة