ترشيحات للقراءة| "سينما القلوب الوحيدة".. رسالة مديح للفن السابع
تاريخ النشر: 20th, June 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يُعدُّ كتاب "سينما القلوب الوحيدة"، الصادر عن المحرر للنشر، رسالة من مؤلفه الدكتور ياسر ثابت في مديح السينما، حيث يُبرز أهميتها بوصفها وسيلة تواصل ذات تأثيرات متباينة على المتفرج، الذي يلجأ إليها بشكل متعمد في أوقات كثيرة، ليس بهدف التسلية فقط، ولكن بغرض التماهي مع أبطالها، فيفرح لفرحهم ويشعر بالأسى لو أصابهم أي مكروه.
يُقدِّم الكتاب نمطًا من التحليل النقدي الرحب للتجربة السينمائية في معناها الأشمل، أو كما قال المؤلف "تستضيف الأفلام أحلامك وكوابيسك، تضعك في روحانية اللحظة وعظمة اللقطات، ثم توجّه إليك سؤالًا وجوديًا: أين مكانك في العالم؟".
ويضيف: "السينما هي الجحيم الذي لا بدَّ منه. جلسة حميمية طويلة، تخرج منها مُعتدًّا بأوهامك. صُرَّة من المشاعر بعثرها الهواء. وهي، في أحيان أخرى، مثل معجنات مُصممة لاسترضاء المعدمين بأحلام يقظة عن نعمة لا يمكن الوصول إليها".
ويشير الكاتب إلى أن هدفه من الكتاب يتمثَّل في استعادة رموز المتعة البصرية والسردية ذات الرونق الخاص ممَن قدَّموا مسارات مختلفة ومُلهمة في العمل السينمائي، ونجحوا في تطويره. فيستعرض في هذا السياق، مجهودات مجموعة من المخرجين والممثلين مثل محمد خان، وداود عبدالسيد، وعز الدين ذو الفقار، وأحمد زكي، وأبرز مديري التصوير السينمائي في مصر.
صيفي.. وشتوي!
عشية ثورة 23 يوليو 1952، كان أنور السادات حريصًا على اصطحاب زوجته الثانية جيهان إلى السينما الصيفية القريبة من منزله لمشاهدة عروض لثلاثة أفلام متتالية. وعندما عاد إلى المنزل في الواحدة ليلًا، علم من حارس العقار أن جمال عبد الناصر ذهب يسأل عنه مرتين، فأسرع نحو منزل عبد الحكيم عامر ثم قيادة الجيش بالعباسية، حيث كان كل شيء قد تم وسيطر الضباط الأحرار على مقاليد الأمور.
وقد أصبحت حكايته هذه نكتةً تُروى ونادرةً يتناقلها أعضاء مجلس قيادة الثورة فيما بعد.. فما إن يسأل واحدٌ منهم في أي اجتماعٍ: أين أنور؟ حتى يجد من يجيب ساخرًا: في السينما!
والسينما الصيفية وتوأمها السينما الشتوية جزء من الذاكرة السينمائية لدى كثير من المصريين طوال القرن العشرين.
ولعل ما ذكره مدير التصوير السينمائي سعيد شيمي في كتابه «حكايات مصور سينما» يكفي للتدليل على ذلك؛ إذ يقول:
«منزلي الذي وُلِدتُ به كان في 30 ميدان عابدين، وكانت تحيط به دور العرض الصيفية والشتوية بالكامل من كل جهة؛ فمن ناحية الشمال وعلى بُعد خطوات قليلة من المنزل «سينما رويال» -مسرح الجمهورية الحالي- وهي دار فخمة شتوية؛ وأتذكر أني شاهدتُ فيها فيلم «شمشون ودليلة» في الخمسينيات.
وبجانبها سينما درجة ثالثة «إيديال» شتوية لم ندخلها أبدًا، ثم أبعد قليلًا أمام المبنى الفخم لمتجر «عمر أفندي» منطقة تُسمى أرض شريف فيها دار عرض حديقة «بارادي» الصيفية، وسينما «كرنك» الصيفية، ثم في شارع عبد العزيز سينما «أولوبيا» الشتوية سيئة السمعة، ثم في حديقة الأزبكية «سينما صيفي الأزبكية»؛ في الشتاء تتحول إلى ملعب للعب رياضة «الباتيناج» -الأحذية ذات العجل- وسينما صغيرة درجة ثالثة تُسمى «رمسيس» في مدخل أحد شوارع ميدان العتبة.
وفي الشمال الغربي من المنزل كل سينمات منتصف القاهرة الصيفية والشتوية؛ منها ما ذهبت مع الزمن مثل الصيفي «ركس» و«سان جيمس» وهي سينما ومطعم في البالكون في نفس الوقت، وسينما «متروبول» وسينما «النصر» وسينما «كورسال» بجانب السينمات الشتوي العديدة؛ الباقي منها الآن «ديانا».
أما إذا اتجهنا غربًا من منزلي وعلى بُعد خطوات سينما «ستراند»المتسعة؛ ومكانها الآن عمارة ستراند، وسينما «ريو» الصيفي بجوار سوق باب اللوق، وفي سينما «ستران» شاهدتُ أفلامًا صامتة. وكذلك لم تكن هناك ترجمة بالعربية أسفل الصورة على الشاشة، بل الترجمة على شريط جانبي متحرك من الأسفل إلى أعلى بعيدًا عن الشاشة في جهة اليين باللغة العربية، وآخر جهة اليسار باللغة الفرنسية إذا كان الفيلم ناطقًا بالإنجليزية أو أي لغة أخرى.
ومن ناحية الجنوب من المنزل سينما «الشرق» الشتوي في مدخل ساحة السيدة زينب الكريمة، ولم نذهب إليها –ربما- إلا مرة لبُعدها عن المنزل؛ فقد كنا نذهب إلى دور العرض منترجلين مع والدينا أو دادة حجازية، حتى يحضر والدي أو عمتي، وفي السينمات الصيفي دادة حجازية تحمل معها سندوتشات البيض بالبسطرمة والجبن الرومي والمربى وترمس الماء» .
ولنتخيل مدى تأثير دور العرض المذكورة على فتى مثل سعيد شيمي، قبل أن يقرر احتراف التصوير السينمائي ويصبح من علامات المهنة في مصر.
غير أن دور العرض الصيفية والشتوية اختفت أو كادت لأسباب مختلفة، منها تغيُّر ثقافة الفُرجة وعادات المتفرجين، وتراجع عدد دور العرض في مصر بشكل عام لعوامل اقتصادية.
منذ مطلع الألفية الثالثة، تم إغلاق سينما Rio الواقعة بمنطقة باب اللوق أمام الجمهور، افتتحت تلك السينما في أوائل سبعينيات القرن العشرين، وهي «سينما صيفية» تعرض أفلامها في الهواء الطلق على مقاعد متراصة يمينًا ويسارًا وأمامك شاشة كبيرة في الواجهة كان يقوم بتشغيلها «عم مرسي» الذي يجلس في الطابق الأول للسينما يحرك الماكينات اليدوية التي كانت مستخدمة آنذاك، فلم تكن Rio تعتمد على ماكينات الـ٣٥ مم بعد.
حرصت هذه السينما على عرض أفلام تجذب جمهور الشباب والمراهقين مثل «حمام الملاطيلي» بطولة شمس البارودي ومحمد العربي ويوسف شعبان وإخراج صلاح أبوسيف. كانت ريو تعرض أربعة أفلام يوميًّا، وكان المطعم المجاور لها ملاذًا للكثير من رواد السينما الذين كانوا يتناولون الطعام فيه بعد مشاهدة الأفلام، والتذاكر كانت تباع بـ60 و75 قرشًا، وصلت إلى جنيه وخمسة وسبعين قرشًا قبل إغلاق السينما تمامًا.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: سينما القلوب الوحيدة دور العرض
إقرأ أيضاً:
مقدمة لدراسة صورة الشيخ العربي في السينما الأمريكية «24»
لما تقدم، فإنه تنبغي العودة إلى أفلام شبه منسيَّة، أو مفقودة حرفـيَّا فـي حالات، ومجازا فـي حالات أخرى (تجدر الإشارة هنا إلى ما هو حقيقة معروفة وقد تكون مثيرة لدهشة البعض، وهي أن من 70٪ إلى 90٪ من الأفلام الأمريكية الصَّامتة -خاصة تلك التي أنتجت قبل عام 1929- مفقود من الإرشيف السِّينمائي لأسباب متعددة، وليس هذا مقام الخوض فـيها)، أو غائبة عن النَّقد، بما فـي ذلك العديد من «أفلام الشَّيخ» التي أُنتجت فـي عشرينيَّات القرن الماضي مثل «حُب عربي» [Arabian Love] (جيروم ستورم Gerome Storm، 1922[، و«رمال حارقة» [Burning Sands] (جورج مِلفورد George Melford، 1922)، و«تحت عَلمين» [Under Two Flags] (تود براوننغ، Tod Browning، 1923)، و«ليلة واحدة مسروقة» [One Stolen Night] (روبرت إنزمِنجر Robert Ensminger، 1929)، وأيضًا فـيلم آخر بنفس العنوان: «ليلة واحدة مسروقة» (سْكوت آر دَنلاب Scott R. Dunlap، 1929)، و«أغنية الحُب» [The Song of Love] (فرانسِس ماريون Frances Marion، 1923)، و«ابن صحارى» [The Son of the Sahara] (إدوِن كيروEdwin Carewe ، 1924).
وسأعيد القول هنا انه فـي وقت مبكِّر من تاريخ السِّينما الأمريكيَّة (أعني تاريخ إصدار فـيلم «الشَّيخ»)، فإن «السرديَّات الشَّيخيَّة»، فـي طاعتها الخنوع لمقتضيات ومتطلَّبات الاستشراق، إنما كانت تعمل بوصفها استجابة لأنواع القلق المحلي، والدَّاخلي، الأمريكي. ولا شك أن العزف المشترك لأسئلة العِرق والجندر بوصفها مقولات للهويَّة والرَّغبة هو المظهر الأكثر بروزا فـي تلكم السرديَّات الشَّيخيَّة؛ فكما يحاجج دانييل بِرنانردي Daniel Bernardi فـي الأنثولوجيا المهمة التي حرَّرها عن البياض فـي السِّينما الهوليووديَّة الكلاسيكيَّة فإن «العِرق» هو «أداء يتعلَّق بالظُّهور» (1). إن السرديَّات الشَّيخيَّة.
كما تقدمها أفلام الشَّيخ فـي عشرينيَّات القرن الماضي (وحتَّى، بدرجات متفاوتة ومتباينة، ما بعد ذلك التَّاريخ) تعرض علينا طيفاً واسعاً من «التَّجريبيَّات» مع العِرق، والجندر، والرَّغبة، وذلك من خلال الشَّخصيَّات وأفراد الجمهور معاً؛ فالجندر، على سبيل المثال، يتبدَّى باعتباره ليس أقل ولا أكثر من مقولة مبدئيَّة، وتفاوضيَّة، ومتحوِّلة يجري تعقيدها، واللعب بها، بصورة نموذجيَّة، عبر تقنيَّات وأحابيل سرديَّة من قبيل التَّنكُّر، ونشر وتداول الأمكنة والأسماء، والمطاردات، وعمليَّات الإنقاذ الحَرِج التي تحدث فـي اللحظة الأخيرة أمام جمهور محبوس الأنفاس. وفـي هذا السِّياق، فإن الأنثى الغربيَّة تظهر باعتبارها مختلفة بصورة واضحة عن مثيلتها العربيَّة، وهذا ما ينبغي تحليله. ولذلك فإنه يجدر تفكيك أفلام من قبيل «بلاد العَرَب» [Arabia] الذي يُعرَف أيضا بعنوان «توم مكس فـي بلاد العرب» [Tom Mix in Arabia] (لِن رِنولدز Lynn Reynolds، 1922)، و«خِيام الله» [The Tents of Allah] (تشارلز أي لوغ Charles A. Logue، 1923)، و«خادمة فـي المغرب» [Maid in Morocco] (تشارلز لامونت Charles Lamont، 1925) و«سيِّدة الحريم» [The Lady of the Harem] (راؤول وولش Raul Walsh، 1926)، و«إنَّها شيخ» [She›s a Sheik] (كلارِنس جي باجر Clarence G. Badger، 1927).
وحين نتتبَّع الأمر بدقَّة، فإننا سنجد انه حتى فـي «الاستكتشات» البصريَّة الخام، بسبب بدائيَّة التَّعبير السِّينمائي عهدذاك، التي سبقت الظُّهور الأسطوري العارم لفـيلم «الشيخ»، فإن السرديَّات الشيخيَّة قد تضمنت بصورة نموذجيَّة حكايات وحكايات عن كل نوع من أنواع الاستعباد تقريبا. بمعنى معيَّن، أصبح «الشَّيخ» الشخصيَّة التي تُسقَط عليها، ويُتَفاوض من خلالها مع الإرث المشين للعبوديَّة فـي التَّاريخ الأمريكي نفسه، وذلك فـي نوع من «إعادة السَّيْقَنَة» (recontextualization) الأيديولوجيَّة والانتشار الاستراتيجي ثقافـيَّا، ولذلك فإنه ينبغي التَّركيز فـي الدِّراسة، مَثلاً وليس حصرا، على عمل مثل السِّلسلة الفـيلميَّة «المدينة المفقودة» [The Lost City] (هيري جي رِفَر Harry J. Revier، 1935)، والذي تدور أحداثه فـي داخل أفريقيا. يدور سرد الفـيلم حول تاجر عبيد، وهو شيخ عربي بالتَّأكيد، يستعبد ويعذِّب ضحاياه الأفارقة. وهذا الجزء من السرديَّات الشيخيَّة يتضمن أيضا أفلاما مثل «فـيلق الرجال المفقودين»Legion of Missing Men] [ (هاملتُن مكفادِن، Hamilton MacFadden، 1937)، و«انتقام طرزان» [Tarzan›s Revenge] (ديفد روس لِدرمن، 1938)، و«الرَّجل الأسد» [The Lion Man] (جون بي مكارثي John P. McCarthy، 1937)، و«الطَّريق إلى زنجبار» [Road to Zanzibar] (فِكتُر شرزنغر Victor Schertzinger، 1941).
عندما نُشرت رواية «الشَّيخ»، وكذلك عندما حوِّلت إلى فـيلم سينمائي، كانت الجزائر، موقع الأحداث، ترزح تحت نير الاستعمار الفرنسي، ولكن هذه الحقيقة السياسيَّة والتاريخيَّة البسيطة يغفلها سرد العملين بطريقة مباشرة (وكذلك يفعل استقبالهما لدى القرَّاء والجمهور).
فـي الحقيقة، كلا العملين يرمنسان الكولونياليَّة، وفـي أفلام الشَّيخ العربي اللاحقة (خاصة تلك التي أُنتجت فـي الثلاثينيَّات والأربعينيَّات من القرن الماضي)، ازداد اعتبار الشَّيخ باعتباره «مواطنا» (national) (بالمعنى السيئ للمفردة) وليس مجرد شخصيَّة «رومانسيَّة»، ويتضمن عدد معتبَر من أفلام الشَّيخ العربي مواجهات عسكريَّة مباشرة بين أفراد أو بلدان عربية من ناحية، وأفراد أو قوى غربية من ناحية أخرى، ولذا فإنه تنبغي دراسة فـيلم «مغامرة فـي العراق» [Adventure in Iraq] (ديفِد روس لِدرمَن David Ross Lederman، 1943) بصورة مستفـيضة، فأنا أعتقد بأهميته بكل معاني الكلمة، ومن كافة النَّواحي.
كما أن بعض الاهتمام البحثي ينبغي أن يُمنح أيضا للسرديَّة الشَّيخيَّة فـي أفلام «مواجهة» أخرى مثل «تحت علمين» [Under Two Flags] (فرانك لويد Frank Lloyd، 1936)، و«الرَّجل الأسد» [The Lion Man] )جون بي مكارثي، 1937)، و«مُغِيرو الصَّحراء» [Raiders of the Desert] (جون راولنس John Rawlins، 1941)، و«يانكيٌّ فـي ليبيا» [A Yankee in Libya] (ألبرت هِرمَن Albert Herman، 1924)، و«حرب فـي بلاد العرب» [Action in Arabia] (ليونِد مغوي Leonide Moguy، 1944).
---------------------
(1): Daniel Bernardi, “Introduction: Race and the Hollywood Style,” Classical Hollywood, Classical Whiteness (Minneapolis: University of Minnesota Press, 2001), xxi.
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني