أطلق الرئيس اللبناني جوزاف عون مواقف غير مسبوقة حيال سلاح حزب الله، ودعا إلى تسليمه "اليوم قبل الغد" باعتباره خطوة أساسية لبناء الدولة وترسيخ سيادتها. اعلان

من وزارة الدفاع، وفي مناسبة عيد الجيش، أطلق الرئيس اللبناني جوزاف عون مواقف تحمل دلالات تتجاوز الإطار الرمزي. لم يكن خطابه استذكارًا تقليديًا لتضحيات المؤسسة العسكرية، بل إعلان موقف واضح يتعامل مع قضية سلاح حزب الله باعتبارها مدخلًا لبناء الدولة، لا مجرد تفصيل أمني.

الرئيس اللبناني لم يكتفِ بالتنويه بدور الجيش في الجنوب، بل أرسل نداءً مباشرًا وصريحًا إلى "حزب الله وسائر الأطراف اللبنانية" من أجل تسليم السلاح "اليوم قبل الغد"، مؤكدًا أن "الحرص على حصرية السلاح ينبع من الحرص على تحرير الأراضي وبناء الدولة".

وقد تكون هذه المرة الأولى التي يخرج فيها رئيس البلاد بموقف بهذا الوضوح تجاه ملف بهذا الحجم، دون الاختباء وراء العبارات التقليدية أو المعادلات الرمادية.

قد تكون هذه المرة الأولى التي يخرج فيها رئيس البلاد بموقف بهذا الوضوح تجاه ملف بهذا الحجم، دون الاختباء وراء العبارات التقليدية أو المعادلات الرمادية.

لكن رغم هذا الكلام الصريح، تبقى تساؤلات معلقة حول قدرة الدولة فعلًا على ترجمة هذه الرؤية إلى واقع. فالجيش لا يمتلك القدرة العملانية لردع أو التصدي للضربات الإسرائيلية المتواصلة، وهو أمر يدركه القاصي والداني، بمن فيهم الرئيس نفسه.

إذ إن آلاف الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار منذ تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، لم تُقابل برد لا من الدولة اللبنانية، ولا من الجهات الدولية المعنية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي غالبًا ما اكتفت بالتغطية السياسية لتلك الممارسات.

قراءة حزب الله: إسرائيل تنتظر نزع السلاح لتتوسع

في المقابل، لم يتأخر حزب الله في تثبيت موقعه من النقاش، وإن كان ذلك قبل كلمة عون بيوم واحد. ففي 30 تموز/يوليو، أطل الأمين العام للحزب نعيم قاسم بمواقف بدت وكأنها تستبق كل طروحات الدولة، من خلال تحذيره الصريح من أن "العدو ليس متوقفًا عند النقاط الخمس المحتلة وينتظر نزع سلاح المقاومة ليتوسع ويبني مستوطناته".

هذا التصريح يكشف أن الحزب يرى في النقاش الداخلي حول السلاح، وتحديدًا الدعوات لتسليمه، مقدّمة لخطر وجودي، لا لتسوية وطنية. فبحسب قاسم: "الأولوية ليست لحصرية السلاح"، وقالها بوضوح: "السلاح ليس أولى من إعادة الإعمار ووقف العدوان. أوقفوا العدوان والاعتداءات وحرروا الأسرى وبعدها خذوا منّا أحسن نقاش".

وأضاف: "كل من يطالب اليوم بتسليم السلاح داخليًا أو خارجيًا أو عربيًا هو يخدم مشروع إسرائيل". هذه العبارة، تضع كل دعوة لتسليم السلاح في خانة التشكيك، وربما التخوين، مهما كانت الجهة التي تطلقها.

كلام أمين عام حزب الله يضع كل دعوة لتسليم السلاح في خانة التشكيك، وربما التخوين، مهما كانت الجهة التي تطلقها.

من هنا، لا يُخفي الحزب اقتناعه بأنه سبق أن قدّم تنازلات جوهرية حين سلّم سلاحه في جنوب الليطاني التزامًا باتفاق وقف إطلاق النار، ويرى أنه في ظل غياب أي ضمانات حقيقية، فإن هذا أقصى ما يمكن أن يُقدَّم في المرحلة الحالية.

الحزب يقرأ التطورات على أنها تراكمية، من تصعيد الجانب الإسرائيلي إلى التغطية الأميركية، إلى تنامي المجموعات المسلحة في سوريا القريبة من الحدود، وكل ذلك يجعله يعتبر أن التسليم الكامل للسلاح غير مطروح، في المدى المنظور.

الغطاء الدولي يتبدل: من المراوحة إلى الضغط العلني

الموقف الأميركي الأخير، الذي عبّر عنه المبعوث الخاص إلى سوريا ولبنان توماس باراك، لا يقلّ أهمية عن المواقف الداخلية. فباراك لم يكتفِ هذه المرة بالدعوة إلى احترام مبدأ حصرية السلاح، بل ذهب أبعد، حين اعتبر أن "الاحتفاظ بالسلاح خارج إطار الدولة يجعل الكلمات غير كافية"، مضيفًا: "على الحكومة وحزب الله التحرك الفوري لتجنب حالة الجمود".

الأهم أن باراك أشار بوضوح إلى أن موضوع السلاح بات "شأنًا داخليًا"، وهو توصيف يفتح المجال لتفسير بالغ الخطورة: الدفع غير المباشر نحو تحميل الدولة ـ وتحديدًا الجيش والمؤسسات الأمنية ـ مسؤولية تولّي هذا الملف، بمعزل عن حوار أو توافق وطني شامل.

Related "اليوم قبل الغد".. الرئيس اللبناني يدعو حزب الله لتسليم سلاحه للجيش ويحذر من حروب الآخرين "العبثية"الجيش الإسرائيلي يُعلن تفاصيل أنشطته العسكرية في لبنان.. ومصادر رويترز: حزب الله يرفض تسليم سلاحهالأمين العام لحزب الله: كل من يطالب بتسليم السلاح يخدم "المشروع الإسرائيلي"

وفي موازاة ذلك، لم يترك باراك شكًا في حقيقة الموقف الأميركي من التوازنات القائمة، حين أعلن صراحةً عدم قدرة واشنطن على تقديم الضمانات التي يطلبها لبنان، بالقول: "ليست لدينا أجوبة عن كل الأسئلة... ولا نستطيع إرغام إسرائيل على فعل أي شيء".

هذه التصريحات تكشف بوضوح أن لا جهة قادرة فعليًا على وقف الضربات الإسرائيلية، وأن المجتمع الدولي، بزعامة واشنطن، أقرب إلى دور الوسيط المنحاز إلى إسرائيل منه إلى الضامن الحازم.

وهو ما يعزز وجهة نظر حزب الله، وفق مراقبين، بأن نزع سلاحه في هذه الظروف هو بمثابة "مغامرة انتحارية"، خصوصًا أن الأخطار لا تأتي فقط من إسرائيل، بل أيضًا من واقع إقليمي مضطرب، لا سيما بعد تصاعد التهديدات على الحدود مع سوريا في الآونة الأخيرة.

اختبار السلطة التنفيذية: الحكومة أمام مفترق الخيارات

وسط هذا التصعيد في الخطاب السياسي والدبلوماسي، تتوجه الأنظار إلى مجلس الوزراء الذي سينعقد الأسبوع المقبل، لبحث مسألتين مترابطتين: استكمال البحث في تنفيذ البيان الوزاري في شقه المتعلق ببسط سيادة الدولة على جميع أراضيها بقواها الذاتية حصراً، من جهة، والترتيبات الخاصة بما يُسمى "وقف الأعمال العدائية".

النقاش الوزاري لن يكون نظريًا. إذ إن ورقة الأفكار التي حملها السفير باراك تتضمّن بنودًا ترتبط عضوياً بدور حزب الله وسلاحه، وبالتالي، فإن الحكومة أمام مفترق خيارات حقيقي: إما التقدم في خطوات عملية تؤكد التزامها بمبدأ حصرية السلاح، أو الحفاظ على التوازنات الداخلية وتجميد المسار مجددًا.

لكنّ أي خيار من هذين يحمل كلفة باهظة، فالتقدم سيعتبره الحزب استهدافًا مباشرًا له، بينما التجميد قد يُنظر إليه دوليًا على أنه عجز في القرار السيادي. وهنا تكمن المعضلة التي ستواجه رئيس الحكومة نواف سلام وفريقه الوزاري.

سيناريو الصدام

في ظل هذه المواقف المتضادة، والتباينات العميقة حول توصيف وظيفة السلاح وحدوده، تطرح الأسئلة نفسها بحدة: ماذا لو قررت الدولة اتخاذ إجراءات ميدانية تحت عنوان بسط سلطتها؟ وهل المؤسسة العسكرية مستعدة فعليًا لتحمّل عبء هذا التحوّل؟

السؤال الأكبر: هل يملك لبنان اليوم القدرة على تحمّل صراع داخلي جديد، ولو على شكل اشتباك سياسي حاد أو أزمة حكم؟ خاصة أن السياق الإقليمي لا يمنح لبنان أي هوامش إضافية للمناورة، كما أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي لا يحتمل ارتجاجًا إضافيًا في بنية الدولة.

الواقع أن خطاب الرئيس عون، بما حمله من وضوح سياسي ومباشرة، يؤسس لمسار مختلف في مقاربة الدولة للسلاح. وهو خطاب يمكن البناء عليه ضمن إطار حوار وطني جامع، إن كانت النية فعلًا هي الانتقال من التعايش الهشّ إلى تنظيم العلاقة بين الدولة وما يُسمى داخليًا بفريق "المقاومة" الممثل بحزب الله.

في المقابل، فإن تمسّك الحزب بسلاحه لم يتغير، بل تأكد مرة أخرى بعبارات قاطعة، لا تترك مساحة لتنازلات أو تسويات ما لم تتغير المعادلات الخارجية، وعلى رأسها استمرار "العدوان الإسرائيلي وغياب أي ضمانات فعلية للأمن" وفق تعبير أمين العام.

في المحصلة، ما بين الخطابين يقف لبنان اليوم في منطقة رمادية: لا هو في مسار حسم، ولا هو في حالة استقرار. وأي تحرك غير محسوب قد يؤدي إلى كسر هذا التوازن، وفتح البلاد على مرحلة شديدة الحساسية والخطورة.

فهل نذهب إلى حوار ناضج يؤسس لمعادلة وطنية جديدة؟ أم أن البلاد مقبلة على مواجهة مؤجلة، تبدأ من السياسة، ولا يعرف أحد أين تنتهي؟

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

المصدر: euronews

كلمات دلالية: إسرائيل غزة روسيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني دونالد ترامب حزب الله إسرائيل غزة روسيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني دونالد ترامب حزب الله إسرائيل حزب الله لبنان إسرائيل غزة روسيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني دونالد ترامب حزب الله حركة حماس المساعدات الإنسانية ـ إغاثة تسونامي فلسطين زلزال لبنان الرئیس اللبنانی حزب الله

إقرأ أيضاً:

نواف سلام من الدوحة: لبنان لن يستقر دون إنهاء الاحتلال وحصر السلاح بيد الدولة

أكد رئيس الحكومة اللبنانية، الدكتور نواف سلام، أن لبنان لا يمكن أن يخرج من حالة عدم الاستقرار التي يعيشها منذ سنوات ما لم يتحقق شرطان أساسيان، أولهما إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الكامل للأراضي اللبنانية، وثانيهما حصر السلاح بيد الدولة، ممثلة بمؤسساتها الشرعية وفي مقدمتها الجيش اللبناني، وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة.

وجاءت تصريحات سلام خلال مشاركته في جلسة حوارية ضمن فعاليات اليوم الثاني من النسخة الثالثة والعشرين لمنتدى الدوحة 2025، التي انعقدت تحت عنوان: "ترسيخ العدالة.. من الوعود إلى الواقع الملموس"، حيث تناول واقع المنطقة المتأزم، وانعكاساته المباشرة على لبنان سياسياً وأمنياً واقتصادياً.

وقال رئيس الحكومة اللبنانية إن الوضع الحالي في المنطقة لا يزال بعيداً عن السلام والاستقرار، مشيراً إلى أن الاتفاقيات السابقة، بما فيها إعلان وقف الأعمال العدائية الذي تم التوصل إليه قبل عام برعاية فرنسية وأمريكية، لم يلتزم بها أي طرف حتى الآن، الأمر الذي ساهم في استمرار حالة التوتر وعدم اليقين في الجنوب اللبناني.

وأشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي لا يزال متمسكاً بعدد من النقاط في جنوب لبنان، موضحاً أن هذه النقاط لم تعد تحمل أي قيمة عسكرية أو استراتيجية في ظل التطور الكبير في التكنولوجيا العسكرية ووسائل المراقبة الحديثة، معتبراً أن استمرار السيطرة عليها يعكس توجهاً سياسياً أكثر منه ضرورة أمنية.

وشدد سلام على أن الجيش اللبناني هو الجهة الوحيدة المخوّلة بالاحتكار الكامل للسلاح في البلاد، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، مؤكداً أن جميع قضايا الحرب والسلم يجب أن تبقى حصراً بيد الحكومة اللبنانية، في إطار احترام الدستور والالتزام بالشرعية الدولية.

وفي الشأن الداخلي، كشف رئيس الحكومة عن خطة إصلاحية تقوم على ثلاثة محاور رئيسية، تهدف إلى إخراج لبنان من أزمته المركّبة، وهي: استعادة سيادة الدولة وبسط سلطتها على كامل أراضيها، وتنفيذ إصلاحات مالية واقتصادية عميقة لمعالجة الانهيار الحاصل في القطاعات المصرفية والخدماتية والمعيشية، إضافة إلى إطلاق ورشة إصلاح إداري وقضائي تشمل تعزيز استقلالية القضاء، وتنظيم التوظيف في القطاع العام، وتحديث القوانين المصرفية بما يضمن حقوق المودعين ويحمي النظام المالي.

وفي هذا السياق، أعلن سلام أن الحكومة تعمل على إصدار قانون جديد قبل نهاية الشهر الجاري، يتيح للمودعين الوصول إلى حساباتهم المصرفية، بالتوازي مع وضع آليات واضحة وعادلة لتقاسم المسؤولية عن الخسائر بين الدولة والمصارف والمودعين، في محاولة لإعادة الثقة بين المواطن اللبناني والمؤسسات المالية.

وعن الاستحقاق النيابي المرتقب، أكد رئيس الحكومة اللبنانية أن التحضيرات للانتخابات البرلمانية المقررة في ربيع هذا العام قد انطلقت، وأن الحكومة ملتزمة بإجرائها في موعدها المحدد، معتبراً أن البرلمان المقبل سيكون صاحب الدور الحاسم في تحديد مستقبل المشهد السياسي، بما في ذلك مسألة ترشحه لعهدة جديدة على رأس الحكومة من عدمها.

واختتم سلام مداخلته بالتأكيد على أن لبنان، رغم كل التحديات، لا يزال يمتلك فرصة حقيقية للنهوض، شريطة توفر الإرادة السياسية الداخلية، والدعم الدولي القائم على احترام سيادة الدولة وخيارات شعبها، بعيداً عن أي تدخلات أو أجندات خارجية.

وتأتي هذه التصريحات في وقت يحظى فيه الملف اللبناني باهتمام إقليمي ودولي متجدد، على هامش منتدى الدوحة 2025، الذي يشهد مشاركة واسعة من قادة ومسؤولين وخبراء وصنّاع قرار، لمناقشة أبرز الأزمات والتحديات التي تواجه العالم والمنطقة، وسبل بناء مستقبل أكثر استقراراً وعدلاً للشعوب.



مقالات مشابهة

  • سلام: لبنان ملتزم بضمان حصر السلاح بيد الدولة
  • نواف سلام من الدوحة: لبنان لن يستقر دون إنهاء الاحتلال وحصر السلاح بيد الدولة
  • رئيس وزراء لبنان: الإصلاح الاقتصادي وحصر السلاح في يد الدولة من أهم أولويات الحكومة
  • هذا ما يقوم به رئيس الجمهورية لإعادة الدولة إلى الدولة
  • سلام لكالاس: دعم الجيش ضرورة
  • رئيس الوزراء اللبناني: حزب الله وافق على اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي يحصر السلاح بيد قوات الدولة
  • رئيس وزراء لبنان: الجيش يواصل بسط سلطة الدولة في الجنوب
  • خطاب قاسم: تثبيت السقف الدفاعي قبل اتّساع المسار التفاوضي
  • الرئيس سليمان: المادة 52 تمنح رئيس الجمهورية صلاحية التفاوض
  • خطاب قاسم يكرّس ثبات الحزب على موقفه من السلاح والتفاوض