معاداة المهاجرين والأقليات.. شبح ماضي اليمين المتطرف يخيم على فرنسا
تاريخ النشر: 4th, July 2024 GMT
تهيمن على أوساط المهاجرين والمؤيدين لليسار والوسط الفرنسيين مخاوف من أن يتمكن اليمين المتطرف من الفوز في الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية الأحد المقبل، بعد فوزه بجولتها الأولى.
وحقّق "التجمّع الوطني" بزعامة مارين لوبان فوزا مدوّيا في الجولة الأولى، الأحد الماضي، في حين حلّ حزب الرئيس إيمانويل ماكرون الوسطي ثالثا، خلف ائتلاف "الجبهة الشعبية الجديدة" اليساري.
ولدى اليمين الفرنسي تاريخ طويل من التصريحات والمواقف العنصرية، والمعادية للإسلام والسامية والأقليات عموما.
ويعد حزب التجمع الوطني، أو "الجبهة الوطنية" سابقا، بقيادة مارين لوبان، أكثر حزب يميني له تاريخ من المواقف والتصريحات المبنية على أساس عرقي بحت، وفق المحلل الفرنسي فرانسواز جيري، الرئيس السابق لمعهد التحليل الاستراتيجي الفرنسي.
وعلى الرغم من أن الحزب نأى بنفسه عن ذلك الماضي، لا تزال بعض الفلسفات الأساسية راسخة في سياساته: مثل فكرة أن المهاجرين يشكلون تهديدًا لأمن فرنسا واقتصادها وهويتها الوطنية.
ومن بين خطط الحزب، إلغاء الحق التلقائي في الجنسية الفرنسية في سن 18 عامًا للأطفال المولودين في فرنسا لأبوين غير فرنسيين؛ وإنهاء العلاج الطبي المجاني للأشخاص غير المسجلين، باستثناء حالات الطوارئ؛ وتقييد المواطنين الذين يحملون جوازات سفر ثانية من تولي الوظائف التي تعتبر حساسة، مثل إدارة محطة نووية والعمل في الدفاع "الاستراتيجي".
ويريد الحزب وفق ما صرح به المتحدث باسمه جوردان بارديل، الذي قد يصبح رئيسا للوزراء في فرنسا إذا فاز "التجمع الوطني" في الجولة الثانية، "منع المجرمين المدانين من العيش في المساكن العامة وخفض ضريبة المبيعات في البلاد على جميع أشكال الطاقة، من الوقود إلى الكهرباء".
تاريخيا، كان حزب "الجبهة الوطنية" وريثا لفصيل من القومية اليمينية المتطرفة، يعود تاريخه إلى الانقسام بين الملكيين والجمهوريين في فرنسا ما بعد الثورة، والذي استمد جذوره من التحالف بين الملكيين والكاثوليك المحافظين والقوميين، ثم تشبعت أغلب أفكاره القومية من خلال الحركات اليمينية المتطرفة التي ظهرت في القرن العشرين.
مارين لوبان "ورثت" قيادة الحزب من والدها جون ماري لوبان، الذي عرف بعدائه الشديد للمهاجرين والمسلمين واليهود. ويقول متابعون إن وجه الاختلاف الوحيد بينهما هو قدرتها على إخفاء مواقفها الحقيقة تجاه اليهود والمسلمين مخافة أن توصف بالتطرف مثل أبيها، لكنها لم تستطع إخفاء "ميولها القوية" وفق عدة تحليلات.
في حديث مع موقع "الحرة" قال جيري إنه لا يزال المسلمون واليهود وحتى الأفارقة، من أبناء المهاجرين، يتذكرون تصريحات الوالد لوبان -مؤسس الحزب- العنصرية ومواقفه السياسية "الشاذة".
لوبان رفض دائما انتقاد حكومة "فيشي" الفرنسية التي كانت موالية لألمانيا خلال احتلالها لأجزاء من فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية.
وقال لوبان الأب في مذكراته بعنوان "ابن الأمة" (Fils de la Nation) إن فيليب بيتان، زعيم فرنسا في زمن الحرب، لم يلحق العار بنفسه بالتوقيع على هدنة عام 1940 التي سمحت للقوات النازية باحتلال شمال البلاد.
يذكر أنه عندما احتل النازيون شمال فرنسا بما في ذلك باريس، تعاونت حكومة فيشي مع حملتهم ضد اليهود.
من جانبها، ورغم كونها "أكثر التزاما بالذوق العام من لوبان الأب" وفق وصف جيري، سبق لمارين لوبان وأن أدلت بتصريحات معادية للإسلام والمسلمين والمهاجرين الأفارقة.
ماذا يفعل الحجاب في السياسة؟
واحتل الحجاب الإسلامي الصدارة في حملات مارين لوبان في انتخابات الرئاسة الفرنسية 2022، التي شاركت فيها، حين أفصحت عن نيتها حظره نهائيا، رغم أن بلادها تضم أكبر عدد من المسلمين في أوروبا الغربية.
في سنة 2022، واجهت لوبان، نساء كن يرتدين الحجاب وسألتهن "ماذا يفعل الحجاب في السياسة؟" مستنكرة الحديث أصلا عن اللباس الإسلامي في دولة علمانية.
ورغم أن الرئيس إيمانويل ماكرون هو من فاز بتلك الانتخابات، فإنه عمل هو الآخر على تشديد الخناق على المسلمين، وفق عدة مهاجرين.
"العنصرية.. عملة تداول"تقول هاجر، التي فضلت ذكر اسمها الأول فقط، خلال اتصال مع موقع "الحرة"، إنها مستاءة من سياسة الحكومة الفرنسية تجاه المسلمين على وجه التحديد.
وقالت "درست في الجزائر، ولدي معادلة لشهادتي لكن سياسة منع الحجاب في المؤسسات العامة تفرض علي ألا أعمل وأستسلم للواقع على حساب طموحي".
ماكرون يحذر من "حرب أهلية" في فرنساhttps://t.co/pzGzbLxZT1
— قناة الحرة (@alhurranews) June 25, 2024من جانبه يقول عبد الرؤوف، وهو جزائري هاجر منذ عقد لفرنسا، إنه لم يحقق أي شيء في "بلاد تدعي أنها تحترم حقوق الإنسان".
في اتصال مع موقع "الحرة"، ذكر عبد الرؤوف أنه ورغم كونه مهاجرا بطريقة شرعية وتحصل على شهادة من جامعة ليون الفرنسية، لم يحصل على أي وظيفة في مجال اختصاصه.
وقال "العنصرية هنا عملة تداول، لما يقرأ صاحب المؤسسة اسمك، يرفض سيرتك الذاتية مباشرة".
وفي إجابته عن رؤيته لفوز التجمع الوطني، قال "أعتقد أن الأمور ستزداد سوءا خصوصا للمهاجرين غير النظاميين".
من جانبه، يرى المحلل السياسي، المقيم في فرنسا، علاء الدين بونجار، أن المهاجرين في فرنسا، ولا سيما أولئك الذين ينتمون للجالية المسملة، يعيشون هاجس تنامي العداء للمهاجرين والمسلمين منذ عدة أعوام.
وفي حديث مع موقع "الحرة"، شدد الرجل على أن وصول اليمين المتطرف "نتيجة لوضع مستمر منذ فترة" يميزه التساهل مع الخطاب المعادي للعرب والمسلمين".
وأوضح أن فرنسا عرفت تغيرا في الخطاب السياسي بشكل لافت، حيث أن "المسؤول في الحزب اليميني كان يدلي بأي تصريحات مسيئة خلسة، لكن الوضع تغير وأصبح كثيرون يدلون بتصريحات معادية للأقليات علنا مستفيدين من انفتاح وسائل الإعلام على خطاباتهم".
وفي غمرة الانتخابات البرلمانية، كشفت صحيفة "ميديا بارت" عن مجموعة من التدوينات والتغرديات العنصرية صدرت من مرشحين ينتمون لليمين المتطرف.
وعثرت الصحيفة الاستقصائية على 45 مرشحًا من حزب الجبهة الوطنية أدلوا بتصريحات عنصرية أو معادية للسامية على الإنترنت.
أمثلة عن تلك التغريدات ما كتبته توني بيوي، وهي مرشحة حزب الجبهة الوطنية في فينيستير، عن المراهق نائل (17 عاما)، وهو جزائري الأصل قتل على يد الشرطة بينما كان يقود سيارته بداعي عدم الامتثال في يونيو 2023 ، قائلة بنوع من التهكم "طفل؟ وغد! حثالة! رفضت الإمتثال فلا تشتكي".
ولعل أكثر التغريدات التي أثارت جدلا وانتقادا واسعا، تلك التي أطلقها جوزيف مارتن، المرشح في موربيهان، الذي كتب 22 أكتوبر 2018 على أكس "الغاز حقق العدالة لضحايا المحرقة".
Ce tweet est de Joseph Martin.
Il est CANDIDAT INVESTI PAR LE RN dans le Morbihan.
Un commentaire @J_Bardella ????? pic.twitter.com/uUS35oO2dV
إلى ذلك، قالت صحيفة "ليبراسيون" إن المرشحة عن الدائرة العاشرة في باريس، أنييس باجار، تستهدف بانتظام شخصيات من الديانة اليهودية في رسائلها على شبكات التواصل الاجتماعي. مشيرة إلى تغريدة أثارت الجدل في يناير 2022، كتبت فيها ما يفيد بأنها تزدري شخصيات، أغلبها من الديانة اليهودية.
الخوف مبرر؟في قراءته للمشهد الفرنسي المشحون هذه الأيام بسبب قرب اليمين المتطرف من الحصول على حصة كبيرة من مقاعد الجمعية الوطنية، قال فرانسواز جيري إنه "بالفعل هناك نسبة تصل إلى 90 بالمئة في أن الجبهة الوطنية ستفوز مجددا في الجول الثانية".
وأضاف "حزب (ريكونكات) القومي سيدعم دون شك حزب الجبهة الوطنية وهما معا يشكلان الجبهة الأكثر تطرفا في اليمين الفرنسي".
ثم مضى "لدى الأقليات مثل المسلمين واليهود والأفارقة الحق في الخوف من مستقبلهم".
وتعنى كلمة "ريكونكات" (Reconquête) في اللغة الفرنسية، "الاستعادة".
جيري عاد ليقول "فرنسا دولة مؤسسات ولا يمكن أن يفعل هذا التحالف المتطرف ما يريد في بلادنا"، مضيفا أن مارين لوبان التي تطمح لأن تصبح يوما ما رئيسة لفرنسا، تعلمت من التجارب السابقة لأبيها وحتى تجاربها الخاصة، جعلتها أكثر براغماتية.
وختم قائلا "لن تطبق لوبان كل ما تصرح به، لا يمكنها طرد جميع المسلمين أو حرمان ذوي الجنسية المزدوجة من مناصب المسؤولية كما هدد أعضاء من حزبها".
"لسنا عنصريين"في المقابل، قال المرشح عن حزب "ريكوناكت"، جون مسيحه، إن التشكيلة السياسية التي ينتمي إليها "ليست عنصرية، ولا تميز بين الأشخاص على أساس الدين أو العرق أو اللون".
وأضاف "نحن نطالب المهاجرين أو المواطنين أن يحترموا عادات وتقاليد فرنسا فقط".
وأشار في حديث لموقع "الحرة" أن الشعب الفرنسي عبر عن استيائه من الوضع في الانتخباات الأوروبية بانتخابه أحزاب اليمين، وعبر عن رفضه التسامح مع من يعبث بهويته وتاريخه وجذوره. وقال "هناك إيديولوجيات تريد أن تغير وجه فرنسا مثل الجمعيات الإسلاماوية التي تحاول فرض الثقافة العربية الإسلامية على الشعب الفرنسي".
وقال "نحن نرفض تعميم الحجاب مثلا والمطالبات ببناء مزيد من المساجد"، موضحا أن فرنسا التي تستقبل نحو نصف مليون مهاجر نظامي وغير نظامي كل سنة، وفق تقديره، تشتكي الآن من عبء اقتصادي وثقافي. وأضاف قائلا "يمكن أن تدمج الدولة أفرادا لكنها لا تستطيع دمج شعوب بأكملها".
مسيحه لفت أيضا إلى أنه بعد الثورات الربيع العربي هرب مؤيدو التيار الإخواني إلى أوروبا ولا سيما فرنسا وهم يريدون الآن إخضاع مسلمي فرنسا لإيديولوجيتهم ثم السيطرة على الدولة بمساعدة اليساريين.
يمكن أن تدمج الدولة أفرادا لكنها لا تستطيع دمج شعوب بأكملها.
مسيحه ذكر حادثة قتل أفغاني لجزائريين اثنين في بوردو (جنوب غرب فرنسا) خلال عطلة عيد الأضحى بحجة أنهما كانا مخمورين في يوم العيد. وقال "خطة هؤلاء الإسلاميين هي السيطرة على مسلمي فرنسا ثم السيطرة على الدولة"، مضيفا "نحن لن نسمح لهم بذلك". ومضى "نحن حركة قومية قانونية، من يحترم القانون لا يجب أن يتخوف".
يشار إلى أن صعود اليمين المتطرف لم يثر تخوف الجاليات المسلمة واليهودية فحسب، بل حتى أن المسؤولين في الدولة وعلى رأسهم الرئيس ماكرون حثوا الناخبين على ضرورة المشاركة في الجولة الثانية بشكل أكبر لقلب نتيجة الأحد الماضي.
وحذر ماكرون، الاثنين الماضي، من أن فوز اليمين المتطرف أو حتى أقصى اليسار، لأن ذلك يمكن أن يشعل "حربا أهلية"، وفق قوله.
من جانبه، حض رئيس الوزراء الفرنسي غابريال أتال الناخبين، على عدم إعطاء اليمين المتطرف ولو "صوتا واحدا" في الجولة الثانية، وقال إن "اليمين المتطرف على أبواب السلطة"، محذرا من أن الحزب قد يحقق غالبية مطلقة. وأضاف "هدفنا واضح: منع حزب التجمع الوطني من الفوز في الجولة الثانية. لا يجب أن يذهب أي صوت إلى حزب التجمع الوطني".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: فی الجولة الثانیة حزب التجمع الوطنی الیمین المتطرف الجبهة الوطنیة مارین لوبان فی فرنسا یمکن أن مع موقع
إقرأ أيضاً:
أطباء بلا حدود تتهم إيطاليا بتقييد عمل سفن إنقاذ المهاجرين
قالت منظمة "أطباء بلا حدود" إن مهاجرين غير نظاميين تم إنقاذهم في البحر الأبيض المتوسط تعرضوا لعنف جسدي أو نفسي خلال رحلتهم واحتجازهم، واتهمت إيطاليا بتقييد عمل سفن إنقاذ المهاجرين.
وذكرت المنظمة أن هذا التقييد أدى لانخفاض عدد المهاجرين الذين تمكنت سفينة "جيو بارتنير" من إنقاذهم في عام 2024 إلى 2278، وذلك بعدما أنقذت 4646 شخصا خلال 2023.
واعتبرت المنظمة أن الإبعاد المنظم لسفن البحث والإنقاذ من وسط البحر الأبيض المتوسط يعني قطع "شريان الحياة عن الناجين الفارين من العنف المروع في ليبيا".
ورغم التراجع المسجل في 2024، أكد التقرير أن عدد الإحالات الطبية ارتفع بنسبة 14%، وأوضح أن نسبة أكبر من الناجين كانوا في حالة حرجة ويحتاجون إلى رعاية متخصصة على اليابسة.
عنف جسدي ونفسيوحسب البيانات الطبية للمنظمة، فإن جميع المرضى الـ124 الذين عُرضوا على المختص النفسي على متن "جيو بارتنير" في 2024 أفادوا بـ"تعرضهم لعنف جسدي أو نفسي خلال رحلتهم، وأشار نصفهم تقريبا إلى أن الاحتجاز كان الإطار الأساسي الذي وقع فيه هذا العنف".
وقال خوان ماتياس خيل ممثل قسم البحث والإنقاذ في المنظمة، إن مرسوم "بيانتيدوزي" يمثل "آلية غير مسبوقة منظمة ومؤسسية لعرقلة أنشطة الإنقاذ المدني". وأضاف أن تأثير هذه العقوبات تفاقم مع مرور الوقت وجرى تقويض قدرة سفينتنا "جيو بارتنير" على الإنقاذ بشكل "ممنهج".
إعلانوأشار خيل إلى أن الشهادات والبيانات التي جمعتها المنظمة طوال هذه السنوات تُظهر "تواطؤا بين إيطاليا والاتحاد الأوروبي من جهة، وخفر السواحل الليبي وجهات مسلحة أخرى من جهة ثانية، في عمليات اعتراض وإعادة الأشخاص إلى دوامة الاستغلال والعنف في ليبيا".
شهاداتوتضمن التقرير شهادات من مهاجرين تمكنوا من الفرار من ليبيا، توثق اعتراضات وصفت بـ"العنيفة تعرضوا لها في البحر"، وتمت إعادتهم قسرا إلى ليبيا ضمن جهود أوروبية ممنهجة لمنع وصولهم إلى القارة العجوز.
كما يوثق التقرير أكثر من عامين من العمل تحت القوانين والسياسات الإيطالية التقييدية لا سيما مرسوم "بيانتيدوزي" وممارسة تعيين موانئ رسو بعيدة، وأدى في نهاية المطاف إلى قرار المنظمة بإنهاء عملياتها في ديسمبر/كانون الأول 2024.
وطالبت أطباء بلا حدود السلطات الإيطالية بوقف عرقلة عمليات الإنقاذ في البحر وفرض العقوبات على سفن المنظمات غير الحكومية، كما دعت الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه إلى الوقف الفوري للدعم المالي والمادي المقدم إلى خفر السواحل الليبي والتوقف عن تسهيل الإعادة القسرية إلى ليبيا.