الإعلام ومآلات حسم الحرب في السودان
تاريخ النشر: 4th, July 2024 GMT
زين العابدين صالح عبد الرحمن
معلوم تاريخيا: أن جوزيف غوبلز وزير الدعاية في زمن ألمانيا الهتلرية هو الذي أدخل الإعلام كعامل جوهري في المعارك العسكرية في الحرب العالمية الثانية، و لم يتخلف الإعلام في كل الحروب التي كانت قد خاضتها المانيا في ظل النازية و خاصة في دول أوروبا.. كان الإعلام يستخدم الحرب النفسية ضد شعوب الدول التي كان يراد أحتلالها و السيطرة عليها، و من تلك الفترة أصبح الإعلام يلعب دورا أساسيا في المعارك العسكرية، بهدف تحطيم المعنويات وسط مقاتلي العدو و أيضا شعوبهم، و الغريب في الحرب الدائرة في السودان أن إعلام الميليشيا الذي جندت له العديد من الإعلاميين و الصحافيين السودانيين و غيرهم من الدول الأخرى، و جعلت لهم مراكز عديدة في عدد من دول شرق أفريقيا، و أيضا في بعض الدول العربية و الغربية، و هؤلاء دورهم الأساسي أن يخلقوا حالة من الإحباط النفسي و المعنوي وسط الجماهير، لكي يشككوا في قيادة الجيش، و يقولون ليست قدر التحدي، أو أن لها أجندة أخرى غير أجندة المواطنين التي تتركز على إخراج الميليشيا من منازلهم و إعادة ممتلكاتهم، و الهدف من ذلك هو ضرب اسفين بين الجيش و الشعب، في اعتقاد أن فك ارتباط هذه العلاقة سوف تدفع قيادة الجيش من خلال الضغط الخارجي أن تستجيب لدعوات "لا للحرب" و الهدف عمل تسوية بين المتقاتلين للعودة لفترة ما قبل الحرب" الاتفاق الإطاري".
و أن تصريحات القائد العام للجيش الذي أكد فيها لن يكون للميليشيا موطيء قدم في البلاد. و تصريحات مساعد القائد التي وضع فيها أربعة شروط للميليشيا تؤكد أن الجيش لن يساوم في قضية القضاء على الميليشيا.. و يجب النظر للقضية بموضوعية بعيدا عن المزايدات السياسية، و التي تحاول أن تصور فيها بعض من قوى اليسار و التابعين لهم، أن الإسلاميين مسيطرين على القرار في الجيش، هي فرية سياسية تهدف منها أحزاب قحت المركزي و بعض قبائل اليسار الذين فقدوا قدرتهم على التعاطي مع الفكر السياسي، و أصبحوا مجرد أدوات فاقدة الأهلية، و قدرتهم أصبحت فقط على صناعة شعارات التحريض، و حتى التحليل السياسي للأحداث قد فشلوا فيه، و أوكلوا ذلك لعدد من مثقفي المقاولات بالقطعة.. أن هدف هؤلاء من ربط الإسلاميين بالجيش لزرع الخوف في حكام دول الخليج و أيضا في صناع القرار في الغرب و أمريكا.. واصبح الرهان الوحيد لهذه القيادات و التابعين لها هو البحث عن رافعة لهم من دول الخارج تمكنهم من الوصول للسلطة دون الدعوة إلي الانتخابات.. و أيضا غياب الإعلام في معركة الكرامة يؤكد ليس هناك أي نفوذ للإسلاميين على الجيش، و إذا كان بالفعل لهم نفوذ لم يكن هناك شكوى لغياب الإعلام. و يعلم كل السودانيين كيف كان يدير الإسلاميون الآلة الإعلامية زمن الإنقاذ في حربهم مع الحركة الشعبية، أسسوا إعلاما موازيا لإعلام الدولة و أنتجوا به المادة الإعلامية التي تغطي العمليات الحربية مع الحركة الشعبية، و إذا كان الإسلاميون هم يديرون الآلة الحربية كانوا سيطروا على الساحة إعلاميا، و الكل يعرف ذلك..
استطاع إعلام الميليشيا أن يكون مؤثرا في مجريات الحرب، و خاصة في الحرب النفسية وسط الناس، من خلال تصوير أن قوات الميليشيا هي التي تبادر في العمليات العسكرية، و هي التي تختار أين تكون أماكنها، و تحاول أن تصور بأن قيادة الجيش ضعيفة و لا تستطيع مجاراة الميليشيا، بهدف خلق حالة من الإحباط و الذعر وسط الشعب، بالقول أن الجيش غير قادر على حماية القرى و المدن و المدنيين، رغم أن الميليشيا تعلم تماما؛ أنها فقدت القدرة على المبادرة، و كل محاولاتها هو إظهار أنها ماتزال مؤثرة و لها قوة ضاربة تساعدها على الحركة، و هي بذلك تقدم طلبا للمجتمع الدولي أن يضغط على قيادة الجيش في السودان لكي يذهبوا إلي مائدة التفاوض، و ليس للميليشيا خيار غير " تسوية سياسية" تعيدها مرة أخرى و اتباعها من القوى السياسية إلي أجندة "الإتفاق الإطاري" و هي أجندة قد تجاوزتها الأحداث، و تجاوزت حتى الذين كانوا فاعلين فيها، أن الاحتفاظ بتماسك اللحمة بين الشعب و الجيش وحده سوف يحبط كل المؤامرات التي تحاك ضد السودان..
كان المتوقع من القيادات التي على رأس الجيش و السلطة، و جميعهم قد درسوا دراسات إستراتيجية و يعلمون أهمية الإعلام في المعركة العسكرية، أن يلتفتوا إلي دور الإعلام في المعركة، و يؤسس لعمل أعلامي مدروس قادر للتصدى لإعلام الميليشيا ، و التي أصبحت تركز على العمل الإعلامي بهدف ضرب العلاقة بين الشعب و الجيش.. و في نفس الوقت زراعة الإحباط في المجتمع. و هناك العديد من الطابور الخامس و الجهلاء داخل السودان و خارجه يرفعون البوسترات الداعمة للميليشيا على الوسائط الإعلامية لتخويف المواطنين، و في نفس الوقت إدخال الياس في قلوبهم.. و أن الميليشيا قد استطاعت أن تستقطب العديد من هؤلاء الذين يعملون على مدار 24 ساعة، لخلق حالة الاحباط وسط الناس. و كان على الجيش أن يلتفت لذلك، باعتبار أن الإعلام يلعب دورا كبيرا في المعركة، و كان عليهم أن يفتحوا الباب لمراسلين حربين من السودانيين للعمل من أجل طمأنة الناس من خلال ضخ المعلومات الصحيحة باستمرار، و مساعدة القنوات التي كانت تعمل في البلاد مثل النيل الأزرق و سودانية 24 و البلد و الشروق للتصدي لهذه الحملة الإعلامية، و أيضا دعم الصحف.. أن الحرب الدائرة الآن، ليست معركة سياسية فقط، بل هي معركة وجود و يلعب الشعب و الجيش الدور الأساسي في حسمها لصالح الوطن و الموطنيين. و نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قیادة الجیش الإعلام فی
إقرأ أيضاً:
الإمارات.. جهود بارزة لدعم القطاع الزراعي في السودان
أحمد مراد، أحمد عاطف (أبوظبي)
أخبار ذات صلةعصفت الحرب الدائرة في السودان، منذ أبريل 2023، بغالبية القطاعات الحيوية، حيث يُعد القطاع الزراعي الأكثر تضرراً، في ظل تعرض البنية التحتية الزراعية للتدمير الكامل، جراء تصاعد العمليات العسكرية في المناطق التي تمثل القلب النابض للإنتاج الزراعي، خصوصاً الجزيرة وسنار ودارفور وكردفان، ما فاقم معاناة السكان.
وتسببت الحرب في تداعيات كارثية طالت معظم جوانب القطاع الزراعي السوداني، إذ تُشير بعض التقديرات إلى خروج نحو 60 % من مساحة الأراضي المستخدمة عن دائرة الإنتاج. علماً بأن السودان يمتلك 170 مليون فدان صالحة للزراعة، وكان المستخدم منها قبل الحرب 40 مليوناً فقط.
ويُعد مشروع الجزيرة الذي يمتد على مساحة 2.3 مليون فدان واحداً من أكثر المشاريع الزراعية تضرراً من الحرب، مما تسبب في خسائر اقتصادية واجتماعية فادحة، نظراً لكونه أكبر مشروع في العالم يروى بنظام الري الانسيابي، ويشكل مصدر الدخل الأساسي لأكثر من مليون أسرة سودانية.
وفي دارفور، تبدو الأوضاع أكثر كارثية، وأكثر تعقيداً، حيث يعتمد نحو 85 % من سكان الإقليم على الزراعة، وقد أجبرت العمليات العسكرية غالبيتهم إلى الفرار والنزوح بعيداً عن أراضيهم الزراعية.
كما تُعد سنار والنيل الأزرق وشمال وغرب كردفان أكثر الولايات المتضررة من الحرب، حيث شهدت انخفاضاً ملحوظاً في المساحات المزروعة، ولم تسجل ولايتا شمال وغرب كردفان أي إنتاج زراعي في موسم المحاصيل الصيفي لعام 2023.
وبحسب تقديرات منظمة الأغذية والزراعة العالمية «الفاو»، فإن إنتاج السودان من الحبوب تراجع بنسبة تزيد على 60%، موضحة أن أكثر من 1.8 مليون أسرة سودانية تعمل في الزراعة والرعي، وبات غالبية المزارعين يجدوا صعوبة في الوصول إلى الأراضي والمواد الأولية.
وتسبب اتساع رقعة الحرب على امتداد نحو 70% من مناطق السودان في تعطيل عجلة الإنتاج الزراعي والصناعي، لا سيما مع فقدان 85% من قدرات شبكات الري.
دعم الإمارات
منذ اندلاع النزاع في السودان، في أبريل 2023، تحرص دولة الإمارات على دعم جميع القطاعات الحيوية في البلاد، ومن بينها القطاع الزراعي، حيث وقعت اتفاقية مع منظمة الأغذية والزراعة «الفاو» لتقديم تمويلاً قدره 5 ملايين دولار يوجه لمشروع تخفيف المجاعة ودعم أصحاب المشروعات الزراعية الصغيرة والأسر الرعوية المتأثرة بالحرب.
ويوفر المشروع مساعدات طارئة في مجال المحاصيل والماشية والخدمات البيطرية لنحو 275 ألف أسرة من صغار المزارعين والرعاة الضعفاء، ويستفيد منه نحو مليون و375 ألف شخص.
كما يهدف إلى الحد من الخسائر في الثروة الحيوانية من خلال التطعيم الوقائي ضد الأمراض العابرة للحدود، ويستهدف مليوني رأس من الحيوانات، ويستفيد منه نحو 600 ألف شخص، 25% منهم من الأسر التي تعيلها النساء.
تراجع حاد
شددت الباحثة في الشؤون الأفريقية، نسرين الصباحي، على أن تداعيات الحرب في السودان لم تقتصر على المشهدين السياسي والإنساني فحسب، بل امتدت لتضرب بشدة القطاع الزراعي الذي يُعد أحد أهم ركائز الاقتصاد السوداني، إذ يعتمد عليه ملايين السكان في حياتهم اليومية.
وأوضحت الصباحي، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن تدهور القطاع الزراعي في السودان جاء نتيجة مباشرة لعدة عوامل تراكمية أفرزها النزاع المسلح، أبرزها موجات النزوح الجماعي التي ضربت المجتمعات الريفية، والتي تُعد الحاضنة الأساسية للنشاط الزراعي في البلاد.
وأشارت إلى أن النساء والفتيات اللاتي يُمثلن عماد القوة العاملة الزراعية في كثير من مناطق السودان، هن الأكثر تضرراً من النزاع، ليس فقط بفعل العنف والنزوح، بل أيضاً نتيجة تحملهن لأعباء جديدة، أبرزها محاولة تأمين الغذاء في بيئات صارت غير صالحة للإنتاج الزراعي بفعل الدمار وانعدام الأمن.
وقالت الباحثة في الشؤن الأفريقية، إن التقارير الأممية تُظهر أرقاماً مرعبة، إذ بلغ عدد النساء والفتيات النازحات داخل السودان نحو 5.8 مليون، ضمن أكثر من 12 مليون نازح داخل السودان وخارجه، وكثير من هؤلاء كانوا في الأصل من سكان المناطق الزراعية، مما يعني فقداناً جماعياً للأيدي العاملة، وانهياراً للقدرة الإنتاجية في قطاعات الزراعة والرعي، لا سيما في مناطق مثل دارفور وكردفان والنيل الأزرق.
وأضافت أن المرأة السودانية في الأرياف أصبحت مضطرة للعب أدوار متعددة، في ظل غياب الرجال بسبب الحرب أو النزوح أو القتل، من الزراعة والرعي إلى رعاية الأطفال وتأمين الغذاء والمأوى، وهو ما يجعل النساء يتحملن العبء الأكبر في مجتمع منهك أصلاً اقتصادياً واجتماعياً.
ونوهت الصباحي بأن استمرار النزاع وتصاعد المعارك، خصوصاً في مناطق الإنتاج الزراعي الأساسية، يُهددان بإدخال السودان في مرحلة انعدام أمن غذائي غير مسبوق، مشددة على أهمية تقديم الدعم الإنساني والإغاثي العاجل، وإعادة التفكير في سبل تأهيل المجتمعات الزراعية المتضررة، مع التركيز على خدمات الدعم النفسي والصحي للنساء اللواتي تحولن من ضحايا مباشرة للحرب إلى خط الدفاع الأول في مواجهة الجوع والانهيار الاقتصادي.
ضربة قاصمة
قالت الباحثة في الشؤون الأفريقية، نورهان شرارة، إن القطاع الزراعي السوداني كان يمثل ما بين 30 و%35 من الناتج المحلي الإجمالي، ويُعد مصدر رزق لنحو %60 من القوى العاملة. ومنذ اندلاع الحرب، تلقى القطاع ضربة قاصمة، حيث تشير التقارير الدولية والمحلية إلى أن السودان فقد معظم موارده الطبيعية والبشرية، مع نزوح نحو 12 مليون شخص داخل وخارج البلاد، كثير منهم من المزارعين الذين كانوا يشكلون العمود الفقري للمواسم الزراعية.
وأضافت شرارة، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن البيانات تشير إلى أن البنية التحتية الزراعية تعرضت لانهيار شبه كامل، مما أدى إلى انخفاض الإنتاج الوطني من الحبوب بنسبة لا تقل عن %60، في ظل انقطاع الإمدادات الأساسية من بذور وأسمدة، بسبب تفاقم الأوضاع الأمنية في مناطق الزراعة الأساسية مثل الجزيرة والنيل الأزرق وكردفان.
وأكدت أن السودان يقف على حافة المجاعة، وفقاً لتصنيف الأمن الغذائي المتكامل (IPC)، حيث يعاني نحو 18 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ورغم وصول بعض المساعدات الإغاثية، فإن المستقبل يبدو قاتماً، مشيرة إلى أن معالجة الانهيار الكارثي للقطاع الزراعي لن تكون سريعة أو سهلة، بل ستتطلب سنوات من العمل، وتمويلاً دولياً ضخماً، وأهم من كل ذلك استقراراً سياسياً حقيقياً يؤسس لإعادة بناء ما دمرته الحرب في الريف السوداني.