150 قتيلا باحتجاجات الطلاب الدموية.. ماذا يحدث في بنغلادش؟
تاريخ النشر: 21st, July 2024 GMT
قضت المحكمة العليا في بنغلادش، الأحد، بالحد من نظام الحصص المطبق في توزيع الوظائف العامة من دون إلغائه، بعدما تسببت معاودة العمل به في يونيو باضطرابات واسعة عمت هذا البلد الآسيوي، وأوقعت 150 قتيلا، حسبما ذكرت وكالة فرانس برس.
ومع ذلك، أعلنت المجموعة الطالبية الرئيسية المنظمة للتظاهرات أنها تعتزم مواصلة الاحتجاجات تنديدا بنظام الحصص في الوظائف العامة، رغم قرار المحكمة العليا.
وقال متحدث باسم مجموعة "طلاب ضد التمييز" طلب عدم كشف اسمه "لن نوقف تظاهراتنا طالما أن الحكومة لم تصدر قرارا يأخذ بمطالبنا"، وفق وكالة فرانس برس.
وتجري تظاهرات شبه يومية منذ مطلع يوليو انطلقت مطالبة بإصلاح قواعد التوظيف في القطاع العام. لكن مع تشدد الشرطة في تعاملها مع المتظاهرين وصولا إلى إطلاق النار عليهم بالرصاص الحي، السبت، في العاصمة دكا، بات المحتجون الذين ينزلون إلى الشوارع بعشرات الآلاف يطالبون بتنحي رئيسة الوزراء، الشيخة حسينة.
ما هو نظام الحصص؟وكانت حكومة حسينة ألغت نظام الحصص عام 2018، الذي بموجبه تم تخصيص 56 بالمئة من الوظائف لمجموعات مثل عائلات المقاتلين من أجل الحرية والنساء والأشخاص من المناطق المتخلفة، وفق رويترز.
لكن المحكمة الابتدائية أعادت العمل به الشهر الماضي، مما أثار الاحتجاجات وحملة القمع التي تلت ذلك، التي شملت إغلاق الإنترنت وحظر التجول مع انتشار الجيش في الشوارع.
كذلك، يطالب الطلاب المحبطون بسبب نقص فرص العمل الجيدة، بإنهاء هذا النظام الذي يخصص أيضا 30 بالمئة من الوظائف الحكومية لأقارب المحاربين القدامى الذين شاركوا في حرب الاستقلال عام 1971، بحسب أسوشيتد برس.
وخفضت المحكمة النسبة الإجمالية للوظائف المخصصة للفئات المحددة من 56 إلى 7 بالمئة، بحسب فرانس برس..
وجاء قرار المحكمة العليا، الأحد، بفتح 93 بالمئة من الوظائف على أساس الكفاءة، فيما تم خفضت نسبة الوظائف لأقارب المحاربين القدامى إلى 5 بالمئة وإلى 2 بالمئة لأفراد الأقليات العرقية والعابرين جنسيا والمعاقين.
وشكلت الاحتجاجات أخطر تحدٍ لحكومة بنغلادش منذ فوز رئيسة الوزراء، الشيخة حسينة، بولاية رابعة على التوالي في انتخابات يناير، التي قاطعتها جماعات المعارضة الرئيسية.
وبسبب التظاهرات، تم إغلاق الجامعات، وقطع الإنترنت، وأمرت الحكومة الناس بالبقاء في منازلهم. وأثارت هذه الاحتجاجات غضب الطلاب الذين يعانون من ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، إذ أصبح ما يقرب من 32 مليون شاب عاطلين عن العمل من بين سكان يبلغ عددهم 170 مليون نسمة.
والثلاثاء، تحولت التظاهرات إلى أعمال عنف دموية بعد يوم من بدء الطلاب في جامعة دكا الاشتباك مع الشرطة.
وتصاعدت أعمال العنف، حيث أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، والقنابل الدخانية لتفريق المتظاهرين الذين رشقوها بالحجارة.
المصدر: الحرة
إقرأ أيضاً:
مصائد موت إسرائيلية للتنصل من تجويع غزة
عندما يحكم الجوع قبضته على مجتمع، يحدث أمر رهيب نادر الحدوث. فالجوع ليس إلا ظاهرة بيولوجية لضمور الجسم، وإنما هو أيضا حشرجة موت المجتمع. والمجاعة هي مشهد الناس إذ ينبشون في القمامة بحثا عن طعام. وهي امرأة تطهو في السر مخفية الطعام عن أقاربها الجياع. وهي أسرة تبيع حلي جدتها من أجل وجبة واحدة، ويبدو أفرادها جامدي الوجوه فقراء إلى التعبير، زجاجيي العيون. وهذا هو الانحدار، والمذلة، والعار، وأيضا انتزاع الإنسانية، وذلك ما يحدث عندما يضنى البشر بحثا عن الطعام بحث الحيوانات.
هذا واقع لا يمكن أن تظهره الإحصائيات. ومناهج قياس حالات الطوارئ الغذائية وإعطائها درجات ـ بحيث تكون «المجاعة» هي الأسوأ ـ تنهار عندما يتفكك المجتمع على هذا النحو.
لكن كما أن بوسع طبيب متمرس أن يشخّص الحمى دونما اضطرار إلى إرسال عينات دم إلى المختبر، بوسع المخضرمين من العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية ـ ممن شهدوا بيفارا سنة 1969 أو إثيوبيا سنة 1984 ـ أن يتعرفوا على هذه الأعراض حينما يرونها.
وهم يرونها اليوم في غزة.
وانظروا إلى بيانات مؤسسة غزة الإنسانية -وهي منظمة مدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل بدأت عملها في مايو- لتجدوا أنفسكم في عالم آخر. تقدم مؤسسة غزة الإنسانية نفسها باعتبارها مؤسسة مهنية رحيمة مصممة من أجل القرن الحادي والعشرين. فسوف ترون صورا للنظام والكفاءة، وإعلانا متباهيا بأنها أوصلت أكثر من مليوني وجبة بالأمس من خلال أربعة «مواقع توزيع آمنة».
وبجانب صور الأطفال الجياع، والنساء المنهارات جوعا، هناك أيضا صور شباب أصحاء. وفي تناقض مع الصور التي يلتقطها الصحفيون الفلسطينيون لتدافع الناس على أبسط المساعدات التي لا تزال تقدم من خلال الأمم المتحدة، فإن لدى مؤسسة غزة الإنسانية صورا للنظام في التوزيع، ولعمالها وهم يمسكون أيدي الأطفال الفلسطينيين.
ويصر المتحدثون باسم إسرائيل على أن للأمم المتحدة مئات من شاحنات الطعام داخل نطاق غزة ترفض توزيعها.
لكن هذه الصورة الوردية لا تصمد لأبسط تدقيق. وثمة أربعة أسباب لكونها في أفضل الحالات ارتجال هواة وفي أسوئها غطاء لجريمة تجويع جماعي جارية.
أولا: الأرقام غير منطقية. ففي أبريل أحصت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة مخزون الطعام المتبقي في غزة، بعد ثمانية عشر شهرا من الحصار والحرب، وشهرين من الحظر الإسرائيلي التام. وقدّرت أن توافر الطعام سوف يهوي إلى النصف فقط مما يلزم للحفاظ على الحياة، وذلك في وقت ما بين مايو ويوليو. يعني هذا أن جهود الإغاثة ينبغي أن تغطي كامل احتياجات الطعام في غزة. ومليونا وجبة في اليوم رقم يقل عن نصف الاحتياجات اللازمة. فلعل حصص مؤسسة غزة الإنسانية أبطأت المسيرة إلى الجوع لكن ليس كثيرا.
ثانيا: ليس من الممكن تخفيف المجاعة بالأرقام وحدها. إذ يبدو أن نظام مؤسسة غزة الإنسانية واقف على حافة بحيرة ضخمة وتطعم السمك بإلقاء فتات الخبز. فمن يأكل الحصص الغذائية؟
يضرب الجوع الأقلية الضعيفة. والمقياس الذي تعتمده الأمم المتحدة لتحديد تحول الندرة الغذائية الحادة إلى مستويات الجماعة هو أن يواجه 20% من الأسر النقص الغذائي الحاد. والجوع يضرب الأضعف لا الأقوى.
توصلت البرامج الإنسانية على مدار عقود إلى الطريقة المثلى لاستهداف الأفقر، من قبيل النساء العزباوات، والاعتناء بالأطفال وربما الآباء المسنين على السواء. فالأمتار الأخيرة في توصيل المساعدات هي التي تحدث الفارق.
تدير مؤسسة غزة الإنسانية أربعة مواقع لتوزيع الحصص. ثلاثة منها في أقصى جنوب غزة في أطلال رفح، وواحد في وسط غزة. وجميعها تقع في مناطق عسكرية. ولا تفتح أبوابها إلا لفترات قصيرة وعقب إعلان قصير الأمد. وللحصول على هذه الحصص، لا بد أن يخيم الناس في العراء وسط الأنقاض، متأهبين للمسارعة إلى البوابات عند الإعلان، عابرين في خوف مواقع الجيش الإسرائيلي. وهم يعلمون أن الوسيلة الوحيدة لجنود الجيش الإسرائيلي في السيطرة على الزحام هي إطلاق الرصاص الحي، حتى لو لم يصوبوا بهدف القتل.
وحينما تتحدث مؤسسة غزة الإنسانية عن «مواقع توزيع آمنة»، فإنها تشير إلى مدى سيطرتها على العبوات حتى تسليمها، وليس عن ضمان التوصيل نفسه للأكثر احتياجا. لذلك يلقى عشرات من طالبي المساعدات مصرعهم كل يوم وهم يحاولون الوصول إلى هذه المواقع.
كيف يتسنى لأم مرهقة عندها أطفال جياع، أو لكبار السن وذوي الإعاقة، الانضمام إلى هذا التدافع؟ كيف لهم أن يتعاملوا مع خوف المرور لا عبر المواقع العسكرية وحدها ولكن وسط المجرمين الحريصين على سرقة أقيم ألوان الطعام لأنفسهم كي يأكلوها أو يبيعوها في السوق؟ ليست لدى مؤسسة غزة الإنسانية فكرة عمن يأكل الحصص. فما من معادلة لإطعام الأفقر. وإنما هو قانون الغابة.
ثالثا: يجب أن تكون المساعدة مرتبة لإشباع أكثر ما يحتاج إليه الناس. وعلى قمة قائمة الاحتياجات الأطعمة الخاصة لرعاية الأطفال المصابين بسوء التغذية ممن لا يستطيعون تناول الوجبات المنتظمة، من قبيل بلامبي نات [Plumpy’Nut] وهو غذاء علاجي جاهز للاستعمال.
عادة ما تحوي علبة طعام مؤسسة غزة الإنسانية على الدقيق والمكرونة والطحينة وزيت الطبخ والأرز والحمص أو العدس. ما من طعام للأطفال. ما من بلامبي نات. وما من ممرضات مدربات أو خبراء تغذية في المجتمع لتوفير الرعاية العلاجية للأطفال المتضورين جوعا.
تخيلوا والدة يائسة تقع حرفيا في نهاية السلسلة الغذائية: كيف لها أن تطبخ الحصص التي تحصل عليها؟ كيف لها أن تعثر على مياه نظيفة؟ لقد قلصت إسرائيل توافر المياه إلى نسبة ضئيلة من الحاجة اللازمة، وتقصف بقية محطات تحلية المياه. كيف لها أن توقد نارا؟ وفي غياب الكهرباء أو غاز الطبخ، قد تحرق القمامة لتسخين الطعام.
والأمر الأخير والأشد دلالة هو أن عملية الإغاثة الإنسانية الحقيقية تدعم المنكوبين، وتحترم كرامة المحتاجين، وتعمل بالتعاون مع المجتمعات. وما تفعله مؤسسة غزة الإنسانية هو العكس جوهريا: فهي تعمل على الإذلال والتخريب.
وليس الانهيار الاجتماعي الذي نشهده، وامتهان كرامة البشر، منتجا ثانويا للأذى الذي تلحقه إسرائيل. إنما هو العنصر المركزي في الجريمة: تدمير المجتمع الفلسطيني. وحكومة إسرائيل لا تبدي أي بادرة على أنها تبالي أقل مبالاة أيعيش الفلسطينيون أم يموتون؟ إنما هي تريد أن تجتنب وصمة عار الاتهام بالتجويع والإبادة الجماعية وما مؤسسة غزة الإنسانية إلا ذريعة تتنصل بها الحكومة الإسرائيلية. فلا ينبغي أن ننخدع.