ترامب والمرض والمناظرة الكارثية.. هذه عوامل انسحاب بايدن
تاريخ النشر: 23rd, July 2024 GMT
واشنطن- استمر الرئيس الأميركي جو بايدن في عناده ورفضه الانسحاب من السباق الانتخابي لمدة 24 يوما، عقب الأداء "الكارثي" في المناظرة أمام منافسه الجمهوري دونالد ترامب، وكرر في عدة لقاءات تلفزيونية وفعاليات انتخابية إمكانية هزيمة ترامب.
إلا أن كل شيء تغيّر عقب نجاة ترامب من محاولة اغتياله بولاية بنسلفانيا يوم 13 يوليو/تموز الجاري، والتي أدت إلى ارتفاع شعبيته، وتأكدت القيادات الديمقراطية من استحالة فوز بايدن على ترامب في انتخابات 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبلة، وجاء إعلان انسحاب بايدن الدراماتيكي من السباق الانتخابي بعد 8 أيام من محاولة اغتيال منافسه الجمهوري.
على مدار 24 يوما، أصر بايدن على المضي قدما في محاولة إعادة انتخابه رغم دعوات من المشرعين الديمقراطيين والمانحين له بالتنحي، وذلك عقب أدائه الذي وُصف بـ"الكارثي" في مناظرة 27 يونيو/حزيران الماضي أمام منافسة ترامب.
وقبل أقل من 20 ساعة من إعلانه الانسحاب رسميا من السباق، بدا أن بايدن لم يتخذ قراره، حيث غرد على منصة "إكس" قائلا "إنها أهم انتخابات في حياتنا، وسأفوز بها". وتغير كل شيء يوم السبت الماضي بعدما أخبر بايدن كبار مساعديه في الصباح أنه "سيمضي قدما بكامل قوته" للحملة، ولكن بحلول المساء، غيّر رأيه بعد مناقشة طويلة مع أقرب مساعديه.
وعبّر قادة الحزب الديمقراطي خلال الأيام الأخيرة عن تزايد المخاوف من المشرعين والمتبرعين، وهو ما أكد أن طريق بايدن إلى النصر في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل قد انتهى.
واختار الرئيس الإعلان عن انسحابه بدلا من الاستمرار وترْك نفسه مجالا للسخرية باعتباره "أسدا معزولا ومخدوعا يجر معه الديمقراطيين في مجلسي النواب والشيوخ إلى كارثة في الانتخابات الرئاسية 2024″، كما يجري وصفه مؤخرا.
ومنذ المناظرة، كان بايدن وأقرب مساعديه مصممين على الاستمرار في السباق، مع اقتناعهم بأنه لا يزال أفضل فرصة لحزبه لهزيمة الرئيس السابق دونالد ترامب مع احتواء تداعيات المناظرة.
في لحظة بدا فيها أن بايدن قد يكون قادرا على تحمل الدعوات التي تطالبه بالتنحي، ظهرت الديمقراطية نانسي بيلوسي في برنامج "صباح جو" على قناة "إم إس إن بي سي"، وقالت إن الحزب سيمنح الرئيس "الذي كان مصرا على بقائه"، مزيدا من الوقت للتوصل إلى قرار.
مخاوفعلى مدى 3 أيام في أواخر الأسبوع الماضي، تحدث بايدن على انفراد مع القادة الديمقراطيين في الكونغرس، نانسي بيلوسي وحكيم جيفريز وتشاك شومر، وسُربت أنباء بأنهم حثوا كلهم بايدن على الإسراع بالاستقالة.
هذه التسريبات، تزامنت مع تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" بأن الرئيس السابق باراك أوباما كان يعبّر أيضا عن مخاوفه بشأن حملة بايدن بشكل خاص، وأشارت إلى الديمقراطيين الآخرين الذين لم يعبّروا بعد عن مخاوفهم الخاصة علنا بأن الوقت للقيام بذلك قد حان.
لكن يبدو أن انتقادات بايدن الحادة تجاه ترامب -خلال تجمع حاشد في ديترويت ليلة الجمعة الماضية- عززت دائرته الداخلية وحلفاءه الذين أرادوا منه التمسك بها.
كانت هذه أفضل محاولة لبايدن منذ مناظرته "العقيمة" لنقل المعركة بشكل مباشر أكثر إلى الرئيس السابق المثير للجدل، وتحويل السرد الذي يقود الحملة بعيدا عن ترشيحه المتأرجح والعودة نحو التباين، الذي اعتبره الديمقراطيون ضروريا لفرص بايدن.
لكن، جاءت إصابة ترامب برصاصة في أذنه اليمنى على بعد مليمترات من رأسه، أثناء حديثه في تجمع انتخابي ببلدة باتلر بولاية بنسلفانيا، لتقضي على أي حظوظ لبايدن.
وبعد أن سحبه ضباط الخدمة السرية على الأرض، نهض ترامب الذي كان وجهه ملطخا بالدماء، ورفع قبضة يده إلى أعلى وصرخ معلنا الاستمرار في التحدي، وعكست 4 أيام في مؤتمر الحزب الجمهوري في ميلووكي وحدة وحماسا غير مسبوقين في الحزب.
والأهم من ذلك، أنها زادت حدة التناقض في قلب إستراتيجية حملة ترامب، حيث قدمت الرئيس السابق على أنه تجسيد للقوة ضد بايدن الذي صار رمزا للضعف والوهن.
هجوم وتفاخرووسط أعمال مؤتمر الجمهوري، أعلن بايدن توقفا مؤقتا لحملته الانتخابية وعاد من لاس فيغاس دون أن يلقي خطابا في تجمع حاشد من ناخبين ديمقراطيين لاتينيين، بعد أن ثبتت إصابته بفيروس كورونا، وعاد إلى بيته في ولاية ديلاويير، حيث مكث بعيدا عن الأنظار منذ مساء الأربعاء الماضي.
ومع ارتفاع شعبية ترامب ومرض بايدن من جديد، اقتنع كبار قادة الحزب الديمقراطي وكذلك أهم مموليه أن الوقت قد حان لطي صفحة بايدن دون أي تأخير وأي تردد، وهو ما كان وما أعلنه بايدن نفسه، أمس الأحد، للأميركيين وللعالم.
وسرعان ما هاجم ترامب قرار بايدن الانسحاب من الرئاسة، وكتب على منصة "تروث سوشيال" "لم يكن بايدن المحتال لائقا للترشح للرئاسة وللمنصب، ولم يكن كذلك أبدا، كل من حوله، بما في ذلك طبيبه ووسائل الإعلام، كانوا يعرفون أنه غير قادر على أن يكون رئيسا". وتفاخر ترامب بأنه يعتقد أن الانتصار على نائبة الرئيس كامالا هاريس سيكون "أسهل من الانتصار على بايدن".
ثم بادرت حملة ترامب -على الفور- باستهداف هاريس، حيث هاجمها نجله ترامب جونيور، ووصفها بأنها "أكثر ليبرالية وأقل كفاءة من جو"، كما أعلنت عدة لجان تبرعات مالية لحملة ترامب أنها ستنشر إعلانا يستهدف هاريس في الولايات المتأرجحة الحرجة مثل بنسلفانيا وأريزونا وويسكونسن.
واستغل ترامب المناسبة لمحاولة الاستفادة من المانحين أيضا، وأخبرهم أنه بحاجة إلى المساعدة في تعزيز "الزخم في هذه اللحظة بالذات".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الرئیس السابق بایدن على
إقرأ أيضاً:
ما هو "مشروع إيستر" الخطير الذي تبناه ترامب؟ وما علاقته بحماس؟
في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، بعد مرور عام كامل على الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل في قطاع غزة بدعم من الولايات المتحدة، والتي أودت بحياة أكثر من 53.000 فلسطيني، أصدرت مؤسسة "هيريتيج فاونديشن" (Heritage Foundation) ومقرها واشنطن، ورقة سياسية بعنوان "مشروع إستير: إستراتيجية وطنية لمكافحة معاداة السامية".
هذه المؤسّسة الفكرية المحافظة هي الجهة ذاتها التي تقف خلف "مشروع 2025″، وهو خُطة لإحكام السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة، ولبناء ما قد يكون أكثر نماذج الديستوبيا اليمينية تطرفًا على الإطلاق.
أما "الإستراتيجية الوطنية" التي يقترحها "مشروع إستير" المسمى نسبةً إلى الملكة التوراتية التي يُنسب إليها إنقاذ اليهود من الإبادة في فارس القديمة، فهي في جوهرها تتلخص في تجريم المعارضة للإبادة الجماعية الحالية التي تنفذها إسرائيل، والقضاء على حرية التعبير والتفكير، إلى جانب العديد من الحقوق الأخرى.
أوّل "خلاصة رئيسية" وردت في التقرير تنصّ على أن "الحركة المؤيدة لفلسطين في أميركا، والتي تتسم بالعداء الشديد لإسرائيل والصهيونية والولايات المتحدة، هي جزء من شبكة دعم عالمية لحماس (HSN)".
ولا يهم أن هذه "الشبكة العالمية لدعم حماس" لا وجود لها فعليًا – تمامًا كما لا وجود لما يُسمى بـ"المنظمات الداعمة لحماس" (HSOs) التي زعمت المؤسسة وجودها. ومن بين تلك "المنظّمات" المزعومة منظمات يهودية أميركية بارزة مثل "صوت اليهود من أجل السلام" (Jewish Voice for Peace).
أما "الخلاصة الرئيسية" الثانية في التقرير فتدّعي أن هذه الشبكة "تتلقى الدعم من نشطاء وممولين ملتزمين بتدمير الرأسمالية والديمقراطية"- وهي مفارقة لغوية لافتة، بالنظر إلى أن هذه المؤسسة نفسها تسعى في الواقع إلى تقويض ما تبقى من ديمقراطية في الولايات المتحدة.
عبارة "الرأسمالية والديمقراطية"، تتكرر ما لا يقل عن خمس مرات في التقرير، رغم أنه ليس واضحًا تمامًا ما علاقة حركة حماس بالرأسمالية، باستثناء أنها تحكم منطقة فلسطينية خضعت لما يزيد عن 19 شهرًا للتدمير العسكري الممول أميركيًا. ومن منظور صناعة الأسلحة، فإن الإبادة الجماعية تمثل أبهى تجليات الرأسماليّة.
وبحسب منطق "مشروع إستير" القائم على الإبادة، فإنّ الاحتجاج على المذبحة الجماعية للفلسطينيين، يُعد معاداة للسامية، ومن هنا جاءت الدعوة إلى تنفيذ الإستراتيجية الوطنية المقترحة التي تهدف إلى "اقتلاع تأثير شبكة دعم حماس من مجتمعنا".
نُشر تقرير مؤسسة "هيريتيج" في أكتوبر/ تشرين الأول، في عهد إدارة الرئيس جو بايدن، والتي وصفتها المؤسسة بأنها "معادية لإسرائيل بشكل واضح"، رغم تورّطها الكامل والفاضح في الإبادة الجارية في غزة. وقد تضمّن التقرير عددًا كبيرًا من المقترحات لـ"مكافحة آفة معاداة السامية في الولايات المتحدة، عندما تكون الإدارة المتعاونة في البيت الأبيض".
وبعد سبعة أشهر، تُظهر تحليلات نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" أن إدارة الرئيس دونالد ترامب -منذ تنصيبه في يناير/ كانون الثاني- تبنّت سياسات تعكس أكثر من نصف مقترحات "مشروع إستير". من بينها التهديد بحرمان الجامعات الأميركية من تمويل فدرالي ضخم في حال رفضت قمع المقاومة لعمليات الإبادة، بالإضافة إلى مساعٍ لترحيل المقيمين الشرعيين في الولايات المتحدة فقط لأنهم عبّروا عن تضامنهم مع الفلسطينيين.
علاوة على اتهام الجامعات الأميركية بأنها مخترقة من قبل "شبكة دعم حماس"، وبترويج "خطابات مناهضة للصهيونية في الجامعات والمدارس الثانوية والابتدائية، غالبًا تحت مظلة أو من خلال مفاهيم مثل التنوع والعدالة والشمول (DEI) وأيديولوجيات ماركسية مشابهة"، يدّعي مؤلفو "مشروع إستير" أن هذه الشبكة والمنظمات التابعة لها "أتقنت استخدام البيئة الإعلامية الليبرالية في أميركا، وهي بارعة في لفت الانتباه إلى أي تظاهرة، مهما كانت صغيرة، على مستوى جميع الشبكات الإعلامية في البلاد".
ليس هذا كل شيء: "فشبكة دعم حماس والمنظمات التابعة لها قامت باستخدام واسع وغير خاضع للرقابة لمنصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك، ضمن البيئة الرقمية الكاملة، لبث دعاية معادية للسامية"، وفقاً لما ورد في التقرير.
وفي هذا السياق، تقدم الورقة السياسية مجموعة كبيرة من التوصيات لكيفية القضاء على الحركة المؤيدة لفلسطين داخل الولايات المتحدة، وكذلك على المواقف الإنسانية والأخلاقية عمومًا: من تطهير المؤسسات التعليمية من الموظفين الداعمين لما يسمى بمنظمات دعم حماس، إلى تخويف المحتجين المحتملين من الانتماء إليها، وصولًا إلى حظر "المحتوى المعادي للسامية" على وسائل التواصل، والذي يعني في قاموس مؤسسة "هيريتيج" ببساطة المحتوى المناهض للإبادة الجماعية.
ومع كل هذه الضجة التي أثارها "مشروع إستير" حول التهديد الوجودي المزعوم الذي تمثله شبكة دعم حماس، تبين – وفقًا لمقال نُشر في ديسمبر/ كانون الأول في صحيفة The Forward- أنَّ "أيَّ منظمات يهودية كبرى لم تُشارك في صياغة المشروع، أو أن أيًّا منها أيدته علنًا منذ صدوره".
وقد ذكرت الصحيفة، التي تستهدف اليهود الأميركيين، أن مؤسسة "هيريتيج" "كافحت للحصول على دعم اليهود لخطة مكافحة معاداة السامية، والتي يبدو أنها صيغت من قبل عدة مجموعات إنجيلية مسيحية"، وأن "مشروع إستير" يركز حصريًا على منتقدي إسرائيل من اليسار، متجاهلًا تمامًا مشكلة معاداة السامية الحقيقية القادمة من جماعات تفوّق البيض والتيارات اليمينية المتطرفة.
وفي الوقت نفسه، حذر قادة يهود أميركيون بارزون -في رسالة مفتوحة نُشرت هذا الشهر- من أن "عددًا من الجهات" في الولايات المتحدة "يستخدمون الادعاء بحماية اليهود ذريعةً لتقويض التعليم العالي، والإجراءات القضائية، والفصل بين السلطات، وحرية التعبير والصحافة".
وإذا كانت إدارة ترامب تبدو اليوم وكأنها تتبنى "مشروع إستير" وتدفعه قدمًا، فإن ذلك ليس بدافع القلق الحقيقي من معاداة السامية، بل في إطار خطة قومية مسيحية بيضاء تستخدم الصهيونية واتهامات معاداة السامية لتحقيق أهداف متطرفة خاصة بها. ولسوء الحظ، فإن هذا المشروع ليس إلا بداية لمخطط أكثر تعقيدًا.