النائب علاء عابد يكتب: حرب «البيجر» والأمن السيبراني
تاريخ النشر: 20th, September 2024 GMT
لا تمثل تفجيرات أجهزة البيجر بلبنان مفاجأة لكل من يتابع تطور الحروب الإلكترونية الحديثة والأمن السيبراني أو ما يطلق عليها حروب الجيل الخامس، خاصة أنه ومن زمن بعيد كانت التفجيرات الإلكترونية عبر المحمول أمراً معروفاً، منذ حادثة مهندس المقاومة الفلسطينية يحيى عياش في عام 1996، حيث اغتال الاحتلال الإسرائيلي عياش عن طريق هاتف ملغم، وبنفس الطريقة، وذلك منذ تسعينات القرن الماضي، وغيرها من الحوادث والتفجيرات، وذلك قبل الثورة الحالية في التكنولوجيا التي تحولت فيها الحياة العادية إلى حياة إلكترونية تستطيع فيها أن تُحرك الأجهزة في منزلك عن بُعد إلكترونياً.
دون شك فإن التطور الكبير في حروب الجيل الرابع والخامس وصل إلى حدود غير مسبوقة، حتى إن قادة حزب الله عادوا إلى الوراء، إلى زمن البيجر، ظناً منهم أنه أكثر أماناً، ولكن الاختراق كان رسالة واضحة وأن التكنولوجيا الجديدة تطال القديم والجديد، بالإضافة إلى الاختراق الأمني لحزب الله. كان البعض، وكالعادة، يهاجم الإجراءات التي اتخذتها مصر بمنع أجهزة وألعاب معينة وأجهزة اتصالات من دخول مصر وسن تشريعات بعينها في وقتها وتحديد أنواع محددة من أجهزة الاتصالات وفرض رسوم وتفتيش ورقابة ووضع شروط محددة على أنواع أخرى، وخرجت اللجان الإلكترونية المأجورة في حينها تهاجم القرارات والتشريعات. فهل فهم ووعى هؤلاء الآن ما كانت تفعله مصر، وأن الأمن والاستقرار الذي تعيش فيه مصر ليس وليد اليوم ولا جاء صدفة، وأن في مصر بالفعل هناك رجال ساهرون على أمنها واستقرارها.
وطالما تحدَّث الرئيس عبدالفتاح السيسى في خطابات عدة عن أهمية الأمن السيبراني، وقال كلمات عديدة، منها جملة شهيرة عندما قال متحدثاً عن الأمن: «فيه حاجات ماقدرش أقولها»، وبالفعل هذه هي مصر الكبيرة وزعيمها الذي تثبت الأيام كل ساعة أن رؤيته ونظرته كانت على صواب دائماً. نعم مصر تتعامل بقدر التحديات، وهناك خطوات لا بد أن تتواكب مع التطور وحفظ أمن مصر، ومنها الأمن السيبراني، وهو أمر مهم، خاصة في ظل العجرفة الإسرائيلية وما تمارسه إسرائيل من جنون تسعى به لتوسيع نطاق الحرب وتتحرش في كل يوم بإيران وحزب الله في لبنان لخلق واقع استراتيجي جديد ومكاسب قبل الانتخابات الأمريكية مما يأخذ المنطقة إلى أتون حرب إقليمية طويلة لا يعلم مداها إلا الله وحده.
والتفجيرات الأخيرة التي طالت لبنان هي إعلان لمرحلة جديدة وتحول نوعي كبير لانتهاء حرب المواجهات المباشرة وبدء حروب جيل جديد تسعى إليها إسرائيل منذ زمن، وما قامت به إلكترونياً مؤخراً في لبنان من استهداف قيادة حزب الله لم تنجح فيه طائراتها الحربية ولا قوتها العسكرية، مما يعني أن حروب الجيل الخامس قد بدأت وأن الذي استعد لها في السابق هو من يحفظ لنفسه الأمن والاستقرار اليوم.
بالفعل دشنت تفجيرات البيجر الأخيرة بلبنان مرحلة جديدة تستخدم فيها إسرائيل كل الوسائل التكنولوجية بشكل لا يفرق بين المدنيين والعسكرين، بل والأطفال والنساء، فهي حرب عمياء، بل إن تلك التفجيرات كشفت كذلك عن الشكل الجديد للحروب الإلكترونية، ليس فقط في لبنان أو المنطقة، بل ستنتقل إلى كل مكان في العالم، وهو ما سيخلق حالة من الرعب من الاختراق الإلكتروني، ما يجعل أي طائرة هدفاً للتفجير أو حتى أداة تفجير، ليس كما حدث في أحداث 11 سبتمبر، بل لن يكون الإرهابي في حاجة لأكثر من جهاز إلكتروني محمول، مما يعنى توسيع دائرة القتل وبث الرعب في القلوب، وهو ما استهدفته إسرائيل في تفجيرات لبنان، إلا أنه سينتقل رويداً إلى كل أنحاء العالم مع التطور الكبير في الأسلحة والمتفجرات بأنواعها المختلفة، لتصبح هناك أداة جديدة للتفجير عن بُعد باستخدام الأجهزة المحمولة واللاسلكية، بعد أن تتحول الأجهزة اللاسلكية وأجهزة المحمول إلى قنابل يدوية وسلاح للقتل.
ومرة أخرى فإن إسرائيل والنظام الصهيوني يأخذ العالم إلى مصير أسوأ وليس غريباً على النظام الصهيوني ف يإسرائيل، فهو الذي استباح دماء الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين ويقوم بحرب إبادة جماعية هي الأوسع في التاريخ الحديث، ولن يتوانى هذا النظام المجرم عن استخدام كل الوسائل للقتل دون رادع في العالم الذي صمت عن المذابح والجرائم التي ارتكبها هذا الكيان المحتل ضد الشعب الفلسطيني.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: حرب البيجر الأمن السيبرانى لبنان الحروب الإلكترونية الأمن السیبرانی
إقرأ أيضاً:
النائب سليمان السعود يكتب: القضية الفلسطينية في عهد الملك عبدالله الثاني… ثبات الموقف وصدق الانتماء في ذكرى الجلوس الملكي
صراحة نيوز ـ في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، تحولت القضية الفلسطينية من مجرد بند دائم في الخطاب السياسي الأردني إلى محور فاعل في كل تحرك دبلوماسي، وإلى مبدأ راسخ لا يخضع للمساومة أو التراجع. فمنذ اليوم الأول لتسلمه سلطاته الدستورية، حمل جلالته هذه القضية على عاتقه كأمانة تاريخية وإرث هاشمي، مؤمنًا أن فلسطين ليست فقط جغرافيا محتلة، بل قضية حق وعدالة وكرامة إنسانية. لقد أثبت الملك عبدالله الثاني، عبر مواقفه وتحركاته، أن الأردن ليس مراقبًا على خط الأزمة، بل طرفًا حاسمًا في الدفاع عن هوية الأرض والإنسان والمقدسات، بل صوتًا لا يغيب عن أي منبر دولي حين تُذكر فلسطين.
في كل خطبه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، كان جلالته يضع فلسطين في قلب الخطاب، لا كتقليد سياسي، بل كموقف أخلاقي وإنساني ودولي. كان صوته في تلك المحافل، بليغًا صريحًا، يضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليته الأخلاقية، ويفضح ازدواجية المعايير حين يُترك شعب أعزل يواجه الاحتلال وحده، بينما تخرس كثير من الدول أمام الظلم والتعدي. وفي لحظات الصمت الإقليمي والدولي، ظل الأردن، بقيادة جلالته، يصدح باسم فلسطين، ويمنح قضيتها نبضًا جديدًا في وعي العالم.
القدس، بعين الملك، ليست مجرد عاصمة عربية محتلة، بل عنوان للوصاية الهاشمية وللثوابت التاريخية، ورمز لمعركة السيادة والكرامة. لم يقبل الملك عبدالله في يوم من الأيام بأي مساومة على وضع المدينة المقدسة، ورفض بشدة كل محاولات فرض الأمر الواقع فيها، سواء عبر تهويدها أو تغيير معالمها أو استهداف المسجد الأقصى المبارك. كان واضحًا، حاسمًا، لا يتردد حين يقول: “القدس خط أحمر”. وكانت تحركاته لا تقتصر على الخطاب، بل تمتد إلى الفعل، من دعم مباشر لدائرة أوقاف القدس، إلى مواقف سياسية شرسة ترفض القرارات الأحادية مثل نقل السفارة الأمريكية، وتدين الاعتداءات على المقدسات الإسلامية والمسيحية.
لم تغب غزة عن وجدان الملك، ولا عن بوصلته السياسية. ففي كل عدوان تتعرض له، كان الموقف الأردني متقدمًا، يرفض الاحتلال، ويدين القتل والتدمير، ويوجه بإرسال المساعدات الطبية والغذائية على الفور، ويطالب بحماية المدنيين، ويذكّر العالم أن استمرار هذا الاحتلال هو وقود دائم لعدم الاستقرار والتطرف. كان الملك يتحدث بلغة الحقوق، لا العواطف، ويخاطب ضمير الإنسانية، لا مصالح الساسة، رافعًا راية القانون الدولي فوق كل اعتبارات المصالح الضيقة.
ولم تكن القضية الفلسطينية، في فلسفة جلالته، ذريعة للمناورة الداخلية أو الخارجية، بل كانت جزءًا من منظومة الأمن القومي الأردني، وجزءًا لا يتجزأ من هوية الدولة الأردنية نفسها. كان يؤكد في كل مناسبة، أن لا وطن بديل، ولا حل على حساب الأردن، وأن حقوق اللاجئين لا تسقط بالتقادم، ولا تلغى بمؤتمرات ولا بصفقات. لقد وضع جلالته سدًا منيعًا أمام محاولات تصفية القضية، ورفض كل مشاريع التوطين والتنازل، مؤمنًا أن فلسطين يجب أن تُعاد إلى أهلها، لا أن تُباع على طاولة المساومات.
وعبر شبكة واسعة من العلاقات الدولية، استطاع الملك أن يُبقي على زخم القضية الفلسطينية، رغم محاولات طمسها أو تهميشها، بل وفرضها على جداول الأعمال السياسية والقمم العالمية، في وقت انشغل فيه كثيرون بملفات أخرى. كان حاضرًا في واشنطن، وفي بروكسل، وفي موسكو، وفي كل عواصم القرار، لا يسعى لمكاسب سياسية آنية، بل يناضل من أجل عدالة تاريخية يجب أن تتحقق. فكان بذلك المدافع الأصدق عن صوت الشعب الفلسطيني، ورافع رايته حين خذله الآخرون.
إن المتابع لمسيرة جلالة الملك عبدالله الثاني يجد أنه لم يغيّر بوصلته يومًا، ولم يتردد في الانحياز إلى الحق، حتى حين كان ذلك مكلفًا سياسيًا. ولعل ثبات الموقف الأردني، رغم الضغوط والتحديات، هو شهادة حيّة على أن هذه القيادة ترى في فلسطين قضية الأمة، لا ورقة تفاوض. لقد قاد الملك المعركة السياسية والدبلوماسية من أجل فلسطين بكل حكمة وصلابة، وجعل من الأردن ركيزة مركزية في الدفاع عن القدس، وعن الحق الفلسطيني، وعن مستقبل المنطقة بأسرها، الذي لن يكون آمنًا أو مستقرًا ما لم تكن فيه فلسطين حرّة وعاصمتها القدس الشرقية.
في ظل كل ما سبق، فإن عهد جلالة الملك عبدالله الثاني هو عهد الحفاظ على جوهر القضية الفلسطينية، وتثبيت حقوق الشعب الفلسطيني في وجدان العالم، وتحصين الأردن من أية مشاريع مشبوهة. هو عهد الوضوح في زمن الضباب، وعهد الصوت العالي في زمن الصمت، وعهد الوفاء لقضية لم ولن تغيب عن نبض القيادة الهاشمية وعن ضمير الدولة الأردنية.