متروبليت بيروت للروم الأرثوذكس: الوقت الحالي هو وقت التفاف اللبنانيين حول دولتهم
تاريخ النشر: 29th, September 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أكد الياس عوده متروبليت بيروت للروم الأرثوذكس على أن الوقت الحالي هو وقت التفاف اللبنانيين حول دولتهم، وتسليمها أمر الدفاع عن لبنان، ووقت تحمل الجميع مسؤوليتهم، ووقت اجتماع النواب، دون قيد أو شرط، لانتخاب رئيس للبلاد يتسلم زمام الأمور ويرفع الصوت عاليا دفاعا عن لبنان، وجاء ذلك خلال اللقاء عظته في صلوات القداس الإلهس كاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت.
وقال عودة خلال عظته: “يظهر لنا الإنجيلي لوقا، في إنجيل اليوم، القاعدة الذهبية التي على الإنسان أن يبني على أساسها علاقته بأخيه، على مثال العلاقة التي رسمها الله في تعاطيه معنا نحن خليقته. تتضمن تلك القاعدة كل فضيلة ووصية، وكل عمل أو رأي صالح. إنها المحبة تجاه الجميع من دون التماس مقابل، والتي من سماتها الرحمة. من يحب أخاه يرحمه ويغفر له كما فعل ربنا يسوع المسيح عندما أحبنا باذلا نفسه من أجل خلاصنا. بمحبته رحمنا الله وغفر ذنوبنا، وهو بحسب الإنجيلي يوحنا والرسول «كفارة عن خطايانا وليس عن خطايانا فقط بل عن خطايا العالم كله أيضا» (1يو 2: 2). كيف يمكن للإنسان أن يكون رحيما في ظل الأوضاع القائمة التي يضج بها بلدنا والعالم أجمع؟ قدم ربنا يسوع جوابا عن هذا التساؤل في إنجيل اليوم بقوله: «أحبوا أعداءكم، وأحسنوا وأقرضوا غير مؤملين شيئا”.
وتابع: "لا تدينوا فلا تدانوا، لا تقضوا على أحد فلا يقضى عليكم، اغفروا يغفر لكم، أعطوا تعطوا... لأنه بالكيل الذي به تكيلون يكال لكم» (لو 6: 37-38)".
أضاف: "الرحمة تتجلى في المغفرة. لم يقصد الرب أن يقلب موازين العدالة البشرية، إنما يذكر التلاميذ أن عليهم التوقف عن الإدانة وإصدار الأحكام لكي يحصلوا على علاقات أخوية سليمة. المغفرة هي ركيزة حياة الجماعة المسيحية، فيها تتجلى مجانية المحبة التي بها أحبنا الله أولا. على المسيحي أن يغفر لأنه قد غفر له. ما من أحد منا لم يكن بحاجة إلى مغفرة الله في حياته. ولأن الله غفر لنا، ولا يزال يغفر، علينا أن نقوم بالمثل كما أوصانا الرب يسوع في الصلاة التي علمنا إياها: «واترك (أغفر) لنا ما علينا كما نترك (نغفر) نحن لمن لنا عليه». هذا يعني أن نغفر الإساءة وغيرها الكثير من الأمور، لأن الله قد غفر لنا الإساءات والخطايا التي لا تحصى. ركيزة الغفران هذه تبين لنا مجانية محبة الله الذي أحبنا أولا. إن الحكم على الأخ الذي يخطئ وإدانته هما أمر خاطئ، ليس لأننا لا نريد الإقرار بالخطيئة، بل لأن إدانة الخاطئ تقطع رباط الأخوة وتزدري برحمة الله الذي لا يتخلى عن أحد من أبنائه. لا سلطان لنا كي ندين أخانا، ولسنا في مرتبة أعلى منه، بل علينا بالحري واجب استعادته لكرامة بنوته للآب، وواجب اصطحابه في مسيرة توبته، مع إدانتنا لخطيئته".
وتابع: "إن كانت المغفرة هي الركيزة الأولى، فالعطاء هو الركيزة الثانية. قال المسيح أعطوا تعطوا... لأنه بالكيل الذي به تكيلون يكال لكم» (لو 6: 38). الله يعطينا أكثر بكثير مما نستحق، لكنه أكثر سخاء مع الأسخياء هنا على الأرض.
لم يتكلم يسوع على ما سيحدث مع الذين لا يعطون لكن تشبيه الكيل يمثل تحذيرا. فبمقدار المحبة التي نمنحها نكون نحن أنفسنا من يقرر مقياس الكيل الذي سيكال به لنا. هذا ما قصده بقوله: «كما تريدون أن يفعل الناس بكم كذلك افعلوا أنتم بهم» (لو 6: 31). إذا انتبهنا جيدا نجد منطقا متناسقا: بالمقدار الذي يمنحنا إياه الله علينا أن نمنح الأخ، وبالمقدار نفسه الذي به نمنح الآخر يمنحنا الله! إذا، المحبة الرحيمة هي الدرب الوحيد الذي علينا سلوكه. لذا علينا أن نكون أرحم، فلا نتكلم بالسوء على الآخرين، ولا ندين أو نحسد ونظلم ونقتل. علينا أن نغفر ونكون رحماء ونعيش المحبة التي تسمح للمسيحي أن يحافظ على هويته وأن يدرك أنه ابن للآب. وفي المحبة تتجلى الرحمة والعطاء والمغفرة. هكذا يتسع القلب ويكبر بالمحبة فيما تجعله الأنانية والغضب والحقد والحسد يتقلص ويتصلب ويتحجر".
وقال: "إن لم يظهر المسيحي مسيحيته المتجلية في المحبة والعطاء والمغفرة في مثل هذه الأوقات العصيبة التي يمر بها بلدنا الحبيب، فمتى يظهرها؟ لقد تأكد اللبناني ألا أحد إلى جانبه سوى أخيه اللبناني. أطفال بعمر الورود وأبرياء ذبلت أجسادهم وتقطعت أوصالهم ولم يحرك المشهد الضمائر لإنهاء المجزرة. اللامبالاة أمام وحشية ولا إنسانية ما يجري يدل على أن العالم اختار الإبتعاد عن الله، لكننا نحن متشبثون بخالقنا الذي نؤمن بأنه لن يتركنا يتامى، مهما تخلى عنا القريب والبعيد لأن مصلحتهم تقتضي ذلك".
أضاف: "هنا لا بد من التأكيد أن الوقت الآن هو وقت التفاف اللبنانيين حول دولتهم، وتسليمها أمر الدفاع عن لبنان، ووقت تحمل الجميع مسؤوليتهم، ووقت اجتماع النواب، دون قيد أو شرط، لانتخاب رئيس للبلاد يتسلم زمام الأمور ويرفع الصوت عاليا دفاعا عن لبنان، متوسلا الطرق الدبلوماسية لإيجاد الحل، ويطالب بوقف النار فورا. وهذا ما على الجميع السعي من أجل تحقيقه، دون تباطؤ".
وسأل: "هل يجوز أن يبقى البلد بلا رأس في هذا الوقت؟ هل يجوز عدم انتخاب رئيس لأسباب كيدية أو مصلحية والبلد يمر في أحرج الظروف، وهو بحاجة إلى من يصونه ويمثله ويدافع عن مصالحه ويحمي حقوقه وأبناءه وأرضه ومستقبله؟ مرة جديدة نخاطب ضمائر من في يدهم القرار كي يقوموا بواجبهم الوطني، متخلين عن كل أنانية ومصلحة وضغينة، عاملين فقط من أجل مصلحة لبنان وإنقاذه. إرحموا الأبرياء الذين يقتلون ويخسرون أحباءهم وأرزاقهم ويهجرون بالآلاف. بلدنا لا يحتمل الحرب في الظروف الصعبة التي يمر فيها فلا تتلكأوا ولا تربطوا مصيره بمصير أية جماعة أو دولة. إنه وقت تحمل المسؤولية بجدية واتخاذ القرارات الشجاعة التي تنقذ لبنان وشعبه".
وختم: "دعوتنا اليوم أن نصلي ونعمل من أجل خلاص بلدنا وسلامة أبنائه وأرضه، وأن نحب الجميع، ونغفر لكل من أساء إلينا، وأن نحمله في صلاتنا، عل قلبه الحجري يعود ينبض بالرحمة والمحبة التي نأمل أن تسود المسكونة أجمع، فتلغي الحروب وتحل السلام".
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الارثوذكس ارثوذكس كاتدرائية صلوات القداس المحبة التی عن لبنان علینا أن من أجل
إقرأ أيضاً:
حين يصمت الجميع وتنطق صواريخ أنصار الله “غزة ليست وحدها”
منذ اللحظة الأولى للعدوان الإسرائيلي على غزة، التزمت حركة “أنصار الله” بقيادة السيد عبدالملك الحوثي بموقف واضح وصريح ألا وهو نصرة الشعب الفلسطيني.
ذلك الالتزام لم يكن مجرد خطاب عاطفي، بل تُرجم إلى عمليات عسكرية نوعية أعلن عنها المتحدث العسكري، يحيى سريع، واستهدفت الكيان الصهيوني، في رد مباشر على المجازر الأمريكية-الصهيونية بحق المدنيين. وهي المواقف التي أنعشت فينا الأمل بأن العروبة لا تزال تنبض بالحياة.
في المقابل، يقف قادة العرب والمسلمين، ومعهم جيوشهم المدججة بأحدث الأسلحة، متفرجين أمام مشهد الإبادة الجماعية في غزة، لا يحركون ساكنًا، بل ويحولون بين الشباب العربي ورغبتهم في الانضمام إلى صفوف المقاومة الفلسطينية. وكأنهم يتمنون أن تبتلع أمواج البحر غزة لتريحهم من الحرج.
وأما الشعوب العربية والإسلامية، فقد وقعت في أسر القهر السياسي، لا تملك حرية الفعل، مقيدة بخوف مزروع في الذاكرة الجمعية، عاجزة عن نصرة إخوانها في غزة، تكتفي بالصمت والذهول، وكأن المأساة تحدث في كوكب آخر.
في هذا السياق، يؤكد السيد عبدالملك الحوثي على أن جماعته اختارت “الخيار الصحيح”، وهو الجهاد ضد العدو الصهيوني والأمريكي، ردًا على استمرار العدوان على غزة وانهيار محاولات وقف إطلاق النار. وقد دفعت الولايات المتحدة ثمن عدوانها على اليمن، إذ كبدتها القوات اليمنية خسائر فادحة، دفعت واشنطن إلى إعادة حساباتها. ووفق تقرير لشبكة “NBC” الأمريكية، فإن هذه الحرب القصيرة نسبيًا كلّفت الولايات المتحدة أكثر من مليار دولار، وأدت إلى نفاد الآلاف من القنابل والصواريخ، بالإضافة إلى تدمير سبع طائرات مسيّرة، وإغراق مقاتلتين حربيتين.
ورغم كل هذه الحقائق، يواصل بعض القادة العرب والمسلمين رهانهم على حكومة نيتنياهو المتطرفة، أملاً في القضاء على المقاومة الفلسطينية، متجاهلين دروس التاريخ والمنطق. إن هذا الرهان ليس فقط غبيًّا من الناحية الاستراتيجية، بل يشكل سقوطًا أخلاقيًّا مدويًا. فالمقاومة ليست مجرد سلاح، بل روح شعب لا تُقهر.
ألا يدرك أولئك الحكام أن دعمهم لحكومة نيتنياهو، إحدى أكثر الحكومات تطرفًا في تاريخ الكيان الصهيوني، هو تماهٍ خطير مع مشروع استيطاني عنصري؟ .
إنهم بذلك يمنحون الضوء الأخضر لبناء المزيد من المستوطنات، مثلما أُعلن مؤخرًا عن إقامة 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية، ويشجعون على تهويد القدس، وتوسيع الحصار على غزة والضفة، وارتكاب المجازر دون رادع.
في المقابل، يُظهر اليمن وجهًا آخر من العروبة، وجهًا تفيض منه الكرامة والمقاومة. ففي الوعي اليمني، تعتبر نصرة المظلوم واجبًا دينيًّا وأخلاقيًّا، وفلسطين وغزة رمزان للظلم الصارخ على أمة الإسلام. لذلك فموقف أنصار الله في إسناد غزة ليس ظرفيًّا ولا دعاية مؤقتة، بل نابع من شعور إنساني أصيل وتاريخ من التضامن والتلاحم.
وعلى الرغم من الحصار والحرب والفقر الذي يعانيه اليمنيون، فإنهم لا يتوانون عن مد يد العون لغزة، بالمال والدم والسلاح. هذا الموقف ليس جديدًا، فقد شارك اليمنيون في الحروب العربية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وكان لهم حضور في حرب 1973، مما يعزز الروح التضامنية في وجدانهم.
إن معاناة اليمنيين اليومية تجعلهم أكثر شعورًا بآلام الغزّيين، وأكثر قدرة على فهم وحشية الحصار وآثاره النفسية والاقتصادية. ورغم كل التحديات، لا تزال صواريخ اليمن تنطلق وتدوي في سماء فلسطين المحتلة لتعلن أن غزة ليست وحدها، وأن الكفاح مستمر، وأن القضية الفلسطينية ستبقى حية في الوجدان العربي.
إلى ذلك يرى مراقبون أن استخدام صواريخ فرط صوتية يمثل تحولًا نوعيًا في طبيعة الصراع، وهو منعطف خطير للغاية في تطورات الشرق الأوسط إذ أن مثل هذه الأسلحة من الصعب اعتراضها عبر المنظومات التقليدية، ما يُحدث خللًا في معادلة الردع الإسرائيلية، إذ بدأت الحرب عن بُعد بالمسيرات والصواريخ من طرف دول لا تجمعها حدود جغرافية مع الكيان، الأمر الذي لم تكن إسرائيل تنتظره. وهو ما يعكس قدرة اليمنيين على التأثير في موازين القوة الإقليمية، رغم الحصار المفروض على اليمن.
فلاش: من بين المقولات التي تتردد على الألسنة مقولة: “من لم يؤدبه الزمن، يؤدبه اليمن” وهي مقولة تنبع من تاريخ طويل من الكبرياء، وتحمل تحذيرًا واضحًا لكل من يستخف بشعب اليمن ومقاومته. وما خضوع أمريكا لشروط صنعاء مؤخرًا إلا تأكيد على أن هذا البلد العريق لا يُقهر. ويكفيهم شرفا أن تُعرب كتائب المقاومة الفلسطينية، عن مباركتها للضربات الصاروخية التي تنفذها “أنصار الله” في عمق الأراضي المحتلة، حيث أشاد أبو عبيدة، المتحدث الرسمي باسم كتائب القسام، بالعمليات التي يقوم بها اليمنيون، واصفاً إياها بـ”النوعية”، ومثمناً في نفس الوقت تضامن الشعب اليمني وموقفه الداعم للقضية الفلسطينية واستعداده للتضحية من أجلها.
وختاما، فبينما يراهن البعض على الخنوع والتطبيع، يراهن أنصار الله وكل الأحرار على الشرف والمقاومة. والرهان الأخير هو ما تصنع به الأمم تاريخها، وتستعيد به كرامتها.
*كاتب مغربي