تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
فسر أصدقائى الأعزاء حالة الشماتة التى انتابتنى فى خسارة الحزب الديمقراطى للانتخابات الرئاسية فى الولايات المتحدة الأمريكية، بجملة سياسية لا علاقة لها بما تنطوى عليه الشماتة من حالة ضعف، ومشاعر بدائية لا تليق بسلوك من ينسبون أنفسهم للنخب السياسية والثقافية: معك حق، عدو صريح خير من عدو مستتر.
فاز «دونالد ترامب» بالرئاسة بضربة قاضية، وليس بفروق طفيفة بينه وبين منافسته الديمقراطية «كاميلا هاريس». خيب فوزه الساحق توقعات كبار الفنانين والفنانات والشخصيات العامة التى اصطفت وراءها، وانتقادات الصحف الأمريكية الكبرى، وكبريات الفضائيات، التى أمعنت فى التنديد بشعبويته التى لعبت دوراً مهماً فى نجاحه، وأماطت اللثام عن تفاصيل مطاردة العدالة له فى قضايا أخلاقية وأمنية، وحذرت من وصول من يطلق من هو مثله لسانه بالنقد والتنديد والسباب فى كل اتجاه، إلى سدة الرئاسة مرة أخرى، بما يشكله من مخاطر على مستقبل الديمقراطية الأمريكية، وأسقطت مصداقية استطلاعات الرأى، التى تخلت عن مهنيتها، واشتغلت بالسياسة، وهى تروح وتجئ وتعلو وتهبط، مبشرة بفرص نجاح هاريس.
ولعلها كذلك قد أحبطت تحليلات مراقبين عرب استهانوا بعوامل الضعف التى أحدقت بالمرشحة الديمقراطية، وفى مقدمتها تأخر قرار بايدن بالانسحاب من الانتخابات، الذى يبدو أنه قد أجبر عليه، والانقسامات العنيفة داخل الحزب الديمقراطى بشأن ترشيحها، بينما بدت مواقف ترامب للناخب الأمريكى أكثر تماسكاً وثباتاً ومصداقية. وقبل هذا وبعده تقلب مواقفها أثناء أقل من أربعة أشهر من خوض الحملة الانتخابية، لا سيما من الحرب الإسرائيلية فى غزة ولبنان، واقترابها من الخطاب اليمينى الذى يروج به منافسها لنفسه .
وأثناء جولاته الانتخابية، وعد ترامب التجمعات العربية والإسلامية بوقف الحرب ضد الشعب الفلسطينى حين توليه السلطة، وبصرف النظر عن مدى صدق التزامه بتنفيذ وعده، فقد ضمن به أن يذهب التصويت العقابى العربى إليه، فى الوقت الذى رفضت هاريس طلبهم، بإتخاذ موقف فورى من إدارة بايدن، مازال فى صلب سلطاته، بوقف نهائى للحرب فى غزة ولبنان .
وكان من المفاجآت الصادمة للديمقراطيين ولغيرهم، أن يذهب الصوت النسائى، فى مجتمع يقدس الحريات الفردية ويتغنى بحرية المرأة، إلى ترامب، برغم معارضته لمشروع مرشحتهم، بإشاعة الحق فى الإجهاض فى كل ولايات الاتحاد الفيدرالى. وكانت المحكمة العليا الأمريكية - تشبه المحكمة الدستورية العليا لدينا - وينتمى غالبية أعضائها التسعة إلى التيار المحافظ، وتحظى أحكامها بانعدام نقضها، قد ألغت قبل نحو عامين حكماً كان قد صدر عام 1973، أقر بأن حق المرأة فى إنهاء حملها محمى بموجب دستور الولايات المتحدة. وكشفت تلك النتيجة أن ترامب، بدا عليماً أكثر من منافسته بالتوجهات الاجتماعية الحقيقية، لا الدعائية، للمجتمع الأمريكى، التى تميل أغلبيته إلى السلوك المحافظ الذى يشكك فى القدرات القيادية للنساء، ويحفل بالعنصرية تجاه الملونين وغير الغربيين، وينحو إلى التمسك بالتقاليد الدينية التى تحرم الإجهاض .
انتصار تاريخى لترامب، خاصة أن إدارته التى تتسلم السلطة فى 20 يناير المقبل، قد أحكمت سيطرتها على مجلس الشيوخ بعد فوز الجمهوريين معه بأغلبية المقاعد، فى الوقت الذى باتوا يحتفظون فيه بأغلبية مقاعد مجلس النواب، وهو ما يمنحه الحرية فى صياغة سياساته وتنفيذها دون مناوءة من خصومه فى الحزب الديمقراطى ومن هم خارجه .
قد يكون من المبكر التكهن أن ترامب العائد إلى البيت الأبيض للمرة الثانية، سوف يكون غير الذى دخله فى العام 2017. وسوف تكشف اختياراته لوزرائه ومعاونيه خلال الأيام القادمة، إلى أى مدى يكون قد تعلم من أخطاء تجربته الأولى، وبأى قدر سيكون مستعداً لرأب الصدع فى المجتمع الأمريكى المفكك والمرتبك، ونبذ ما راج عن نيته فى الانتقام من الخصوم، وإلى أى حد سيأخذ من الاجراءات ما يعيد بناء الحزب الجمهورى ويقويه ويدعم مؤسسات الدولة، التى اتسم عهده الأول باحتقارها وتجاهلها؟!.
هل سيفى ترامب بوعوده بوقف الحروب فى منطقتنا؟.. المؤكد أن ضمان أمن إسرائيل وبقاء تفوقها العسكرى، هو محل تنافس بدرجات متفاوتة بين الرؤساء الديمقراطيين والجمهوريين. لكن منطقتنا لم تعاصر أبشع وأحط من إدارة بايدن ووزير خارجيته. غير أن المؤكد أنه ينوى وقف الحرب فى أوكرانيا. وقد يشكل مجيئه الذى رفع شعار أمريكا أولاً، بما يصحب ذلك من انكفاء على السياسات الداخلية صحوة فى دول الاتحاد الأوروبى لتحرير قرارها من الذيلية للموقف الأمريكى .
فى حوار مع فضائية «فرنسا 24»، ذكر الدبلوماسى الجزائرى والدولى الأخضر الإبراهيمى، رداً على سؤال ماذا يريد العرب من ترامب، أن المسئولين الغربيين حين نتحدث معهم عن مساندة قضايا المنطقة، يقولون لنا لسنا ملكيين أكثر من الملك، ونحن نسمع فى المحافل الدولية أصواتاً عربية متناقضة. ومعنى كلام الإبراهيمى أن بمقدره العرب حين تتوحد كلمتهم أن يستمع إليها القادم إلى البيت الأبيض، ويضعها فى حسابه وهو يرسم سياساته ويصوغ علاقاته مع دول المنطقة. فمتى ياترى نرى ونسمع ما يحقق تلك النصحية، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟.
*كاتبة صحفية رئيس مجلس إدارة الأهالى
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: ترامب هاريس الولايات المتحدة الأمريكية
إقرأ أيضاً:
التحرك الأمريكي في ليبيا.. مصالح متجددة في ظل إدارة ترامب الثانية
أولًا: عودة ليبيا إلى واجهة الاهتمام الأمريكي
مع بداية الولاية الثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، استعادت ليبيا مكانة متقدمة ضمن أولويات السياسة الخارجية الأمريكية, ويأتي ذلك في سياق إقليمي ودولي يشهد تحولات متسارعة، أبرزها تصاعد الصراع في الشرق الأوسط، واحتدام التنافس بين القوى الكبرى داخل القارة الإفريقية، ما جعل من ليبيا بوابة استراتيجية لا يمكن تجاهلها.
ثانيًا: خلفيات وأبعاد الزيارة الأمريكية
زيارة مستشار الرئيس الأمريكي، مسعد بولس، إلى كل من طرابلس وبنغازي، لم تكن مجرد بروتوكولية، بل يمكن قراءتها باعتبارها خطوة استطلاعية لجمع معلومات مباشرة من الفاعلين الليبيين، وتشكيل تصور دقيق لصانع القرار في واشنطن حول موازين القوى واتجاهات النفوذ.
وقد عبّر بولس خلال لقائه مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، عن قلق الولايات المتحدة العميق من الوضع الأمني في العاصمة طرابلس، في ظل استمرار انتشار السلاح بيد التشكيلات المسلحة، وغياب سيطرة حقيقية للدولة على هذه القوى.
ويأتي هذا القلق خصوصًا بعد الاشتباكات التي شهدتها العاصمة قبل نحو أربعة أشهر بين قوات حكومية وتشكيلات تابعة لقوة “دعم الاستقرار”، والتي قلّص الدبيبة نفوذها مؤخرًا، ما فاقم التوتر داخل طرابلس. واليوم، تعيش العاصمة على وقع حالة احتقان أمني متصاعدة، وسط مخاوف من تفجر الوضع في أي لحظة.
هذا الواقع دفع بولس إلى التركيز خلال محادثاته على أولوية الأمن والاستقرار، مشددًا على أن استمرار حالة التفلت الأمني يعيق أي مسار سياسي أو اقتصادي، ويثير قلقًا أمريكيًا ودوليًا متزايدًا مما قد يحدث، خاصة في ظل اقتراب استحقاقات مفصلية، منها الحديث عن تنظيم الانتخابات واستئناف المسار السياسي.
تأتي هذه الزيارة أيضًا في لحظة حساسة، حيث تواجه المنطقة خطر التصعيد بين إسرائيل وإيران، وهو ما يهدد إمدادات الطاقة العالمية، ويجعل من ليبيا — بثرواتها وموقعها الجيوسياسي — بديلًا استراتيجيًا في الحسابات الأمريكية.
ثالثًا: السيطرة الميدانية ودلالاتها الاستراتيجية
لا يمكن فصل التحرك الأمريكي عن المعادلة الميدانية الليبية. إذ يسيطر الجيش الليبي على نحو 80% من مساحة البلاد، وهي مناطق تحتوي على أهم الحقول النفطية والثروات المعدنية، إضافة إلى مناطق استراتيجية متاخمة لدول الساحل الإفريقي.
هذه السيطرة تعكس واقعًا أمنيًا يختلف عن حالة الانقسام السياسي، وتفتح المجال أمام فرص استثمارية وتنموية، لأن المصالح الاقتصادية — بما فيها الاستثمارات الأمريكية المحتملة — لا يمكن أن تتحقق في غياب الأمن والاستقرار. ولذلك، فإن هذه السيطرة تُمثل نقطة جذب لأي انخراط دولي يسعى لحماية المصالح الاستراتيجية في ليبيا.
رابعًا: واشنطن والمنافسة الدولية في إفريقيا
في الوقت الذي تُرسّخ فيه الصين وجودها الاقتصادي في إفريقيا، وتتابع فيه روسيا تعزيز مصالحها الاستراتيجية في عدد من الدول الإفريقية، تسعى واشنطن لإعادة التمركز في القارة، انطلاقًا من بوابة ليبيا.
فالتحرك الأمريكي يحمل طابعًا مزدوجًا: مواجهة تنامي النفوذ الروسي – الصيني، وتأمين إمدادات الطاقة، خصوصًا في حال تدهور الوضع في الخليج أو شرق المتوسط. وليبيا تُعد خيارًا مطروحًا، خاصة بعد أن أثبتت السنوات الماضية أن غياب الدور الأمريكي فتح المجال لتنافسات إقليمية ودولية معقدة.
خامسًا: آفاق التحرك الأمريكي وحدوده
ورغم هذا الاهتمام المتجدد، لا تزال السياسة الأمريكية في ليبيا تتسم بالغموض النسبي، إذ لم تُعلن الإدارة الأمريكية حتى الآن عن مبادرة واضحة أو رؤية متكاملة للحل، كما أن تعاطيها مع خريطة الطريق الأممية الحالية لا يزال ضبابيًا.
ويُثير هذا تساؤلات حول مدى استعداد واشنطن للانتقال من الدور الرمزي إلى دور فاعل في حلحلة الأزمة الليبية، خاصة في ظل الانقسام الحاد بين المؤسسات، وانتشار السلاح، وفشل المبادرات السابقة.
ليبيا بين الفرصة والتنافسإن عودة ليبيا إلى حسابات الإدارة الأمريكية تعكس تغيرًا في التقديرات الاستراتيجية، لكنها تظل مرهونة بمدى قدرة الأطراف الليبية على استثمار هذه اللحظة، والذهاب نحو توافق حقيقي يتيح بناء دولة مستقرة.
ففرص التنمية والشراكة مع القوى الكبرى قائمة، لكن تحقيقها يتطلب أولًا التأسيس لسلطة وطنية موحدة تُنهي الانقسام، وتفتح الباب أمام استثمار الموقع والثروات في مصلحة الليبيين.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.