شاهر أحمد عمير

على مر التاريخ، عرف اليهود بخلافاتهم الداخلية التي تشمل صراعات سياسية ودينية واجتماعية، إلا أن المثير للتأمل هو قدرتهم على تجاوز هذه الخلافات عندما يتعلق الأمر بمصالحهم المشتركة أَو التهديدات التي تواجه وجودهم.

في مواجهة الأُمَّــة الإسلامية والعربية، يظهر اليهود كتلة واحدة، يتحدون ضد كُـلّ ما يعتبرونه تهديدًا لمشروعهم، متناسين اختلافاتهم الأيديولوجية والسياسية.

هذا الواقع يحمل درسًا مهمًا للأُمَّـة الإسلامية والعربية، التي تعاني من التفرقة والتشتت في وقت هي بأمسّ الحاجة فيه إلى الوحدة والتماسك؛ فالتحديات التي تواجهنا كأمة، سواء أكانت سياسية أَو اقتصادية أَو عسكرية، تتطلب منا أن نتجاوز خلافاتنا الداخلية، ونتوحد خلف قضايا مصيرية تجمعنا، مثل القضية الفلسطينية والصراعات التي تهدّد وجود الأُمَّــة وهويتها.

من الواضح أن اليهود يدركون جيِّدًا أن قوتهم تكمن في وحدتهم أمام عدوهم المشترك، في المقابل، نجد أن العديد من الدول العربية والإسلامية تغرق في نزاعات داخلية، وتنساق وراء أجندات أجنبية تسعى لتفتيت الصف الإسلامي والعربي، هذه النزاعات لا تخدم إلا أعداء الأُمَّــة، الذين يستغلون انقساماتنا لإضعافنا والسيطرة على مقدراتنا.

إن ما يحدث اليوم في العالم الإسلامي والعربي هو انعكاس لغياب الرؤية المشتركة وافتقاد الأولويات؛ فما الذي يمنع الأُمَّــة من أن تتوحد أمام مشاريع الهيمنة والاحتلال كما يفعل أعداؤها؟ لماذا نظل أسرى لخلافات عابرة وتنافسات ضيقة بينما تهدّدنا قوى كبرى تستهدف كياننا بالكامل؟

لقد أثبتت التجارب أن الوحدة قوة لا يُستهان بها، وأن الأمم التي تدرك أهميّة التكاتف وتعمل على بناء جبهتها الداخلية هي التي تنتصر في النهاية، وَإذَا كنا نريد مستقبلًا أكثر أمانًا وعدالة لأمتنا، فعلينا أن نبدأ بالتعلم من أعدائنا، ونتخذ من وحدتهم عبرة نستلهم منها خطواتنا المقبلة.

إن الدعوة للوحدة ليست مُجَـرّد شعار، بل هي واجب ومسؤولية على عاتق كُـلّ فرد وكلّ دولة في الأُمَّــة الإسلامية؛ فلا يمكن مواجهة التحديات الكبيرة إلا بروح جماعية وإرادَة واحدة، نحن بحاجة إلى إعادة بناء الثقة بين الشعوب والأنظمة، ووضع مصلحة الأُمَّــة فوق كُـلّ اعتبار.

فكما يتجاوز اليهود خلافاتهم في سبيل تحقيق أهدافهم، علينا نحن أَيْـضًا أن ننهض من سباتنا ونرتقي فوق نزاعاتنا الصغيرة، ونعيد للأُمَّـة مجدها وقوتها؛ فالأعداء متربصون، والمستقبل لا ينتظر من يتردّد أَو يتخاذل.

لنجعل من اختلافاتنا مصدرًا للتكامل، ومن وحدتنا طريقًا للنصر، لنتعلم من التاريخ ونصنع مستقبلًا يليق بأمتنا وهويتنا.

المصدر: يمانيون

إقرأ أيضاً:

أمين البحوث الإسلامية في جامعة بروناي: الإمام الشافعي جمع بين الأصالة والمعاصرة

ألقى د.  محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، اليوم، كلمةً خلال مشاركته في مؤتمر جامعة (السلطان الشريف علي الإسلامية) بسلطنة بروناي دار السلام، والذي جاء تحت عنوان: (المذهب الشافعي في العصر الرَّقْمي.. الأهميَّة والتحديات)، أكَّد فيها الأهميَّة البالغة لهذا المؤتمر؛ كونه يتناول سيرة الإمام الشافعي رحمه الله؛ بوصفه أحد أعلام الأمَّة الكبار، وواحدًا مِنَ الذين شرَّفهم المولى -سبحانه وتعالى- بالدِّفاع عن دِينه بمنهجيَّة عِلميَّة ضبطت مسار الفكر في تناول الأصول والنظر إلى الفروع، ناقلًا تحيات فضيلة الإمام الأكبر أ.د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، ودعواته لهذا المؤتمر بالتوفيق والسداد.

وأوضح د. الجندي في كلمته التي جاءت بعنوان: «الإمام الشافعي بين تفرد العلماء وتجرد الأولياء في مواجهة التحديات التقنية»، أنَّ مسيرة الإمام الشافعي شكَّلت نقطة تحوُّل مضيئة في مسيرة الفكر الإسلامي، لا سيَّما في الفقه وأصوله، إذْ إنَّه مجدِّد أرسى قواعد جديدة، وجمع بين المدارس الفقهية ليقدِّم للأمَّة الإسلاميَّة منهجًا متكاملًا بُنِيَ على رؤية مكتملة، راعى من خلالها الأصول والقواعد الفقهية، وأخذ بعين الاعتبار ما تقتضيه طبيعة الحياة من تجدُّد وتغيُّر، فجاءت فروعه ملائمة لظروف الواقع مع التزامها بالأصول.

أمين البحوث الإسلامية يتابع جهود وعَّاظ الأزهر وواعظاته في توعية الحُجَّاج بمطار القاهرةأمين البحوث الإسلامية: القرآن المصدر الأسمى لهداية البشرية وضبط مسارهاأمين «البحوث الإسلامية» يستقبل سفير سلطنة بروناي لبحث تعزيز التعاون العلمي والدعويمهمتنا تحصين الشباب..أمين البحوث الإسلامية يلتقي الأمناء المساعدين

وأشار الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية إلى أنَّ الإمام الشافعي -رحمه الله- كان نموذجًا فريدًا في جَمْعه بين الأصالة والمعاصرة؛ إذ درس علوم الشريعة على أكابر العلماء في الحجاز والعراق، وتمكَّن من المزاوجة بين فقه الأثر وفقه الرأي؛ وهو ما أتاح له تأسيس مذهب متكامل يُراعي النصوص والمقاصد معًا، لافتًا إلى أنَّ شخصيَّة الإمام الشافعي كانت متفرِّدة في تركيبتها العلمية؛ فقد كان واسع الأفق، حاضر الذهن، شديد الدقة في استنباط الأحكام، عميق الفهم للنصوص، مدركًا طبيعة الواقع الذي يعيش فيه؛ مما مكَّنه من تقديم اجتهادات مؤصلة ومنضبطة رسَّخت لأصول الاستدلال والاستنباط في الفقه الإسلامي.

وبيَّن فضيلته أنَّ رحلة الإمام الشافعي إلى مصر عام 199هـ شكَّلت محطة حاسمة في مسيرته العِلميَّة، وميلادًا لمذهبه الجديد؛ ففي مصر، وبين ذلك المجتمع بتنوُّعاته الثريَّة؛ اطَّلع على أعراف وحضارات وآثار جديدة؛ ممَّا دفعه إلى إعادة دراسة وتحليل آرائه الفقهية السابقة على ضوء هذه التجارِب الحياتيَّة التي عايشها في مصر، وكنتيجة لهذه التجرِبة الفريدة، أعاد كتابة رسالته في الأصول، وعدل عن بعض آرائه الفقهية الفرعية؛ ممَّا دلَّ على مرونته الفقهية وعمق فهمه لمقاصد الشريعة، وقدرته على التكيُّف مع تغيُّر الظروف والأحوال.

ولفت الدكتور محمد الجندي إلى أنَّ الإمام الشافعي أسهم بدَور بارز في ترسيخ المنهج الاستدلالي وضبط العَلاقة بين مصادر التشريع؛ ممَّا جعله علامة فارقة في تاريخ الفكر الإسلامي، وأثْرى به الاجتهاد الفقهي، مؤكدًا أنه لم يكُن عالِمًا منعزلًا عن قضايا عصره؛ بل كان فقيهًا معايشًا للواقع.

وذكر أنَّ منهج الإمام الشافعي في الفقه لم يكُن مجرَّد إطار فقهي فحسب؛ بل كان له بصمة عميقة في بناء الفكر الإسلامي، القائم على الاستدلال والترجيح بين الأدلة؛ ممَّا أتاح لعقلية المجتهد مرونة فريدة مضبوطة بمنهجيَّة تساعده على استنباط الأحكام، ومواجهة المستجدات بوعي وفهم عميق، وهو ما أسهم في استمرارية العطاء الفكري للأجيال المتعاقبة.

وتابع فضيلته أنَّ مِن أبرز الشواهد العِلميَّة على عظمة هذا المنهج؛ ما نراه جليًّا في المدرسة الأزهرية العريقة، التي يُعدُّ المنهج الفقهي للإمام الشافعي أحد أركانها التي استمدَّت منها العقلية الأزهرية التفكير الفقهي السليم، الذي يؤهِّل صاحبها للاجتهاد، إضافةً إلى كون الإمام الشافعي أول مَنْ وضع لبنات عِلم أصول الفقه في كتابه الخالد (الرسالة)؛ لهذا استحق عن جدارة أن يُوصَف بأنه «عقل فقهي ومنهجي عبقري»، وبأنه «مجدِّد القرن الثاني الهجري».

وثمَّن الدكتور محمد الجندي الدَّور الذي تقوم به المؤسسات العِلميَّة في تعزيز القِيَم الفكريَّة والتربويَّة، ونَشْر سِيَر أعلام الأمَّة، داعيًا طلاب العِلم إلى الاقتداء بسيرة الإمام الشافعي في التحصيل، والحرص على التكوين العِلمي المتكامل، والتخلُّق بأخلاقيَّات العلماء الربانيين.
 

وكرم رئيس جامعة السلطان الشريف علي الإسلامية داتوء سيري سيتا حاج د نور عرفان بن حاج زينال، وفضيلة رئيس المحاكم الشرعية فيهن اورانج كايا فادوكا سيري أوباما داتوء بازوكا سيري سيتا أستاذ حاج أوانج سالم بن حاج بسسار، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية على مشاركته الفاعلة في فعاليات الجلسة العلمية.

طباعة شارك أمين البحوث الإسلامية جامعة بروناي الإمام الشافعي جامعة السلطان الشريف علي

مقالات مشابهة

  • الشريعة الإسلامية في السودان.. من الشعار إلى التطبيق
  • “الثورة نت” ينشر نص الدرس الخامس لقائد الثورة من سلسلة دروس القصص القرآني
  • (نص+فيديو) الدرس 5 من دروس القصص القرآني للسيد القائد 07 ذو الحجة 1446هـ
  • “أناب” تُنظم إحتفالية تكريما لصغار الكشافة الإسلامية
  • أمين البحوث الإسلامية في جامعة بروناي: الإمام الشافعي جمع بين الأصالة والمعاصرة
  • حادث كولورادو يدفع تل أبيب للتفكير بإصدار تحذير سفر لكل اليهود
  • (نص+فيديو) الدرس 4 من دروس القصص القرآني للسيد القائد 06 ذو الحجة 1446هـ
  • محافظ الإسكندرية: استفدنا من دروس أزمة العاصفة ونشكر الأجهزة التنفيذية
  • أعمال الحج التي يجب أداؤها في المناسك
  • ثبات نبي الله إبراهيم عليه السلام في مواجهة الطاغوت : قراءة في المحاضرة الثالثة للسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله ضمن سلسلة دروس القصص القرآني