لجريدة عمان:
2025-07-30@14:30:28 GMT

السلطان هيثم.. القائد الذي يصنع عُمان الجديدة

تاريخ النشر: 24th, November 2024 GMT

السلطان هيثم.. القائد الذي يصنع عُمان الجديدة

عندما نقرأ أحداث التاريخ ونتصفح مساراته نجد بشكل واضح أن الدول والشعوب تقف، دوما، عند مفترق الطرق، ويتحدد مصيرها في منعطفات الأحداث على أيدي قادتها الذين يصنعون التحولات الكبرى التي يتضح حجمها وأبعادها البنائية والتأسيسية بعد حين: بعد سنوات وربما عقود وأحيانا بعض نصف قرن أو أكثر؛ فليس سهلا أن يشكل الباحث أو المتأمل للأحداث التاريخية رؤية متكاملة في لحظة تداعي الحدث وتوالي تفاصيله.

في كتابه "الأبطال" يطرح المؤرخ الإسكتلندي توماس كارليل رؤية عميقة عن دور القادة العظماء في تشكيل مسار التاريخ فيعتبر "البطل" هو الشخص الذي يتمتع بصفات استثنائية، تجعل منه مصدر إلهام لأمته/شعبه، ويمنحه القدرة على التأثير العميق في مجريات الأمور وتوجيه الناس في اللحظات الحاسمة. البطل، في نظر كارليل، ليس مجرد شخصية تاريخية عظيمة، بل رمز للقوة الروحية والأخلاقية التي تشع منها أفكار وإلهام قادران على تحريك الشعوب وتغيير مصائرهم.

ويرى كارليل بأن التاريخ الإنساني هو في جوهره تاريخ الأبطال، وأن هؤلاء القادة العظام هم المحرك الأساسي للتغيرات الكبرى.

واللحظات الحاسمة في التاريخ تتطلب ظهور أبطال عظام يمتلكون القدرة على تحويل مسار الأمور، ويمثلون الأمل الأخير للشعوب في الأوقات العصيبة. والقائد البطولي هو الذي يظهر في هذه اللحظات ليوجه الأمة ويمنح الناس رؤية واضحة للمستقبل.

وهذه الرؤية التي يطرحها كارليل تبدو شديدة الوضوح في عهد حكام أسرة ألبوسعيد منذ الإمام المؤسس أحمد بن سعيد وإلى اليوم حيث يتسنم عرش عُمان العظيم جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، الذي تتجسد فيه بشكل واضح موصفات "البطل" الذي جاء لأمته في لحظة حاسمة وعند مفترق طرق وألهم فيها الأمل واستطاع بحكمته تحويل مسار الأمور في لحظة تحولات كبرى في المنطقة والعالم إلى حيث الاستقرار والقدرة على بناء يقين بالمستقبل.

كان المشهد الداخلي والخارجي في عُمان شديد التعقيد في اللحظة التي وصل فيها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه إلى سدة الحكم؛ فقد كانت عُمان، سليلة التاريخ والأمجاد تعيش في لحظة إقليمية وعالمية شديدة التعقيد، وفي لحظة داخلية صعوبة بعد رحيل السلطان قابوس الذي فُجع به الجميع.. كانت عُمان تعيش أزمة مالية خانقة أثرت على الاقتصاد ورفعت المديونية إلى رقم تاريخي، وتعيش أزمة صحية بسبب جائحة كوفيد19، وتعيش حزنا كبيرا على رحيل السلطان قابوس.. بدا الأمر شديد التعقيد، ومسارات حلوله صعبة للغاية لأنها ترتبط بالمشهد العالمي، حركته المالية وحركته الاقتصادية ومسارات التعافي من الوباء لم تكن واضحة على الإطلاق ليس في عُمان فقط ولكن في العالم أجمع. وأمام هذا المشهد كان لا بد من "بطل" يستطيع أن يصنع تحولا تاريخيا يبدأ من الداخل بإعادة اليقين إلى الناس ويجري إصلاحات اقتصادية ومالية وهيكلية في بنية الحكومة، ثم يمتد الأمر إلى الخارج للعمل على حفض حدة التوترات الإقليمية.

كانت هذه المواصفات متوفرة في السلطان هيثم، الرجل الهادئ وصاحب النظرة العميقة والمتأملة، وكان العمانيون على يقين أنه يملك القدرة على إحداث التغيير في لحظة تاريخية لا تقبل التجريب.

واستطاع جلالة السلطان المعظم أن يعيد بناء المشهد الداخلي وفق رؤية واضحة المعالم هي رؤية "عُمان 2040" التي لم تكن رؤية تجريبية ظهرت في لحظة حاجة ماسة ولكنها رؤية بنيت على أسس عالية الدقة من التخطيط المحكم والمشاركة الشعبية. رسخ السلطان هيثم منذ خطاباته الأولى مصطلح "النهضة المتجددة" واستطاع هذا المصطلح ومعطياته التطبيقية التي وظفها الإعلام العماني بشكل مهني من تجسير الفجوة بين مرحلتين وبين عهدين، وألهم المصطلح العمانيين الذين شعروا عمليا أن النهضة "تتجدد" وأن هناك متغيرات حقيقية تجاوزت التغييرات العابرة إلى تغيرات هيكلية عميقة طالت بنية الحكومة التي أعيد هيكلتها بعد أقل من ثمانية أشهر من تولي السلطان لمقاليد الحكم، وبعد عام كامل عند إصدار نظام أساسي جديد للدولة وضع مسارا محكما لعملية انتقال ولاية الحكم ورسخ لدولة العدل والمساواة والحقوق ورسخ لمبدأ الحوكمة وكذلك للقيم الثقافية والأخلاقية التي تنطلق منها مبادئ سلطنة عمان.

وكانت الإصلاحات التي طالت الاقتصاد ومسارات الانفاق المالي والتي حققت نتاج إيجابية بشكل سريع فاق التوقعات هي الأكثر تأثيرا في يقين العمانيين وألهبت طموحاتهم وتطلعاتهم نحو غد أكثر إشراقا وأيقنوا سريعا أنه القائد/ البطل القادر على صناعة مستقبل مختلف لعُمان وفق رؤية تجمع بين تاريخ عريق واستراتيجيات حداثة، تمثل النهضة الشاملة.

ولكي نفهم جوهر الفكر القيادي الذي يتمتع به جلالة السلطان المعظم لا بد من العودة إلى الجذور التي نشأت فيها جلالة السلطان والتي شكلت وعيه بعُمان وبتاريخها وشكلت وعيه بالمنطقة المحيطة بعمان والتي تؤثر في كل مسارات الأحداث.

القيادة الأخلاقية

ولد السلطان هيثم في بيت حكمة وسياسة وبطولة فهو سليل سلاطين البوسعيد الذين حولوا عُمان إلى واحدة من أعظم إمبراطوريات العالم في القرن التاسع عشر وراكموا أمجادها عبر قرون طويلة من الفعل الحضاري، وتربى، حفظه الله، على القيم التي جعلت عُمان دولة ذات حضور مستقل وصوت معتدل في المحافل الدولية. ومر السلطان هيثم بتجارب صقلت تجربته القيادية. فعلاوة على أنه كان قريبا من الناس ومن نبضهم فقد كان على مستوى كبير من الوعي السياسي بعد سنوات طويلة من العمل في وزارة الخارجية حيث مركز الدبلوماسية العمانية وتماسها من القضايا العالمية ومواقفها الممتدة من عمق مبادئها السياسية والتاريخية، وعبر ذلك أدرك المحركات الثقافية التي تحرك الأمم والشعوب وتنعكس على سياساتهم الخارجية. كانت تلك التجربة مهمة جدا في بناء شخصية القائد في فهم الأبعاد الخارجية للعالم أجمع. ثم كانت تجربة وزارة التراث والثقافة والتي لا تقل أهمية عن تجربة الخارجية. وعبر هذه التجربة تعمق وعي جلالة السلطان بتاريخ وطنه ومنجزه الحضاري ومواطن قوته الأمر الذي جعله تصوراته حول المستقبل أكثر يسرا وسهولة.

أدرك السلطان هيثم عبر قربه من نبض المجتمع وعبر فهمه العميق لثقافته ولوعي المجتمع المبني على وعيه التاريخي آمال العمانيين وخاصة أجيال الشباب منهم وبنى رؤيته على فكرة التوازن في الحفاظ على الهوية والانفتاح على العالم فكان يركز في كل مناسبة على البناء الأخلاقي والتمسك بالقيم العماني وبالوسطية والاعتدال رغم حديثه المستمر عن الدولة العصرية المتقدمة والانفتاح الاقتصادي.

هكذا تبدو شخصية السلطان هيثم واضحة المعالم، فالانفتاح من وجهة نظره لا يعني الانسلاخ من قيم المجتمع ومن مبادئه وهذا الرؤية هي رؤية القائد الذي لا يبني لحظة آنية تهمل البناء الحضاري، إنه قائد معني بالبناء الأخلاقي والحضاري الذي يمتلك صفة الاستدامة والبقاء والتأثير العميق.

رؤية عمان

لم تكن رؤية عمان 2040 التي يمكن أن ننظر لها باعتبارها مشروع حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم لعمان في لحظة تاريخية مهمة مجرد وثيقة تخطيط لتسيير العمل الحكومي في الدولة، إنما كانت انعكاسا لطموحات بلد بأسره كان يبحث عن رؤية في لحظة تحولات كبرى في العالم. كانت الرؤية تستند إلى تلك الطموحات التي تم بلورتها عبر دراسات معمقة واستشارات واسعة مع جميع فئات المجتمع. من يتأمل وثيقة الرؤية يدرك أنها تعزز فكرة أن الاستدامة والابتكار هما ركيزتان أساسيتان، وتستهدف تحويل التحديات إلى فرص واعدة، مع التركيز على العمانيين باعتبارهم الثروة الأهم والهدف والغاية النهائية من كل عمل.

وكان واضحا أن فكر السلطان هيثم الاستراتيجي المبني، كما سبق، على رؤية واسعة وعميقة لعُمان وللعالم يدرك خطر الاعتماد على النفط وحده في وقت لم يعد فيه النفط في المكانة العالية التي يمكن أن تضمن المستقبل في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية؛ ولذلك، اتجه إلى تنويع مصادر الدخل، عبر تبني الاستثمار في الطاقة المتجددة وفي التكنولوجيا المتقدمة وفي قطاعات السياحة، والخدمات اللوجستية.. ورغم أن الطريق ما زال في عتباته الأولى في إطار إحداث تغيرات جوهرية في بنية اقتصادية إلا أن الأهداف بدأت تتحقق في الكثير من مسارات العمل وبدأت مساهمة القطاعات غير النفطية تنمو بشكل واضح. ومثل هذه الرؤية التقدمية ستصنع مع الوقت اقتصادا متينا ومستداما يستطيع يوفر حياة كريمة للأجيال القادمة.

إن ما يميز رؤية السلطان هيثم واستراتيجيته المستقبلية التي نقرأها في "رؤية عمان" هو ارتباطها الوثيق بالإنسان؛ فهي تهدف إلى تطوير التعليم والتدريب، ليكون أبناء عمان هم صناع المستقبل، وليس مجرد مستهلكين له.

لم تتوقف خطوات جلالة السلطان المعظم عند الخطط الاقتصادية من أجل الانتاج، بل امتدت لتشمل إصلاحات عميقة في بنية الاقتصاد وفلسفته وكذلك الإدارة وغاياتها. لقد شرع السلطان، أعزه الله، في سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية، تعيد هيكلة المؤسسات وتحقق الاستدامة المالية، وتزيد من كفاءة الأداء الحكومي.. وكان هذا التوجه مبنيا على فهم أن الإصلاح الاقتصادي ضروري لبقاء الدولة قوية ومرنة أمام التحديات الكبرى التي تحدث في العالم وتقلبات الأسواق والحروب التي بليت بها المنطقة. ومن بين أهم الإصلاحات التي أقرتها رؤية السلطان هيثم للحكم تنظيم سوق العمل، ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتطوير القطاع السياحي ليكون مصدرا مستداما للدخل خاصة وأن سلطنة عمان تمتلك مقومات سياحية استثنائية.

وأمام هذه التغيرات الهيكلية والإصلاحات الاقتصادية العميقة برز إيمان جلالة السلطان هيثم بمبدأ الحوكمة باعتبارها أحد أهم ضمانات الكفاءة، وأعطى السلطان، حفظه الله، الشفافية والمساءلة أهمية كبرى باعتبارهما قواعد ثابتة في إدارة الدولة، مؤكدًا أن الولاء الحقيقي لعُمان يعني خدمة الوطن بكل تفان. وأكد على أهمية فتح قنوات تواصل بين الحكومة والمواطنين، ليكون المجتمع شريكا في رسم السياسات المستقبلية وهذا التوجه يعكس إيمان السلطان بأن النهضة لا تتحقق إلا بتكاتف الجميع.

ورغم إلحاح القضايا المالية والاقتصادية في اللحظة التي جاء فيها جلالة السلطان للحكم إلا أنه لم يتجاوز قيد أنملة الاهتمام بالقضايا الثقافية وبترسيخ الهوية الوطنية والتمسك بكل قوة بالقيم والمبادئ الأخلاقية التي تبقى صمام الأمان لأي مجتمع. ويبقى الحفاظ عليها أحد أهم أولويات القائد الذي تنطلق رؤيته من عمق مجتمع وثقافته.

كان هذا المسار الإصلاحي الهم الأول والأساسي الذي شغل جلالة السلطان هيثم المعظم منذ العتبات الأولى لعهده الميمون، لكنه لم يكن الهم الوحيد فقد كانت السياسة الخارجية ملحة جدا نظرا للأحداث الكبرى التي كانت تتشكل في العالم. حافظ جلالة السلطان المعظم على نظرية الحياد الإيجابي الذي تتبناه سلطنة عمان في سياستها الخارجية، وأضاف جلالته، أعزه الله، رؤيته الخاصة التي تعزز من دور عُمان كوسيط موثوق ومؤثر في الإقليم. ورغم الأحداث الكبرى والفاصلة التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الأربع الماضية إلا أن عُمان لم تفرط في مبادئها السياسية التي الراسخة بل زاد تمسكها بها ونستطيع فهم ذلك من خلال قراءة مواقفها من الحرب الظالمة على قطاع غزة. أكسب عاهل البلاد المفدى السياسة الخارجية العمانية زخما جديدا يجمع بين الحوار والسعي لتحقيق السلام في منطقة تعصف بها التوترات ولكن دون تفريط في المبادئ والقيم. لقد أعطى جلالة السلطان المعظم خلال أحداث كبيرة محيطة بعمان درسا مهما في الحفاظ على استقلال القرار السياسي وعدم التأثر بالأحداث ولكن، أيضا، دون تفريط في العلاقات الطيبة مع دول العالم.

المشهد جميل لكن التحديات موجودة

يبدو المشهد مشرقا جدا، وهو كذلك لكن التحديات لم تختفِ على الإطلاق والعالم ما زال يعيش لحظات من غياب اليقين في قضايا كثيرة.. ما زال الاقتصاد العالمي متذبذب، وما زالت التغيرات المناخية تفاجئنا بحجمها وعُمان من بين الدولة المتأثرة بهذا التغيير بشكل كبير، وما زالت أزمات المنطقة مشتعلة ومعقدة جدا وعصية على الحل.

لم يكن العالم في يوم من الأيام خاليا من التعقيدات ومن الأزمات والتخطيط الجيد والثقة من شأنها أن تفتح آفاقا لمسارات المستقبل، وهي مسارات ممكنة جدا عندما تتوفر الإرادة والعزيمة والعمل الجماعي.

هكذا بدا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم فيما نعتبرها سنوات التأسيس لعده الميمون قائد حمل قضايا وطنه على عاتقه وعاهد شعبه منذ اليوم الأول من يبقى مخلصا لقضاياه. لقد مزج بين عراقة الماضي التي تتمته به سلطنة عمان ورؤيته للمستقبل مستندا إلى إرادة صلبة وإيمان عميق بوطنه. ومرة أخرى لم تكن رؤيته مخطط اقتصادي بل حلم جماعي يسعى إلى تحقيق نهضة شاملة ومستدامة، يشارك فيها كل مواطن من أجل عُمان التي نحلم بها جميعا.

إنه "البطل" الذي تحدث عنه كارليل، قائد صادق مع نفسه ومع الآخرين، وقادر على مواجهة الحقائق ولديه عمق في فهم العالم وقدرة على رؤية الحقيقة ويملك القوة على اتخاذ القرارات المصيرية ومستعد للوقوف مع الحق مهما كانت التحديات.

* عاصم الشيدي رئيس تحرير جريدة عمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: جلالة السلطان المعظم سلطنة عمان فی العالم حفظه الله فی لحظة رؤیة ع لم تکن

إقرأ أيضاً:

القضية الفلسطينية في ضمير ووجدان السيد القائد!!

يمانيون | يحيى الربيعي
تحتل القضية الفلسطينية الركيزة الأساسية في الوجدان اليمني، وهي تتجسد برسوخ أعمق في خطابات السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، يحفظه الله، كقضية مركزية تتجاوز الأبعاد السياسية لتلامس عمق الضمير الإيماني والأخلاقي. إن موقفه هو تعبير عن التزام راسخ، يتجذر في المبادئ الدينية والإنسانية، ويُترجم إلى مواقف عملية وإجراءات عسكرية ملموسة.

يرى السيد القائد أن دعم فلسطين واجب لا يمكن التنازل عنه، وهو ما يتضح جلياً في كل كلمة يلقيها، مؤكداً على أن هذا الدعم هو “إيماني مبدئي جهادي شجاع وحر وإنساني وأخلاقي.”

الأساس الإيماني والأخلاقي للموقف اليمني
يؤكد السيد القائد باستمرار على أن دعم الشعب الفلسطيني هو واجب ديني وأخلاقي لا يمكن إنكاره على الشعب اليمني والأمة الإسلامية جمعاء. هذا الموقف الثابت لا يتزعزع “مهما كانت ردة الفعل من قبل العدو الإسرائيلي”، ويظل راسخاً رغم العدوان الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي، والحصار الاقتصادي، والحملات الدعائية.

وفي خطابات تطغى عليها مشاعر التضامن والوقوف مع حقوق الشعب الفلسطيني، يُدين السيد القائد بشدة الأعمال الإسرائيلية الإجرامية، معرفاً إياها بـ”الإبادة الجماعية”، و”جرائم الحرب”، و”الجرائم ضد الإنسانية”. حيث يركز على استهداف الأطفال، والنساء، والمدنيين الأبرياء، كدليل واضح على القتل الممنهج والعمد، الذي يكشف بوضوح أن العدوان الإسرائيلي يسعى إلى القضاء على هذا الشعب بطريقة ممنهجة وإجرامية.

ويشير السيد القائد إلى أن “الإبادة الشاملة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، تمثل هدفاً واضحاً للعدو الإسرائيلي، وسلوكه الإجرامي اليومي يفضح هذه الحقيقة المرة”. فضلاً عن ذلك، يربط الموقف اليمني بالتأطير الديني والأخلاقي، بهدف إضفاء الشرعية على مواقفها وإجراءاتها، بحيث تكرس اليمن كمنارة للمقاومة في مواجهة الظلم العالمي، وتصب في خدمة قضية عادلة تتطلب الوقوف بجانب المستضعفين وسحق ظلام المحتل وطغيانه.

إدانة التطبيع والتقاعس العربي والدولي
لا يتوقف خطاب السيد القائد عند نقطة دعم المقاومة، وإنما يمتد ليشمل نقداً لاذعاً للمواقف العربية والدولية. يصف الموقف العربي بأنه “ضعيف، عشوائي، غير مدروس، والذي سرعان ما انحدر إلى مستوى التطبيع الفاضح المخزي”. ويشدد على أن “التطبيع ليس مجرد علاقة طبيعية مع محتلٍّ مجرم، بل هو تعاونٌ مع عدوٍّ للأمة في دينها ودنياها”.

كما ينتقد السيد القائد “التخاذل العربي والإسلامي تجاه غزة”، معتبراً إياه “وصمة عار وتواطؤ مكشوف مع العدو الصهيوني”. ويشير إلى أن الشعب الفلسطيني يشعر “بالخذلان العربي وخذلان المسلمين بشكل عام قبل غيرهم لأن المسؤولية عليهم قبل غيرهم”.

أما على الصعيد الدولي، فيرى السيد القائد أن الإبادة الجماعية في غزة هي “هدف إسرائيلي أمريكي مشترك”. وينتقد الولايات المتحدة لتزويد إسرائيل بـ “شحنات لا تتوقف” من القنابل المدمرة، وتقديم “دعم مفتوح وتبنٍ كامل” لجرائم إسرائيل. ويأسف لأن “الأموال العربية هي من أهم مصادر تمويل تلك القنابل” من خلال الاستثمارات في الولايات المتحدة. كما يصف الدور الأمريكي بأنه “شراكة متكاملة” في التخطيط والمعلومات والعتاد العسكري والسلاح والغطاء السياسي، حتى في مجلس الأمن.

التعبئة الشعبية والدعوة للجهاد
تُعد التعبئة الشعبية أحد الركائز الأساسية للموقف اليمني، حيث يظل السيد القائد يدعو بشكل دائم إلى تنظيم “مسيرات مليونية” سواء في صنعاء أو في المحافظات الأخرى، لتكون رسالة واضحة للعدو الإسرائيلي وللعالم بأسره.

وهو يثمن عالياً زخم الحضور الجماهيري وتفاعل الشعب اليمني مع هذه الفعاليات، معتبراً إياها “واجباً إيمانياً” لا يجوز التفريط فيه، ويميزها بـ “طابع غير مسبوق”، خاصة في ظل “التخاذل العربي المخزي” الذي يعم الساحة الإسلامية، حيث لم تتمكن أغلب الدول من تقديم أي من أنواع سواء الدعم المادي أو المعنوي المطلوب للقضية الفلسطينية.

وتأتي هذه المسيرات لتؤكد للعدو الإسرائيلي أن الشعب اليمني “لا يرهبه أي عدوان مهما بلغت قوته”، وأن إيمانه المبدئي الجهادي، وحرصه على المبادئ الإنسانية والأخلاقية، لن يتزعزع أمام أي تهديد، بل سيظل متمسكاً بمواقفه الجريئة والصلبة، في دعم القضية الفلسطينية والذود عنها بكل قوة، مدافعاً عن الحق والعدل، ومبيناً أن الشعب اليمني هو صوت المقاومة والجهاد المقدس في وجه جرائم الإبادة والتجويع والتهجير التي يتعرض لها أبناء غزة، وأنه الصوت الذي سيظل مرفوعاً ومدوياً حتى إنهاء الجرائم الصهيونية وإنهاء الاحتلال.

وسيبقى السيد القائد يحث- مراراً وتكراراً- أنظمة الدول التي تفصل اليمن جغرافياً عن فلسطين المحتلة على “فتح منافذ لعبور شعبنا الذي سيتحرك بمئات الآلاف لنصرة الشعب الفلسطيني”.

وقد أعرب عن أمله الشديد في تحقيق ذلك، مؤكداً: “نحن كنا نتمنى أننا بالجوار من فلسطين، وكنا- لو تهيَّأ لنا ذلك- لبادر شعبنا بمئات الآلاف من المجاهدين للمشاركة المباشرة مع الشعب الفلسطيني… ولكن مهما كانت العوائق، لن نتردد في فعل كل ما نستطيع، أن نفعل كل الممكن، كل ما بأيدينا أن نفعله”. ويعلن صراحة أن “هذا هو وقت الجهاد أكثر من أي وقت مضى وفي ميدان واضح، وقضية واضحة وضد عدو صريح للإسلام والمسلمين وفي قضية عادلة”.

الانخراط العسكري المباشر.. أرقام وشواهد
لم يقتصر الموقف اليمني على الخطاب، بل ترجم إلى انخراط عسكري مباشر وفاعل، ضمن ما يعرفه السيد القائد بـ”محور الجهاد والمقاومة”. فعل مستوى العمليات البحرية في البحر الأحمر والعربي وخليج عدن وباب المندب والمحيط الهندي، يؤكد السيد القائد استمرار “الحظر البحري على العدو الإسرائيلي”، مشيراً إلى أن ميناء أم الرشراش (إيلات) قد عاد إلى “الإغلاق التام”. مشيراً إلى أن العمليات اليمنية تمتد عبر “البحر الأحمر والبحر العربي وصولاً إلى المحيط الهندي”، وتشمل خليج عدن وباب المندب. مشدداً على حقيقة أن الحصار يستهدف بشكل خاص السفن المتجهة من وإلى “موانئ فلسطين المحتلة”، بينما يُسمح لما دون ذلك من سفن بالمرور الآمن دون اعتراض إذا لم تكن متجهة إلى هذه الموانئ.

أما على مستوى استهداف العمق الصهيوني في الأراضي المحتلة، ففي عمليات القصف لأهداف استراتيجية وتابعة للعدو الإسرائيلي في أم الرشراش، يافا، أسدود وغيرها من المواقع الحيوية، يؤكد السيد القائد أن هذه الأهداف تعرضت “للهجوم في أكثر من مناسبة”، وأن عملية إغراق السفينتين التابعتين لشركات انتهكت الحظر اليمني على الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، قد أدت إلى إعادة الإغلاق التام لميناء أم الرشراش، وهو ما يمثل رسالة ردع واضحة وفعالة.

وبلغة الواثق من قدراته، أصبح إعلان القوات المسلحة اليمنية عن فرض “حصار جوي شامل” على “إسرائيل” أكثر من مجرد تعبير عن التضامن مع غزة، بل تحوّل إلى ترجمة عملية لفهم جديد لمعادلة الردع الإقليمي. اليمن، اليوم، يُعد لاعبًا استراتيجيًا لا يُمكن تجاهله، ويُظهر أن قدرة الردع تعد أداة حاسمة في مواجهة العدوان.

بل إن العمليات اليمنية وباعترافات العدو نفسه، قد جاءت لتسحب البساط من رواية تفوق القوة التكنولوجية الغربية، وتُظهر محدودية قدراتها في مواجهة الإرادة اليمنية الصلبة المدعومة بصواريخ فرط صوتية محلية الصنع، تنطلق من جبال اليمن لتخترق أعتى أنظمة الدفاعات الجوية، فتصيب عمق الكيان المحتل بقوة دقة.

كما أن الحقيقة الثابتة تكمن في أن مشهد القوة التكنولوجية الأميركية، التي تتباهى بـ”بطاريات باتريوت”، و”ثاد”، و”القبة الحديدية”؛ قد أظهر عجزها أمام إرادة اليمن الصلبة، وإصراره على مبادئه، وتوجيه ضربة نوعية تزلزل معادلات الردع التقليدية، وتؤكد أن اليمن قادر على أن يُغير موازين القوى ويكتب تاريخًا جديدًا في المنطقة برصيده من القوة والإيمان.

منذ إعلان الموقف اليمني الداعم لقضية غزة في أكتوبر 2023، وحتى الرابع والعشرين من يوليو 2025، سجلت قوات اليمن المسلحة وشعبه الباسل نجاحات نوعية ومؤثرة، تعبر عن إرادة التحدي والصمود، وتؤكد على حجم الانخراط اليمني المتواصل في معركة الدفاع عن الأمة، ضمن السردية الوطنية والثوابت الراسخة لموقف اليمن المبدئي.

ففي المجال العملياتي، أُجريت 1679 عملية عسكرية نوعية، تنوعت بين إطلاق الصواريخ، والطائرات المسيرة، والزوارق الحربية، بهدف تصعيد الضغط على العدو الإسرائيلي، وتوجيه رسائل ردع قوية ومتتالية.

أما على مستوى العمليات البحرية، فقد استهدفت بالدرجة الأولى 90 سفينة تابعة للولايات المتحدة وبريطانيا، بالإضافة إلى سفن كانت في طريقها نحو العدو الإسرائيلي في البحر الأحمر، والبحر العربي، والمحيط الهندي. وخلال شهر واحد قبل 17 يوليو 2025، تم استخدام أكثر من 124 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرة مسيرة، الأمر الذي أدى إلى إعادة إغلاق ميناء أم الرشراش (إيلات) بشكل كامل، بعد محاولاتٍ متكررة من قبل العدو لإعادة تشغيله، في رسالة واضحة على قدرة اليمن على تعطيل أي مسعى عدائي.

وفي العمق المحتل، قامت القوات المسلحة اليمنية باستهداف أهداف إسرائيلية في يافا، والنقب، وأم الرشراش، مستخدمة أحدث أنواع الصواريخ الفرط صوتية والطائرات المسيرة، في وقتٍ أعلنت فيه عن وصول سلاح جديد إلى أهدافه بشكل دقيق، مما يعكس تطور القدرات العسكرية اليمنية وارتفاع وتيرة الردع الاستراتيجي.

وفي إطار التعبئة الشعبية، تستمر مسيرات الجموع الجماهيرية “المليونية” في صنعاء وبقية المحافظات، كل يوم جمعة، وتُعدّ هذه الفعاليات نوعاً من العطاء الإيماني والواجب الوطني، الذي يعبر عن إصرار الشعب اليمني على الثبات والوقوف في وجه العدوان، وعدم الرهبة من أي تهديد. وخلال أسبوع واحد قبل 17 يوليو 2025، شارك نحو 1229 مظاهرة ووقفة شعبية، تعبيراً عن وحدة الموقف ورسوخ الإرادة.

وفي حديثه المستمر، يؤكد السيد القائد على أن الجهود مستمرة لتطوير القدرات العسكرية، لجعلها أكثر فاعلية في مهاجمة العدو الإسرائيلي، وترسيخ مبدأ أن تكنولوجيا المقاومة لن تكون عائقاً أمام الإرادة الصلبة، إذ أن اليمن، باستخدام سلاحه المتقدم من الصواريخ الفرط صوتية والطائرات المسيرة، يفرض واقعا جديدا من المعادلات، يهدف إلى إلحاق تكاليف غير متناسبة بالعدو، وتوجيه رسائل ردع غير مسبوقة في تاريخه.

خلاصة القول:
إن القضية الفلسطينية في ضمير ووجدان السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي هي قضية وجودية، تتجاوز الحسابات السياسية الضيقة. يتجلى هذا الالتزام في خطاباته، يحفظه الله، والتي تجمع بين العمق الإيماني، والنقد اللاذع للمتقاعسين، والدعوة الصريحة للجهاد، وصولاً إلى الانخراط العسكري المباشر والفاعل.

إن الأرقام والإحصائيات التي يقدمها حول العمليات اليمنية في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن وباب المندب وفي العمق الصهيوني، هي شواهد على إرادة قوية لا تلين، وتصميم على نصرة الشعب الفلسطيني، مهما كانت التحديات والتضحيات. هذا الموقف يضع اليمن كفاعل رئيسي ضمن “محور المقاومة”، ويعكس طموحاً جيوسياسياً أوسع لتحدي الديناميكيات الإقليمية القائمة وإعادة تشكيلها. وسيظل الموقف اليمني من القضية الفلسطينية قوة دافعة رئيسية في سياسات اليمن، مما يؤثر على الافعال ولغة الخطاب، ويضع اليمن كلاعب ثابت ومؤثر في المشهد الجيوسياسي الإقليمي.

مقالات مشابهة

  • مدينة السلطان هيثم تفوز بجائزة مرموقة في التصميم
  • تصميم المناظر الطبيعية لمدينة السلطان هيثم يفوز بجائزة دولية
  • بالصور: فؤاد أبو عودة يصنع ألعاب الأطفال في ظل ظروف الحرب بغزة
  • القضية الفلسطينية في ضمير ووجدان السيد القائد!!
  • دكتور هيثم يشيد بالتقدم الكبير الذي يشهده القطاع الصحي بالشمالية
  • مدرب إسكواش مصري يصنع المجد مع منتخب أمريكا.. تفاصيل
  • وزير الاقتصاد والصناعة الدكتور محمد نضال الشعار: سوريا الجديدة هي المنتجة التي تعيد تشكيل معاملها وبناء إنتاجها
  • فضيحة مدوية.. شاهد ما الذي كانت تحمله شاحنات المساعدات الإماراتية التي دخلت غزة (فيديو+تفاصيل)
  • يعلن هيثم محمد صالح عن فقدان ترخيص مزاولة مهنة صيدلة رقم (00008034)
  • معهد "سرب" يعلن فتح باب التسجيل في البرامج التدريبية