سرايا - قرر بنيامين نتنياهو تجميد جبهة الحرب في لبنان، في مسعى إلى التحضير لخوض مواجهة أوسع مع إيران، في ما قد يواجه ضغوطاً من دونالد ترامب للوصول إلى سلام واسع في المنطقة. وقد يدوم وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله"، ولكن يُستبعد أن يحمل في طياته بوادر سلام أوسع.

***

أشرقت الشمس فجر الأربعاء الماضي على ضاحية بيروت الجنوبية، كما في باقي الأيام على مدار الشهرين الماضيين، على وقع الانفجارات وأصوات الطلقات النارية، لكنها في هذه المرة كانت مختلفة كونها كانت تبشر بحلول السلام.



وكما كان الحال في كثير من المرات السابقة، قرر مؤيدو "حزب الله" الاحتفال في أعقاب مواجهة وصلت إلى طريق مسدود مع إسرائيل، بغض النظر عما تكبدوه من خسائر. وربما لا يكون المشككون مخطئين عندما يقولون إن وقف إطلاق النار الحالي هو مجرد هدنة مؤقتة. ومع ذلك، فإن أمد هذه الهدنة قد يطول إذا ما قرر وكلاء السلطة من الطرفين، ومن يدعمهم خارجياً، أن استمرارها يخدم مصالحهم.

في لبنان وشمال إسرائيل قد يكون تنفس الصعداء مبرراً لدى الناس العاديين. فالاتفاق على وقف إطلاق النار بين إسرائيل والحكومة اللبنانية، بالنيابة عن "حزب الله"، يعني أن الجيش الإسرائيلي سينسحب إلى ما وراء الحدود الجنوبية بعد 60 يوماً، بينما يعود مقاتلو "حزب الله" إلى مناطق خلف نهر الليطاني على مسافة 30 كيلومتراً تقريباً من الحدود الإسرائيلية، وبالتالي تعد هذه النتيجة تعادلاً وليس ضربة قاضية.

واصلت إسرائيل شن غاراتها الجوية العنيفة حتى اللحظة الأخيرة، في وقت كان "حزب الله" قد أطلق 250 صاروخاً نحو الأراضي الإسرائيلية قبل ذلك بيوم. وقد تكبد "حزب الله" ومعه المدنيون اللبنانيون إصابات وأضراراً تزيد بأضعاف على تلك التي حاولت الميليشيات المسلحة إلحاقها بالجيش الإسرائيلي والمستوطنين في إسرائيل. لكن أكثر ما يثير قلق إسرائيل اليوم هو أنه على الرغم من تلك الهجمات المدمرة التي شملت توجيه ضربات دقيقة باستخدام الاستخبارات وأجهزة البيجر المفخخة، فضلاً عن غارات صاروخية خارقة للتحصينات بهدف اغتيال قائد "حزب الله" حسن نصر الله، حارب "حزب الله" حتى الرمق الأخير ولم يُهزم. وتشير الترجيحات إلى أن وقف إطلاق النار سيبقى قائماً، في الوقت الراهن على الأقل، مع أنه من المستبعد أن يحمل في طياته بوادر سلام أكثر شمولاً.

برر بنيامين نتنياهو قرار إيقاف الحرب على الجبهة الشمالية لإسرائيل بالقول إنه كان ضرورياً لإعادة تزويد قواته بالذخائر القادمة من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، وحتى يتمكن من تكثيف جهوده للقضاء على "حماس" في قطاع غزة. بل أوضح أن الهدف من وضع حد للعمليات العسكرية هو أكبر من ذلك، ويتمثل في مواجهة إيران كتهديد استراتيجي، إلى جانب التصدي لوكلائها في مناطق عدة، بدءاً بسورية والعراق ومروراً بالضفة الغربية ووصولاً إلى الحوثيين في اليمن.

ما يرجح بقاء "حزب الله" فعلياً خارج أي معارك مستقبلية في الجنوب هو حاجته إلى التعافي وإعادة ترتيب صفوفه أكثر من الرهان على قدرة الجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) على فرض السيطرة الفعلية على المنطقة.

وقد يشير عجز نتنياهو عن تحقيق الأهداف في غزة حتى اليوم إلى أنه سينقل قوات الجيش الإسرائيلي إلى هناك للقضاء على "حماس" وتحرير ما بقي من الأسرى، مع أنه شدد على أن العدو الأكبر لإسرائيل الآن هو إيران، كما منح الحوثيين ذكراً خاصاً باعتبارهم من الأهداف المستمرة.

ويفيد نتنياهو بأن إسرائيل قد تجاوزت مراراً الخطوط الحمر التي وضعتها دول أخرى، قاصداً بذلك بشكل رئيسي تجاهله محاولات الولايات المتحدة ضبط تصرفاته. وعند إعلانه وقف إطلاق النار في لبنان تباهى متحدياً ناقدي تصرفاته عندما قال: "أكدوا أننا (لن نعود للقتال بعد وقف إطلاق النار الذي وضع حداً للعمليات العسكرية ضد "حماس")، لكننا عدنا وبزخم كبير، وسنعود أيضاً في لبنان" إذا لزم الأمر.

في سياق متصل، استهدفت القوات الجوية الإسرائيلية بيروت بثلاث قذائف عملاقة بينما كان جو بايدن يتوجه إلى المراسلين الصحفيين في البيت الأبيض للإعلان عن وقف إطلاق النار، كخاتمة انتصارية لسياسته الرئاسية الخارجية. وكانت التصريحات الصادرة من القدس متناقضة بصورة كبيرة، وللأسف يبدو دور بايدن هامشياً وأقل تأثيراً في سياق الأحداث.

ويأمل بايدن في أن يكون وقف إطلاق النار المعلن في لبنان بمثابة سابقة تمهد لعلاقة جديدة بين إسرائيل وغزة. كما تحدث عن أهمية توسيع نطاق التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، وبذلك لفت انتباه نتنياهو إلى أن وقف إطلاق النار على الجبهة الشمالية يمهد السبيل لواقع جديد، مؤكداً أن القوة العسكرية للجيش الإسرائيلي تظل أكثر وقعاً وتأثيراً من مجرد آمال صادقة بعودة الهدوء إلى المنطقة.

يراهن نتنياهو في حساباته، على أن ترامب، خلال ولايته الرئاسية الثانية، سيمنحه الضوء الأخضر للانقضاض على إيران. ولذلك، مع تهدئة الحرب مع "حزب الله" بينما تستعد إسرائيل لإظهار قوتها الفعلية ضد إيران، فإن هدنة الستين يوماً لن تكون إرثاً لبايدن بقدر ما تمثل ورقة نعي لعهده.

في موازاة ذلك، أعلن دونالد ترامب أن وقف إطلاق النار هو بمثابة "تأثير ترامب: السلام باستخدام القوة"، وثمة احتمال قائم بأن يكون الرئيس المنتخب قد تدخل لإقناع إسرائيل بالحد من خسائرها في لبنان، في حين أبدى "حزب الله" استعداده لشراء الوقت عبر الموافقة على وقف إطلاق النار الذي يمنحه فرصة لإعادة بناء قدراته وتنظيمها، فيما تحظى إسرائيل بالوقت الضروري لإعادة رسم الخريطة في الجنوب.

بعد هذا كله يبقى السؤال: هل يتدخل ترامب وفريقه الداعم للتصعيد للضغط من أجل اتفاق سلام لم يتمكن بايدن من تحقيقه؟ أم يجمع نتنياهو بين الضربات العسكرية القوية ضد أعداء إسرائيل وبين الخطاب عن تحقيق السلام على طريقة ترامب باستخدام القوة؟

من المتوقع أن يتبع نتنياهو إستراتيجياته المعتادة، حيث يلعب على وتر الغطرسة عند الرئيس الجديد، بينما يتركه يتحمل المسؤولية عن أي فشل في تنفيذ الخطط القائمة. وفي الختام، لا يتوقع رئيس الوزراء الإسرائيلي سلاماً دائماً حتى في حال تحقيق أي انتصار. أما ترامب فيسعى إلى أن يكون صانع سلام من غزة إلى أوكرانيا. وبذلك، فإن تصاعد التوترات والمنافسات بين صاحب البيت الأبيض الجديد، المنشغل "بتنظيف الساحة"، وبين المحارب المخضرم في القدس، يبقى احتمالاً غير مستبعد على الإطلاق.





تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 1238  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 02-12-2024 08:56 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
قصة الإيدز .. كيف ظهر؟ وأين يختبئ الآن؟ "وجبة قاتلة" .. سلحفاة تتسبب في عدة وفيات وعشرات الإصابات حوادث السيارات ذاتية القيادة .. من يتحمل المسؤولية؟ ساعة جمال عبد الناصر للبيع بسعر خيالي .. و عمرو أديب يعلق إعلان خطوبة السفير التركي في عمّان "إردم... بالفيديو .. أزمات سير خانقة باتجاه عمّان اليوم النائب صالح العرموطي لـ "سرايا": سقطة... اللواء فايز الدويري يوجه رسالة شديدة اللهجة عبر... النائب العرموطي يتبنى قضية "الربا الفاحش"... إسرائيل: لن نسمح لإيران باستغلال سوريا لتسليح حزب اللهاجتماع وزاري طارئ للجامعة العربية الأحد المقبلميقاتي يطالب بمنع الخروقات الإسرائيلية لوقف إطلاق...البيت الأبيض: نعمل مع قطر وتركيا ومصر للتوصل لوقف...حماس: 33 صهيونيا قتلوا وفقدت آثار بعضهم بسبب المجرم...فرنسا للاحتلال: ضرورة الالتزام باتفاق وقف إطلاق النارماكرون في زيارة رسمية إلى السعوديةقطع علاقات سوريا مع إيران وقطع امدادات سلاح حزب...حزب الله يرد على الخروقات الإسرائيلية بصواريخ في... غضب من مسلسل يتحدث عن مقتل نيرة اشرف .. وأسرتها تهدد تامر حسني: "لا أعلم ده حقيقي ولا نصب" " فقدت بصري" .. إلتون جون يصدم جمهوره نجوم لبنان يعودون للحفلات بعد وقف إطلاق النار وسم "الجنسية الكويتية" يعتلي منصات... الوحدات يهدف لتخطي الشارقة وتزعم مجموعته بدوري أبطال آسيا 2 محمد صلاح منفتح على التجديد مع ليفربول مبابي يضغط على سان جيرمان بسبب مستحقاته المتأخرة رسالة مبابي إلى جماهير ريال مدريد منتخب كرة الطائرة الشاطئية للناشئات يفوز على نظيره العُماني استرالية تكتشف أفعى سامة في سيارتها أثناء قيادتها ثلاثة أطفال ينسفون مبنى عملاقا في ثوان عارضة أزياء حسناء تقتل زوجها وتنتحر في جريمة غامضة بين الحنان والقسوة .. أسلوبك التربوي يؤثر على دماغ طفلك البرلمان البريطاني يجيز (الموت الرحيم) علماء يتوصلون إلى طريقة تحمي الأرض من كارثة فضائية متوقعة لخطورتها على المواطنين .. هدم فيلا فنان مصري شهير أول عاصمة أزياء كبرى تفرض مثل هذا الحظر .. لندن تمنع "الجلود الغريبة" في عروضها تفاصيل قضية المدرس المنتحر حرقا .. تنمر عليه طلابه ونشروا فيديو "مستفزا" ماذا ينقص هذه الصورة؟ حاول التوصل للإجابة في 6 ثوان

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

كلمات دلالية: وقف إطلاق النار بین إسرائیل فی لبنان حزب الله إلى أن

إقرأ أيضاً:

مصادر : إسرائيل لن ترسل وفدًا إلى قطر للمفاوضات حول غزة

نقلت صحيفة معاريف الإسرائيلية عن مصادرها أن تل أبيب لن ترسل وفدًا إلى قطر للمفاوضات حول غزة.

وفي تقرير لها؛ نقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مصدر أمني أن الجيش الإسرائيلي “يعمل بكامل قوته في غزة كما لو أنه لا توجد مفاوضات” في ظل استمرار العمليات العسكرية في القطاع.

ويعكس تصريح المصدر الأمني إصرار تل أبيب على مواصلة التصعيد العسكري، رغم الجهود الدولية المبذولة لوقف إطلاق النار.

وفي تطور لافت، قررت الحكومة الإسرائيلية التفاوض مع حركة حماس عن بُعد، دون إرسال وفود إلى الدوحة أو القاهرة، معتبرة أن "الطريقة الوحيدة لوقف إطلاق النار هي موافقة حماس على مقترح ويتكوف الأخير" .

ويعكس القرار تشدد الموقف الإسرائيلي ورفضه لأي تعديلات على المقترح الأمريكي.

من جانبها، أعلنت حركة حماس أنها لم ترفض مقترح المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، بل قدمت ردًا يتضمن بعض التعديلات، خاصة فيما يتعلق بتمديد وقف إطلاق النار وضمانات لإنهاء الحرب . إلا أن ويتكوف وصف رد الحركة بأنه "غير مقبول بتاتًا"، معتبرًا أن "الطريقة الوحيدة لإبرام اتفاق وقف إطلاق نار لمدة 60 يومًا هي قبول مقترح الإطار الذي طرحناه" .

في هذا السياق، تتواصل الجهود الدولية، خاصة من قبل واشنطن والدوحة والقاهرة، لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، إلا أن الفجوات لا تزال كبيرة، خاصة فيما يتعلق بإنهاء الحرب والإفراج عن الأسرى.

تأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه غزة تصعيدًا عسكريًا متواصلًا، حيث أفادت مصادر فلسطينية بسقوط عشرات الشهداء والجرحى جراء الغارات الإسرائيلية المكثفة على مناطق مختلفة من القطاع.

وفي ظل هذه الأوضاع، تتزايد المخاوف من تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، خاصة مع استمرار الحصار ونقص الإمدادات الأساسية، مما يستدعي تحركًا دوليًا عاجلًا لوقف التصعيد وتقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين المتضررين.

أوكرانيا تكشف تفاصيل المفاوضات مع روسيا في اسطنبولالوفد الأوكراني يعلن انه سيرد على المقترحات الروسية خلال مفاوضات إسطنبول بعد دراستهاانتهاء المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا.. والخارجية التركية: لم تتمخض عنها نتائج سلبيةوزير خارجية إيران يشكر الحكومة المصرية على دعمها للمفاوضات النوويةالخارجية: نرحب بدور سلطنة عمان في المفاوضات بين إيران وأمريكا بشأن الملف النووي الإيراني طباعة شارك دولة الاحتلال قطر مفاوضات بشأن غزة الدوحة واشنطن القاهرة

مقالات مشابهة

  • وزير خارجية إيران: ندعم جهود مصر وقطر لوقف إطلاق النار في غزة
  • وزير خارجية إيران: وقف حرب إسرائيل على غزة يتبعه توقف هجمات البحر الأحمر
  • إسرائيل ترسل بكثافة ملاجئ متنقلة إلى الشمال.. هل تُحضّر لمواجهة ثانية مع حزب الله؟
  • مصادر : إسرائيل لن ترسل وفدًا إلى قطر للمفاوضات حول غزة
  • جنوب لبنان تحت النار.. غارات إسرائيلية تهدد وقف إطلاق النار
  • ردود فعل غاضبة بعد منع إسرائيل اجتماع اللجنة الوزارية العربية في رام الله
  • إيران تعيد تموضع نفسها لمواجهة صعود إسرائيل وتركيا
  • لبنان يعلن استهداف شخص في غارة إسرائيلية على الجنوب
  • قيادي بحماس: مرونة المقاومة عالية لكن نتنياهو يراوغ ويفاوض فقط على ملف الأسرى
  • بري: حزب الله جمع سلاحه وملتزم بوقف إطلاق النار