عربي21:
2025-06-03@21:39:01 GMT

موقف حركة النهضة وحلفائها من الثورة السورية

تاريخ النشر: 20th, December 2024 GMT

في خاتمة المقال السابق، كنا قد أشرنا إلى أن قراءة مواقف الفاعلين السياسيين والمدنيين التونسيين من الثورة السورية لا تكتمل إلا بالاشتغال على موقف أحد أهم الفاعلين السياسيين خلال مرحلة الانتقال الديمقراطي؛ ألا وهو حركة النهضة. ولا يمكن فصل هذه الحركة عن حلفائها سواء أولئك الحلفاء الاستراتيجيين (ائتلاف الكرامة أو حزب المؤتمر بقيادة الدكتور منصف المرزوقي) أو أولئك الذين التقوا معها موضوعيا دون اعتراف مبدئي.

فرغم الالتقاء البراغماتي بين حركة النهضة والتكتل الديمقراطي (خلال مرحلة الترويكا)، والالتقاء بينها وبين حركة نداء تونس أو تحيا تونس (خلال مرحلة التوافق) والتقائها مع حركة قلب تونس (بعد انتخابات 2019)، فإننا لا نعتبر هذا الالتقاء من باب التحالف الاستراتيجي أو الاعتراف المبدئي بهذه الحركة، بل هو مجرد تقاطع مصالح ظرفي لم يكسر التقابل الجذري الذي حكم المشهد السياسي التونسي منذ المرحلة التأسيسية، أي التقابل بين "العائلة الديمقراطية" وبين النهضة وائتلاف الكرامة باعتباره -حسب ما يسمى بالقوى الديمقراطية- مجدر "واقي صدمات" أو جسما وظيفيا في خدمة النهضة مثلما كان شأن "لجان حماية الثورة".

لو أردنا فهم موقف حركة النهضة من الثورة السورية، فإن الانطلاق من بيان المكتب التنفيذي للحركة يوم 9 كانون الأول/ ديسمبر سيكون مدخلا جيدا، ولكنه مدخل لا يختزل تعقد الملف السوري -محليا وإقليميا- ولا تعقد المتغيرات التي حكمت مواقف الحركة منذ انطلاق الثورة السورية بصورة سلمية وتحولها التدريجي إلى نزاع مسلّح ذي تداعيات على الأمن الوطني التونسي، خاصة في ملفي الإرهاب والتسفير. ولكننا سنترك ذلك البيان ولن ندرسه إلا في موضعه من مسار الموقف النهضوي من الثورة السورية.

مهما كان موقفنا من "القوى الديمقراطية"، في ملف إفشال الانتقال الديمقراطي، أو في ملف العلاقة بمحور الثورات المضادة أو في ملف دعم الأنظمة الاستبدادية، فإن مواقفها تبدو أكثر مبدئية وأقل تأثرا بالوقائع محليا وخارجيا. ذلك أن هذه القوى دافعت عن النظام السوري في أسوأ الوضعيات التي مرّ بها، وما زالت تدافع عنه حتى بعد سقوطه
لقد كان الملف السوري من أكثر الملفات التي عمّقت التقابل بين "القوى الديمقراطية" السياسية والمدنية وبين حركة النهضة والرئيس الأسبق محمد المنصف المرزوقي. ففي 2 شباط/ فبراير 2012 (أي على عهد حكومة الترويكا التي شهدت تحالفا سياسيا بين النهضة وحزب المؤتمر والتكتل الديمقراطي) استضافت تونس مؤتمر "أصدقاء سوريا" بحضور سبعين بلدا، بعد عرقلة روسيا والصين لمشروعي إدانة للنظام السوري. ورغم أن قطع تونس لعلاقاتها الديبلوماسية مع النظام السوري سنة 2012 (بعد مجزرة حي الخالدية في مدينة حمص) كان متوافقا مع توجهات جامعة الدول العربية وأغلب القوى الإقليمية والدولية، فإن هذا القرار السيادي لم يُرض أغلب "القوى الديمقراطية" التي اعتبرت الموقف التونسي دعما للإرهاب وضربا لمحور "المقاومة والممانعة".

لقد كان موقف حركة النهضة خلال عشرية الانتقال الديمقراطي خاضعا لضغطين كبيرين: ضغط القواعد الانتخابية والحلفاء من جهة (وهو ضغط يدعو إلى تصليب الموقف من لا شرعية النظام السوري، خاصة بعد اعتراف مؤتمر سوريا بـ"المجلس الوطني السوري" ممثلا وحيدا للشعب السوري)؛ وضغط الأغلب الأعم من مكونات المشهد التونسي أو النخب السياسية والنقابية والإعلامية والثقافية التي حاولت توظيف الأزمة السورية للربط بين الحركة والإرهاب، خاصة في ملف التسفير إلى سوريا.

فقد حاولت تلك القوى بعد نجاحها في إسقاط حكومة الترويكا أن تعيد صراعها السياسي مع حركة النهضة إلى المربع الأمني القضائي، سواء بملف "التنظيم السري" أو ملف التسفير. ولأن ملف تورط بعض الجمعيات المدنية في التسفير إلى سوريا مازال مفتوحا أمام القضاء، فإننا سنكتفي بالإشارة إلى حرص "القوى الديمقراطية" على التعامل بازدواجية المعايير مع هذا الملف. فالتسفير لم يشمل فقط تورط بعض التونسيين في الحركات الجهادية السورية، بل تورط البعض الآخر في المجاميع شبه العسكرية الداعمة للنظام السوري (كتيبة محمد البراهمي). ولا شك في أن إدانة "المجاميع الجهادية" (وهو أمر منطقي بحكم عملها خارج الأطر الرسمية، بل على الضد من الموقف الرسمي التونسي الرافض لتسليح المعارضة وللتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى) لا ينفي إدانة "المجاميع التشبيحية" التي مارست السلوك نفسه، أي لا ينفي التعاطي القضائي مع التونسيين الذين حاربوا مع النظام السوري بصورة غير شرعية وخارج وصاية الدولة التونسية، بل ضد مواقفها الرسمية.

بعد دخول مرحلة التوافق مع حركة تونس منذ 2014، لم يكن لحركة النهضة من التأثير السياسي أو من القدرة التفاوضية ما يمنع الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي من فتح مكتب للخدمات الإدارية والقنصلية في سوريا منذ وصوله إلى قصر قرطاج. ورغم أن هذا القرار لم يكن يعني تطبيع العلاقات مع النظام السوري، فإنه كان خطوة في ذلك الاتجاه. فهذا القرار هو اعتراف بشرعية النظام، ولكنها خطوة لم تكن ترتقي إلى مستوى انتظارات "العائلة الديمقراطية" ومكوناتها التي دعمته ضد السيد منصف المرزوقي بمنطق "الانتخاب المفيد". فهذه الخطوة "الرمزية" لا ترتقي إلى مستوى ما وعد به خلال حملته الانتخابية بإعادة العلاقات الديبلوماسية مع سوريا.

ونحن هنا لا نتفق مع السيدة مباركة عواينية (أرملة الشهيد محمد البراهمي) التي رأت أن إسقاط اللائحة البرلمانية المطالبة بإعادة العلاقات الديبلوماسية مع سوريا سنة 2017 كان نتيجة صفقة بين حركة النهضة وحركة نداء تونس (إسقاط نواب نداء تونس للائحة مقابل تمرير نواب النهضة لمشروع قانون المصالحة مع بعض رموز الفساد المالي والإداري خلال حكم المخلوع). فالمرحوم الباجي لم يتردد في استضعاف حركة النهضة في ملفات أكثر إحراجا لها أمام قواعدها الانتخابية، مثل ملفات الجنسية المثلية ورفع الاحترازات عن اتفاقية سيداو (مسألة المساواة في الميراث بين الجنسين)، بل لم يتردد في فرض أحد رموز التطبيع (السيد خميس الجهيناوي) لإدارة ملف السياسة الخارجية منذ المرحلة التأسيسية.

لقد كان موقف المرحوم الباجي محكوما أساسا باعتبارات إقليمية ودولية، فالجامعة العربية وأهم القوى الدولية لم تكن قد أعطت الضوء الأخضر لتونس أو لغيرها لتطبيع العلاقات مع النظام السوري. وهو ما فهمه الأستاذ عبد الفتاح مورو، مرشح حركة النهضة للانتخابات الرئاسية سنة 2019، عندما قال: "نحن بلاد منضوية تحت منظمة عربية، ولنا سياسات مشتركة مع الدول العربية لا يمكن أن نخرج عنها"، مضيفا أن "كل تغيير يحصل (في الموقف من سوريا) ينبغي الاقتناع به داخل هذه المنظمة لننفتح على واقع جديد".

ولا شك في أن بيان حركة النهضة الصادر سنة 2019 والذي تحدث عن "مصالحة وطنية شاملة يستعيد فيها الشعب السوري حقه في أرضه وفي حياة ديمقراطية، وتضع حدا للتقاتل وما نتج عنه من مآس إنسانية" لا يخرج عن هذا النطاق، ولكنه لا ينفي أيضا أن موقف الحركة مرتبط بالتوازنات السياسية الداخلية بصورة أفقدته الكثير من المبدئية. فالارتباط الشرطي بالتوازنات المحلية والخارجية جعل مواقف الحركة براغماتية ومرتبطة بموازين القوى أكثر من ارتباطها بقاعدة مرجعية صلبة.

ومهما كان موقفنا من "القوى الديمقراطية"، في ملف إفشال الانتقال الديمقراطي، أو في ملف العلاقة بمحور الثورات المضادة أو في ملف دعم الأنظمة الاستبدادية، فإن مواقفها تبدو أكثر مبدئية وأقل تأثرا بالوقائع محليا وخارجيا. ذلك أن هذه القوى دافعت عن النظام السوري في أسوأ الوضعيات التي مرّ بها، وما زالت تدافع عنه حتى بعد سقوطه.

رغم أن عودة العلاقات الديبلوماسية بين تونس وسوريا جاءت في إطار تطبيع عربي شامل مع النظام السوري (عودة سوريا إلى الجامعة العربية بعد تعليق عضويتها منذ 2011)، فإن النهضة -ممثلةً في المستشار السياسي لرئيس الحركة السيد رياض الشعيبي- قد اعتبرت أن هذا القرار "يدخل في إطار سعي السلطات إلى البحث عما يؤيد ادعاءها بـ"تورط" الحركة في ملف التسفير إلى بؤر التوتر". وإذا كان السيد الشعيبي لا يرفض -من منطلق ما يسميه بـ"الموقف الأيديولوجي المنغلق"- عودة العلاقات الديبلوماسية مع سوريا، فإنه يعتبر أن ذلك القرار قد جاء مدفوعا بـ"العقل الأمني" الباحث عما يؤيد تورط حركته في ملف التسفير، ولم يكن بحثا عن دور إيجابي في حل الأزمة السورية.

ولكن بعد مرور أكثر من سنة على عودة العلاقات الديبلوماسية بين تونس وسوريا، لا يبدو أن "مخاوف" السيد الشعيبي أو تفسيره لأسباب إعادة العلاقات مع سوريا مطابقة للحقيقة. ولذلك فإننا نعتبر أن تصريحاته لا تعكس أسباب ذلك القرار السيادي (موقف جامعة الدول العربية وحلفاء تونس الإقليميين) بقدر ما تعكس استمرارا لمنطق "المظلومية"، تلك المظلومية التي وظفتها النهضة بعد الثورة ثم أضاعت جزءا كبيرا منها بسبب خياراتها التوافقية المرفوضة حتى داخل قواعدها الانتخابية. ونحن نعني بالتوافق هنا خيار التطبيع مع المنظومة القديمة بشروط تلك المنظومة وبعيدا عن استحقاقات الثورة وانتظارات عموم التونسيين.

إثر سقوط النظام السوري أصدر المكتب التنفيذي لحركة النهضة يوم 9 كانون الأول/ ديسمبر 2024 بيانا هنّأ فيه الشعب السوري بـ"انتصار ثورته". وقد حرص بيان الحركة على عدم تهنئة فصائل المعارضة أو ذكرها بالاسم، كما حرص البيان على "تصدير" التجربة التوافقية التونسية إلى سوريا تحت مسمى "الوحدة الوطنية"، وحرص أيضا على التعامل مع الثورة السورية وكأنها نسخة أخرى من الثورة التونسية وشعاراتها في الحرية والعدالة والكرامة والمساواة. كما تجنب البيان أي إشارة إلى البنية الطائفية أو الخلفية البعثية للنظام السوري. فالثورة السورية هي "انتصار الحرية على الاستبداد"، وهو موقف لا يمكن فصله عن الواقع التونسي وإكراهاته.

نرجح مواصلة الرئيس لمشروعه السياسي بمنطق البديل لا بمنطق الشريك، فإن تونس قد تعرف تقاربا بين الرئيس وبين بعض مكونات "العائلة الديمقراطية" لاستباق أي استفادة ممكنة لحركة النهضة من الثورة السورية. ولكن قد يذهب النظام إلى نوع من التهدئة أو الاحتواء لحركة النهضة، بعيدا عن منطق الإقصاء والمقاربة الأمنية للصراع السياسي. وفي كل الحالات، فإننا نستبعد حصول أي تقارب بين حركة النهضة وبين القوى اليسارية والقومية المعارضة
فالنهضة لا تستطيع مقاربة الملف السوري إلا بترسانة مفهومية "توافقية" قد تسبب لها انتقادات واسعة حتى في صفوف حلفائها السابقين (مثل الرئيس المرزوقي)، ولكنها تبعدها عن أي استهداف على أساس الهوية الأيديولوجية من طرف النظام أو حلفائه الموضوعيين، حتى داخل المعارضة اليسارية والقومية. فسقوط النظام السوري لا يعني بالضرورة سقوط سرديات الاستئصال الصلب والناعم في تونس، كما لا يعني حصول انفراجة سياسية أو تقارب بين القوى المعارضة. بل إن سقوط النظام السوري قد يعني عودة الصراعات الهوياتية في تونس على أساس ملفي التسفير والإرهاب.

ختاما، فإن سقوط النظام السوري وقيام حكومة جديدة في دمشق، هو أمر قد يفتح تونس على سيناريوهات متناقضة، وهي سيناريوهات لا يمكن أن يكون المحدد الأساسي أو النهائي فيها محليا صرفا. فطوفان الأقصى ومشروع الشرق الأوسط الجديد يلقيان بظلالهما على المشهد التونسي من خلال المحاور الإقليمية والاستراتيجيات الدولية المتناقضة.

ورغم أننا نرجح مواصلة الرئيس لمشروعه السياسي بمنطق البديل لا بمنطق الشريك، فإن تونس قد تعرف تقاربا بين الرئيس وبين بعض مكونات "العائلة الديمقراطية" لاستباق أي استفادة ممكنة لحركة النهضة من الثورة السورية. ولكن قد يذهب النظام إلى نوع من التهدئة أو الاحتواء لحركة النهضة، بعيدا عن منطق الإقصاء والمقاربة الأمنية للصراع السياسي. وفي كل الحالات، فإننا نستبعد حصول أي تقارب بين حركة النهضة وبين القوى اليسارية والقومية المعارضة.

ونحن لا نعتبر أن سقوط النظام السوري هو العلة الحقيقية لامتناع التقارب بين النهضة وبين أغلب مكونات "العائلة الديمقراطية" في السياق الحالي أو في أي سياق منظور، بل إننا نرد ذلك الامتناع إلى الجوهر الإقصائي واللاديمقراطي للسرديات الأيديولوجية الكبرى، كما نرده إلى المصالح المادية والرمزية والقضايا الصغرى التي توظَّف السرديات الكبرى لحمايتها وشرعنتها.

x.com/adel_arabi21

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التونسيين الثورة النهضة سوريا سوريا تونس النهضة ثورة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العلاقات الدیبلوماسیة الانتقال الدیمقراطی سقوط النظام السوری القوى الدیمقراطیة من الثورة السوریة مع النظام السوری الدیبلوماسیة مع بین حرکة النهضة حرکة النهضة من لحرکة النهضة هذا القرار کان موقف مع سوریا لا یمکن

إقرأ أيضاً:

سوريا في قبضة التوازنات .. صعود الشرع كواجهة ’’أمريكية_صهيونية’’ وتحجيم السيادة

يمانيون / تقرير خاص

في تحول جذري يعيد رسم المشهد السياسي السوري، صعد أحمد الشرع إلى رأس السلطة خلفًا لبشار الأسد، بدعم إقليمي ودولي غير مسبوق. هذا التحول لا يمكن عزله عن التغيرات المتسارعة في خارطة النفوذ داخل سوريا، حيث تتقاطع إرادات الولايات المتحدة وإسرائيل مع مصالح تركية وخليجية سعت إلى إنهاء عهد بشار الأسد، والتخلّص من الحضور الإيراني الذي يُنظر إليه كعدو استراتيجي دائم لواشنطن وتل أبيب.

الشرع يظهر اليوم كخيار لإعادة تعويم النظام من بوابة عربية وغربية. غير أن هذا الصعود لا يبدو مستقلاً، بل يأتي في سياق مشروع متكامل يهدف إلى إعادة صياغة النظام السوري على مقاس المصالح الأمريكية-الإسرائيلية، تحت غطاء تفاهمات إقليمية، تركية وخليجية، تزداد وضوحاً.

وفي ظل هذا التموضع الجديد، تبدو سوريا أمام مرحلة دقيقة انتقال ظاهري للسلطة، لكنه في جوهره انتقال من دولة ذات سيادة، إلى كيان سياسي خاضع لتوجيهات الخارج، تحكمه معادلات النفوذ والتي ستقوده رغماً عنه قريباً نحو التطبيع

 الخلفية السياسية لصعود أحمد الشرع
برز اسم أحمد الشرع سريعًا  بعد سنوات من الجمود العسكري والدبلوماسي في سوريا. يشير مراقبون إلى أن صعوده لم يكن وليد الداخل السوري فقط، بل ثمرة مفاوضات طويلة قادتها واشنطن مع تل أبيب، وأنقرة، والرياض، والدوحة، لإعادة هيكلة النظام بطريقة “غير ثورية”، تُنهي سطوة النظام القديم وتحفظ مصالح اللاعبين الكبار.

 الدور الأمريكي – الصهيوني في إدارة التحول
الولايات المتحدة تبنّت دورًا مركزيًا في إدارة الانتقال السياسي، من خلال خطة تضمن الحد من النفوذ الإيراني، وحماية أمن إسرائيل، وفتح الباب لتسوية “مقبولة” دوليًا.
العدو الإسرائيلي ، من جانبه، أبدى ارتياحًا غير معلن تجاه النهج الجديد للشرع، خاصة بعد تسريبات عن وجود قنوات خلفية للتواصل الأمني، وضمانات بعدم المساس بالجولان، بل واحتمال فتح مسارات اقتصادية مستقبلية عبر وساطات خليجية.

الدعم التركي والخليجي .. حسابات النفوذ والاقتصاد
أنقرة، التي ظلت طوال العقد الماضي تحتفظ بدور عسكري واستخباراتي مؤثر شمال سوريا، تعتبر أن صعود الشرع يمثل فرصة لتكريس نفوذها دون صدام مباشر مع دمشق، خصوصًا في ما يتعلق بمسألة “المنطقة الآمنة” وضبط الحدود مع الأكراد.
أما دول الخليج، وعلى رأسها السعودية وقطر، فقد سارعت لإعادة علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع دمشق، باعتبار أن النظام الجديد قد يشكّل حاجزًا أمام تمدد المشروع الإيراني في بلاد الشام، مع احتمالات استثمار كبيرة في ملف إعادة الإعمار.

 الموقف الروسي – دعم مشروط وتحفّظ استراتيجي
رغم أن موسكو باركت رسميًا صعود أحمد الشرع وأرسلت رسالة تهنئة من الرئيس بوتين أكد فيها استمرار الدعم الروسي  إلا أن الموقف الفعلي أكثر تعقيدًا. الشرع طلب من موسكو تسليم بشار الأسد وعدد من مساعديه اللاجئين على أراضيها، وهو ما أثار توترًا صامتًا بين الجانبين وفق ’’العربي الجديد’’
موسكو، التي ضمنت قاعدتين عسكريتين دائمتين (طرطوس وحميميم)، ستبقى حريصة على حفظ نفوذها الاستراتيجي، لكنها تراقب بحذر انجراف دمشق نحو واشنطن وتل أبيب.

انعكاسات إقليمية محتملة
انكماش الدور الإيراني  في سوريا نظراً للمتغيرات الداخلية والتي لم تعد تمثل عمقًا استراتيجيًا يمكن أن تعتمد عليه إيران ، ما سيدفعها لإعادة النظر في تموضعها الإقليمي وفي المقابل صعود نفوذ تركيا والخليج ونمو مساحة التفاهم بينها

توازنات جديدة مع إسرائيل عبر واشنطن، تسعى دمشق الجديدة لفرض معادلة “لا حرب ولا مقاومة”، ما يعيد تعريف معادلات الردع في الجبهة الجنوبية.

 سوريا الجديدة على مفترق طرق 
سوريا الشرع  تقف على مفترق طرق، مع وجود محاور متعددة تتنازع التأثير على مستقبلها ، فهي تقف خلف الدعم الأمريكي-الإسرائيلي الذي يهدف إلى إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا، وتثبيت (الوضع القائم) الذي يضمن أمن إسرائيل.

الوجود الأمريكي شرق الفرات يعكس اهتمام واشنطن بالسيطرة على مناطق النفط، ودعم قوات “قسد”، وهو ما يشكل حاجزاً بوجه دمشق وحلفائها.

تركيا تغيّر تكتيكها تدريجياً بعد سنوات من دعم المعارضة المسلحة، تنفتح أنقرة تدريجياً على دمشق، بدافع من ملفات اللاجئين، وملف “قسد”.

الخليج (السعودية، الإمارات) عاد بقوة إلى دمشق، في محاولة لتقليص النفوذ الإيراني من داخل النظام نفسه، باستخدام أدوات اقتصادية ودبلوماسية (مثل إعادة سوريا للجامعة العربية).
الرهان الخليجي يقوم على “تعويم النظام مقابل تنازلات”، لكن دون ضمانات بتحقيق تغيير جذري في السياسات السورية.

إلى أين تتجه سوريا؟
السيناريو الأقرب على المدى القصير ، جمود سياسي مستمر، مع بعض الانفتاح العربي التركي التدريجي.
وتقاسم نفوذ فعلي مناطق نفوذ أميركية، إسرائيلية ،روسية، تركية، داخل الأراضي السورية.
تطبيع مشروط، لكنه بطيء ومحدود التأثير بدون إصلاحات داخلية حقيقية.
على المدى البعيد ، سوريا تتحول إلى دولة ذات سيادة شكلية، لكنها عملياً مرهونة لتوازنات إقليمية

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية السوري: اتفاق سوري قطري على توريد الغاز إلى سوريا عبر الأردن
  • وجهات نظر “القوى المتوسطة” في زمن الفوضى العالمية
  • المؤتمر الوطني للحقوق والحريات بتونس.. مبادرة واعدة أم فرصة مهدورة؟
  • ألمانيا ترحب بالتقدم في المحادثات بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية
  • البورصة السورية تستأنف التداول لأول مرة منذ سقوط النظام
  • هذا مايقوم به النظام السعودي في سوريا
  • الشرع في الكويت... زيارة رسمية للرئيس السوري تعيد رسم خريطة العلاقات السورية | تقرير
  • سوريا في قبضة التوازنات .. صعود الشرع كواجهة ’’أمريكية_صهيونية’’ وتحجيم السيادة
  • معرض لوحات ولافتات كفرنبل الناجية.. ذاكرة حية للثورة السورية في دمشق
  • نقاط على طريق استعادة الأرض والقرار