زهير عثمان حمد

يعتبر الجيش السوداني أحد الأعمدة الأساسية في تاريخ البلاد السياسي والعسكري، فقد لعب دورًا محوريًا في تشكيل الأحداث السودانية الكبرى منذ العهد التركي وصولًا إلى النزاعات المعاصرة. وقد تميز تاريخ الجيش السوداني بتطورات كبيرة، بدءًا من تنظيماته الأولى خلال الحكم التركي، مرورًا بفترات الاستعمار البريطاني، وصولًا إلى الانقلابات العسكرية والحروب الأهلية في العصر الحديث.

سنحاول هنا تقديم قراءة مختصرة لهذا التاريخ المعقد، مع التركيز على القيم العسكرية، الصراعات الداخلية، والإنقسامات العرقية والثقافية التي ميزت دور الجيش السوداني في محطات فارقة.

الجيش السوداني في العهد التركي (1820-1885)
تأسس الجيش السوداني في فترة الحكم التركي (1820-1885) عقب غزو محمد علي باشا للسودان. أُنشئت قوة دفاع السودان بموجب السياسات العسكرية الاستعمارية التركية التي كان هدفها السيطرة على الأراضي السودانية وتأمين المصالح المصرية. تم تشكيل القوات السودانية من القبائل المحلية، حيث تم دمج القوى العسكرية السودانية مع القوات التركية التي كانت تابعة للسلطة المركزية في مصر. ساهم الجيش التركي في تكوين الجيش السوداني في تلك الفترة من خلال الاعتماد على المماليك والمرتزقة السودانيين.

في الدولة المهدية (1885-1898)، التي قادها المهدي محمد أحمد، تحول الجيش السوداني إلى قوة مقاتلة قوية، حيث جمعت المهدية بين الجنود المحليين والمجندين من مناطق مختلفة. شارك الجيش السوداني المهدوي في معركة أم درمان ضد القوات البريطانية، ما أظهر قدرة كبيرة على مقاومة الاحتلال، ولكن سرعان ما كانت القوات البريطانية تسحق هذه الجيوش في معركة الخرطوم 1898.

الجيش السوداني في العهد الاستعماري البريطاني (1899-1956)
خلال الفترة الاستعمارية تحت الحكم الثنائي البريطاني المصري (1899-1956)، شهد الجيش السوداني تحولًا كبيرًا، حيث تم بناء قوة دفاع السودان من قبل البريطانيين ليكون جيشًا تابعًا للمستعمر. هذا الجيش كان مؤلفًا في جزء كبير منه من السودانيين، لكن كان يشرف عليه الضباط البريطانيون. وُظف الجيش السوداني في عدة مجالات، بما في ذلك في الحرب العالمية الأولى، حيث شارك جنود سودانيون في مشاركة فعالة ضمن قوات الحلفاء في الحروب.

خلال هذه الفترة، كانت هنالك تقسيمات ثقافية وعرقية بين أفراد الجيش السوداني. كانت القبائل الشمالية مهيمنة على مواقع القيادة، في حين كانت القبائل الجنوبية مهمشة في هذا السياق. كما تم تدريب الجنود السودانيين وفقًا لمعايير المستعمرين البريطانيين، مما جعل الولاء والهيكل العسكري يتمحور حول مصلحة السلطة الاستعمارية.

الجيش السوداني بعد الاستقلال (1956-1970)
مع استقلال السودان عام 1956، ورث الجيش السوداني من الحكم البريطاني جهازًا عسكريًا متقدمًا، لكن سرعان ما تجلى الصراع بين القوى السياسية و الجيش في أحداث عدة. في ظل هذا الوضع السياسي المضطرب، أُعِيد تنظيم الجيش السوداني ليشمل التشكيلات العسكرية المحلية التي تضم خليطًا من قبائل وأعراق مختلفة.

في الستينيات، بدأ الجيش السوداني يُعَرَف بتدخله في الشؤون السياسية من خلال الانقلابات العسكرية. من أبرز هذه الانقلابات انقلاب عام 1959 بقيادة الفريق ابن عوف و الجنرال إبراهيم عبود، الذي كان بداية لتقوية السيطرة العسكرية على السلطة.

الحروب الأهلية والصراعات الداخلية
مرت السودان في فترات طويلة من الحروب الأهلية بين الشمال و الجنوب، حيث لعب الجيش السوداني دورًا مهمًا في مواجهة التمردات في جنوب السودان. بدأت هذه الحروب بشكل غير مباشر خلال فترة الاستعمار البريطاني، واستمرت بعد الاستقلال، واشتدت في السبعينات والثمانينات. الجيش السوداني كان في مواجهة مع الجبهة الديمقراطية و حركة التحرير الشعبية، وهذه الحروب انتهت باتفاقية نيفاشا عام 2005، والتي أدت إلى استقلال جنوب السودان عام 2011.

الجيش السوداني في الحروب المعاصرة: من انقلاب الإنقاذ إلى النزاعات الأخيرة
جيش الإنقاذ الذي تأسس بعد انقلاب 1989 بقيادة عمر البشير، لعب دورًا مركزيًا في تشكيل الأحداث السياسية والاجتماعية في السودان، حيث أصبح الجيش جزءًا لا يتجزأ من النظام الحاكم، بينما خاض الجيش العديد من المعارك ضد المعارضة المسلحة في دارفور و جنوب كردفان. وقد أصبح الجيش السوداني في هذه الفترة جزءًا من الصراع الإقليمي والعالمي، ما أسهم في تفاقم أزمات حقوق الإنسان داخل السودان.

من ناحية أخرى، أحدثت ثورة ديسمبر 2018 تغييرات كبيرة في هيكلة الجيش السوداني، حيث أصبح الجيش طرفًا في الانقسام السياسي المستمر مع الحركات المسلحة مثل الدعم السريع. وتظل التوترات مستمرة حول دور الجيش في السياسة السودانية.

آفاق الجيش السوداني في المستقبل
تاريخ الجيش السوداني هو تاريخ معقد ومتنوع، يعكس التفاعلات بين القيم العسكرية والتطورات السياسية والاجتماعية. كما يتجسد فيه الصراع بين التقليدية و الحداثة، و الجنوب و الشمال، بالإضافة إلى التوترات الداخلية بين القوى العسكرية و السياسية. في المستقبل، يحتاج السودان إلى الجيش الذي يمكن أن يساهم في حماية الأمن الوطني وتحقيق استقرار سياسي بعيدًا عن التدخلات العسكرية في الحياة السياسية.

إن الجيش السوداني في مرحلة انتقالية جديدة، وفي ظل الفوضى السياسية الراهنة، سيظل عاملًا مهمًا في تحديد مصير البلاد، سواء في تكوين تحالفات جديدة أو في تحديات التنسيق بين الجيش والحركات المسلحة.

المراجع:
Ali, M. A. (2013). The Sudanese Military: An Analytical History. Cambridge University Press.
Juma, A. (2017). History of the Sudanese Army and Its Role in the Political Landscape. University of Khartoum Press.
Holt, P. M., and Daly, M. W. (2000). A History of the Sudan: From the Coming of Islam to the Present Day. Routledge.
Johnson, D. H. (2003). The Root Causes of Sudan's Civil Wars. The International African Institute.

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الجیش السودانی فی

إقرأ أيضاً:

أوروبا تستعد للحرب: إعادة بناء البنية التحتية لتسريع حركة الجيوش

أنقرة (زمان التركية) – يستعد الاتحاد الأوروبي لإعادة بناء الطرق والجسور وخطوط السكك الحديدية لتمكين الجيوش من التحرك بسرعة داخل القارة في مواجهة هجوم روسي محتمل. تهدف هذه الخطة، التي تُنفذ بالتعاون مع حلف الناتو، إلى وصول الدبابات إلى الجبهة في غضون ساعات دون عوائق بيروقراطية.

بدأ الاتحاد الأوروبي في تجهيز الطرق تحسبًا لحرب محتملة مع روسيا. وقد تحرك أبوستولوس تزيتزيكوستاس، المسؤول عن النقل في الاتحاد الأوروبي، لجعل الطرق والجسور وخطوط السكك الحديدية مناسبة للاستخدام في زمن الحرب.

وأشار تزيتزيكوستاس إلى أنه في حال شنّت موسكو هجومًا محتملًا من حدودها الشرقية، فإن دبابات الناتو التي سترد على الهجوم ستواجه مشكلة في الأنفاق، وقد تنهار الجسور، وستعلق في بروتوكولات عبور الحدود.

مؤكدًا على خطورة الوضع، قال تزيتزيكوستاس: “لدينا جسور قديمة. بعضها ضيق ويحتاج إلى توسيع. وبعضها الآخر يجب إعادة بنائه بالكامل.” ويشدد تزيتزيكوستاس على أنه إذا لم تتمكن الجيوش الأوروبية من التحرك بسرعة، فسيكون الدفاع عن القارة مستحيلًا. وأضاف أن نقل الجنود والذخائر من الغرب إلى الشرق قد يستغرق أسابيع أو حتى أشهر في بعض الحالات. يجب على الاتحاد الأوروبي، بقدر ما ينتج من ذخائر، أن يقوم أيضًا بمد الطرق اللازمة لإيصال تلك الذخائر.

ولحل مشكلة البنية التحتية هذه، يعكف الاتحاد الأوروبي على إعداد استراتيجية تتضمن 500 مشروع تمتد على طول أربعة ممرات عسكرية رئيسية. الهدف هو ضمان قدرة القوات العسكرية على عبور الحدود في “ساعات، أو بضعة أيام على أقصى تقدير”.

تم تحديد هذه المشاريع بالتعاون مع الناتو وقياداته العسكرية. ومع ذلك، تُحفظ تفاصيلها سرية لأسباب أمنية. لا تقتصر المشاريع على البنية التحتية والطرق فحسب، بل ستشمل أيضًا تسهيلات بيروقراطية.

وصرح تزيتزيكوستاس أنه سيتم تقليل العوائق البيروقراطية، ولن “تعلق الدبابات في الإجراءات الورقية” عند عبور الحدود. وهذا يعني أن الأسلحة الثقيلة والوحدات العسكرية التابعة للدول الأوروبية ستكون قادرة على الوصول إلى الحدود الأوكرانية في غضون ساعات، دون عوائق عند نقاط التفتيش الحدودية.

ستحارب أوروبا فعليًا كدولة واحدة.

ستبدأ هذه الأعمال في وقت لاحق من هذا العام وستكون جزءًا من الاستعدادات الحربية المتزايدة في جميع أنحاء أوروبا. تهدف هذه الخطة أيضًا إلى ضمان قدرة أوروبا على تأمين نفسها في مواجهة التوقعات بتخفيض الوجود العسكري الأمريكي في القارة.

كان الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، قد حذر في يونيو الماضي من أن روسيا قد تهاجم أحد أعضاء الحلف بحلول عام 2030. وتستعد أوروبا الآن لخطة إعادة تسليح قد تصل تكلفتها إلى 800 مليار يورو، وذلك مع مطالبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمزيد من المساهمات الدفاعية، ودخول هجمات فلاديمير بوتين على أوكرانيا عامها الرابع.

Tags: أوروباالحربروسياكوسكو

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني والقوة المشتركة يصدان هجوما على الفاشر
  • النيجيري أوسيمين الأغلى.. 10 صفقات قياسية في تاريخ الدوري التركي
  • بارا في قبضة الجيش السوداني
  • العمليات القتالية تحتدم.. وطيران الجيش السوداني يسيطر على أجواء كردفان
  • ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة: «أليست نفسا» مبدأ إسلامي شامل في التعامل مع الإنسان
  • الجيش السوداني يسترد مدينة كبيرة في كردفان
  • أوروبا تستعد للحرب: إعادة بناء البنية التحتية لتسريع حركة الجيوش
  • عاجل. الجيش الإسرائيلي يُعلن تفاصيل أنشطته العسكرية في لبنان.. ومصادر رويترز: حزب الله يرفض تسليم سلاحه
  • الجيش السوداني ينفتح ويحكم قبضته على منطقة حيوية في كردفان
  • مني أركو: تشكيل ما يُسمى «حكومة تأسيس» يمهّد لتدخل دولي في الشأن السوداني