عربي21:
2025-05-30@17:44:01 GMT

فلسطين… الأبارتيد وخطر التهجير من غزة والضفة

تاريخ النشر: 28th, January 2025 GMT

تلاحق الصراعات والأزمات الكثيرة بلاد العرب، وتزيد من وطأتها التغيرات المتسارعة التي تتعرض لها السياسة العالمية بفعل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض والواجهة الصراعية التي تحيط بعلاقات الولايات المتحدة مع القوى الكبرى وخلافات التجارة والحرب والسيادة التي باتت الشغل الشاغل للإدارة الأمريكية الجديدة ومن ثم للحكومات الصينية والروسية وحكومات الدول الأوروبية.



وفيما خص فلسطين، يعني ذلك المزيد من تمكين حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف من ممارسة التمييز العنصري والتهجير القسري والاحتلال الاستيطاني والحصار غير الإنساني والاعتداءات المتكررة، أبارتايد متكامل باختصار.

قانونيا وسياسيا، تميز حكومة بنيامين نتنياهو ضد فلسطينيي 1948 الحاملين لجنسية الدولة العبرية. في القدس الشرقية والضفة الغربية، يتواصل اضطهاد الشعب الفلسطيني تهجيرا متصاعدا، واستيطانا مستمرا، وعنفا من قبل آلة الحرب الإسرائيلية ومن قبل المستوطنين المسلحين، وقيودا على حركة الناس، وإهانات ممنهجة للمعتقدات الدينية (الاقتحام المتكرر للمسجد الأقصى) وضغوطا مالية وأمنية على السلطة الفلسطينية.

أما غزة، فيتعامل معها نتنياهو وحلفاؤه الأشد تطرفا وبعد الحرب المدمرة منذ خريف العام قبل الماضي كفناء خلفي مستباح، إنسانيا وسياسيا بخلق أوضاع معيشية مأساوية لا تصلح لحياة الناس وعسكريا باعتداءات متكررة توقفت اليوم بفعل وقف إطلاق النار غير أن احتمالية تجددها تظل قائمة.

غير أن الجديد في شأن فلسطين هو، من جهة، التلاحم المتزايد على أرضية الهوية الوطنية المشتركة بين فلسطينيي 1948 وفلسطينيي الأراضي المحتلة منذ 1967 في القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة. وقد عبر هذا التلاحم عن نفسه من خلال ممارسات تضامنية كثيرة تجاوزت الخطوط الفاصلة بين 1948 و1967 وأعادت التأكيد على أن إنهاء الأبارتايد الإسرائيلي وانتزاع حق تقرير المصير يظل هو القضية المركزية للشعب الفلسطيني دون تمييز بين من هم في «الداخل» ومن هم في «الأراضي المحتلة».

الجديد، من جهة ثانية، هو أن إسرائيل تمر بأزمة وجودية حادة جوهرها هو التنازع حول العلاقة بين يهودية الدولة وبين الطبيعة الديمقراطية لمؤسساتها الدستورية والقانونية والسياسية وتلك الفاعلة في مجال الهوية والتنشئة الاجتماعية.

وبينما يشغل اليمين المتطرف بأطيافه المختلفة مواقع الانتصار ليهودية الدولة على حساب مكوناتها الديمقراطية (القضاء المستقل مثالا) تقف القوى العلمانية والحداثية في خانات الدفاع عن الحقوق والحريات بمضامينها الليبرالية وترفض «تهويد» مؤسسات الدولة والحياة السياسية والفضاء العام.

وفي هذا السياق، يعيد التقدميون في إسرائيل اكتشاف التناقضات الجوهرية بين يهودية الدولة وبين ديمقراطية مؤسساتها والنواقص العديدة التي ترد على الأخيرة طالما تواصلت سياسات وممارسات الأبارتايد تجاه الشعب الفلسطيني.

وعلى الرغم من أن التظاهرات الحاشدة التي شهدتها المدن الكبرى كتل أبيب وحيفا وغيرهما خلال الأسابيع الماضية احتجاجا على «الإصلاح القضائي» الذي أرادت به حكومة نتنياهو «القضاء على استقلال القضاء» لم تحمل بها يافطات تطالب بإنهاء الاستيطان والاحتلال ولم تخرج عنها مقولات علنية تربط بين الدفاع عن الديمقراطية في إسرائيل وبين تقرير الفلسطينيين لمصيرهم، إلا أن ثمة شواهد متواترة على إدراك القوى العلمانية لحتمية الربط بين الأمرين ولاستحالة تجزئة الحقوق والحريات في الساحات بالغة التداخل والتعقد في إسرائيل وفلسطين.

الجديد، من جهة ثالثة، هو أن المواقف الإقليمية، خاصة الموقف المصري والأردني، صارت وبعد حرب غزة المدمرة قاطعة في رفضها لكافة خطط التهجير وتصفية القضية الفلسطينية وعازمة على إحياء حل الدولتين الذي غيب بفعل سياسات وممارسات اليمين الإسرائيلي المتطرف.

الجديد، من جهة رابعة، هو أن النظرة العالمية لفلسطين تتغير جذريا على نحو يقر بكون سياسات وممارسات حكومات إسرائيل المتعاقبة تمثل أبارتايد متكامل يندى لاضطهاده وتمييزه العنصري ولتهجيره واستيطانه واعتداءاته جبين الإنسانية، ويطالب بخطوات دولية، حكومية وشعبية، حقيقية لكي توضع له نهاية قريبة.

في الولايات المتحدة الأمريكية، لم يعد مستهجنا في بعض الدوائر السياسية (يسار الحزب الديمقراطي) والإعلامية (وسائل الإعلام القريبة من اليسار) والأكاديمية (عديد الجامعات والمراكز البحثية) أن يوصف ما يعاني منه الشعب الفلسطيني بالفصل العنصري، وأن تعقد مقارنات بين السياسات والممارسات الحالية في القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة وبين ماضي جنوب إفريقيا قبل 1990.

أمريكيا أيضا، يتراجع تدريجيا خوف بعض رموز الحياة العامة من التعبير عن مواقف ناقدة لحكومات إسرائيل ومتضامنة مع حقوق الفلسطينيين لكيلا يطالهم هجوم أنصار الاستيطان والاحتلال الموظف دوما لمقولات العداء للسامية. وقد دللت تصريحات متتالية لسياسيين وإعلاميين وأكاديميين أمريكيين (خاصة حين جاءت من أصحاب البشرة البيضاء والأسماء الأنكلو- ساكسونية وفي بعض الحالات الانتماء الديني اليهودي) على الانهيار التدريجي لأسوار الخوف من الاقتراب من انتقاد إسرائيل والمطالبة بمحاسبتها على الجرائم والانتهاكات المتكررة لحقوق الفلسطينيين ومقاطعتها أكاديميا والدعوة إلى إنهاء الأبارتايد الوحيد في عالمنا المعاصر.

بالقطع، لا يمر ذلك دون مقاومة سياسية وإعلامية وأكاديمية لا تعدم لا المؤيدين لأسباب متفاوتة (ينتمي أغلبهم إلى اليمين الأمريكي) ولا الأموال (تدفع بها جماعات الضغط والمصالح الكثيرة القريبة من إسرائيل). غير أن التغير الجذري الذي يطرأ على النظرة لفلسطين في الولايات المتحدة يستحيل إنكاره مثلما يستحيل تجاهل تداعياته السياسية التدريجية.

والحقيقة أن ما يرى في الولايات المتحدة يحدث أيضا في بعض الدول الأوروبية الغربية التي صارت بها أحزاب اليسار ومنظمات المجتمع المدني التقدمية توصف سياسات وممارسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين باستخدام مفردات الفصل والتمييز العنصري والاضطهاد والعنف وغيرها وتضغط على حكوماتها لإعادة النظر في مواقفها المنحازة وتنجح في دفع بعض الحكومات للاعتراف بالدولة الفلسطينية (تمثل ألمانيا لظروفها التاريخية الخاصة الاستثناء الأبرز في هذا الصدد).

والحقيقة أيضا أن حكومات قوى دولية أخرى، كالصين التي اتخذت موقفا مناصرا للقضية الفلسطينية منذ النصف الثاني من القرن العشرين ويتسع اليوم دورها الدولي وبتصاعد نفوذها السياسي والدبلوماسي مع تطورها الاقتصادي والتكنولوجي المذهلين وروسيا التي تعيد راهنا اكتشاف أهمية بلاد العرب التي اتخذت موقفا محايدا بشأن الصراع الروسي-الأوكراني ورفضت المشاركة في العقوبات الغربية، أصبحت تتجه إلى الاهتمام الجاد بالبحث عن سبل لحل الصراع الأقدم في الشرق الأوسط وفقا لقرارات الشرعية الدولية أي بالضغط لتطبيق حل الدولتين.

هذا الجديد، إن بالتضامن الفلسطيني العابر لحدود 1948 و1967 إزاء الأبارتايد الإسرائيلي أو بالصراع الوجودي حول يهودية دولة إسرائيل في مقابل ديمقراطيتها أو بتغير النظرة العالمية وعودة حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني إلى الواجهة، يعطينا كعرب، حكومات ومجتمعات مدنية وقوى شعبية وعلى الرغم من المكاسب الكثيرة التي حققتها آلة الحرب الإسرائيلية خلال الشهور الماضية وبغض النظر عن التفاوت بين من لهم علاقات مع إسرائيل ومن ليس لهم ودون إدانة لهذا الموقف أو ذاك، يعطينا فرصة مواتية للغاية للضغط من أجل تفعيل حل الدولتين قبل أن تتجاوزه بالكامل وقائع التهجير والاستيطان والعنف المستمر للاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة التظاهرات تظاهرات غزة الاحتلال المجتمع الدولي العدوان مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الشعب الفلسطینی من جهة

إقرأ أيضاً:

ماذا تخطط إسرائيل للضفة الغربية؟

تشن قوات الاحتلال الإسرائيلي حملة اقتحامات واغتيالات واعتقالات على كامل أراضي الضفة الغربية، ويأتي ذلك بالتزامن مع تهديدات من حكومة اليمين المتطرف بفرض السيادة على الضفة، ردًا على انتقادات دول غربية لانتهاكات الاحتلال وتلويح هذه الدول بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وفي نفس السياق، قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي شابين فلسطينيين في نابلس وأريحا، وأصابت طفلا بالرصاص المطاطي خلال اقتحامها مدينة قلقيلية، ضمن موجة اقتحامات عنيفة شملت 7 مدن فلسطينية بالضفة الغربية، هي نابلس وطوباس وطولكرم وقلقيلية والبيرة والخليل وبيت لحم.

وفي بلدة حارس، شمال غرب مدينة سلفيت، قالت مصادر، للجزيرة، إن مستوطنين هاجموا البلدة، وأضرموا النار في أراض زراعية، وتسبب الهجوم في اشتعال النيران بمساحات واسعة، واحتراق عشرات أشجار الزيتون.

ويرى الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي، إيهاب جبارين أن ما يقوم به الاحتلال في الضفة هو إستراتيجية ممنهجة، وهناك تواصل بين الجيش وقطعان المستوطنين، مشيرا إلى أن الانتهاكات والاقتحامات والاعتقالات ليست مرتبطة فقط بالسابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وقال إن الحكومة الإسرائيلية الأولى التي قامت بمشروع الاستيطان كانت حكومة حزب العمل عام 1968، ومحسوبة على التيار اليساري، وكانت حكومات اليسار تنظر إلى مشروع الاستيطان ضمن سياق أمني إستراتيجي، أما في المرحلة الحالية، فإن هذا المشروع بات في قلب وجوهر العقيدة الإسرائيلية، فحكومة بنيامين نتنياهو تريد أن تبسط سيطرتها ما بين البحر والنهر، أي ضمن سياق أيديولوجي في المقام الأول.

إعلان

وتحدث الكاتب والمحلل السياسي، ساري عرابي عما اعتبرها وتيرة متسارعة تقوم بها إسرائيل للسيطرة على الضفة الغربية مرة واحدة، مستدلا في كلامه بعمليات التهجير الممنهج للفلسطينيين وعمليات التضييق عليهم وشل حركتهم بالحواجز والبوابات.

ضم ممنهج ومقنن

وأشار إلى وجود عمليات ضم ممنهجة ومقننة يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي في الضفة، تظهر من خلال القوانين الإسرائيلية التي شرعنت التمدد الاستيطاني، ومن خلال أدوات إجرائية مثل المنصب الذي أعطي لوزير المالية بتسلئيل سموتريتش في وزارة الحرب بهدف السيطرة على الإدارة المدنية وتفصيل قوانين خاصة بالمستوطنين.

وذكّر عرابي بخطة سموتريتش التي أعلن عنها عام 2017، وهي خطة التيار الديني القومي، وتدعو إلى ضم الضفة الغربية بالكامل، بحيث "تكون دولة لليهود فقط داخل الضفة وداخل فلسطين كلها"، وتقول هذه الخطة إن السكان الفلسطينيين من الممكن منحهم إقامة مثل سكان القدس، أي بحقوق مدنية دون السياسية مع تسهيل تهجيرهم من الضفة إلى الخارج.

أما نتنياهو فكان يتحدث في ولايته السابقة -يضيف عرابي في حديثه لبرنامج "ما وراء الخبر- عن ضم مناطق من الضفة غير محددة بشكل نهائي، وهناك حديث عن الغور وبعض مناطق "سي" المحيطة بالمستوطنات والتي تشكل مجالا حيويا للفلسطينيين على مستوى الزراعة وعلى مستوى التمدد العمراني وحركة السكان.

وعن الانتقادات الغربية لممارسات إسرائيل والمستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية، أوضح الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي، جبارين أن إسرائيل تقوم بتعقيدات ميدانية كلما كان هناك تلويح دولي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.

ومن جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي، عرابي إن هناك سياسات إسرائيلية جرى تكريسها بالرغم من الانتقادات الدولية، والاحتلال اختبر المجتمع الدولي والعرب وقام بخطوات جرى تكريسها بالتدريج.

إعلان

مقالات مشابهة

  • كاتس: سنبني الدولة اليهودية في الضفة الغربية
  • إسرائيل تصدق على إقامة وتوسيع 22 مستوطنة بالضفة الغربية
  • مصطفى بكري: موقف مصر الحاسم رفض التهجير بكل الأشكال.. والأمم المتحدة: إسرائيل تستخدم التجويع آلية لتهجير الفلسطينيين من غزة| أخبار التوك شو
  • وزير الأشغال العامة الفلسطيني: نشكر مصر على دعمها للقضية الفلسطينية ودورها في منع التهجير
  • الأردن: إسرائيل تمعن في التعدي على حق الشعب الفلسطيني
  • فلسطين: سحب تشيلي ملحقيها العسكرييْن من إسرائيل خطوة شجاعة
  • السيد القائد: نسعى لموقف أقوى إلى جانب فلسطين في معاناتها التي لم يسبق لها مثيل
  • فتح: رفع علم فلسطين بـ الصحة العالمية دليل على دعم المجتمع الدولي للشعب الفلسطيني ونصرته
  • أي سلاح سيُسلّم إلى الدولة قبل الآخَر... الفلسطيني أم اللبناني؟
  • ماذا تخطط إسرائيل للضفة الغربية؟