الدويري: تبادل الأسرى وعودة المهجرين لشمال غزة وتدفق المساعدات نتاج جهود مصرية
تاريخ النشر: 28th, January 2025 GMT
أكد اللواء محمد إبراهيم الدويري، نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن الهدنة ووقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى وعودة المهجرين إلى شمال قطاع غزة ودخول المساعدات الإنسانية وإعادة فتح معبر رفح هي كلها في الأساس نتاج لجهد مصري كبير ومتواصل، منوهاً بحرص الرئيس عبد الفتاح السيسي على متابعة كل التطورات.
وقال اللواء الدويري، في كلمته أمام ندوة "شرق أوسط متغير.. نحو بناء استراتيجية جديدة"، التي نظمها المركز المصري على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته السادسة والخمسين، إن مصر هي أول وأهم دولة تعاملت مع القضية الفلسطينية.
واعتبر أن كل من ينكر أو ينتقص من الدور المصري في القضية الفلسطينية فكأنما ينكر وجود الشمس، موضحاً أن مصر تعاملت مع القضية الفلسطينية منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا، أي على مدار أكثر من سبعة عقود، وطوال تلك السنوات الطويلة كانت القضية الفلسطينية حاضرة على رأس أولويات السياسة المصرية.
وسلط الضوء على أن مصر لم تتعامل في أي وقت من الأوقات عبر التاريخ مع القضية الفلسطينية من منطلق مصلحتها الخاصة، ولذلك تحظى باحترام وثقة الفلسطينيين.. متسائلا: "لماذا تولي مصر كل هذا الاهتمام بالقضية الفلسطينية؟"، وأجاب قائلا إن تلك القضية هي قضية أمن قومي مصري في المقام الأول.
وأشار إلى الأوضاع المشتعلة على حدود مصر من كافة الاتجاهات الاستراتيجية باستثناء الناحية الشمالية؛ بعد نجاح مصر في تحويل البحر المتوسط من منطقة صراع إلى منطقة تعاون واستثمارات، مضيفاً أن حدودنا الشرقية يتواجد بها قطاع غزة ثم إسرائيل، ويحدنا من الغرب ليبيا، ومن المنطقة الجنوبية السودان وفي الأسفل منها نجد السد الأثيوبي، مبيناً إنها كلها مناطق تؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي المصري.
وقال اللواء محمد إبراهيم الدويري إن مصر تميزت خلال تعاملها مع القضية الفلسطينية بميزة لم يتميز بها أي بلد آخر في العالم، وهي أن القاهرة تجمعها علاقات ممتدة ومتميزة مع السلطة الفلسطينية عبر كل العهود، فضلاً عن علاقاتها القوية بكافة الفصائل الفلسطينية، مؤكداً أنه لا يوجد فصيل واحد لا تربطه بمصر علاقات طيبة سواء كان فصيلا إسلاميا أو علمانيا.
واستعرض اللواء محمد إبراهيم- من منطلق عمله السابق وتكليفه بالتعامل مع الملف الفلسطيني ميدانياً- أهم المحطات الرئيسية لمصر مع القضية الفلسطينية، إذ إن مصر هي الدولة الأولى التي قامت بتدريب مختلف الأجهزة الأمنية الفلسطينية من شرطة لأمن وقائي لاستخبارات عسكرية ومخابرات عامة وكذا الحرس الرئاسي، وذلك عقب مفاوضات أوسلو .
وأكمل أن مصر شاركت كذلك بفاعلية في جميع المفاوضات الخاصة بالقضية الفلسطينية متبنية الموقف الفلسطيني بشكل كامل وثابت، علاوة على جهودها المكثفة لعقد معاهدة سلام فلسطينية إسرائيلية في مفاوضات طابا يناير ٢٠٠١ ، قائلاً:"ورغم اقتراب التوصل إلى ما يشبه السلام لم يتم ترجمة هذه الاتفاقية على الأرض".
خروج إسرائيل من غزةوذكر كذلك بالموقف المصري أثناء الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام ٢٠٠٥ حيث أشرفت مصر بالكامل على خروج إسرائيل من غزة في وقت كانت التقديرات الإسرائيلية العسكرية تتوقع هجوماً من فصائل المقاومة على الإسرائيليين إلا أن الانسحاب الإسرائيلي تحت إشراف مصر نحج بدون إطلاق طلقة واحدة، وأصبحت غزة منذ سبتمبر 2005 محررة تماماً ولم يتواجد داخل القطاع عسكري إسرائيلي واحد وذلك حتى اندلاع الحرب الأخيرة في ٢٠٢٣.
وتحدث اللواء الدويري عن إشراف مصر عام ٢٠٠٥ على الانسحاب الإسرائيلي من معبر رفح من الجانب الفلسطيني، رغم أن مصر لم تكن طرفاً في هذا الاتفاق الإسرائيلي الفلسطيني، فضلًا عن مشاركتها في افتتاح المعبر.
وسلط الضوء كذلك على جهود مصر في المصالحة الفلسطينية عقب انقلاب حماس على السلطة الفلسطينية في يوليو 2007 ، حيث إنه منذ بداية 2008 كانت مصر الدولة الوحيدة التي تحركت وقامت بتكثيف جهودها واتصالاتها طوال ثلاث سنوات ونصف متواصلة حتى حققت المصالحة في مايو ٢٠١١ ، وهو الأمر الذي توقفت عنده العديد من البلدان وذلك لنجاح مصر في هذا الملف الصعب رغم انشغالها في أحداث وتبعات ثورة يناير ٢٠١١، موضحاً في الوقت ذاته أن هذا الاتفاق لم يجد طريقه إلى النور رغم أن القاهرة عقدت أكثر من 300 لقاء فلسطيني فلسطيني وذلك بسبب غياب إرادة الطرفين في الـتوصل إلى المصالحة.
وأبرز محطة أخرى من المحطات الرئيسية والمهمة في التعامل المصري مع الملف الفلسطيني وهي "صفقة جلعاد شاليط"، هذا العسكري الذي خطفته المقاومة الفلسطينية وبدأت مصر المفاوضات عقب اختطافه بـ 24 ساعة، حيث استمرت في التفاوض لخمس سنوات ونصف، ونجحت بالنهاية في الإفراج عن 1100 أسير فلسطيني من بينهم 250 من المحكوم عليهم بالسجن المؤبد مقابل "شاليط"، مشدداً على أنه رغم محاولات دخول أطراف أخرى للوساطة إلا أن هذه الصفقة لم تكن لتستقيم بدون مصر.
واستعرض اللواء محمد إبراهيم جهود مصر خلال الحروب الست على قطاع غزة منذ حرب 2008 وصولاً إلى حرب 2023، مؤكداً أن التهدئة أو الهدنة أو وقف إطلاق النار بين الجانبين لم يكن ليتم خلال تلك الحروب بدون الدور المصري، فقد كانت الجهود المصرية هي الجهود الرئيسية في هذا الشأن.
ونوه إلى أن مصر لا تنازع أحداً في الأدوار، بل تقبل كل من يحاول أو يريد المساعدة معها بإيجابية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية .
ثلاثة محاور رئيسيةوذكر بأن مصر تحركت على ثلاثة محاور رئيسية خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة واندلعت عقب أحداث السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ ، حيث قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بإجراء اتصالات مكثفة مع مختلف قادة دول العالم، وعقد بعد نحو أسبوعين من الحرب "مؤتمر القاهرة الدولي للسلام" في العاصمة الإدارية الجديدة بحضور 34 رئيس دولة، وعرض خلاله رؤية شاملة ليس فقط لحل الأزمة في غزة ولكن لحل القضية الفلسطينية بشكل عام، علاوة على الموقف الثابت الراسخ الرافض لتصفية القضية الفلسطينية ولتهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر.
وأبرز في هذا السياق أن إعادة طرح مخطط تهجير الفلسطينيين قد لاقى رفضاً مصرياً كبيراً ، وعلى جميع المستويات سواء الرسمية عبر وزارة الخارجية أو من مجلس النواب، وكذلك من باحثين و إعلاميين والمهتمين بالشأن الفلسطيني وجميعها مواقف واحدة راسخة رافضة لهذا المخطط.
وأكد أن اتفاق الهدنة الحالي تم تأسيسه على المقترحات التي قدمتها مصر في ديسمبر ٢٠٢٣ ، إذ كانت الدولة الأولى التى تطرح مقترحات تفصيلية بمراحل ثلاث لحل أزمة غزة من كافة جوانبها.
واختتم اللواء محمد إبراهيم كلمته أمام الندوة بالتأكيد على أن الفترة القادمة في حاجة إلى تأمين سيناء وتنفيذ اتفاق هدنة غزة بدقة وإعادة تثبيت الخطوط الحمراء وخاصة المتعلقة بمخطط التهجير، بجانب ضرورة قيام مصر بقيادة عملية سياسية تفضى إلى قيام الدولة الفلسطينية، محذراً من أنه بدون قيام الدولة الفلسطينية المستقلة لن تنعم المنطقة بالسلام والاستقرار.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الهدنة غزة وقف إطلاق النار تبادل الأسرى اللواء محمد إبراهيم الدويري عودة المهجرين مع القضیة الفلسطینیة اللواء محمد إبراهیم قطاع غزة فی هذا أن مصر مصر فی
إقرأ أيضاً:
موسكو وكييف تعلنان تبادل دفعة جديدة من الأسرى .. و14 جريحا بغارات ليلية على خاركيف
عواصم "وكالات": أعلنت روسيا وأوكرانيا اليوم أنهما تبادلتا دفعة جديدة من أسرى الحرب، في ثالث عملية من هذا النوع تجري هذا الأسبوع في إطار اتفاق تم التوصل إليه أثناء محادثات للسلام عقدت في تركيا.
واتفق الطرفان في اسطنبول الأسبوع الماضي على إطلاق كل طرف سراح أكثر من ألف أسير، جميعهم جرحى أو دون الخامسة والعشرين، وإعادة جثث مقاتلين قضوا في الحرب.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عبر تلغرام "اليوم، يعود جنود من القوات المسلحة والحرس الوطني وحرس الحدود إلى ديارهم".
وأضاف "جميعهم بحاجة إلى العلاج الطبي" إذ أنهم "أصيبوا بجروح خطرة أو يعانون من المرض الشديد".
وقال الجيش الروسي من جانبه "أُعيدت مجموعة من العسكريين الروس" من أوكرانيا.
وبات الجنود الروس الذين تمّت مبادلتهم حاليا في بيلاروس، حليفة موسكو.
وقال زيلينسكي "نواصل العمل لإعادة الجميع من الأسر الروسي. نشكر كل من ساعد في جعل عمليات التبادل هذه أمرا ممكنا ليكون بإمكان كل منهم العودة إلى وطنهم أوكرانيا".
ونشر صورا للجنود الأوكرانيين الذين وضعوا على أكتافهم الأعلام الوطنية.
وقال أمين المظالم الأوكراني دميترو لوبينتس إن الجندي الأكبر سنا الذي أُفرج عنه الخميس يبلغ من العمر 59 عاما بينما الأصغر سنا 22 عاما. ومن بين هؤلاء أشخاص اعتُقد بأنهم "فقدوا أثناء أداء مهامهم".
وأما وسائل الإعلام الروسية الرسمية، فأظهرت الجنود الروس بالبزات العسكرية وهم يهتفون "روسيا، روسيا".
وتعد عمليات تبادل الأسرى النتيجة الملموسة الوحيدة لجولتي محادثات السلام اللتين عقدتا في اسطنبول ورفضت خلالهما روسيا الدعوات إلى وقف غير مشروط لإطلاق النار وطالبت أوكرانيا بالتخلي عن أجزاء كبيرة من أراضيها ومسعاها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.
وتمّت أول مرحلتين للتبادل الاثنين والثلاثاء فيما أعادت روسيا الأربعاء جثث 1212 جنديا أوكرانيا قتلوا في معارك منذ بدء الغزو الروسي.
جرح 14
أدت ضربات ليلية جديدة نفذتها روسيا بطائرات مسيّرة إلى جرح 14 شخصا بينهم أربعة قاصرين، في مدينة خاركيف في شمال شرق أوكرانيا التي تتعرض لغارات جوية شبه يومية.
وأعلنت أجهزة الطوارئ هذه الحصيلة الخميس في رسالة عبر تلغرام، فيما أكد حاكم المنطقة أوليغ سينيغوبوف أن طفلا يبلغ عامين وثلاث مراهقات من بين المصابين.
وقال رئيس البلدية إيغور تيريخوف، إن الهجمات وقعت بين الساعة 1,37 و3,08 صباحا، وتسبّبت بحرائق في مبان سكنية وتعليمية.
وأضاف أن حطاما سقط "بالقرب من ملاعب" للأطفال.
وليل الثلاثاء الأربعاء كانت ضربات روسية أسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص وجرح نحو ستين آخرين في خاركيف التي كانت تضم قبل بدء الحرب في العام 2022 نحو 1,5 مليون نسمة.
وفي الأيام الأخيرة، كثفت روسيا غاراتها الجوية في أوكرانيا.
وتعثرت محادثات السلام الأخيرة بين موسكو وكييف، مع تمسك الجانبين بمواقف متباينة.
ورفضت موسكو هدنة "غير مشروطة" سعت إليها كييف مع الأوروبيين، فيما رفضت أوكرانيا مطالب روسيا ووصفتها بأنها بمثابة "إملاءات".
إعادة التسليح
دعا الرئيس التشيكي بيتر بافل الولايات المتحدة لمنح أوروبا المزيد من الوقت لإعادة التسليح وأهداف واقعية للاعتناء بأمن القارة واحتواء روسيا العدوانية على نحو متزايد.
وقال بافل إن الدول الأوروبية لا يمكنها ضمان سلام دائم في أوكرانيا بدون مساعدة أمريكية وإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب محق في المطالبة بزيادة الإنفاق الدفاعي بشكل كبير.
وأضاف بافل في مقابلة مع تلفزيون بلومبرج في مكتبه في براغ أن المسألة سوف تستغرق سنوات لاستبدال بعض وسائل الحماية التي توفرها واشنطن الآن.
وقال "سوف تحاول الولايات المتحدة ممارسة الضغط على الأوروبيين لفعل ذلك بشكل أسرع".
ويمثل بافل جمهورية التشيك في قمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) التي تعقد في 24 إلى 25 يونيو في لاهاي.
وتأتي دعوة بافل قبل أسبوعين من التوقعات بموافقة قادة الناتو على إنفاق 5 % على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع وهو ما سيكون بمثابة الفوز لترامب الذي دفع أوروبا منذ فترة طويلة إلى زيادة الاستثمار في أمنها.
فشل الجولة الأخيرة
لم يكن فشل الجولة الأخيرة من محادثات السلام بين أوكرانيا وروسيا في مدينة اسطنبول التركية في تقريب وجهات النظر بين الجانبين مفاجئا مفاجئا. فقد تمسك الطرفان بمطالبهما القصوى، مع إبداء أقل قدر من المرونة. ففي حين لا تزال أوكرانيا تطالب بوقف إطلاق النار تمهيدا لمفاوضات السلام، تصر روسيا على ضرورة حل الأسباب الجذرية للصراع قبل تطبيق وقف إطلاق النار.
وفي تحليل نشرته مجلة ناشونال إنترست الأمريكية يقول توماس جراهام الباحث الزميل في مجلس العلاقات الخارجية وأحد كبار مسؤولي إدارة روسيا في مجلس الأمن القومي الأمريكي سابقا، إنه رغم صعوبة الموقف مازال هناك أمل في تحقيق السلام، مشيرا إلى ضرورة اتخاذ 4 خطوات للوصول إلى هذا الهدف.
ويرى جراهام المسؤول في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش أن الخطوة الأولى نحو السلام، تتمثل في إجراء مفاوضات سرية جادة بدلا من المحادثات العلنية التي أجريت في اسطنبول، حيث لا يمكن التوصل إلى تنازلات حساسة تتيح الوصول إلى اتفاق إلا في السر. هذا لا يعني أنه لا مكان للمحادثات العلنية، وإنما يمكن أن تستمر في مسار مواز لتحقيق نتائج إيجابية في مسارات أخرى أقل حساسية كما نجحت محادثات إسطنبول في التوصل إلى اتفاق بشأن تبادل الأسرى، والأهم من ذلك، أنها قد توفر غطاء للمحادثات السرية من خلال جذب انتباه وسائل الإعلام بعيدا عن المفاوضات السرية.
الخطوة الثانية هي دمج محادثات السلام ضمن مناقشات قضايا الأمن الأوروبي والاستقرار الاستراتيجي. فالحرب ليست سوى جانب واحد من صراع روسيا الأوسع نطاقا مع الغرب. ويستحيل تحقيق تقدم ملموس نحو إنهاء الحرب دون محادثات موازية حول هذه القضايا ذات الأهمية الاستراتيجية لموسكو.
لذلك يحتاج الأمر إلى تشكيل مجموعات مختلفة من الدول المعنية للتعامل مع الجوانب المنفصلة لهذه القضايا. فبوضوح كامل لا معنى لمناقشات قضايا الأمن الأوروبي دون مشاركة أوروبا. في الوقت نفسه فإن محادثات الاستقرار الاستراتيجي ستضم روسيا والولايات المتحدة بشكل مباشر، في حين ستكون روسيا وأوكرانيا المحاورين الرئيسيين في قضايا أضيق نطاقا، مثل تبادل الأسرى. بينهما
أما الخطوة الثالثة فتترتب على الخطوة الثانية، وتتمثل في انخراط إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل فعال في الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تحقيق السلام. فالقيادة الأمريكية ستكون مطالبة بتنسيق المحادثات حول الحرب، والأمن الأوروبي، والاستقرار الاستراتيجي، على الأقل لكونها طرفا محوريا في هذه القضايا الثلاث.
وبفضل نفوذها القوي على طرفي الحرب، تمتلك واشنطن مفاتيح وقف إطلاق نار دائم وسلام مستقبلي. فكييف بحاجة ماسة إلى دعمها المعنوي والمادي المستمر؛ في حين ترى موسكو أن تطبيع العلاقات مع القوة العالمية الأبرز أمر بالغ الأهمية لترسيخ مكانة روسيا كقوة عظمى. كما أن الولايات المتحدة، إلى جانب روسيا، هي الدولة القادرة على تغيير شروط الأمن الأوروبي من جانب واحد.
علاوة على ذلك، تعد روسيا إحدى القوتين النوويتين العظيميين اللتين تحددان معالم الاستقرار الاستراتيجي ليس في أوروبا فقط وإنما على مستوى العالم.
وتتمثل مهمة واشنطن الملحة لإنهاء الحرب، في وضع اتفاقية إطارية، ومجموعة من المبادئ والمعايير الخاصة بوقف إطلاق النار والتسوية الدائمة بهدف تضييق الفجوة بين مواقف روسيا وأوكرانيا. وتعتبر ضمانات الأمن لكل من موسكو وكييف والتعامل مع الأراضي المتنازع عليها بينهما القضايا الأشد صعوبة التي يجب التعامل معها.
والحقيقة هي أن وجود الولايات المتحدة كضامن أساسي للأمن الأوروبي منذ الحرب العالمية الثانية، كان السبب الرئيسي لاستدامة أمن أوروبا حتى الآن. لذلك فالضمانات الأمنية الأمريكية وحدها قادرة على التوفيق بين الطرفين للوصول إلى تسوية مقبولة من الجانبين حتى إذا لم تكن تلبي أقصى مطالب كل طرف.
الخطوة الأخيرة تتمثل في ضرورة استمرار الدعم الأمريكي الكامل لأوكرانيا وبخاصة الدعم العسكري. فمن المهم إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوين بأن الصراع لن ينتهي بانتصاره في أرض المعركة واستسلام أوكرانيا، وإنما من خلال تسوية تفاوضية يتخلى فيها كل طرف عن أهدافه القصوى لصالح الحصول على مطالبه الضرورية بشأن الأمن. لذلك فإن تحرك إدارة ترامب لتوفير تمويل إضافي جديد لدعم أوكرانيا من شأنه أن يساهم بشكل كبير في تهيئة الأجواء لنجاح المحادثات، بغض النظر عن مدى حدة انتقاد الكرملين لمثل هذه الخطوة علنا.
أخيرا، يقول توماس جراهام إنه حتى إذا تم تنفيذ هذه الخطوات الأربع، سيظل الطريق نحو السلام طويلا وشاقا. فالوصول إلى الحلول الوسط والتنازلات المتبادلة الضرورية لن يكون سهلا. فأي تسوية لن تسفر عن النصر الواضح الذي تأمله أوروبا وأوكرانيا. ففي نهاية المطاف لن يخسر المعتدي كل المكاسب التي حققها. ولن يتم ضبط وإحضار بوتين أمام المحكمة الجنائبة الدولية لمحاكمته كمجرم حرب. ولن تدفع روسيا تعويضات عن كل الأضرار والخسائر التي تسببت فيها الحرب.
وبدلا من ذلك ستضطر الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون وأوكرانيا لإيجاد طريقة للتعايش مع روسيا، لآن السلام يجب أن يكون هو الأولوية لجميع الأطراف من أجل حماية الأرواح وتجنب المزيد من الدمار، أما العدالة فيمكن تحقيقها بطريقة تراكمية عبر الزمن كما حدث أثناء الحرب الباردة.