بعد أن نجحت الصين خلال العقدين الماضيين في تعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي على مستوى العالم وبخاصة في دول الجنوب، تتحدث دوائر صناعة القرار والفكر الاستراتيجي الأمريكي عن ضرورة إيجاد السبل المناسبة لمواجهة هذا التحدي.

ويعترف الأمريكيون بصعوبة مواجهة نفوذ الصين في الدول النامية بعد أن أصبحت أكبر شريك تجاري لدول العالم، من ناحية وإطلاقها للعديد من المبادرات متعددة الأطراف التي تعزز هذا النفوذ مثل تجمع بريكس بلس ومبادرة الحزام والطريق.

وفي تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية يقول الجنرال تيموثي راي الريس التنفيذي لمؤسسة "رؤساء  تنفيذيون من أجل الأمن القومي"  ورامون ماركس  المحامي الدولي المتقاعد ونائب رئيس "رؤساء تنفيذيون من أجل الأمن القومي" إنه على عكس الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية أثناء الحرب الباردة، فإن الصين اندمجت تماماً في اقتصاد السوق العالمي، وهو ما يجعلها منافساً قوياً للولايات المتحدة والديمقراطيات الغربية، في إطار نظام عالمي متغير، حيث تلعب فيه الاعتبارات الاقتصادية نفس الدور المهم الذي تلعبه الاعتبارات السياسية والاقتصادية  التقليدية.  

الديمقراطية الغربية ومواجهة الصين

وخلال السنوات القليلة الماضية، بدأت واشنطن أخيراً إدراك هذه الحقيقة الجديدة، وأدركت أن القوة العسكرية الصلبة والسياسية لم تعد كافية لحماية نظام السوق الحرة العالمي أو دعم القيم الديمقراطية.

ويؤكد المحللان الأمريكيان أن الديمقراطيات الغربية الآن غير مستعدة بالشكل المناسب للتعامل مع المكانة الصاعدة للصين في الجنوب العالمي.

وعلى عكس الحال بالنسبة للحزب الشيوعي الصيني الحاكم،  لا تستطيع واشنطن توجيه الشركات الأمريكية نحو الاستثمار في دولة محددة لمنافسة الصين فيها. كما أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستعطي الأولوية للعلاقات الاقتصادية الثنائية مع دول العالم، على حساب الاتفاقيات التجارية المتعددة الأطراف. ولكي تستفيد الولايات المتحدة من النهج الثنائي في التعامل الاقتصادي مع دول العالم، في مواجهة المنافسة الصينية، عليها الاستفادة بشكل أفضل من القطاعات التي تتمتع فيها بمزايا نسبية.

ويعتبر قطاع الطاقة القطاع الأمثل الذي يمكن لواشنطن الاستفادة من مزاياها النسبية فيه للفوز في سباق النفوذ مع الصين.

فالولايات المتحدة هي أكبر منتج للوقود الأحفوري بما في ذلك الغاز الطبيعي في العالم. وحتى مع الزيادة المستمرة لإنتاج العالم من الطاقة المتجددة، فإن الطلب على الوقود الأحفوري سيواصل النمو، مع استمرار دوره في تلبية الطلب العالمي على الطاقة.

 ويعتبر الغاز الطبيعي بديلاً أنظف من النفط أو الفحم. في الوقت نفسه تمتلك الولايات المتحدة موارد ضخمة منه، وتعتبر أكبر منتج له في العالم. وعلى واشنطن الاستفادة من هذه الثروة لمساعدة دول عالم الجنوب في تقليص اعتمادها على النفط والفحم الأكثر تلويثاً للهواء في إنتاج الكهرباء.

#China’s #DeepSeek #AI should be a ‘wakeup call’ for the #US, says #DonaldTrump | https://t.co/RAZ2i14Dfx pic.twitter.com/QD1U0d9eBE

— Economic Times (@EconomicTimes) January 28, 2025 تطوير الطاقة في الفلبين وفيتنام

وفي منطقة المحيط الهادئ، هناك دولتان واعدتان مرشحتان لكي تطور الولايات المتحدة معهما برنامجاً ثنائياً للطاقة النظيفة وهما الفلبين وفيتنام.

فموارد الفلبين من النفط والغاز محدودة،  وتعتمد على الوقود الأحفوري المستورد بدرجة كبيرة. وتعتبر محطات التوليد التي تستخدم الفحم المحلي بعد النفط المصدر الرئيسي والمتنامي للكهرباء. كما تعتبر أسعار الكهرباء في الفلبين من بين أعلى أسعارها في جنوب شرق آسيا. في الوقت نفسه، فإن مواردها المحلية من الغاز الطبيعي محدودة وتقتصر على حقل مالامبايا  المتوقع نفاد احتياطياته بحلول 2027، لذلك بدأت تطور قدراتها في مجال استيراد الغاز المسال حيث نطور بالفعل أربعة مشروعات لاستقبال شحناته.

أما فيتنام فتعتمد على الوقود الأحفوري لإنتاج 80% من احتياجاتها من الكهرباء. ورغم أنها تنتج كميات من النفط والغاز، يسيطر الفحم على إنتاج الكهرباء في البلاد، حيث يمثل حوالي 60% من إنتاجها حتى أبريل(نيسان) 2024 كما تعمل فيتنام بجد لتنمية قدراتها في مجال استيراد الغاز الطبيعي المسال، حيث أقامت محطتين لاستقباله.

في الوقت نفسه تحتل الصين مكانة كبيرة بالنسبة للفلبين وفيتنام. فهي أكبر شريك تجاري للفلبين من حيث الواردات، في حين تعاني الولايات المتحدة باستمرار من عجز تجاري مع الفلبين. أما بالنسبة لفيتنام، فإن الصين هي أيضاً أكبر شريك تجاري إجمالي للبلاد بفارق كبير، فضلاً عن كونها المصدر الرئيسي للاستثمار الأجنبي المباشر لديها، في حين بلغ العجز التجاري للولايات المتحدة مع فيتنام مستويات مرتفعة جديدة خلال العام الماضي.

لذلك على واشنطن التفكير في تطوير استراتيجية للتجارة والمساعدات الخارجية لتزويد الفلبين وفيتنام وغيرهما من بلدان الجنوب العالمي بالغاز الطبيعي المسال الأكثر نظافة بيئياً بموجب سلسلة من الاتفاقيات الثنائية. وقد تشمل هذه الصفقات أيضاً إلزام تلك الدول بخفض استخدام الفحم في إنتاج الكهرباء. ولتعزيز هذه العملية بشكل أكبر، يمكن لواشنطن بيع الغاز المسال الذي تشتريه من المنتجين الأمريكيين إلى تلك الدول بأسعار أقل من سعر السوق، وهو ما لا يمكن للصين أن تنافس الولايات المتحدة فيه.

 كما  ينبغي على واشنطن بحث تمويل وبيع المفاعلات النووية المعيارية الأصغر حجماً لإنتاج الكهرباء في تلك  الدول، خاصة أنه في أوائل عام 2023، صادقت هيئة تنظيم الطاقة النووية على أول تصميم للمفاعل النووي المعياري للاستخدام في الولايات المتحدة. ويمكن لهذا المفاعل أن يولد خمسين ميجاوات من الكهرباء الخالية من الانبعاثات.

وكذلك يتعين على واشنطن أن تطور نهجاً سياسياً جديداً لمواجهة النفوذ المتزايد للصين باعتبارها الشريك التجاري الأول لدول العالم.  فواشنطن لا تملك رفاهية خسارة مثل هذا السباق أمام بكين.  ويمكن لبرامج مثل  تصدير الغاز الطبيعي المسال والمفاعلات النووية الصغيرة أن تتيح للولايات المتحدة أدوات فعالة لمنافسة الصين تجارياً، ليس فقط في الفلبين وفيتنام ولكن أيضا مع عالم الجنوب بأكمله.

China now controls much of the Panama Canal including 2 of the 5 main ports, bridges over it, and the telecom services for much of the Canal zone. It would not take much for China to cripple the Canal and US trade along with it. Trump CANNOT let this continue. pic.twitter.com/pyAMZjQICo

— Glenn Beck (@glennbeck) January 23, 2025

وأخيراً تحتاج واشنطن لمزيد من الدعم الاستراتيجي للقطاع الخاص الأمريكي في المجالات التي يمكن أن تساعد فيها المزايا النسبية الأمريكية في بناء علاقات تجارية ثنائية أوثق لمواجهة النفوذ المتزايد للصين في ذلك الجزء من العالم، حيث يكون الغاز الطبيعي المسال والمفاعلات النووية الصغيرة الأمريكية  أوراقاً مهمة في يد الولايات المتحدة لتعزيز علاقاتها مع تلك الدول من ناحية، والحد من النفوذ الصيني من ناحية أخرى.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: عام المجتمع اتفاق غزة سقوط الأسد عودة ترامب إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الصين أمريكا الغاز الطبیعی المسال الولایات المتحدة دول العالم على واشنطن

إقرأ أيضاً:

بدعم من دولة قطر.. بدء تدفق الغاز الطبيعي من أذربيجان إلى سوريا عبر تركيا

أعلنت دولة قطر، ممثلة في صندوق قطر للتنمية، عن افتتاح خط أنبوب الغاز الطبيعي بين تركيا وسوريا، وذلك بالتعاون بين دولة قطر وأذربيجان وسوريا وتركيا.

وأوضح صندوق قطر للتنمية، في بيان له اليوم، أن إمدادات الغاز الطبيعي بدأت في التدفق من أذربيجان إلى سوريا مرورا بتركيا، وهو ما يمثل خطوة مفصلية في مسار التضامن الإقليمي وتعزيز الروابط بين الدول الشقيقة.

وأضاف البيان أن المشروع تم تنفيذه في وقت قياسي، ليشكل خطوة حيوية في دعم عملية إعادة الإعمار والاستقرار في سوريا، التي بدأت عقب التطورات التاريخية في ديسمبر 2024، مشيرا إلى أن الخط المرمم يصل بين مدينة كيليس في تركيا ومدينة حلب في سوريا، وتبلغ طاقته اليومية لنقل الغاز ما يصل إلى 6 ملايين متر مكعب.

يأتي ذلك في إطار جهود دولة قطر والتزامها بدعم تعافي واستقرار سوريا، من خلال صندوق قطر للتنمية، وذلك عبر دعم إنتاج الكهرباء من خلال هذه المبادرة، حيث سيسهم بدء تدفق الغاز الطبيعي إلى محطة كهرباء حلب بشكل كبير في تعزيز إمدادات الكهرباء في سوريا.

وتحمل هذه المبادرة أثرا إنسانيا عميقا، إذ تسهم مباشرة في إنعاش الاقتصاد السوري وتحسين الظروف المعيشية للسكان، كما تؤكد عزم الدول الأطراف على تعزيز السلام والاستقرار والازدهار في المنطقة والتزامها ببناء مستقبل يسود فيه التعاون، ما يجعل شعوب المنطقة تنعم بالأمن والتنمية والثقة المتبادلة.

مقالات مشابهة

  • بدعم من دولة قطر.. بدء تدفق الغاز الطبيعي من أذربيجان إلى سوريا عبر تركيا
  • أذربيجان تبدأ ضخ الغاز الطبيعي إلى سوريا عبر تركيا
  • محافظ كفر الشيخ يتفقد أعمال إصلاح خط الغاز الطبيعي .. صور
  • وزير الطاقة التركي: يمكن تصدير ما يصل إلى 2 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي لسوريا سنوياً وهذه الكمية ستلبي احتياجات 5 ملايين أسرة من الكهرباء
  • واشنطن تصعّد حربها على القاعدة في اليمن.. مكافآت ضخمة لوقف تمدد التنظيم
  • من بينها التعويض..إيران تضع شرطين لاستئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة
  • طهران تطالب واشنطن بالتعويض قبل استئناف المحادثات النووية
  • الولايات المتحدة تدرس إصدار تحذير سفر إلى الصين بسبب تفشي حمى شيكونغونيا
  • كيف تستعد الصين لمعركة الذكاء الاصطناعي مع الولايات المتحدة؟
  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: الغاز الطبيعي الأذربيجاني سيؤدي دوراً استراتيجياً في رفع القدرات الإنتاجية من الكهرباء في سوريا بما يبشر بمزيد من الانتعاش الاقتصادي