أنقرة- بعد عقود من المواجهة والصراع، أعلن عبد الله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني، في بيان نقله حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب التركي الداعم للأكراد، دعوته إلى حل الحزب وإلقاء السلاح، في خطوة وُصِفت بـ"التاريخية".

ويثير الإعلان الذي يأتي بعد صراع ممتد بين الحزب والدولة التركية، تساؤلات حول دلالاته ومدى تأثيره على المشهد السياسي والأمني في البلاد.

وجاء البيان في ظل تغيرات سياسية لافتة، أبرزها دعوة دولت بهتشلي، زعيم حزب الحركة القومية، إلى منح أوجلان مساحة جديدة في النقاش حول مستقبل القضية الكردية.

ومع ذلك، يبقى موقف الدولة التركية والقوى السياسية الفاعلة العامل الحاسم في تحديد ما إذا كان هذا الإعلان يشكل تحولا جذريا، أم إنه مجرد خطوة ضمن سياق أوسع لم تتضح معالمه بعد.

#عاجل | حزب الديمقراطية والمساواة التركي يلقي رسالة من زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان
بيان عبد الله أوجلان:
– أوجه الدعوة لكل الجماعات لإلقاء السلاح وأتحمل المسؤولية التاريخية عن ذلك
– أدعو حزب العمال الكردستاني إلى عقد مؤتمر عام واتخاذ القرار بحل نفسه pic.twitter.com/n5vGeGvI97

— قناة الجزيرة (@AJArabic) February 27, 2025

نهاية "الإرهاب"

وفي بيان صدر أمس الخميس، أعلن وفد من حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب -ثالث أكبر كتلة برلمانية- عن دعوة أوجلان إلى حل حزب العمال الكردستاني والتخلي عن العمل المسلح، مشددا على أن المرحلة المقبلة يجب أن تعتمد على الحوار السياسي.

إعلان

وجاء الإعلان خلال مؤتمر صحفي عُقد في إسطنبول وسط حضور إعلامي واهتمام شعبي ودولي واسع، فيما أكد الوفد أن جميع الجماعات المسلحة مطالبة بإنهاء أنشطتها، واصفا ذلك بأنه تحول مفصلي في مسار القضية الكردية في تركيا.

وفي تصريح للجزيرة نت، أكد حسن جراح أوغلو، رئيس فرع الشباب في حزب العدالة والتنمية بإسطنبول، أن بيان أوجلان يعكس انتهاء دور العمال الكردستاني، مؤكدا أنه لم يعد له مكان في المشهد السياسي والأمني، ويجب حله دون تأخير.

وأضاف أن الحزب، الذي كان مصدرا لعدم الاستقرار والإرهاب لعقود، استنفد دوره بالكامل، معتبرا أن هذا البيان يمثل إعلانا صريحا لنهاية الإرهاب في تركيا، وخطوة نحو القضاء عليه نهائيا.

وأشار جراح أوغلو إلى أن الرئيس رجب طيب أردوغان سيُذكر في التاريخ كالقائد الذي أنهى الإرهاب في البلاد، مشددا على أن حكومة حزب العدالة والتنمية ثابتة في موقفها الحاسم لاجتثاث الإرهاب من جذوره.

واعتبر أن المرحلة المقبلة ستفتح صفحة جديدة تعزز أمن تركيا واستقرارها، معربا عن ثقته في أن البلاد تتجه نحو مستقبل أكثر أمنا وازدهارا.

إنهاء النزاع

من جهته، أكد أحمد تشيشيك، عضو حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، أن الحزب يرحب بدعوة عبد الله أوجلان لحل حزب العمال الكردستاني وإلقاء السلاح، وأضاف "قطعنا شوطا مهما في هذا الملف، لكن التحدي الأكبر لا يزال في آلية تنفيذ هذه الدعوة وتحويلها إلى واقع ملموس".

وأوضح تشيشيك، في حديث للجزيرة نت، أن هذه الخطوة تمثل إشارة إيجابية في مسار إنهاء النزاع، لكنها تبقى مرهونة بمدى التزام الأجنحة المختلفة داخل الحزب بتنفيذها. ودعا الحكومة والمعارضة وكافة القوى السياسية إلى تبني موقف داعم لهذه المبادرة، والمساهمة في إنجاح مسار الحل السلمي.

وكان عبد الله أوجلان شدد في البيان على أن إلقاء السلاح مسؤولية جماعية، مؤكدا أنه يتحمل "المسؤولية التاريخية" عن هذه الدعوة. وأضاف "لا سبيل سوى الديمقراطية والحوار الديمقراطي، ولا بقاء للجمهورية إلا بالديمقراطية الأخوية"، في إشارة إلى ضرورة إنهاء النزاع عبر الحلول السياسية.

إعلان مستقبل غامض

يقول الباحث في الشأن التركي علي أسمر إن عبد الله أوجلان، رغم كونه القائد المؤسس لحزب العمال الكردستاني، فإنه فقد نفوذه الفعلي داخل التنظيم منذ اعتقاله عام 1999، حيث باتت القرارات الحاسمة، مثل استمرار القتال أو وقفه، بيد القيادة العسكرية في جبال قنديل على الحدود التركية العراقية الإيرانية، التي تتمسك بالصراع المسلح.

وبرأيه، فإن تجارب سابقة أظهرت أن دعوات أوجلان لوقف إطلاق النار لم تُنفّذ بالكامل، ما يثير الشكوك حول مدى التزام الحزب ببيانه الأخير. كما أن وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، والتي باتت تمتلك مشروعا سياسيا مستقلا عن حزب العمال الكردستاني داخل تركيا، قد تكون أقل التزاما بتوجيهات أوجلان، على حد تعبيره.

ويضيف أسمر، للجزيرة نت، أن هناك عناصر داخل الحزب ترتبط بعلاقات وثيقة مع إيران، وتستخدم النزاع الكردي كأداة ضغط في الصراعات الإقليمية، وهو ما قد يجعلها غير معنية بإنهاء القتال.

ويرى أن إعلان حل الحزب قد يُنظر إليه كإنجاز سياسي كبير لأنقرة، لكنه لا يعني بالضرورة تفكيك بنيته التنظيمية بالكامل، "إذ قد تستمر بعض الفصائل في تنفيذ عمليات مسلحة بطرق مختلفة، سواء عبر خلايا نائمة أو من خلال جماعات جديدة تحمل أسماء مغايرة"، حسب كلامه.

وعن مصير الصراع فهو مرتبط، وفق أسمر، بموقف الفصائل داخل الحزب، فإذا التزمت الأجنحة بحل الحزب، فقد يكون ذلك بداية لإنهاء النزاع وإدماج بعض الفصائل سياسيا، أما إذا رفضت الفصائل المتشددة، فقد يؤدي ذلك إلى انشقاقات واستمرار القتال، خاصة في المناطق الحدودية مع سوريا والعراق.

أنصار حزب المساواة والديمقراطية للشعوب التركي يتجمعون في ديار بكر لمشاهدة مؤتمر صحفي لوفد الحزب بعد زيارته عبد الله أوجلان (الأوروبية) فرصة تاريخية

بدوره، اعتبر الباحث المتخصص في الشؤون التركية محمود علوش أن دعوة عبد الله أوجلان تمثل فرصة كبيرة لإنهاء الصراع، لا سيما أنها تحظى بدعم حلفاء أردوغان القوميين، الذين كانوا يُعتبرون سابقا عقبة أمام إعادة إحياء جهود السلام.

إعلان

ويرى علوش أن أوجلان لا يزال شخصية مؤثرة في الحالة الكردية، لكن القرار الفعلي داخل الحزب بات بيد قيادة قنديل، التي تتبنى نهجا راديكاليا وترى أن مبادرة الحل ليست سوى مناورة سياسية من جانب أنقرة لتحقيق مكاسب داخلية، والضغط على الفصائل الكردية في سوريا.

ويشير -في حديثه مع الجزيرة نت- إلى أن التحولات الإقليمية، لا سيما التطورات في سوريا، تقلّص هوامش المناورة أمام حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية.

ويختم علوش أن نجاح هذه الدعوة سيكون له انعكاسات إيجابية على المشهد السياسي الكردي داخل تركيا، لكنه يبقى رهينا بقدرة أوجلان على التأثير في قرارات قيادة الحزب واستفادة جميع الأطراف من تجارب المفاوضات السابقة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات حزب الدیمقراطیة والمساواة حزب العمال الکردستانی عبد الله أوجلان داخل الحزب

إقرأ أيضاً:

موقف الشعب المصري من الصراع بين إيران وإسرائيل

د. عبدالله الأشعل

الشعب المصري يكره إسرائيل جينيا، ويشجع كل من ينال منها، وفي ذات الوقت أيّد الكثير من المصريين إيران في حربها الأخيرة مع إسرائيل، وهذه ظاهرة تحتاج إلى تفسير.

ويلاحظ القارئ أننا نخص بالذكر الشعب المصري الذي أثبت أنَّ له اتجاهات ويعبِّر عنها بحرية وليس بالضرورة أن ترضى الحكومة عن هذه الاتجاهات، إذ تبادل الشعب التهاني بتدمير تل أبيب، ربما لسببين، السبب الأول: إن هذه الحالة عادت به إلى سنوات الصراع مع إسرائيل، وهو يحب ذلك، وكان آخر احتكاك عسكري بين مصر وإسرائيل هو حرب التحرير في السادس من أكتوبر عام 1973.

ولم يقتنع الشعب المصري بقصة السلام مع إسرائيل، وهو يدرك أن إسرائيل لا تحترم المعاهدات الدولية، ولا تحترم القانون الدولي، وإنما تحترم القوة، وكان يود الشعب أن يدخل الجيش المصري تل أبيب ويدمرها تدميرا كاملا، ولكنّ هناك قيودا للحروب النظامية بين إسرائيل والدول العربية، ولمَّا قامت إيران بتدمير تل أبيب فرح المصريون تعويضًا عن دخول جيشهم للقيام بهذه المهمة.

السبب الثاني: إن الشعب المصري يكره إسرائيل جينيًا ربما متأثر بصورة اليهود في القرآن الكريم، وقليل من المصريين يدركون الفرق بين اليهودية والصهيونية، علمًا بأن ثقافة المصريين في العصر الناصري كانت تركز على هذا التمييز، فاليهودية شريعة، أما الصهيونية فهي برنامج سياسي يهدف إلى تدمير العروبة وأولها مصر.

وقد لوحظ أن فرح الشعب المصري بتدمير إيران لتل أبيب يفهم منه أن هذا الشعب استشعر الخطر من إسرائيل وعادت به الأيام إلى يوسف وموسى وهما من أنبياء الله، ولكن بني إسرائيل أساؤوا كثيرا إلى المصريين وتآمروا ضدهم مع الهكسوس، ولذلك يميز المصريون بين موسى النبي وبين بني إسرائيل، وبعض المصريين يؤيدون عن غير بصيرة موقف فرعون مصر وصدقوا دعاية فرعون ضد موسى وقد فندت هذه النقطة في كتاباتي حول هذا الموضوع.

من ناحية أخرى، فإن موقف الشعب المصري من إيران موزع ومشتت للأسباب الآتية:

أولًا: جهل معظم الشعب بقصة الشيعة والسنة، وثانيًا: تأثر معظم الشعب المصري بالدعايات المضادة للشيعة، لدرجة أن عامته يساوون بين الشيعي والشيوعي، وذلك تأثرًا بالدعوة السلفية والجماعات الإسلامية عموما التي كان بعضها يكفر الشيعة، ولم تفطن هذه الجماعات إلى المؤامرة الكبرى على المسلمين وهي فتنة  الشيعة والسنة.

ثالثًا: إن معظم المصريين يربطون بين الشيعة والحسين وآل البيت عمومًا، وكرَّس هذا الاعتقاد الحكم الفاطمي الذي استمر ثلاثة قرون بمصر، وأنشأ الفاطميون الأزهر الشريف سنة 969م والمصريون عموما يجلون الأزهر الشريف.

رابعًا: إن بعض المصريين الذين خدموا في الخليج يخلطون بين بعض الأفكار السلبية وبين الشيعة، وبالنسبة للمصريين بالذات فإنهم تابعوا قيام الثورة الإسلامية في إيران في فبراير 1979، وتمنوا أن تنتصر هذه الثورة بتوجهاتها السياسية المناهضة لإسرائيل والولايات المتحدة، أملا أن تكون إضافة للعالم الإسلامي، وفي ذات الوقت هناك بعض المصريين لا يؤيدون توجه السادات المعادب لهذه الثورة، فقبل الثورة كان شاه إيران صديقًا لإسرائيل، وكان جمال عبدالناصر عدوا للشاه، وهناك بعض الوثائق التي تظهر أن جمال عبدالناصر بدعمه لمعارضي الشاه وخاصة في العراق زمن إقامة الخوميني في العراق عام 1964 كان يناصر الثورة الإسلامية، ولذلك فإن حسن نصر لله كان ناصريا حتى النخاع، وقد بحثت في هذا الموضوع وقدمت حلقة كاملة منذ عدة سنوات في قناة الميادين حول دور عبدالناصر في مساندة الثورة ضد الشاه.

خامسًا: إن الربط في الذهن المصري بين المقاومة ضد إسرائيل دفع معظم الشعب المصري إلى تأييد حزب الله ثم حماس التي قامت بعد حزب الله بخمس سنوات، وأعجب المصريون بجسارة ووطنية حزب الله الذي حرر بيروت والجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي، رغم بعض التعقيدات في الموقف العربي، ولذلك وقبل أن تقدم إسرائيل على مهاجمة إيران كانت قد رتبت الساحة اللبنانية، بحيث تتفادى ضربات حزب الله، وفهم المصريون أن الهدف من الهجوم الإسرائيلي على إيران هو قمع الدولة التي تساند المقاومة، كما أن المصريين يعلقون الأمل على انتصار إيران على إسرائيل خاصة أن سلوك إسرائيل في غزة -مع عجز المصريين عن إنقاذ غزة- أدى إلى توحش إسرائيل، واستشعر المصريون خطر هذا التوحش على بلادهم.

سادسًا: إن قيام حزب الله أزعج حلفاء الولايات المتحدة وإسرائيل من العرب، وأصبحت طهران القبلة السياسية والطائفية لكل شيعة المنطقة،  ولذلك فإنشاء حزب الله وقيامه بتحرير بيروت من الاحتلال الإسرائيلي أظهر الطائفة الشيعية بين الطوائف الأخرى في لبنان، ولاحظ اتفاق الطائف عام 1989 أن الطائفية هي السبب المباشر لتراجع الدولة اللبنانية.

من ناحية أخرى، يجب على البعثات الإيرانية في الدول العربية أن تبدد الأوهام والخرافات حول الفكر الشيعي،  وواجب المثقفين العرب أن يسهموا في حملة هدفها بيان أن الفرق بين الشيعة والسنة في الفكر. والأفكار السلبية عن الشيعة يجب التصدي لها وخير من تصدى لها هو الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، عندما أصدر بيانا أدان فيه العدوان الإسرائيلي على إيران، وحثَّ على وحدة الإسلام والمسلمين، ويبقى بعد ذلك بيان دور الأزهر في هذا المجال عبر تاريخه الطويل.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • حزب موال للأكراد: ناقشنا مع أردوغان نزع سلاح حزب العمال الكردستاني
  • حزب مؤيد للأكراد في تركيا يلتقي أردوغان عقب إعلان العمال الكردستاني نزع سلاحه
  • حزب المساواة بتركيا يزور أوجلان بسجنه مجددا لمتابعة حل العمال الكردستاني
  • مصرع 8 جنود أتراك بغاز الميثان في شمال العراق
  • وفد سياسي يزور أوجلان بالسجن وسط ترقب لإلقاء سلاح العمال الكردستاني
  • أحداث مأساوية في إسرائيل وتركيا والعراق والنمسا وروسيا ومصر والمغرب وأستراليا
  • موقف الشعب المصري من الصراع بين إيران وإسرائيل
  • بعد لقاء أوجلان.. وفد الحزب الكردي يلتقي أردوغان الاثنين
  • تركيا.. وفد كردي يلتقي عبد الله أوجلان
  • هل يبدأ حزب العمال الكردستاني بتسليم سلاحه؟