/

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.


الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في سياق الحديث عن قصة نبي الله وخليله ورسوله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَام»، تحدثنا عن بداية مشواره في تبليغ الرسالة الإلهية، والدعوة إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وإلى الإيمان به وتوحيده، بدءاً من محيطه الأسري مع أبيه آزر، كما قال الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في القرآن الكريم، {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[الأنعام:74]، وَتَحَدَّثْنَا عَنْ هذين العنوانَيْنِ.
الإِشكالية الخطيرة الكبيرة في واقع المجتمع البشري، في حالة الانحراف عن نهج الله ورسالته ودينه، التي شملت الواقع بكله، مخالفات وانحرافات في الجانب القيمي، والأخلاقي، والسلوكي، والمعاملات، وصولاً إلى الانحراف الكبير جدًّا بالشرك بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، مع أن البشر كانوا على الدوام مُقرِّين بالله، وأنه الخالق، والرازق، والمدبر لشؤون السماوات والأرض؛ لكن هناك الكثير من المجتمعات، بالرغم مما فيها من قادة، ومفكرين، وفلاسفة… وغير ذلك، وأمم لها حضارات كبرى على المستوى العمراني في الحياة، ولكن حضارةٌ جوفاء، قامت على أساس الظلم والطغيان، وعلى أساس الكفر والشرك، لم تستفد لا من ما تمتلكه من مقومات مادية؛ لأنها ليست كافية في أن تكون مهتدية، وقد انحرفت عن خط الرسالة الإلهية، وعن الهداة من عباد الله، عن الرسل، والأنبياء، وورثة كتب الله؛ ولــذلك حصلت هذه الظاهرة على نحوٍ واسع: ظاهرة الشرك بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، واعتقاد الألوهية لكائنات مخلوقة، خاضعة لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، منها من الجمادات، مثل: مسألة الأصنام، وكذلك منها كائنات أخرى، البعض منها لا يقبل بأن يُعبد من دون الله، كما هو الحال بالنسبة للملائكة، لبعض الأنبياء، لبعض الأولياء، الذين كانوا مُعَبِّدين أنفسهم لله، وخاضعين لله، ومؤمنين بالله، يمقتون الشرك، يبغضون أهله، مع ذلك يتَّجهون إلى الشرك بهم، واعتقاد ألوهيتهم إلى جانب إقرارهم بألوهية الله، هذا معنى الشرك: أنهم يُقرُّون بالله وأنه الإله، ولكنهم يعتقدون معه آلهةً أخرى شريكةً له في الألوهية والربوبية، ويعبِّدون أنفسهم لها، ويتقربون إليها بأشكال متعددة؛ للتعبير عن العبودية لها، وعن طلب ما يطلبه المخلوق العابد من إلهه المعبود، هذه هي الخلاصة.
نبي الله إبراهيم تحرك في محيطه الأسري، ليحارب هذه الظاهرة، وللدعوة إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ولإنقاذ أبيه آزر مما هو فيه؛ لأن الشرك ظلمٌ عظيم، وخطرٌ كبير، وهناك مقامات أخرى له مع أبيه، وعادةً ما يُقدِّم القرآن الكريم نماذج، يعني: بالتأكيد له الكثير من المقامات والحوارات والكلام مع أبيه آزر، ولكنَّ القرآن الكريم هو كتاب هداية، ليس كتاباً للاستقصاء التاريخي؛ وبالتـالي هو يختار لنا نماذج مهمة جدًّا، فيها هداية، وتُلَخِّص لنا الموقف بكله، وله أيضاً مقامات مع أبيه وقومه، يعني: مع بعض، مقامات منفردة مع أبيه آزر، ومقامات معه أيضاً مع قومه.
القرآن الكريم عندما وثَّق لنا موقف نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَام»، في دعوته للتوحيد، والعبادة لله وحده، الذي هو أساس للرسالة الإلهية، في كل رسالات الله مع كل رسله ومع كل أنبيائه، هو بذلك يبيِّن لكل الطوائف والملل، التي تحترم نبي الله إبراهيم، وتدَّعي أنها تتبعه، وتعتبره رمزاً عظيماً من كبار رموزها، والبعض منها الرمز الأساس لها، هكذا يُقدِّمون المسألة، في ادِّعائهم أنهم يتبعونه ويعتقدون بعظمته، وكان في مقدمة أولئك المشركون: المشركين من العرب، المشركون من العرب كانوا في المقدمة؛ لأنهم كانوا يدَّعون أنهم على ملة إبراهيم، وعلى الحنيفية؛ فالقرآن يحتج عليهم، يبيِّن لهم، يُبَيِّن أيضاً لليهود، للنصارى، لكل الملل والطوائف التي تدَّعي اتِّباع نبي الله إبراهيم، والاقتداء به، والاحترام له، والاعتراف برشده، وأنه رمزٌ للإنسانية؛ ولـذلك هناك حجة كبيرة عليها، وتبيين لها في حقيقة ما كان عليه، وما كانت دعوته، وما كانت رسالته، وما كانت مواقفه وتوجهاته، فهو لم يقبل بالشرك حتى لأبيه آزر، فكيف سيقبل به للآخرين، ومن الآخرين من بقية الناس.
مع ما في الشرك، فهو ظاهرة تُعبِّر عن انحطاط- كما قلنا- انحطاط فكري وثقافي إلى أسوأ مستوى، عندما يأتي الإنسان ليعتقد في صنم من المنحوتات التي يصنعها، أو أي كائن من المخلوقات أنه إله، ويعتبر نفسه عبداً له، هذا فيه إساءة كبيرة إلى الله؛ لأنك عبدٌ لله، مِلكٌ لله، فكيف تجعل لله شريكًا في الملك لك، وفي تعبيد نفسك له؟! إساءة كبيرة إلى الله، الرب، المالك، الخالق، المنعم، الإله الحق، إضافةً إلى التنكر لأكبر الحقائق؛ لأن حال كل الكائنات الأخرى والمخلوقات الأخرى هو حالك أنت، هي مخلوقةٌ كمثلك، خاضعةٌ لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، تحت سلطانه وتدبيره، ومُلكه ومِلكه، مفتقرة دائماً إلى الله، هو الذي وهب لها الوجود، وهي في بقائها أيضاً مفتقرةٌ إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، إلى رعايته إلى تدبيره، إلى قدرته، إلى هدايته… إلى غير ذلك، ولكن مع ذلك- كما قلنا- تنتشر ظاهرة الشرك في الواقع البشري والمجتمعات البشرية إلى حد رهيب جدًّا.
مع أننا في هذا العصر، في عصر التقدم على مستوى التكنولوجيا، وعلى مستوى الصناعات، وعلى المستوى العلمي، مع ذلك هناك تخلُّف في هذا الجانب، الإسلام وحده هو دين التوحيد الخالص لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، والمسلمون هم الأمة الوحيدة بين كل أمم الأرض، وهم أمة محدودة في عددها، يعني: ليسوا هم الأغلبية في المجتمع البشري، هم الأمة الوحيدة على أساس الانتماء للإسلام، يدينون بالتوحيد لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، والإسلام يقدِّم لنا الدين الخالص، الحق، في التوحيد لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، والإيمان برسالته.
أمَّا بقية المجتمعات، ومنها المجتمعات التي تقدِّم نفسها أنَّها داعيةٌ للحُرِّيَّة، مثلما هو حال الغرب الكافر في أمريكا وأوروبا، هي مجتمعات تعتقد بالشرك، وتُعبِّد نفسها لغير الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، النصارى- مثلاً- يعتبرون نبي الله عيسى «عَلَيْهِ السَّلَام»، الذي هو نبي الله ورسوله، يعتبرونه رباً وإلهاً في إذاعاتهم، في كتاباتهم، في طقوسهم في الكنائس، يقولون: [الربّ يسوع] يعني: عيسى، (يسوع: يعني عيسى)، في الوقت الذي يقدِّمون فيه أنفسهم أنهم دعاة الحُرِّيَّة، أي حُرِّيَّة لمن يعتبر نفسه عبداً لإنسان، لنبي الله عيسى «عَلَيْهِ السَّلَام»، الذي هو إنسان من البشر، عبد لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، أول كلمة أنطقه الله بها: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}[مريم:30]! كيف يمكن أن يكونوا مؤهلين للدعوة إلى الحُرِّيَّة، وهم يُخضعون الناس لعبادة غير الله، ويُقدِّمون مخلوقاً إنساناً، يعرفون هم تاريخ ميلاده، وأن أمه مريم، ويعتمدون تاريخ ميلاده أساساً لتاريخهم، نحن الآن في عام 2025 من التاريخ الميلادي، ميلاد المسيح عيسى ابن مريم «عَلَيْهِ السَّلَام»؟! فهو مخلوق، وُلِد في تاريخ معين، وأمه معروفة: الصديقة الطاهرة مريم ابنت عمران، مع ذلك هم يدينون بالشرك، والأمم الأخرى كذلك، يعني: الآن، في عصرنا هذا، في زماننا هذا، في عصر التقدم العلمي والنهضة الحضارية، النسبة الغالبة بين المجتمعات البشرية تعتقد بالشرك، بالألوهية لكائنات مخلوقة، ويشركونها مع الله في الألوهية.
ولذلك هم يحاولون أن يستهدفوا المسلمين، الذين هم الأُمَّة الوحيدة، والدين الإسلامي هو الدين الوحيد الذي يُقدِّم التوحيد لله خالصاً نقياً، فتلك الفئات الأخرى هم يحاولون الاستهداف للمسلمين، الذين يعيشون هذه النعمة: نعمة التوحيد، وشرف التوحيد لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، المفترض أن يعملوا، أن يبذلوا جهدهم لنشر الإسلام، والدين الحق، والتوحيد لله، في كافَّة أرجاء المعمورة، لكن الآخرين يستهدفونهم هم، بدلاً من أن يكونوا هم من يتحركون لهداية بقية المجتمعات البشرية، بما يمتلكونه من هدى، ويحاولون إمَّا أن ينحرفوا بالبعض من المسلمين، والبعض- فعلاً- يصلون إلى حالة الارتداد عن الإسلام، البعض يرتد إمَّا يخرج إلى حالة الإلحاد، والبعض يخرج إلى الارتداد عن الإسلام إلى المسيحية والنصرانية، والبعض إلى مِلل أخرى.
أيضاً في سياق الاختراق للمسلمين يعملون على صناعة طوائف جديدة، تتحرك بين أوساط المسلمين؛ للردة بهم عن الإسلام، مثلما هو الحال بالنسبة للبهائية، والأحمدية… ونحوهما من الملل التي أُنشِئت، وأنشأها أعداء الإسلام، وصنعوها بفكرٍ جديد، يقوم على الارتداد عن الإسلام مع الخداع للمسلمين، وكأنهم باقون على الإسلام، لكن يفتحون المجال لأنبياء جدد من عندهم زوراً وبهتاناً، ولتعطيل شرائع الإسلام، وللخروج عن ثوابت الإسلام، وعمَّا عُلِم من الدين ضرورة، يعني: من أساسيات الدين الإسلامي المعروفة بشكلٍ واضح، في شعائره، في أركانه، في مبادئه الكبرى، في قرآنه، في مسألة النبوة، في مسألة المعاد والآخرة، المسائل الكبرى الأساسية، الواضحة جدًّا، الثابتة بين المسلمين جميعاً، يخرجون عنها بالكامل.
اليهود لهم دورٌ أساسي؛ لأنهم كانوا هم من عملوا على الزيغ بالنصارى، والانحراف بهم إلى درجة الشرك، اخترقوهم، ويعملون أيضاً في الوسط الإسلامي في أسلوبهم الخطير جدًّا للإضلال، وللتحريف والانحراف بالمسلمين، الله قال عنهم: {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}[النساء:44]، يقول عنهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}[آل عمران:100]، وهم يحرِّكون من يواليهم من النصارى في هذا السياق، في حربهم ضد الإسلام والمسلمين، وفي الاستهداف بالحرب الناعمة الفكرية، الثقافية.
والخطر الكبير في هذا الجانب هو- في عصر الإنترنت، في عصر القنوات الفضائية- التلقي الفوضوي، التلقي الفوضوي؛ لأن ما يصل بالناس إلى مستوى الانحراف الكبير في عقائدهم الدينية، وفي معتقداتهم ومفاهيمهم التي يحسبونها على أنها من الدين الإلهي، هو الضلال، كما تحدثنا بالأمس، وكما وضَّحنا على أساس قول نبي الله إبراهيم فيما ذكره الله عنه، مخاطبا لأبيه آزر: {إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[الأنعام:74].
الضلال هو الذي يصل بالناس إلى أن يدينوا بالباطل، حتى الباطل المكشوف، السخيف، الواضح البطلان، الذي لا يحتاج إلى دليل، مثلما شرحنا شرحاً تفصيلياً عن قصة الأصنام، وصناعتها، وشرائها، أو إهدائها مثلاً، ثم يعتقدونها آلهة، يعني: أمر سخيف في غاية السخافة! لكنَّ الضلال هو يفعل هكذا بالبشر: يجعل الإنسان يتقبَّل ما هو في منتهى السخافة والبطلان، ما هو في أعلى مستوى من وضوح بطلانه، فيعتقده، ويتشبث به، ويُصرّ عليه، لو أمكن للبعض أن يعتقدوا أنه ليس هناك في الأرض لا ليل ولا نهار، لفعلوا ذلك يعني، يمكن للضلال أن يصل بالإنسان إلى مثل هذه الدرجة من التنكر لأوضح الحقائق وأجلاها وأبينها، فالمشكلة الخطيرة جدًّا على الكثير من المسلمين هي: التلقي الفوضوي والعشوائي من القنوات الفضائية، من الإنترنت.
ولذلك تصل الحال بالبعض من المسلمين في كثير من المجتمعات، وفي بعضها أكثر، يعني: حسب الإحصائيات: أن أكثر دولة من بلدان المسلمين فيها حالة ارتداد عن الإسلام هي السعودية، هذا حسب الإحصائيات التي تُقدَّم، فيها ارتداد صريح يعني عن الإسلام، يعني: ناس يخرجون من الإسلام بالكامل، ويعلنون ردتهم عن الدين الإسلامي، إمَّا بعضهم إلى الإلحاد، وبعضهم إلى النصرانية، وبعضهم إلى ملل أخرى، لكن لماذا؟ هناك أيضاً في اليمن، في مختلف البلدان، من يحصل لهم مثل هذه الحالة، مما يتحول إلى البهائية، أو الأحمدية، أو غيرها من الملل الأخرى.
الكثير منهم يتأثر بماذا؟ لأنه يقوم بمتابعة قنوات فضائية تدعو لذلك الضلال والباطل، وهو ليس محصناً بالهدى، ليس لديه لا اليقين، ولا المعرفة الكافية؛ فيتأثر بشبهاتهم، وهم يفلسفون للضلال والباطل بزخارف القول، التي يتأثر بها من لا يمتلك الوعي، ولا المعرفة، ولا الفهم، ولا اليقين، ينخدع، والبعض من خلال الإنترنت، كثيرٌ ممن ضَلُّوا وارتدوا وانحرفوا عن طريق الإنترنت، والبعض عن طريق دعاة، دعاة للضلال؛ لأن للضلال دعاةٌ ورعاة:
• دعــاة: يدعون إليه، يُقدِّمون للناس الشُّبه، يتفلسفون له؛ لإقناع الناس، ولخداعهم، وينفق عملهم في الخداع بزخارف القول والشبه، على من لا يمتلك لا وعياً، ولا معرفةً، ولا يقيناً، ولا بصيرةً في دينه، وهو مضطرب ومرتبك.
• وهناك رعاة: وهم المستفيدون، من مثل: سلطات ظالمة، قوى نافذة، ترى أنها مستفيدةً بنفوذ سياسي، أو مستفيدةً مادياً، أو بنفوذ اجتماعي، أو مقامات معنوية… أو غير ذلك، شرحنا عن هذه النقطة، وعن بعض الملوك: كيف كان فرعون، وكيف كان النمرود، الذي يُقدِّم نفسه على أنه من آلهتهم، ويُدَجِّنون له الناس إلى هذه الدرجة، وهو ارتاح للموضوع، فالمسألة خطيرة جدًّا.
ولهـذا مـن أهــم الأشيــاء التي تقـي مـن التأثُّــر بـذلك الضـــلال هــو:
• المقاطعة، المقاطعة للقنوات الفضائية، للمواقع المضلة، القنوات الفضائية المُضِلَّة التي تنشر الضلال، لا تتابع أي قناة تنشر الضلال، قاطعها، لا تتابع أي مواقع على الإنترنت تروِّج للباطل وتُقدِّم الشُّبه، اعمل على مقاطعتها، هذه مسألة مهمة، {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[الأنعام:68]، المقاطعة، المقاطعة هي حل لأكثر الناس؛ لأن أكثر الناس لا يمتلكون من الوعي والمعرفة والفهم ما يتحصنون به من الشبه؛ وبالتالي يتأثرون بالشبه.
كذلك من دعاة الضلال، دعاة الضلال أينما كانوا، فالمهم هو مقاطعتهم، عدم الإصغاء لهم، عدم التقبل منهم، وهذه مسألة مهمة جدًّا.
• ثانياً: الارتباط بالهدى، الإنسان بحاجة إلى أن يرتبط بالهدى، وبالهداة، وطريق الهداية، وأن يحاول أن يستبصر، أن يكون واعياً، أن يكون فاهماً، أن يكون على معرفة بدينه، بالأسس المهمة لدينه، بالمبادئ الأساسية، هذه مسألة مهمة جدًّا، وأن يعرف أين هي قنوات الهداية، ومصدر الهداية، وطريق الهداية؛ ليرتبط بها، وأن يدرك الإنسان بشأن هذين العنوانين: (الهدى، والضلال) أنهما الأساس، يعني: مسيرة الإنسان في حياته: إمَّا أن تكون على هدى، وهذا فيه النجاة؛ وإلا فلن تكون إلا على ضلال، وفي هذا الهلاك والخسران والعياذ بالله، والله علَّمنا حتى في الصلاة، كيف نعي أهمية هذه المسألة، في قوله تعالى يعلمنا: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}[الفاتحة: 6-7].
المرحلة الثانية لتحرك نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَام» كانت مع قومه، ليدعوهم إلى الإيمان بالله، وإلى التوحيد لله، ولينقذهم من الشرك.
لأداء هذه المهمة، وهناك صعوبات وعوائق تعترضه في أدائها، يحتاج هو- نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَام»- إلى إعداد وَتَهْيِئَة بمستوى التَّصَدِّي لتلك العوائق والصعوبات، التي تعترضه في سبيل أداء مهمته، وهذه مسألة مهمته.
أنبياء الله ورسله هم يحظون بالإعداد لهم من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، لأن الله يصطفيهم، ويُعِدُّهم، ويهيئهم منذ البداية، للمهام الكبرى والمقدَّسة والعظيمة، التي يتحركون بها؛ ليكونوا جديرين بها، وليكونوا هم نموذجاً لها، فيما هم عليه من الهدى، وزكاء النفوس، والرشد، والنضوج الفكري، والوعي، والفهم، والبصيرة العالية، والذكاء، وعلى المستوى النفسي، وعلى المستوى القيمي والأخلاقي… وغير ذلك، ثم عندما يتحركون لأداء المهمة، أو يوشكون على البدء بها، يحظون أيضاً بالمواكبة لهم بالمزيد من هذه الرعاية الإلهية، التي تزيدهم تهيئةً، وإعداداً، وقدرةً، وتمكناً من أداء مهماتهم، فهم يُرْفَدُون من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في المراحل نفسها، في مراحل التبليغ والتحرك (في بدايته، في أثنائه، وما إلى ذلك).
التعقيدات التي كان يعاني نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَام» منها في واقع مجتمعه شرحناها، يعني:
• سلطة طاغية، ظالمة، متكبرة، مجرمة جدًّا، على رأسها رجلٌ متكبرٌ، وصل به الغرور والكبر والطغيان إلى أن يدَّعي الربوبية.
• مجتمعٌ شديدٌ في تشبثه بالباطل، متشدد، يعني: متدين بالباطل بشدة، ونبهنا عن خطورة الضلال عندما يتحول إلى معتقدات دينية، الباطل عندما يتحول إلى معتقدات دينية؛ لأن البعض أيضاً يكونون عندما تكون المسألة تديناً، متشددين عليها، متمسكين بها بشدة جدًّا، بتقديس كبير، وتشدد كبير.
• هناك أيضاً جهات نافذة، نافذة: كمستفيدة مادياً، كمستفيدة معنوياً.
• ويعاني حتى في محيطه الأسري.
• إضافة إلى أن الموضوع بنفسه، موضوع التوحيد، ومحاربة الشرك، الذي يلامس أكبر معتقداتهم أهميةً وقدسيةً لديهم، يعني: الموضوع محاط بحساسية شديدة، وعادةً ما تكون مثل هذه المواضيع في تلك المجتمعات محاطة بحساسية على مستوى العقدة النفسية في الموضوع، بحيث لا يتقبلون أن يُطرح عنها أي كلام، وأيضاً من جهة العقوبات، التي أحياناً تكون محددة في بعض المجتمعات، كانوا يحددون العقوبة على من يعارض الشرك، أو يظهر منه أنه لا يدين به، الإحراق بالنار، عقوبة رسمية محددة، أن يشوونه بالنيران ويحرقونه بها.
فالوضع مُعَقَّد أمامه، وهذا يتطلب:
• درجة عالية من العزم، والثقة القوية بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وبما هو عليه، وبالطريقة التي هو فيها، وبالمنهجية التي يتحرك عليها، يعني: إلى درجة عالية من اليقين.
• وكذلك يحتاج إلى أساليب مناسبة، تصل بهم إلى الفهم والاعتراف بالحقيقة.
يعني: كيف يبدأ معهم خطوة يتفهمونها، ليست على أساس الاحتكاك من اللحظة الأولى بهم، ولا يتيحون له المجال أن يوضِّح لهم، ولا أن يُبَيِّن لهم، يحتاج إلى أسلوب يتمكَّن من خلاله إلى أن يوصل لهم الحقيقة، وأن يجعلهم يفهمون المسألة هذه: أن تلك الأصنام التي يعبدونها ليست جديرةً بالألوهية، وأنه ليس هناك جديرٌ بالألوهية والعبادة له إلا الله وحده، يحتاج إلى أسلوب حكيم حتى يتمكن من إيصال الحقيقة؛ لأنه يسعى إلى هدايتهم، يعني: ليست المسألة مجرد أن يحتك بهم، ويستفزهم، ويدخل في مشكلة معهم من أول يوم؛ لأنه يريد أن يفهموا أولاً، يريد أن يعوا الحقيقة أولاً، يريد أن يسعى لهدايتهم؛ فهو يحتاج إلى أسلوب يصل به إلى تحقيق هذا الهدف على المستوى العملي.
هو في غربة أيضاً، والبداية صعبة، تحتاج إلى أسلوب حكيم جدًّا، ومهمة الأنبياء- ما يميزها عن غيرها- فعلاً أكثر تعقيداً من أي شيءٍ آخر، مثلاً: لو كانت المسألة أن يسعى الانسان لإقامة سلطة مثلاً، أو حكومة، أو دولة، هذا أسهل بكثير، مسألة فيها سيطرة سياسية، عسكرية… وغير ذلك، وتأثير على الرأي العام في مستوى معيَّن.
مهام الرسل والأنبياء أكبر مهمة، هي أكبر المهام، وأقدس المهام، وفيها تعقيدات كثيرة في واقع الحياة؛ لأنهم يأتون إلى الناس لهداية الناس، يعني: لتغيير ما لدى الناس من أفكار، من معتقدات خاطئة، من تصورات باطلة، من مفاهيم ضالة، وكذلك تزكية نفوس الناس بما قد تلوث به الناس في أنفسهم، ما تلوثوا به من المفاسد، من الرذائل، من الأشياء التي تُدَمِّر زكاء أنفسهم، والعمل على إصلاحهم، والسعي بهم ليسيروا وفق هدى الله، وليتقبلوا تعليمات الله، وتوجيهاته، وهديه، ولينتهوا عمَّا نهى عنه، فهم يأتون- أحياناً- والوضع قد أصبح معقداً في الساحة، الناس قد أصبح لديهم معتقدات باطلة، تصورات ومفاهيم خاطئة، لكن يتمسكون بها بشدّة، وهم على قناعة تامة بها، وهي محاطة أيضاً بحساسية كبيرة، ممنوع النقاش عنها، أو الكلام حولها، والناس في أنفسهم قد تغيروا، قد فسدوا، قد ساءت حالتهم، وتدنست نفسياتهم، وأصبح لديهم سلوكيات وعادات وتقاليد منحرفة جدًّا، لكن هم متعودون عليها ومتشبثون بها، أصبح تغييرها صعبًا.
ولأهمية المقارنة بين المسألتين، نجد- مثلاً- في حركة رسول الله محمد «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ»، عرضوا عليه، عرض عليه المشركون في مكة، قالوا: [إن كنت تريد مُلكاً مَلَّكنَاك علينا]، يعني: المسألة عندهم مقبولة، لو كانت المسألة مسألة مُلك وديولة، ما عندهم مشكلة أن يتوِّجوه ملكاً عليهم؛ أو يريد مالاً، أن يجعلوه أثرى وأغنى رجلٍ فيهم؛ أو يريد امرأةً، أجمل امرأة ليس عندهم مشكلة… أو أي عرض مادي، لكن الاصطدام بهم في جوهر ما يتشبثون به: معتقدات، عادات، تقاليد خاطئة، أفكار خاطئة، ضالة… غير ذلك، يعني: تغيير الواقع بكله، هي المسألة الحساسة والبالغة التعقيد.
فلذلك ندرك أهمية ما تتطلبه هذه المهمة؛ ولهـذا يقول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}[الأنعام:75]، هذا في الإعداد لهذه المهمة، في مقابل ما يواجهه من صعوبات، وتعقيدات، وحساسية، وإشكالات في الواقع، يهيئه الله ويعده ليؤدي هذه المهمة بهذه الطريقة: ليريه (مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ): الآيات العجيبة، التي تجعله على أعلى درجات اليقين، اليقين العالي، ويتَّجه من خلالها وهو في أعلى درجات اليقين، بعزمٍ، وقوةٍ، واطمئنانٍ تام. وهذه المسألة سنتحدث عنها في المحاضرة القادمة إن شاء الله.
نَسْألُ اللَّهَ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

مواطنون من مختلف المحافظات:الظروف المعيشية التي خلفها العدوان والحصار زادتنا تراحماً وألفة في العيد

لم تثنهم الظروف الاقتصادية الصعبة عن إحياء هذه الفرحة الدينية بكل تفاصيلها، الكل مبتهج ومسرور ومظاهر العيد تزين الشوارع والأماكن العامة، فلا مغبون ولا مهموم ولا جائع في العيد، طالما وجسور الإحسان متجذرة في مبادئ شعبنا اليمني الإيماني، هكذا يعيشون عيدهم بمحبة وتراحم وتآلف:

الثورة / أسماء البزاز

من محافظة صنعاء يقول الحسين عبدالكريم السقاف: حقيقة عيد الأضحى المبارك من أهم المناسبات الدينية العظيمة التي استقبلناها بأداء الشعائر الدينية الجليلة وجميع أبناء الشعب اليمني استقبلوا العيد بالفرحة ومتابعة شعائر الحج الأعظم.

وأضاف: البعض من أبناء الشعب اليمني يشترون أضاحي العيد، لأن معظم الناس بسبب الظروف الصعبة التي سببها العدوان أصبحوا غير قادرين على شراء أضحية العيد ومن أجمل الأشياء في مجتمعنا هو بروز مظاهر الترابط بين أبناء الشعب اليمني، فمن يشتري أضحية العيد تجده يوزع اللحوم على جيرانه وعلى الفقراء والمساكين تقربا لله تعالى ليدخل السعادة على قلوبهم.

وقال السقاف: كما أن لهذا المناسبة الدينية العظيمة مظاهر جميلة في مجتمعنا فهي مناسبة يحييها اليمنيون بزيارة الأهل والأقارب وتفقد الأرحام والعطاء والعطف على الفقراء والجيران.

كما أن المساجد في بلادنا بحمد الله نجدها عامرة بالمصلين وبالذكر والتكبير والتهليل والدعاء لله تعالى بالنصر القريب لمجاهدينا من أبناء القوات المسلحة والأمن الذين يواجهون في هذه المرحلة الكيان الصهيوني الغاصب وطواغيت العالم انتصاراً لمظلومية أهلنا في غزة، ويدعون الله لأهل فلسطين بالانتصار على عدوهم وأن يثبت أقدام المجاهدين، ومن هنا تبرز جماليات هذه المناسبة الدينية الجليلة وعظمة الشعب اليمني المؤمن المجاهد والصامد، وخلال مناسبة عيد الأضحى المبارك نتمنى أن يعم الخير والرحمة كل أرجاء وطننا أكثر مما هو موجود وأن يحرص الناس جميعاً على عمل الخبر والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة وكثرة الدعاء، لأنها أيام مباركة يستجيب الله فيها لدعاء عباده المؤمنين.

عشنا تفاصيله

ومن محافظة عمران تقول نجلاء حمدين: الحمد لله رب العالمين الحمد لله القائل: (وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَـمِينَ).

وأضافت حمدين: إنها فريضة مقدسة بقدسية الدين الإلهي وشعيرة عظيمة من شعائر الله، استقبلناها ببهجة وفرح وبتكبيره وتعظيمه وتقديسه بتلبية (الله أكبرالله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد والحمدلله على ما هدانا وأولانا وأحل لنا من بهيمة الأنعام، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك ولا ند ولا ولي لنا سواك).

وتابعت: في يمن الإيمان يمن العز والكرامة حل علينا عيد الأضحى المبارك بما فيه من منسك عظيم من مناسك الله وهو الحج الأكبر، استقبلناه أولاً بالبراءة من أعداء الله وأعداء رسوله وأعداء البشرية أمريكا وإسرائيل وعظيم أن ترتبط هذه المناسبة بنبي يسطر اسمه في أكثر سور القرآن وهو نبي الله إبراهيم الذي مثل أسطورة التسليم المطلق لله والامتثال لأمره في رؤياه لابنه إسماعيل وأمر الله بالذبح له حيث خلد الله هذه الحادثة على مر العصور والأزمان لأهمية التسليم المطلق له.

وختمت حديثها بالقول: بالتكبيرات والتلبية وبصيام يوم عرفة والفرحة وذبح الأضاحي يُظهر اليمنيون أساليب احتفالهم واهتمامهم بهذه المناسبة، حتى جاء صباح يوم العيد والكل بلباس جديد وتوافد الناس إلى الجبانات أو إلى المساجد لسماع خطبتي العيد وللصلاة ومن ثم انطلق الجميع لذبح الأضاحي والمعاودة لزيارة الأرحام والأقارب وكذلك العلماء وزيارة مقابر الشهداء وزيارة جبهات الإسناد لغزة في القوة الصاروخية والبحرية، وتوزيع لحوم الأضاحي على الفقراء والمساكين والأقارب وتبادل التهاني والتبريكات وزيارة الأرحام وزيارة روضات الشهداء .

التسابق في الخيرات

ومن محافظة ذمار تقول شفاء يحيى: ما إن يخطر على بال الإنسان العيد في اليمن حتى يتصدر إلى الذاكرة صوت المآذن التي يتردد صداها بالتكبير والتهليل سواء قبل أيام العيد أو يوم العيد ولاسيما عيد الأضحى، وتمر المشاهد في الخيال من أمام أسواق المواشي المزدحمة بالأنعام التي ستكون أضاحي حمدًا وشكرًا لله على نعمة الهداية والولاية والفضل والامتنان لله على نعمة الدين الحنيف، دين إبراهيم -عليه السلام- وملته.

وتابعت: بالطبع إن اليمنيين كمجتمع مسلم ومحافظ ومن ذرية نبي الله إسماعيل ابن النبي إبراهيم -عليهم السلام- يحافظ على مثل هذه المناسك وطقوسها، بل أصبحت جزءاً متوارثاً لديه أبّاً عن جد، تتداولها الأجيال اليمنية جيلاً بعد جيل، فما إن يتسلل فجر يوم العيد حتى يستيقظ أفراد الأسرة اليمنية لإحياء ذلك الفجر بالصلاة والتسبيح، فتسمع التكبير يدوي في جميع أزقة وحارات البلاد، فيجتمع شغف الذهاب إلى المساجد مع روحانية العيد وما إن تتسلل أشعة الشمس من نوافذ البيوت حتى تجد الأطفال مع آبائهم يتسابقون لأداء الصلاة وسماع خطبة العيد، والنساء في البيوت بعد الصلاة يقمن بتهيئة المنازل، ليكون المنزل في ذلك اليوم يشرح الصدر من نظافة وروائح طيبة ويجتمع أفراد الأسرة للخروج من البيت لزيارة الأرحام وروضات الشهداء وأسرهم وأسر المرابطين والجرحى ولربما هذه من أقدس مراحل هذا اليوم، فلا يكتفي اليمني بزيارة الأحياء فقط وإنما أيضا بزيارة الأحبة ممن رحلوا.

مبينة أن زيارة المقابر شيء أساسي وكذا تفقد الفقراء والمحتاجين وهي من أجمل محطات يوم العيد في اليمن، حيث ترى البسمة مرسومة على وجه كل يمني ويمنية، وكيف لا تُرسم وذلك اليوم هو اليوم الأجمل للغني والفقير، ففي يمن الإيمان والحكمة؛ شعبٌ يداوي جراح غيره وإن كان أولى، ويؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة.

مضيفة: كثير من التفاصيل في هذا اليوم هي مصدر للسعادة ليس بالرفاهية والبذخ؛ وإنما بالاستقرار والأمان والراحة التي هي مصدر إلهي يمده الله لهذا الشعب، لأنه في أوج سعادته تجده يذكر الله كما لوكان في أوج احتياجه.

وتابعت: طبقات هذا الشعب متعددة وشرائحه مختلفة، فهناك المجاهدون المرابطون حماة الوطن، من لولاهم لما كان العيد عيد وهناك المدنيون وهناك رجال الأمن وغيرهم، إلا أن الجميع يجتمع عيدهم في ذكر الله ورسوله والحمد والشكر لله على نعمه والكلام الحسن فيما بينهم.

ولائم الإحسان

ومن محافظة حجة تقول فاطمة الجرب: الحمدلله على ما هدانا وأولانا وأحل لنا من بهيمة الأنعام، إنه عيد الله الأكبر، بهذا التهليل والتكبير والتحميد لله سبحانه وتعالى أعلنا فرحتنا بتمام نعمة الله علينا، ولنيل الأجر الكبير من الله تعالى بفعل الطاعات وقدمنا الأضاحي قرابين لله سبحانه وتعالى لإطعام البائس والفقير، تأسياً بنبي الله إبراهيم -عليه السلام- وتعظيما وتقديسا لله سبحانه وتعالى، وتعد شعيرة من شعائر الله سبحانه وتعالى.

وأضافت: ففي يوم العيد رأينا الكل مكبراً ومهللاً يلبسون الجديد، الكل يتجه ليصلي صلاة العيد من الصغار والكبار وتبادلنا التحية والمباركة بهذه المناسبة وبهذه الفرحة رأينا شوارع المدن والقرى ممتلئة بالزائرين لأرحامهم، ورأينا البسمة في وجه الصغير والكبير والغني والفقير، وأبرز ما يقومون به هو ذبح الأضاحي وإطلاق الألعاب النارية والولائم والضيافات والتجمعات بين الأهل والأقارب والأصدقاء.

مبينة أن ما يميز هذا اليوم هو جانب الإحسان، فالكل يتسابقون لإدخال الفرحة والسرور إلى من لا يملك أضحية في بيته، وفي فترة العصر تكثر الجلسات العيدية الممتلئة باللون اليمني من إنشاد وغيره وخاصة في جلسات الرجال، هذا ما يتميز به اليمنيون عن سائر كل الشعوب.

الكل مبتهج

ومن محافظة تعز يقول محمد المنصور: لم تعقنا الظروف المعيشية والاقتصادية عن إحياء هذه الفرحة الدينية الغالية على قلوبنا وإسعاد أطفالنا وأسرنا وتوفير مستلزمات العيد بالقدر الميسور ويكفينا في هذه المناسبة التقارب والتزاور والترابط المجتمعي وتعميق التراحم بين الأفراد، فمن له زاد من الطعام يحسن لمن لا زاد له، فالكل سعيد ومسرور والكل مبتهج، فلا محتاج ولا جائع في العيد وهذا ما نتمنى تكريسه طوال العام وليس في أيام العيد وحسب.

لم الشمل والتسامح

ومن الحديدة يقول فؤاد حمدي: اكتست أيام العيد بالسعادة والراحة وعكستها وجوه الأطفال وزيارات الأرحام ومظاهر الجمال في مختلف الأماكن والشوارع وكأن العيد يقول لنا: لا مكان اليوم إلا للفرحة والتكبير والحمد والتهليل والعطف على الفقراء والمساكين ولم الشمل والتسامح والتزاور والتعاطف، هذا ما لمسناه وما رأيناه وما نتطلع لأن نراه في كل بقاع المسلمين عامة وفلسطين خاصة.

 

مقالات مشابهة

  • مواطنون من مختلف المحافظات:الظروف المعيشية التي خلفها العدوان والحصار زادتنا تراحماً وألفة في العيد
  • محللون: العقوبات على بن غفير وسموتريتش متأخرة لكنها مهمة وتداعياتها خطيرة على إسرائيل
  • في اليرزة... هذا ما بحثه قائد الجيش مع أبو الحسن
  • صوفان: إعطاء الأمان الذي حصل في بداية التحرير ساهم إلى حد كبير في حقن الدماء، هناك إنجازات كبرى تحققت في مجال السلم الأهلي شهد بها القاصي والداني
  • النقل العراقية تصدر بيانا بشأن خلل فني لطائرة في مطار بغداد
  • فضل الله: الدولة قادرة على حشد عناصر القوة التي تملكها لمواجهة الاعتداءات
  • بن حبتور: التحديات التي تواجه اليمن جعلت اليمنيين يقفون خلف قائد الثورة
  • عطيفي يطلع على أحوال المرابطين في جبهة الساحل الغربي بالحديدة
  • تفقد أحوال المرابطين في مديرية مسورة بالبيضاء
  • تفقد أحوال الجرحى بمستشفى الشرطة بصنعاء