شغلت قضية عزل الإمام الصلت بن مالك (237-272هـ) حيزًا واسعًا من تفكير العلماء والفقهاء، وأخذت بذلك بُعدًا آخر عدا السياسة، فكُتِبت حولها السِّيَر وصُنِّفَت الكتب في قالب حجاج كلامي بين فريقين عُرفا بالرستاقية والنزوانية. وتنقل لنا الوثيقة التي نتعرض لها أنه في سنة 443هـ أي بعد نحو 170 سنة من الحادثة اجتمع الإمام راشد بن سعيد اليحمدي (425-445هـ) مع نفر من العلماء بقرية سُونِي، وكتب الإمام ميثاقًا باجتماع الكلمة ورأب الصدع الذي أحدث شرخًا كبيرًا في الوسط العماني بطول تلك السنين، وقد نُقِل نص الميثاق في كتاب بيان الشرع، ونصه:

«قد اجتمَعَتْ بِحَمْدِ الله ومَنِّه كلمةُ أهلِ عُمان على أمرٍ واحد، ودِينٍ قيم، وهو دين الله الذي أرْسَلَ به رسولَه مُحمّدًا صلى الله عليه وسلم.

فمنهم مَنْ تولَّى الصلتَ بن مالك رحمه الله، وبَرِئ من موسى بن موسى وراشد بن النظر. ومنهم مَنْ تَوَلَّى الصلتَ بن مالك، وَوَقَفَ عن موسى بن موسى وراشد بن النظر. ومنهم مَنْ تَوَلَّى المسلمين على ولايتهم الصلت بن مالك رحمه الله وبَراءَتِهِمْ من موسى بن موسى وراشد بن النظر. واجتَمَعَ رأيُهم على الدَّينونة بالسؤال فيما يجب عليهم السؤال فيه؛ عند أهل الحق الذين يَرَوْنَ السؤال واجبًا. واجتَمَعَ رأيُهم على أنَّ مَنْ دان بالشك فهو هالِك. وكذلك اتفقوا على أنَّ مَنْ عَلِمَ من مُحْدِثٍ حَدَثًا، وجهل الحكم في حدثه؛ أنَّ عليه السؤال فيه، وإنْ عَلِمَ الحَدَثَ والحُكْمَ فيه كان عليه البراءة منه؛ إذا كان حَدَثُه ذلك مِمَّا تَجِبُ به البراءة من فاعله. والحمدُ لله حَقَّ حمده، وصلى الله على خيرته من خلقه؛ محمد النبي وآله وسلم. وكَتَبَ هذا الإمامُ راشد بن سعيد بخط يده. وكان ذلك بِمَحْضَر: أبِي علي الحسن بن سعيد بن قريش القاضي، وأبي عبدالله مُحمّد بن خالد، وأبي حمزة المختار بن عيسى القاضي، وأبي عبدالله محمّد بن تَمّام، وأبي النظر راشد بن القاسم الوالي. وحَضَرَ أيضًا هذا الكتاب: أبو علي موسى بن أحمد بن محمد بن علي، وأبو الحسن علي بن عمر، وأبو بكر أحمد بن محمد بن أبي بكر. وعُرِضَ هذا الكتابُ على جَمِيعِهِمْ، واتَّفَقُوا عليه، ولَمْ يَختلفوا في شيء فيه، والسَّلام. وكانَ ذلك يوم الخميس؛ لأربعَ عَشْرَةَ ليلةً إن بَقِينَ من شهر شوال، من سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة. وكان ذلك بقرية سُونِي في المنزل الذي يَنزل فيه الإمامُ راشد بن سعيد نصره الله بالحق ونَصرَ الحقَّ به. والحمد لله، وصلى الله على رسوله محمد النبي وآله، وسَلَّمَ تسليمًا».

ولعل هذا الميثاق من بين أبرز مآثر الإمام راشد بن سعيد، وهو من الأئمة المتمكنين في الحكم والسياسة الشرعية، وقد عُثِر في جامع بهلا التاريخي على نقود فضية سَكَّها الإمام راشد بن سعيد من فئتي الدراهم وأسداس الدراهم، ضُرِبت سنة 444هـ، وله آثار وسِيَر وعهود أبرزها «السيرة المضيئة إلى أهل المنصورة من بلاد السند»، وقد نُشِرت عن مركز ذاكرة عمان بتحقيق الباحث سلطان بن مبارك الشيباني، وله أيضًا رسائل أخرى عَرَّف بها محقق السيرة المضيئة في مقدمته.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: موسى بن بن مالک

إقرأ أيضاً:

الأزهر: استحضار الأحزان مرهق للنفس فاحرص على ما ينفعك واستعن بالله

حذر مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، عبر صفحته الرسمية على “فيس بوك”، من التفكير فيما مضى واستحضار ما يجدد الأحزان لأنه شاق على النفس البشرية ويجعل الإنسان فى صراع داخلي.

وقال الأزهر للفتوى: “إن إرهاق النفس بالتفكير فيما مضى، واستحضار ما يجدد الأحزان، أمر شاق على النفس، قد يبعد الإنسان عن هدفه، أو يدخله في حالة صراع مع نفسه”. 

واستدل بما جاء عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضّعِيفِ، وَفِي كُلِّ خَيْرُ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَز..». أخرجه مسلم.

وفد أزهري يزور «برخيل» بسوهاج لدعم الأهالى وكشف غموض الحرائق بمنازلهمعلي جمعة: الخطأ من شيم النفس البشرية وعلى المسلم أن يتوب ويتسامح مع نفسه والآخرينحكم إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. أمينة الفتوى توضحهل الابتلاء دليل محبة الله أم عقوبة؟.. أزهري يوضحعلاج الضيق والهم بالقرآن

وعلاج الضيق والهم بالقرآن من الأمور التي كشف عنها إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي، وزير الأوقاف الأسبق، خلال خواطره الإيمانية حول كتاب الله تبارك وتعالى، حيث يقول: “يجب على المسلم حين يقرأ القرآن الكريم أن يتصور أنه يسمع الله يتكلم، ويلغى المتكلم الواسطة”.

ولفت “الشعراوي” في حديث له إلى أن هناك 4 أسرار في القرآن قد استنبطها الإمام جعفر الصادق، تزيل ما يعترى النفس الإنسانية من أشياء قد تفسد عليها حياتها وتكدر عليها صفاءها، منها لمن يريد الدنيا وزينتها، ومن يشعر بالغم، ولمن يخاف، ولمن مُكر به.

وأشار إلى أن الإمام الصادق قال في وصفه علاجا لمن يخاف: عجبت لمن خاف ولم يفزع إلى قول الله تعالى “حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ” والشاهد فى هذا قوله فيما بعد إنني سمعت الله عقبها يقول “فانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ”، مشدداً : "انظروا إلى شدة صفاء الإمام جعفر فى استقبال كلام ربه حينما قال" فإني سمعت الله عقبها يقول" كأن الله يتكلم مع أنه كان يسمع من قارئ أو يقرأ هو، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن".

ونوه الشعراوي إلى أنه بذلك قد أعطى سيدنا جعفر وصفة للخوف الذى يعترى الإنسان، لأن كل ما يخيفك دون قوة الله، وما دام كل ما يخيفك دون قوة الله فأنت قولت حسبنا الله ونعم الوكيل فى مواجهة ما يخيفنى، موضحاً أن الخوف هو قلق النفس من شيء تعرف مصدره.

وفي وصفة لعلاج من يشعر بالغم، قال الإمام جعفر الصادق: وعجبت لمن اغتم ولم يفزع إلى قول الله سبحانه وتعالى"لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" فإنى سمعت الله بعقبها يقول “فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ” وتلك ليست خصوصية له بل “وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ”، موضحا أن الغم كآبة النفس من أمر قد لا تعرف مصدره فهو عملية معقدة نفسية.

ولمن مكر به، قال الإمام جعفر الصادق: "وعجبت لمن مكر به -أي كاد الناس له، والإنسان لا يقوى على مواجهة كيد الناس وائتمارهم فيفزع إلى رب الناس- ولم يفزع إلى قول الله تعالى “وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ”، فإنى سمعت الله بعقبها يقول “فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا”.

وفي وصفة لمن يريد الدنيا وزينتها، قال الإمام جعفر الصادق: وعجبت لمن طلب الدنيا وزينتها كيف لا يفزع إلى قول الله “مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه”، فإني سمعت الله بعقبها يقول “إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا، فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ”.

وشدد وزير الأوقاف الأسبق، على أن هذه وصفات أربعة لما يعترى النفس الإنسانية من أشياء قد تفسد عليها حياتها وتكدر عليها صفاءها.

طباعة شارك الأزهر مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية التفكير فيما مضى استحضار ما يجدد الأحزان إرهاق النفس إرهاق النفس بالتفكير فيما مضى الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ علاج الضيق والهم بالقرآن القرآن علاج الضيق والهم

مقالات مشابهة

  • هل يجب الاستعاذة قبل الفاتحة في الصلاة؟.. حكم تكرارها بكل ركعة
  • ريمة تحيي ذكرى قدوم الإمام الهادي عليه السلام
  • الأزهر: استحضار الأحزان مرهق للنفس فاحرص على ما ينفعك واستعن بالله
  • تعلن محكمة غرب الأمانه الابتدائية أن على المدعى عليه/سعيد الحاج الحضور الى المحكمة
  • أحمد موسى لـ الحية: 300 مستشفى فتحت أبوابها للفلسطينيين مفيش كلمة شكر يا خليل
  • أحمد موسى: كلمة الرئيس السيسي بشأن غزة نابعة من القلب
  • أحمد موسى: كلمة الرئيس السيسي بشأن غزة كانت مرتجلة ورسالة مباشرة إلى العالم
  • أحمد موسى: كلمة الرئيس السيسي حول غزة نابعة من القلب
  • أحمد موسى: كلمة الرئيس السيسي حول غزة ارتجالية ونابعة من القلب.. فيديو
  • حكم قول سبوح قدوس رب الملائكة والروح في الركوع.. الإفتاء تجيب