بلاغة العالم لا تكتمل إلا بوجود الأمهات
تاريخ النشر: 20th, March 2025 GMT
بلاغةَ العالَم لا تكتملُ إلاّ بوُجودِ الأمَّهاتِ، فالأم تجسد أسمى معاني الحنان والتضحية والعطاء في مختلف الثقافات، وقد تناولت الروايات والقصائد العالمية والعربية صورتها بأساليب متنوعة، مما يعكس مكانتها العاطفية والاجتماعية العميقة، تقول الشاعرة الاسترالية بام بروان: "حُبُّ الأمِّ مثلُ الهواء: إنه بَدِيهيٌّ في حياتنا إلى حَدِّ أنَّنا لا ننتَبِه له إلاّ حين نفقِدُه".
يواصل موقع 24 تسليط الضوء على حضور الأم في الأدب، من خلال وجهة نظر أدباء ونقاد مختصيين.
يقول الأكاديمي في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية والناقد الدكتور عبدالدائم السلامي: "إنّ نظرًا في أساطير الشعوب وثقافاتها يُفيد بأنها تتعاضد جميعًا على رسم صورةٍ للأمِّ تجعلنا نعترفَ بأنّ بلاغةَ العالَم لا تكتملُ إلاّ بوُجودِ الأمَّهاتِ، أو حتى بوُجود رائحةِ الأمَّهاتِ، فهنَّ في الدنيا لُغاتُها اليانعاتُ، فإذا ما غادرنَها، تَلَعْثَمت ألسنةُ الأحياءِ، وضاقت دَلالاتُها، واسْتَشْرَت فيها العُجْمةُ حتى لكأنَّها الرِدَّةُ، ولولا الأمّهاتُ لفَسُدتْ مَعَاني البشر وفقدتْ القدرة على أن تكون لها كثافةُ الإشراقِ وبهجةُ التلاقي".
ويضيف: "فالأمُّ، من حيث ما هي فكرةٌ في ذِهنِ الإنسانِ أزليّةٌ، إنّما هي أيضًا سببٌ رئيسٌ لتأثيثِ العالَمِ بفِلْذَاتٍ من كَبِدِها ورُوحِها، وهو ما يُجيز لنا القولَ ليس العالَمُ، في مُنْتَهى حقيقتِه، إلاّ ما تُنْجِبُه الأمَّهاتُ بكلّ ما يعني الإنجابُ من ألَمٍ ممزوجٍ برغبةٍ في الحياةِ، وربّما بسبب من هذا كلِّه، ارتقت الأمُّ في ثقافات الشعوب، كِيانًا ولفظةً ووظيفةً ومُتخيَّلًا، إلى مَرْقَى النموذَجِ الأعلى التفسيريِّ الذي يلازم حياةَ الإنسانِ، ويطرُقُ لاوَعْيَه الفرديَّ والجمعيَّ، ويَشْرَح ما في ذلك من حُشودِ التصوُّراتِ المتّصِلةِ بالأدبِ والأخلاقِ والمُعتَقَدِ وضُروبِ الاجتماعِ في شكل نصوص أدبية عظيمة أو أقوال مَثَليّةٍ أو حِكَميَّةٍ بديعةٍ".
ويتابع الدكتور السلامي: "لعلّنا واجدون في النتاجات الأدبية ما يُدلّل على أنّ وعيًا بقيمة الأمِّ يقف وراءَ إبداعات الشعوبِ، فقد ظهرت أعمالٌ نثريةٌ وشعرية كثيرةٌ تُمجِّد الأمَّ وهي تُواجه ظروفَها الاجتماعية، فإذا هي في بعض تلك الإبداعات أمٌّ رسولةٌ تُدافع عن الحقّ في الحياة، وتُبشِّرُ بالخِصْبِ في الأرض، وتنشرُ السماحةَ بين الناس، كما حضرت الأمُّ في أعمال أدبية أخرى محمولةً في أقوالٍ تقديسيّةٍ تتداولها الألسنةُ وتحضر في مكتوبات الناس، من ذلك مثلا ما يُحدّثنا به القاص والروائي غي دو موباسان عن الأمّهات في روايته "قويٌّ كالموت"، متّكئًا في ذلك على علاقتِه بوالدته لور ماري جونيفياف، حيث يقول: "إنّنا نُحبُّ أمَّهاتِنا دون عِلْمٍ منا بذلك أو شعورٍ، وهو حبّ طبيعي كالحياة نفسها؛ ولكننا لا نلاحظ عمق جذوره إلّا في لحظة فراقهنّ الأخير، وإنه لا توجد علاقة أخرى يمكن مقارنتها بعلاقتنا بأمهاتنا، لأن جميع العلاقات إنما هي علاقات تنشأ بالصدفة، أما علاقتنا بأمّهاتنا فهي علاقةُ ولادة؛ جميع العلاقات الأخرى تأتي إلينا لاحقًا عبر صُدَف الحياة، أما تلك، فهي موجودة في دَمِنا نفسِه منذ أول يوم لنا على الأرض"، وفي المنحى ذاته نقرأ للشاعرة الأسترالية بام براون قولَها: "حُبُّ الأمِّ مثلُ الهواء: إنه بَدِيهيٌّ في حياتنا إلى حَدِّ أنَّنا لا ننتَبِه له إلاّ حين نفقِدُه".
وعن حضور الأم في الأدب العربي والعالمي، في قصص الحب والتضحية عبر الأجيال، تقول الأديبة السودانية آن الصافي: "يُعد نشيد "أمي يا أجمل كلمة" للشاعر إسماعيل خورشيد من أشهر الأناشيد السودانية التي تحتفي بالأم، معبرًا عن مكانتها في القلوب ودورها العظيم في الحياة، لطالما كانت الأم مصدر الإلهام الأول في الأدب، حيث جسّدت معاني الحنان والتضحية والعطاء في مختلف الثقافات، وتناولت الروايات والقصائد العالمية والعربية صورتها بأساليب متنوعة، مما يعكس مكانتها العاطفية والاجتماعية العميقة.
برزت صورة الأم في الأدب العربي منذ الشعر الجاهلي، كما في قصائد زهير بن أبي سلمى التي أشادت بدورها في التنشئة، أما في العصر الحديث، فقد كتب العديد من الكتاب والشعراء قصصًا وروايات وقصائد عن الأم، منهم الشاعر الهادي آدم الذي قدم قصيدته الشهيرة "الأم" والتي صوّر فيها عاطفة الأم وعطاءها الذي لا ينضب:
من كان يسقيني ومن ذا يطعم
وانا على مهدي أصم وأبكم
من ذا الذي يترجم صرخة ويحيلها
معنى فيدرك ما أقول ويفهم
من ذا يطيع أوامري ومن
الذي في ليله ونهاره أتحكم
أمي ويـا لفـؤادها من جِنّةٍ
كم ذا نعشت منها وكم ذا أنعم
كم كنت أملأ ليلها ونهارها
عبثا يضيق عنه صدرٌ فتحلم
ولكم مرضت فلم يحالف جفنها
غمض ٌ فتسهد والبرية نوووم
أشكو فتشكو ما أحس كأنني
عضوا من جسمها يزال فيعدم
حتى إذا كشف السقام قناعه
عن مقلتي وزال ما تتوهم
طفرت دموع البِشرُ ترسم فرحةً
فيها الحنان العبقري مجسم
حاشا الأمومة ما نسيت حقوقها
وعهودها فيها الأبر والأرحم".
وتضيف الصافي "حين تمازج الأدب بالسينما، برزت شخصية الأم في أعمال كثيرة، ومنها القصة الرائعة ضمن المجموعة القصصية "النوم عند قدمي الجبل" للكاتب حمور زيادة، والتي حوّلها المخرج أمجد أبو العلا إلى الشاشة في فيلمه "ستموت في العشرين"، جسّدت الأم في هذا العمل رمز القوة والصبر، وهي تواجه مصيرًا مؤلمًا صورته خرافة محتومة، لكنها واجهته مع ابنها بكل حب وإيمان.
ومن أشهر مقالات الراحل المقيم الطيب صالح، والتي كتبها تعزية في وفاة الأم تيريزا، بعنوان "الرحيل بلا ضوضاء - الأم تيريزا"، نجد سمات الأمومة في ثوب السمو الأخلاقي والتسامح بلا حدود، مما ورد في مقاله:
"والآن ونحن ننتظر إقلاع الطائرة التي ستعود به إلى باريس وكان الوقت أواخر الليل، إذا ضوء يسطع إلى عينينا، التفت إلى مصدره فإذا السيدة العجيبة، تدخل بهدوء كما يسيل الماء في الجدول، عليها الثوب الأبيض الذي اشتهرت به، وحولها فتيات في مثل زيها... ذهبت وسلمت عليها، وعلمت أنها كانت في "سنار" في الجزيرة جنوب الخرطوم، وأنها قضت شهرًا تحاول أن تساعد ضحايا المجاعة."
عاشت حتى ماتت في سن 87 في أفقر أحياء كلكتا، تخدم المجذومين وذوي العاهات واللقطاء وجميع المساكين، حيث كانت تمثل نموذجًا للأم التي لا تقتصر عطاءاتها على أسرتها، بل تشمل الإنسانية جمعاء.
يظل الأدب شاهدًا على دور الأم في بناء المجتمعات وتشكيل القيم الإنسانية، فهي ليست مجرد شخصية أدبية، بل رمز خالد للحب والتضحية عبر العصور".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل يوم زايد للعمل الإنساني غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية ثقافة وفنون فی الأدب الأم فی العال م
إقرأ أيضاً:
التلقي الطبيعي للأدب
لقد وقفنا في مقالة سابقة على حاجتنا في زماننا المنير إلى الأدب ليجعل حياة الفرد أثرى وأثقل وأغنى، فهل أنّ الأدب يُقَاس بمبيعاته، وبما يُحدثه من أثرٍ في السّوق، وكيف يُمكن أن نتلقَّى هذا الأدب الذي أفنيتُ عمري وأنا أسيح فيه؟ وأعمل على بيان قدرته وقوّته، وهل الأدب شبيه بالمهن التي تدرُّ مالًا أو تُفقر صاحبها؟ وهل يأتي على الإنسان الراغب في الأدب، المقبل عليه، حين من الدَّهر ينفُر فيه من الأدب ويُقْسِم أغلظ الأيمان ألّا يعود إليه وألّا يقترب من تجارته إن كسدت، وهي تجارة دائمة الكساد، باقية الخسران جنيًا للمال، وهي في الآن ذاته فعلٌ ضروريّ للبشر، وآخرُ قلاعِ الدِّفاع عن بشريّة البشر. لم يكن الأدب يومًا مصدرًا للثراء أو الإثراء، هو أداةٌ تحقِّق حاجةَ مَن يؤمن بها، مَن يعتقدُ فيها، وما عدا ذلك، فالأدب ليس ضروريًّا، ليس خبزًا ولا ماءً عند أغلب النّاس، ولكنّه الهواءُ عند فئةٍ من النّاس آمنَت بالأدب، وأدمنته، قراءةً فحسب، أو قراءةً وكتابةً، فالكاتبُ الحقُّ لا يمكن ألَّا يكون قارئًا مدمنًا، فهل يضمن ذلك ثراءً لتجارة الأديب؟ حتمًا في وطننا العربيّ، لا يضمن كسرةَ خبز، فالأدب مهما علا شأنه، ومهما راقت تجارته، واستوى ماؤه، ووفُر زاده، وبيعت منه الطبعة فالطبعة، لا يُمكن أن يحمي صاحبه من أشباح الحاجة وضيق اليد ومفارقة الفقر.
فهل الأدب في خطرٍ اليوم بسبب من تحوّل العالم إلى ماديّة مُطلقةٍ، وإلى تلهّفٍ محموم إلى كفّ الاحتياج الماديّ، وبسبب من تساقُط مرحليّ لاعتقاداتٍ غلَبَت وسادت في القرن العشرين، وقوامها أنَّ الإنسان يُمكن أن يُضحّي بحياته وبماله وبآله فداءً لفكرةٍ أو لقيمةٍ أو لمذهبٍ في الفنّ. الأدب كان معتقَدًا وما زال، صاحبُه لا يريد منه تجارةً ولا ثراءً، وإنَّما يريده أن يُقرَأَ، وأن ينتشر، وأن تعمّ الفكرةُ، وأن تصل الرسالة، فكونٌ بلا أدبٍ هو كونٌ فاسدٌ، قليلُ الأدب، بلا وجهٍ ولا صفةٍ، ولذلك تُولي البلاد المتقدّمة، المغروسة في التقنية والعلم والعوالم الافتراضيّة أهميّة قصوى للعلوم الإنسانيّة عامّة، وللأدب على وجه خاصٍّ، فاحتفت بأقسام الآداب، وجعلتها واجهة جامعاتها، وفخرت بها وبأدبائها مَن فاتَ منهم، ومَن هو قائمٌ، وحفظت كرامتهم، بعدما وقفت على جرم ما فعلته في تاريخها من إهمالٍ لبعض الأدباء الذين رفعوا بأدبهم أمَمَهم.
لا يُمكن للمحامي ولا للمهندس ولا للقاضي ولا للمحاسَب أن يكون ناجحًا، ناجعًا، مختلفًا من بقيّة الأرقام في مهنته، إن كان عاريًا من الأدب، خاليّا من القراءة، عديم السياحة في كون الفنّ عامَّة، وفي كون الشعر أو القصص خاصّة، فـ«الأدب أداة لمعرفة العالم»، وهو أداةٌ وجب على معلّميها أن يبينوا قوّتها وأثرها ودورها في تغيير منظورنا للعالم. كنت دومًا أقول لأصدقائي، التقاعد ليس نهاية علم ولا عمل، وإنّما هو بالنسبة إلينا نحن القُرَّاء وقت أوفر لما لم نتمكّن من قراءته زمن ضغط العمل.
ثلاثة وجوه أضرّت بتلقّي الأدب في عالمنا العربي، الوجه الأوّل لن نخوض فيه كثيرًا لأنّه يحتاج مديد قولٍ وكبير عناية، وهو تغوُّل دور النشر العربيّة واستبداد أغلبها بالكاتب، تأخذ رحيقه وتلقيه عظْمًا تنهشه الكلاب، والوجه الثاني معلّمو الموادّ الأدبيّة الذين حوّلوا الأدب إلى درسٍ بارد لا روح فيه، وهو وجه تحدّثت فيه كثيرًا، والوجه الثالث، هو إفساد تلقّي الأدب بالإيمان بالنظريّات التي تشرّحه، وهو موضوعٌ خصّه الناقد الفرنسي أنطوان كومبانيون بكتاب أسماه «شيطان النظريّة، الأدب والحسّ المُشتَرك»، وهو أمرٌ موصولٌ بالحال النقديّة في تلقّي الأدب، فهل يحتاج القارئ إلى النظريّة النقديّة لتأخذ بيده وتُوَجِّهه إلى مواطن الجمال والحسن في خطاب أدبيّ ما؟ لا شكّ أنّني عندما قرأت أغلب زادي الروائيّ، توفيق الحكيم، المنفلوطي، الأصفهاني، فيكتور هيجو، تولستوي، لم أكن أعرف لا تدوروف ولا بارط ولا غريماس ولا جونات، وكنت أتلذّذ بقراءاتي، أستفيد منها، وأُدمن عليها.
هنالك درجاتٌ من القراءة، ومن النقد، لا شكّ في ذلك، ولكن وجب على المؤمنين بسلطة النظريّة أن يتحرّروا منها بشكل كبير، وأن يُفتِّحوا أذهانهم على «الحسّ المشتَرك»، فالأدب لا يخضع إلى قوانين مشتركة شكليّة، بها تتحدّد منزلته، ولا إلى مسطرة تُسلَّط على كل النصوص الأدبيّة، كما يفعل دُعاة البنيويّة والإنشائيّة والسيمائيّة، وإنّما هو خاضعٌ إلى حسٍّ أدبيٍّ مشترك، به تُحسُّ ما يسمّيه حازم القرطاجنّي بـ«المعاني الجمهوريَّة»، لا يُمكن لناقدٍ حصيف، ذكيّ، ألَّا يعتمد في نقده على هذا التراكم النظريّ النقديّ الهامّ، ولكن وجب عليه امتصاص هذه المفاهيم والأدوات وتذويبها داخل الخطاب النقديّ، فتكون آليّةَ فهم وإدراكٍ، مع آليّات أخرى، أهمّها الإحساس بقيمة الأدب المدروس، فأنا لا أكتب نقدًا حولَ أدبٍ لا يستفزّني سلبًا أو إيجابًا، لا أكتب حول أدبٍ باردٍ، وكذا فعل من تسمّيهم صديقتي الأديبة المغوارة بـ«أولياء الله»، أصحاب النظريّات، فكلّ واحد منهم تخيَّر نصًّا أو نصوصًا هَامَ بها ورشَّحها أرضيَّةً لنظريّته.
لم تقدر النظريّة (في النقد البنيويّ) على محو عنصر أساسٍ من سبعة عناصر يتكوّن منها خطاب الأدب (المؤلّف، الأثر، القارئ، اللّغة، المرجع، التاريخ، النقد)، وهو المؤلّف، الذي ألحّت البنيويّة على موته، والمرجع الذي عملت البنيويّة على حصرِه في الإحالة الخطابيّة دون المقاميّة، فالبنيويّة والإنشائيّة والتفكيكيّة على جليل ما قدّمته من أدواتٍ نقديّة، حوّلت القارئ إلى «آلة تأويل»، لا إلى جهة إحساس وإدراك. التلذّذ بالأدب دون «لماذا؟» أو دون البحث عن علل التلذّذ أمر قديم ومألوف في الأدب، إذ تبحث في نفسك عن سبب استحسانك لقولٍ دون الآخر فلا تجده، وهنالك أيضا «ماء الأدب»، يُميّز نصوصَ الأدب دونَ ضرورةِ الإخضاع إلى هيكلٍ شكليٍّ يجعل النصوص كلّها متشابهة، دون روح، إذ يحلو قولٌ دون آخر، وهما جيّدان، متقاربان، لأنّ الأحلى يكسوه ماء لا ندركك كنهه بالضرورة.
قراءة اللذّة، المتعة، هي غاية الأدب القصوى، لقد لخّص أنطوان كومبانيون، فكرة سطوة شيطان النظريّة على الحسّ النقديّ، بقوله: «صحيح أن المؤلّف مات، ولا علاقة للأدب بالعالم، ولا وجود للترادف، وكلّ التأويلات صحيحة ومشروعة، والمعتمد غير مشروع، لكن مع ذلك يستمرُّ النَّاس في قراءة سِيَر الكُتَّاب، ويتماهون مع أبطال الروايات، ويتابعون باهتمام آثار راسكولنيكوف في شوارع سان بطرسبورغ، ويفضِّلون رواية «مدام بوفاري» على رواية «فاني» وينغمس بارت بلذَّة في قراءة رواية «الكونت مونت كريستو» قبل أن يخلد إلى النوم.
وهذا السبب هو الذي يحول دون انتصار النظرية. فهي عاجزة عن محو الأنا القارئ وإلغائه». التلقّي الطبيعيّ للأدب هو تلقّي المتعة، الاستمتاع، ومن بعد ذلك قد نبحث بأدواتٍ نظريّة عن علل هذا الجمال، وقد نقصر الأمر على متعتنا الذاتيّة.