القتال أم الأسرى…ما هو الخيار المفضل لنتنياهو؟
تاريخ النشر: 24th, March 2025 GMT
كان من الواضح منذ بدء تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، أن نتنياهو لن يلتزم بما تم الاتفاق عليه مع الوسطاء، وأثيرت شكوك قوية في أنه لن يدخل المرحلة الثانية. الخرق المستمر للهدنة من الجانب الإسرائيلي، وعرقلة إدخال المساعدات، والتلكؤ في الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، كانت مؤشرات سلبية لعدم إتمام بنود الاتفاقية، وبالفعل تنصل الاحتلال مما تم الاتفاق عليه، وقام بشن هجماته الوحشية على قطاع غزة واستئناف الحرب بمباركة أمريكية.
نتنياهو أراد باستئناف الحرب التدرّع باليمين المتشدد الذي أثّر اتفاق وقف إطلاق النار على تماسكه، حيث أعاد استئناف الحرب حزب «عظمة يهودية» ورئيسه المتطرف إيتمار بن غفير إلى الحكومة، بعد الانسحاب من الائتلاف عقب وقف إطلاق النار. تزامن مع ذلك، قرار نتنياهو بإقالة رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار، على الرغم من تجميد المحكمة العليا لقرار إقالته لحين النظر في الالتماسات التي قدمتها المعارضة، ورونين بار هو الرجل الذي دأب على اتهام نتنياهو بعدم أهليته لقيادة حملة عسكرية، بما يعني أن نتنياهو يفرغ محيطه من كل المعارضين واسترضاء اليمين الراغب في خوض الحرب للنهاية.
يسعى نتنياهو من خلال هذه الإجراءات، إلى ضمان مستقبله السياسي في ظل دعم اليمين، الذي سوف يساعده في تمرير ميزانية الدولة نهاية هذا الشهر، وإلا سقطت حكومة نتنياهو ويتم الذهاب إلى انتخابات مبكرة، كما أن نتنياهو يجد في استئناف الحرب مخرجا من أزماته الداخلية ومواجهة السؤال عن اليوم التالي للحرب.
ولكن ماذا عن بقية الأسرى الإسرائيليين في غزة؟ كيف سينقذهم نتنياهو بالقتال، على الرغم من أنه لم يفلح في ذلك طيلة خمسة عشر شهرا؟ من الواضح أن الإفراج عن بقية الأسرى ليس على رأس أولويات نتنياهو، فإتمام بنود الاتفاق، وصفقات تبادل الأسرى سوف تعقبه المساءلة التي غالبا ستطيح بمستقبله السياسي، لذلك يرى في الحرب طوق نجاته، وأكبر ضامن لمستقبله السياسي هو القضاء بشكل نهائي على كل شكل من أشكال المقاومة في غزة وسائر فلسطين وهو ما يفسر عملياته العسكرية في الضفة.
وعلى الرغم من المرونة التي أبدتها حماس، خاصة في عدم الممانعة في أن يكون مستقبل الحكم في غزة خاليا من حماس، إلا أن كل المؤشرات تقول إن نتنياهو يذهب في أحلامه إلى القضاء على المقاومة، ولن يكتفي ببدائل فلسطينية أخرى تدير القطاع في ظل الإبقاء على قوة المقاومة.
ومما يقوي قلبه على خوض الحرب، أنه قد أُفرج عن معظم الرهائن بموجب صفقات الاتفاق، فحصيلة الأسرى الذين وقعوا في قبضة المقاومة في السابع من أكتوبر 251 أسيرا، تم الإفراج عن 147 منهم في صفقات تبادل الأسرى، وقُتل 41 منهم خلال الغارات الإسرائيلية، ولم يتبق من الأسرى سوى 59 أسيرا، يروج الاحتلال أن 35 منهم قد قتلوا، بما يعني وفقا للاحتلال أن عدد الذين بقوا أحياء 24 أسيرا.
سيظل السهم الإسرائيلي في انطلاقه، طالما بقي الظهير الأمريكي، وطالما ظل العرب في هذا السبات والاكتفاء بعبارات الشجب والاستنكار دون اتخاذ موقف موحد رادع للاحتلال
إذن، يرى نتنياهو أنه قد أحرز تقدما كبيرا في قضية الأسرى بالإفراج عن معظمهم، بينما يصلح العدد الأقل المتبقي لأن يكون تضحية مناسبة لتحقيق أهدافه.
وهذا بدوره يخفف الضغط الشعبي على نتنياهو، على الرغم من اندلاع المظاهرات المطالبة بالدخول في المفاوضات من جديد، فلا يُتوقع أن يكون حراك الشارع الإسرائيلي بالتأثير السابق نفسه، بعد الإفراج عن معظم الأسرى. يعوّل نتنياهو كذلك على خسارة المقاومة للجزء الأكبر من ترسانة أسلحتها وقوتها الصاروخية، وفقا للاحتلال، ومن ثم يرى فيها فرصة سانحة للقضاء على المقاومة. مقتل بقية الأسرى خلال الغارات على القطاع، سوف يريح نتنياهو من عناء المسؤولية عن إعادتهم، لذلك فهو يضرب بقوة ولا يبالي، فهدفه الذي لن يتراجع عنه هو السيطرة على القطاع ولو كان ثمنه التضحية بالأسرى، وهو أحد البدائل التي طرحها آفي شيلون الكاتب في صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية.
يهدف نتنياهو من خلال السيطرة على القطاع القضاء على المقاومة، أو تسليم سلاحها وتهجير قياداتها، بما يعني القضاء عليها في الحالتين، لكن حماس على الرغم من المرونة التي أبدتها للتوصل إلى استئناف المفاوضات، ترى أن تجريد فلسطين من المقاومة يعني ابتلاع الاحتلال لكامل الأراضي الفلسطينية والوصول إلى المرحلة النهائية من عملية تهويد الأقصى.
نتنياهو يفضل القتال على عودة الأسرى، بل يرى في الأحداث الراهنة فرصة لتغيير أوضاعه الجيوسياسية في المنطقة، فهو يضرب غزة والضفة وبيروت وسوريا في آن واحد، بينما تنوب الولايات المتحدة الأمريكية عنه في ضرب اليمن. سيظل السهم الإسرائيلي في انطلاقه، طالما بقي الظهير الأمريكي، وطالما ظل العرب في هذا السبات والاكتفاء بعبارات الشجب والاستنكار دون اتخاذ موقف موحد رادع للاحتلال.
لكن على الرغم من ذلك، نقول إن تاريخ صراع الاحتلال مع المقاومة الفلسطينية يؤكد عدم قدرته على توقع قدراتها وردود أفعالها، إذ تفاجئه في كل مرة بما لم تصل إليه قوته الاستخباراتية. وبشكل عام، ومهما كانت مآلات هذه الحرب، فإن تلك الجذوة المتّقدة في فلسطين لا يمكن أن تنطفئ، لأنها قضية محسومة لصالح أصحاب الحق والأرض مهما طال أمد الاحتلال، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه نتنياهو غزة الحرب غزة نتنياهو الحرب دولة الاحتلال مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على الرغم من الإفراج عن
إقرأ أيضاً:
مستشار نتنياهو يكشف ملامح رؤيته في غزة: لا دولة فلسطينية أو إعمار دون نزع السلاح
كشف رون دريمر، وزير الشؤون الاستراتيجية وأحد أبرز مهندسي السياسة الإسرائيلية في مكتب نتنياهو، عن خطوط عريضة لرؤية الاحتلال الإسرائيلي لما بعد الحرب في غزة، متحدثا بوضوح عن رفض إقامة دولة فلسطينية، واشتراط نزع سلاح المقاومة، كشرط لأي إعمار أو ترتيبات إدارية في القطاع.
وفي إحدى الحلقات الحوارية عبر بودكاست نُشر مؤخرًا، قال دريمر إن السعودية لن توافق على تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي ما لم تكن غزة قد وُضعت على طريق "تسوية ما"، لكنه استدرك قائلاً إن "القتال العنيف في غزة بات من الماضي"، في إشارة إلى دخول المرحلة السياسية من المعركة، رغم تعثّر محادثات الهدنة.
ملامح "الحد الأدنى" من الأهداف
تحدث دريمر بـ"إيجابية" عن الصفقة التي كانت مطروحة قبل أيام، والتي كان من المفترض أن تؤدي إلى استعادة نصف الأسرى (أحياء وجثامين) مقابل هدنة مدتها 60 يومًا، تُستأنف خلالها مباحثات لإنهاء الحرب إذا توفرت ظروف تحقيق "الحد الأدنى من الأهداف".
وحدد دريمر هذه الأهداف بـ: ( تفكيك البنية العسكرية لحماس - إقصاء الحركة عن الحكم في غزة - ضمان ألا يشكل القطاع تهديدًا أمنيًا للاحتلال الإسرائيلي).
كما رفض فكرة تكرار "نموذج حزب الله في لبنان" داخل غزة، معتبرًا أن مجرد بقاء حماس كسلطة أمر غير مقبول.
وفي رد على تصريحات وزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن، الذي قال إن "حماس فكرة لا يمكن القضاء عليها"، شبّه دريمر حماس بـ"النازيين"، موضحا أن القضاء على الحركة لا يعني محوها فكريا، بل نزع سلطتها وقدرتها العسكرية، كما جرى في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
وأضاف أن حماس موجودة في الضفة الغربية وتركيا وقطر، لكنها لم تنفذ هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر إلا من غزة، لأنها كانت تملك السلطة والقدرة هناك.
لا احتلال.. ولا إعمار مع السلاح
نفى دريمر نية الاحتلال الإسرائيلي احتلال غزة أو البقاء فيها عسكريًا، لكنه شدد على أن أي جهة ستتولى إدارة القطاع يجب أن تتولى أولًا تجريده من السلاح، ثم الانخراط في عملية "نزع التطرف"، بحسب تعبيره، من خلال تغيير المناهج التعليمية، بالتعاون مع شركاء عرب مثل الإمارات، وأثنى على "الإصلاحات" السعودية في هذا السياق.
وأكد أن "من نفذ هجوم السابع من أكتوبر لن يكون له مكان في غزة"، تمامًا كما لم يبقَ للنازيين أي وجود في ألمانيا، على حد قوله.
قال دريمر صراحة إن إقامة دولة فلسطينية "غير مطروحة على الإطلاق" في المدى المنظور، مضيفًا أن "نسبة تأييد الجمهور الإسرائيلي لذلك أقل من صفر".
وأضاف أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لن يمنح الفلسطينيين "فيتو" على اتفاقات التطبيع الجارية مع دول عربية، في إشارة إلى تقاطع المواقف بين الاحتلال الإسرائيلي وإدارة ترامب.
وأشار إلى أن تقليص قدرات حماس سيُسهّل على أي جهة "محلية أو إقليمية" إدارة غزة لاحقًا، دون الحاجة إلى تدخلات عسكرية إسرائيلية متكررة، قد تُقوّض أي سلطة مستقبلية.
الغزيون "كان يجب تهجيرهم"
عبّر دريمر عن رفض الاحتلال الإسرائيلي لإعمار غزة في ظل وجود أكثر من 20 ألف مسلح، وقال إنه "لا أحد سيموّل إعمار القطاع إذا كانت الحرب ستعود بعد عشر سنوات".
واعتبر أن "حرب الجبهات السبع" شارفت على نهايتها، وأن الحرب في غزة هي الأخيرة لعقود، رغم تراجعه لاحقًا بالتعبير عن احتمال وقوع حروب لاحقة.
وانتقد دريمر مصر لإغلاقها معبر رفح أمام المدنيين خلال الحرب، قائلًا إن "استقبال المدنيين مؤقتًا في سيناء كان سيساهم في تقليل الخسائر البشرية، وتسريع إنهاء الحرب"، معتبرًا أن الغزيين كانوا سيعودون لاحقًا، وكان يمكن تجنيبهم ويلات الحرب.
اغتيالات بـ"ميزان خسائر".. وتجويع محسوب
كشف دريمر أن الاغتيالات الإسرائيلية تُدار بمنطق "حجم الهدف"، ما يبرر برأيه مقتل عشرات المدنيين عند استهداف قائد ميداني كبير، تحت مظلة "الحرب على الإرهاب".
وفي واحدة من أكثر التصريحات إثارة للجدل، اعترف بأن الاحتلال الإسرائيلي يراقب مستوى الغذاء في غزة ويسمح بإدخال كميات محدودة عندما تسوء الأوضاع بشكل قد يستفز الرأي العام العالمي، قائلاً: "نخنق الناس دون أن نتركهم يموتون، حتى نتفادى الضغوط الدولية".
يشير مراقبون إلى أن أهمية تصريحات دريمر لا تنبع فقط من محتواها، بل من كونه مهندس السياسة الإسرائيلية في الكواليس، والمبعوث الدائم لتنسيق المواقف مع واشنطن، مما يجعل رؤيته مؤشّرًا دقيقًا على الاتجاهات الاستراتيجية في الحكومة الإسرائيلية، في وقت يتركّز فيه اهتمام الإعلام على شخصيات هامشية مثل بن غفير أو ليبرمان.
وبينما تتعثر مفاوضات الهدنة، ويضاعف الاحتلال الإسرائيلي ضغطه العسكري والسياسي على غزة، تكشف تصريحات دريمر عن طبيعة المعادلات القاسية التي ترسمها تل أبيب لما بعد الحرب، في ظل تجاهل دولي متواصل للجرائم والانتهاكات، وتواطؤ معلن أو صامت من حلفاء إسرائيل في الغرب.