مع بداية فرض الجيش الإسرائيلي لعملية نزوح قسري على سكان رفح، تتضح معالم وأهداف إقحام جيش الاحتلال للواءين عسكريين من الفرقة 36 مدرع في المنطقة وتكليف 4 فرق عسكرية وإدخالها للقطاع، حسب ما أعلن عنه وزير الدفاع يسرائيل كاتس، الذي يكون قد وضع قيد التنفيذ عملية برية شاملة في غزة؛ الهدف منها حشر وتكديس سكانها في الجنوب بمحاذاة الحدود المصرية.



لقد ظهر الآن جليا أنّ نتنياهو الذي أصرّ على إنهاء الهدنة مع حماس واستئناف عدوانه على القطاع في 18 آذار/ مارس الماضي، استخدم ورقة المفاوضات وفي ذهنه خرقها بعد أسابيع قليلة من أجل كسب الوقت الضروري لإسكات الشارع الإسرائيلي ولجم انقسامه، وتبدّى أنّ إيهامه لعائلات الأسرى بأن المفاوضات ستتم عبر مراحل، لم يكن سوى ليتسنى له إطلاق سراح أكبر عدد من الأسرى، بما يُضعف قوة الحشد لدى تلك العائلات في الشارع بعد أن يتبقى عدد قليل جدا منهم في قبضة المقاومة وأغلبهم أموات وقلّة قليلة من الأحياء لن تجد من يدافع عن استعادتهم.

فعل نتنياهو ذلك حتى يبث الخوف وسط أغلبية الإسرائيليين ويشعرهم بضرورة تقديم أولوية الأمن القومي التي تهمّ الجميع؛ على ملف الأسرى الذي يعني عشرات من العائلات الإسرائيلية فقط، بما يعني أن نتنياهو استخدم "المرحلة الأولى" من المفاوضات فترة للمماطلة حتى يتمكن من كسب الغطاء السياسي بعد أن يكون قد تمكن من تصفية ملف الأسرى، لاستكمال خطة الجنرالات التي كان قد بدأها قبل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وحصل لاستئنافها على ضوء أخضر من ترامب، الذي عكَس هو الآخر أولوياته المعلنة بما يتوافق ورغبة نتنياهو فأخّر الاستجابة لمطالبات عائلات الأسرى له باستعادتهم جميعا، وبهذا يكون قد نفض يديه منها إلى الأبد وقدّم عليها المقاربة العسكرية لحلّ مأزق السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.

ما يقوم به نتنياهو الآن في غزة حرفيا هو محاولة فصل الحاضنة الشعبية عن المقاومة، عبر إخلاء قسري للقطاع من السكان المدنيين باستخدام القصف المكثف، في سبيل حشرهم في منطقة قريبة من الحدود المصرية وفرض حصار كامل على المنطقة، ثم استخدام المساعدات الإنسانية في نطاق جغرافي ضيق يحوي مخيما ضخما للاجئين
ما يقوم به نتنياهو الآن في غزة حرفيا هو محاولة فصل الحاضنة الشعبية عن المقاومة، عبر إخلاء قسري للقطاع من السكان المدنيين باستخدام القصف المكثف، في سبيل حشرهم في منطقة قريبة من الحدود المصرية وفرض حصار كامل على المنطقة، ثم استخدام المساعدات الإنسانية في نطاق جغرافي ضيق يحوي مخيما ضخما للاجئين بما يتيح تثبيتهم في منطقة آمنة ومستقرة بعيدا عن مناطق الحرب في غزة، والتي سيتم قطع المساعدات عنها حتى يتم الضغط على من تبقى من المدنيين داخلها من أجل مغادرتها أو الموت، في إطار هجرة تبدو طوعية، وقطع الغذاء عن عناصر المقاومة من أجل إضعافها.

وعلى هذا الأساس فإنّ الهدف الأول من إخلاء غزة هو عزل المقاومة عن السكان وتجويع عناصرها بالتوازي مع العمل العسكري البحت، وتنفيذ المرحلة الأولى من عملية التهجير والتي تتمثل في حشد أكبر قدر من سكان القطاع قرب الحدود مع مصر، تمهيدا للمرحلة الثانية المتمثلة في العبور الكبير باتجاه الأراضي المصرية ومغادرة غزة بشكل نهائي، لتبدأ المرحلة الثالثة والأخيرة من حياة سكان القطاع في شبه جزيرة سيناء، المعزولة جغرافيا وعمليا عن مصر، بعد أن قام الجيش المصري بإخلائها تقريبا من سكانها وحظرها على المصريين.

وفي الواقع، خطة الجنرالات هذه سبقتها خطة السيسي أو بالأحرى فكرته التي اقترحها في 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أياما قليلة جدا بعد اندلاع أحداث طوفان الأقصى، حينها خاطب الإسرائيليين بقوله: "إذا كانت هناك فكرة للتهجير، فلِمَ لا يُنقل الفلسطينيون إلى النقب"، ودون أدنى قدر من الحياء زاد في اقتراحه أنّ مدة مكوث الفلسطينيين في النقب سيحدّدها مدى قدرة جيش الاحتلال على القضاء على المقاومة المسلحة في غزة.

واليوم يصل نتنياهو إلى ما كانت المقاومة ولا تزال تعتبره خطا أحمر، إنه يضغط عليها عبر ارتكاب أفظع إبادة في القرن الواحد والعشرين تستهدف سكان غزة الذين يتعرضون للتجويع والتعطيش، ويضع شرطا تحت النيران لوقف الحرب يفرض تسليم أسلحتها مقابل السماح لقادتها بمغادرة غزة.

بعد مرور 18 عشر شهرا على حرب الإبادة واستباحة أرواح الفلسطينيين ومساكنهم وأراضيهم لا يزال العرب على موقفهم من العلاقة مع الكيان الصهيوني، التطبيع لم يتوقف يوما والدول المطبعة لم تلوح بإلغاء اتفاقياته بل لم تسحب سفراءها من تل أبيب فضلا عن أن تطرد سفراء إسرائيل لديها، موقف مخزٍ يظهر إلى أيّ مدى بلغ الخذلان الرسمي العربي للقضية الفلسطينية
إقليميا، تمكنت إسرائيل، أو هكذا يبدو ظاهريا وإلى اللحظة على الأقل، من إضعاف محور المقاومة وتحييد رأسه إيران ولو مؤقتا، ريثما تفصل في مسألة توجيه ضربة قوية أو هجوم خاطف في حدود الحرب الجزئية ذات النتائج المؤثرة التي تؤدي إلى إحداث شلل في قدرتها على الردّ؛ بما يحقق إحداث خلل في ميزان الردع لصالحها، بالتوازي مع إصدار ترامب إملاءاته لإيران بمناقشة برنامجها النووي على أسس جديدة تلزمها بالتوقف عن السعي لامتلاك أسلحة نووية، بعد أن هدد علي لاريجاني، مستشار المرشد الأعلى، باللجوء إلى السلاح النووي في حال تعرضت إيران إلى هجوم.

وعلى صعيد المقاومة المساندة لغزة، لم يبق لحزب الله ما يقدمه بعد أن سقط نظام الأسد الحليف، وتوسع جيش الاحتلال شرقا في الجولان ليصل إلى سفح جبل الشيخ في الجانب السوري، قاطعا بذلك الطريق على المقاومة اللبنانية التي أصبح من الصعب عليها أن ترسل مسيّراتها انطلاقا من هذه المنطقة الجبلية، التي كانت تتيح لها التخفي وتمنع رادارات جيش الاحتلال المنتصبة أعلى الجبل من أن تكتشفها، كما أنّ المنطقة الخارجة عن المجال الراداري كانت تضمن مرور الدعم العسكري الإيراني إلى حزب الله.

عمليا لم يتبق من إسناد عسكري للمقاومة الفلسطينية سوى ما يبذله الحوثيون في اليمن من ضغط على التجارة الدولية للكيان الصهيوني لدفعه إلى السماح بمرور المساعدات الإنسانية إلى القطاع، إلى جانب إحداث حالة طوارئ في الجبهة الداخلية الإسرائيلية عبر إطلاق صواريخ الهدف منها إبقاء حالة قائمة من توازن التهديد، على الرغم من أنه يتم إسقاطها بالإضافة إلى أنها السبب المباشر في ما يتلقاه اليمن من ضربات جوية أمريكية تستهدف مواقع حيوية للحوثيين.

وبعد مرور 18 عشر شهرا على حرب الإبادة واستباحة أرواح الفلسطينيين ومساكنهم وأراضيهم لا يزال العرب على موقفهم من العلاقة مع الكيان الصهيوني، التطبيع لم يتوقف يوما والدول المطبعة لم تلوح بإلغاء اتفاقياته بل لم تسحب سفراءها من تل أبيب فضلا عن أن تطرد سفراء إسرائيل لديها، موقف مخزٍ يظهر إلى أيّ مدى بلغ الخذلان الرسمي العربي للقضية الفلسطينية، بعد أن صار همهم الأكبر أن يقضي جيش الاحتلال على المقاومة وعلى الحركات الإسلامية التي تهدد عروشهم وكراسيهم، حسب ما يمليه عليهم تفكيرهم السقيم.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الإسرائيلي غزة العرب إسرائيل غزة عرب ابادة مدونات قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جیش الاحتلال فی غزة بعد أن

إقرأ أيضاً:

“دون تلامس”.. باحثون روس يطورون نظاما فريدا لمراقبة المرضى عن بعد

تمكن علماء روس في مجمع “نوفوسيبيرسك أكاديمغورودوك” التكنولوجي في مقاطعة نوفوسيبيرسك، من تطوير نظام طبي جديد قادر على مراقبة المرضى في المستشفيات عن بعد ودون تلامس.

وقال إيغور ميندزيبروفسكي، مدير التطوير في شركة “بابيلون” للصحفيين إن أحد علماء مجمع “نوفوسيبيرسك أكاديمغورودوك” التكنولوجي (أكاديمبارك)، قد طوّر نظام مراقبة فريد لمراقبة مرضى المستشفيات دون تلامس (عن بعد).
وأضاف ميندزيبروفسكي: “يحتوي مشروع “سيف فيجين” على عدد من أجهزة الاستشعار، كاميرات متطورة، وأجهزة ليدار، وأجهزة تصوير حراري. يجمع النظام عددًا من المعايير من المريض، ثم نقوم بتحليلها… نجري “اختبارات تجريبية” في موسكو. وقد أدرجنا الجيش ضمن قائمة التقنيات الواعدة، لأننا نستطيع تقييم عدد من المعايير التي تظهر عند إصابة العسكريين”.
يستخدم نظام الأجهزة والبرمجيات نظامًا من أجهزة الاستشعار والكاميرات فوق سرير خاص للمريض في المستشفى، ويقرأ مؤشرات مختلفة لصحته. تتم معالجة كل ذلك بواسطة “حاسوب فائق صغير” باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، ويزود الطبيب ببيانات عامة.

وأشار ميندزبروفسكي إلى أن “مهمتنا هي إنشاء نظام “يفحص” الأشخاص أثناء وجودهم في المستشفى كإجراء وقائي… لا توجد نظائر (أنظمة مشابهة) دون تلامس”.
وأوضح أن النظام أصبح وسيلةً لتطوير الأسرّة الطبية الوظيفية التي تنتجها الشركة. وتابع: “في جميع أنحاء العالم، أصبحت هذه الأسرّة الطبية نقطةً لجمع بيانات المرضى. وفهمًا لوجهة نظرهم، نعمل بتقنيات “دون تلامس”، بينما يمتلك المنافسون الأجانب تقنيات تلامس. على سبيل المثال، توضع حصيرة خاصة أسفل الغطاء لجمع بعض المعلمات”.
بدوره، أفاد فاديم فاسيلييف، وزير العلوم وسياسة الابتكار في مقاطعة نوفوسيبيرسك، أن السلطات تعتزم المساعدة في تنظيم التشغيل التجريبي للمجمع في مقاطعة نوفوسيبيرسك.

وكالة سبوتنيك

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الكشف عن أبرز الملفات التي تناولها اجتماع نتنياهو وترامب
  • ما أوراق الضغط التي يستخدمها ترامب ضد نتنياهو لوقف حرب غزة؟
  • تدمير وتهجير قسري.. الاحتلال يسرع مخطط الإبادة بغزة قبل الهدنة المحتملة
  • كيا ريو أوتوماتيك تلامس الـ 500 ألف جنيه..صور
  • قبل التهدئة المحتملة .. جيش الاحتلال يُسابق الزمن لتنفيذ مخطط تدمير شمال غزة وتهجير سكانه وتوسيع رقعة الإبادة
  • عندما كان لدينا نخوة..
  • مكتب نتنياهو: التغييرات التي تطلبها حماس "غير مقبولة" لدينا
  • “دون تلامس”.. باحثون روس يطورون نظاما فريدا لمراقبة المرضى عن بعد
  • هل يستطيع نتنياهو إنهاء الحرب دون خسارة صورته كـ”منتصر ؟
  • ابتكار نظام فريد لمراقبة المرضى عن بعد.. كيف يمكن ذلك؟