أكد مقال نشرته مجلة "إيكونوميست" أن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإعادة هيكلة الجامعات تُهدد ازدهار الولايات المتحدة وحريتها، موضحا أن "هذا كلامه حول الثورة الاقتصادية والانتصار بشأن الرسوم الجمركية أشبه بتصريحات روبسبير أو إنغلز".

وأضاف المقال "كما يعلم أي ثوري، لا يكفي مجرد رفع الرسوم الجمركية على الواردات لإسقاط النظام القديم، بل يجب أيضا السيطرة على المؤسسات التي تُسيطر على الثقافة وإعادة تشكيلها، في أمريكا، يعني هذا انتزاع السيطرة على جامعات النخبة أو آيفي ليغ التي تلعب دورا كبيرا في تشكيل النخبة (بما في ذلك حكومة ترامب)".

 

وقال "وقد تُسفر خطة "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" لإعادة هيكلة أيفي ليغ عن عواقب وخيمة على التعليم العالي، والابتكار، والنمو الاقتصادي، وحتى على طبيعة أمريكا، وهذه ليست سوى البداية".


وأوضح "قد تم اختيار الهدف بدقة متناهية، على مدار العقد الماضي، فقدت جامعات النخبة الدعم الحزبي الذي كانت تتمتع به سابقا. وكان هذا جزئيا خطؤها، وفي كثير من الحالات، استسلم قادتها لتفكير جماعي متطرف بشأن القمع، وأصبحوا خائفين من طلابهم، ورفضوا التحدث باسم السلامة".

وذكر أنه "في الوقت نفسه، أصبح الوضع السياسي الأمريكي أكثر استقطابا بسبب التحصيل العلمي، وخسرت كامالا هاريس التصويت الشعبي في الانتخابات الرئاسية لعام 2024. لكنها فازت بأصوات الأمريكيين الحاصلين على شهادات الدراسات العليا بفارق 20 نقطة، هذا المزيج ترك الأكاديمية عرضة للخطر".

وبين المقال أن "التغيير الأكثر جوهرية كان داخل الحزب الجمهوري، واعتبر المحافظون الجامعات النخبوية أرضا معادية حتى قبل أن ينشر ويليام باكلي كتاب "الله والإنسان في جامعة ييل" عام 1951.

ومع ذلك، فقد احترموا أيضا الاتفاق الأساسي القائم بين الجامعات والحكومة الفدرالية: أن دافعي الضرائب يمولون البحث العلمي ويقدمون منحا للطلاب من الأسر الفقيرة، وفي المقابل، تجري الجامعات أبحاثا تغير العالم".

وأضاف "قد يكون لدى بعض الباحثين آراء تزعج البيت الأبيض في ذلك الوقت. كثير منهم أجانب. لكن عملهم ينتهي به الأمر إلى إفادة أمريكا. لهذا السبب، في عام 1962،  موّلت الحكومة مُسرّع جسيمات، على الرغم من أن بعض مَن استخدموه كانوا ذوي شعر طويل ويكرهون السياسة الخارجية الأمريكية. ولهذا السبب، في وقت لاحق من ذلك العقد، اخترع باحثون في الجامعات الأمريكية الإنترنت، بتمويل عسكري".

وكانت هذه الصفقة مصدر القوة العسكرية والاقتصادية على حد سواء. لقد ساهمت في كل قفزة تكنولوجية تقريبا بتعزيز الإنتاج، من الإنترنت إلى لقاحات mRNA ومحفزات هرمون GLP-1 إلى الذكاء الاصطناعي. 

لقد جعلت أمريكا نقطة جذب للأشخاص الموهوبين والطموحين من جميع أنحاء العالم. إن هذا الاتفاق - وليس إعادة مصانع السيارات إلى ما يعرف بـ "حزام الصدأ" هو مفتاح ازدهار أمريكا، والآن تريد إدارة ترامب تمزيقه.

وبحسب المقال، استخدمت حكومة ترامب المنح الفيدرالية للانتقام من الجامعات، وانتقد رئيسا جامعة برينستون وكورنيل الحكومة، وسرعان ما تم إلغاء أو تجميد منح تزيد قيمتها عن مليار دولار، كما اعتقلت الحكومة طلابا أجانب انتقدوا سلوك "إسرائيل" في حرب غزة. 


وقد هددت بزيادة الضريبة على أوقاف الجامعات: فقد اقترح جيه دي فانس (خريج كلية الحقوق بجامعة ييل) رفع الضريبة على الأوقاف الكبيرة من 1.4 بالمئة إلى 35 بالمئة.

ويختلف ما تريده الحكومة في المقابل. أحيانا يكون القضاء على فيروس "الصحوة"، وأحيانا يكون القضاء على معاداة السامية. وهو ما ينطوي دائما على ازدواجية في معايير حرية التعبير، حيث يمكنك التذمر من ثقافة الإلغاء، ثم التشجيع على ترحيل طالبة أجنبية لنشرها مقال رأي في صحيفة جامعية.

هذا يوحي بأنه، كما هو الحال في أي ثورة، يتعلق الأمر بمن يملك السلطة والسيطرة.

حتى الآن، حاولت الجامعات التكتم على الأمر على أمل أن يتركها ترامب وشأنها، تماما كما فعلت العديد من شركات المحاماة الكبرى التي استهدفها الرئيس. يجتمع رؤساء جامعات آيفي ليغ كل شهر تقريبا، لكنهم لم يتوصلوا بعد إلى نهج مشترك. 

في هذه الأثناء، تُغيّر جامعة هارفارد قيادة قسم دراسات الشرق الأوسط، وتتولى جامعة كولومبيا رئاسة ثالثة خلال عام. من غير المرجح أن تنجح هذه الاستراتيجية. 

ولا تُصدّق طليعة "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" مدى سرعة استسلام جامعات آيفي ليغ. كما أن هذه الجامعات تستخف بحماسة الثوار الذين تواجههم، فبعضهم لا يريد فقط فرض ضرائب على هارفارد، بل يريد إحراقها.

وأكد المقال أن "مقاومة هجوم الإدارة تتطلب شجاعة. صندوق هارفارد المالي يعادل تقريبا حجم صندوق الثروة السيادية لسلطنة عُمان الغنية بالنفط، والذي يُفترض أن يُكسبها بعض الشجاعة. لكن هذه الضريبة المُقترحة قد تُقلّصه بسرعة. تتلقى هارفارد منحا تزيد عن مليار دولار سنويا. تبلغ الميزانية السنوية لجامعة كولومبيا 6 مليارات دولار؛ وتتلقى 1.3 مليار دولار كمنح. أما جامعات النخبة الأخرى فهي أقل حظا. فإذا لم تستطع حتى جامعات أيفي ليغ الصمود في وجه التنمر، فلا أمل يُذكر للجامعات الحكومية النخبوية، التي تعتمد بنفس القدر على تمويل الأبحاث ولا تمتلك أوقافا ضخمة لامتصاص ضغوط الحكومة".

كيف تستجيب الجامعات؟
أوضح المقال أن "بعض الأمور التي يرغب رؤساؤها في القيام بها على أي حال، مثل اعتماد قواعد تحمي حرية التعبير في الحرم الجامعي، وتقليص عدد الموظفين الإداريين، وحظر استخدام عبارات "التنوع" في التوظيف، وضمان تنوع وجهات النظر بين الأكاديميين، تتفق مع آراء العديد من الجمهوريين (وهذه المجلة). لكن على الجامعات أن تضع خطا واضحا: حتى لو كان ذلك يعني فقدان التمويل الحكومي، فإن ما تُدرّسه وتبحثه هو قرارها".


وذكر أن "هذا المبدأ هو أحد أسباب تحوّل أمريكا إلى الاقتصاد الأكثر ابتكارا في العالم على مدار السبعين عاما الماضية، ولماذا لم تفعل روسيا والصين ذلك. ومع ذلك، حتى هذا يُقلّل من قيمته. يُعدّ البحث الحرّ أحد ركائز الحرية الأمريكية، إلى جانب حرية انتقاد الرئيس دون خوف من العقاب. لطالما أدرك المحافظون الحقيقيون هذا. قال دوايت أيزنهاور في خطابه الرئاسي الوداعي عام 1961: "الجامعة الحرة هي منبع الأفكار الحرة والاكتشاف العلمي".

وحذّر أيزنهاور، الذي كان رئيسا لجامعة كولومبيا قبل أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة، من أنه عندما تعتمد الجامعات على المنح الحكومية، يُمكن للحكومة التحكم في المنح الدراسية. لفترة طويلة، بدا هذا التحذير هستيريا بعض الشيء. لم يسبق لأمريكا أن كان لديها رئيس مستعد لممارسة مثل هذه السلطة على الجامعات. الآن لديها ذلك الرئيس.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة دولية ترامب الولايات المتحدة الجامعات الأمريكية الولايات المتحدة الجامعات الأمريكية ترامب حراك الجامعات المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

السياسات الأمريكية والعبث بالنظام الاقتصادي العالمي

ترجمة: نهى مصطفى

يمر الاقتصاد العالمي بمرحلة من الاضطراب العميق. فحتى قبل الانتخابات الأمريكية الأخيرة، كان يواجه صدمات جيوسياسية متلاحقة، ويستعد لتحولات تكنولوجية قد تعيد رسم المشهد الاقتصادي بالكامل. أما اليوم، فقد أضيف إلى ذلك مستوى غير مألوف من التغيّر السياسي القادم من أقوى دولة في العالم، مما أدى إلى اهتزازات واسعة، لم تقتصر على الأسواق المالية، بل أصابت أيضًا خبراء الاقتصاد وواضعي السياسات بالتردد والارتباك.

وعلى مستوى أعمق، زعزعت هذه الاضطرابات الأسس التي بُنيت عليها السرديات التقليدية عن الولايات المتحدة. تراجعت الافتراضات المستقرة التي طالما وجهت قرارات الشركات والمستثمرين، وأصبحت القواعد العامة أقرب إلى أوهام قديمة منها إلى بوصلة يُعتد بها. في الوقت ذاته، تراجعت مؤشرات ثقة المستهلكين والمنتجين بشكل حاد، وارتفعت توقعات التضخم إلى مستويات لم تُسجل منذ عام 1981.

في ظل الغموض الراهن، يجد خبراء الاقتصاد صعوبة في التنبؤ بمستقبل الاقتصاد الأمريكي، لكن برز سيناريوهان رئيسيان: الأول يتوقع إعادة هيكلة اقتصادية شبيهة بعهد ريجان وتاتشر، والثاني يرجح ركودًا تضخميًّا شبيهًا بفترة جيمي كارتر.

ومهما كانت النتيجة، ستكون لها تبعات عالمية؛ نظرًا لأن الاقتصاد الأمريكي ظل لعقود في قلب النظام المالي العالمي، والدولار عملة احتياطية رئيسية. لذا، فإن أي تدهور في الوضع الأمريكي قد يمتد أثره إلى بقية العالم، وهو ما دفع كثيرًا من الحكومات إلى محاولة تقليل اعتمادها على سياسات واشنطن المتقلبة. فعلى سبيل المثال، تعمل أوروبا على تعزيز مكانتها الإقليمية، مع بناء علاقات اقتصادية جديدة وأكثر متانة مع أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وفي الوقت ذاته، ترى الصين فرصة سانحة لترسيخ مكانتها كقوة اقتصادية عظمى ذات مصداقية. إلا أن هذه الجهود لا تزال تواجه عقبات معقدة؛ إذ لا توجد دولة أخرى تضاهي الولايات المتحدة في الثراء أو القوة لتأخذ مكانها.

مع تصاعد عدم الاستقرار، تحتاج الحكومات والشركات والمستثمرون إلى سرعة ومرونة أكبر، مع توافر رأسمال وقدرات بشرية قادرة على التكيّف. فالمرونة قد تساعدهم على تجاوز الأزمات والخروج أقوى، أما الجمود فقد يُهدد رفاه الأجيال الحالية والمقبلة.

رغم قوة الولايات المتحدة وازدهارها، فإن سياستها الاقتصادية والمالية باتت تشبه أحيانًا ممارسات دول نامية، مع فرض تعريفات جمركية مفاجئة، وقرارات انتقائية تشبه الامتيازات، في ظل عجز مالي متصاعد. وقد بات نهجها أقرب لما شهدته دول أمريكا اللاتينية منه إلى ما ينتظر من أقوى اقتصاد عالمي.

وكلما طال أمد هذا النهج، ازداد خطر تعرّض الاقتصاد الأمريكي لمشاكل تقليدية تواجهها الدول النامية. هناك بالفعل مؤشرات على خروج رؤوس الأموال، وتردد متزايد لدى المستثمرين الأجانب، وقلق متزايد بشأن استقلالية البنك المركزي. فبعد عقود من الهيمنة، سجلت الأسواق الأمريكية أداءً ضعيفًا في مطلع عام 2025. فقد الدولار، الذي كان قويًّا في السابق، جزءًا من قيمته، حتى مع ارتفاع العوائد المرتبطة بحيازته. كما تراجعت السياحة إلى حد كبير. ومن غير المرجح أن يتلاشى هذا الاضطراب قريبًا.

ترشح ترامب في 2024 متعهدًا بإعادة تشكيل الاقتصاد العالمي وسحب الحماية الأمريكية، وهو ينفذ وعوده بلا مؤشرات على التراجع. وقد أدت سياساته، مثل الرسوم الجمركية وضعف الدولار، إلى اضطراب عالمي كبير، في ظل غياب قيادة موثوقة توجه الدول وسط هذه المرحلة الانتقالية المعقدة.

قائمة الشكوك كثيرة ومقلقة، من تأثير الرسوم الجمركية على التجارة والتضخم، إلى قدرة البنوك المركزية، خصوصًا الاحتياطي الفيدرالي، على تحقيق التوازن بين السيطرة على الأسعار وتجنب الركود، وسط توتر متزايد بين ترامب وجيروم باول يهدد استقلالية البنك وثقة الأسواق.

لا أحد يعرف بعد تأثيرات انقطاعات سلاسل التوريد أو ما إذا كانت الدول ستجبر على الاختيار بين الصين وأمريكا. هذا الغموض يربك الحكومات ويعقد قرارات الشركات والمستثمرين، خاصة مع تفكك العلاقات التقليدية بين الأصول، وتراجع موثوقية الملاذات الآمنة، وضبابية مؤشرات العوائد والمخاطر، مما يجعل من الصعب اتخاذ قرارات استثمارية واضحة.

في محاولاتهم لفهم ما قد يحدث، انقسم الاقتصاديون إلى رؤيتين متطرفتين: الأولى، متفائلة بشأن المسار الحالي، تفترض أن إدارة ترامب ستنجح في تقليص حجم البيروقراطية، وإلغاء اللوائح غير الضرورية، وخفض الإنفاق، مما يؤدي إلى قيام حكومة أكثر كفاءة وأقل مديونية، وعودة النمو الاقتصادي. في ظل هذه الرؤية، سيتعافى الاقتصاد من الاضطرابات الراهنة، ويبرز قطاع خاص حر قادر على استثمار الابتكارات التي تعزز الإنتاجية، لا سيما في المجالات التي تتصدرها الولايات المتحدة مثل الذكاء الاصطناعي، وعلوم الحياة، والروبوتات، والحوسبة الكمومية مستقبلًا.

في هذا السيناريو، قد تبقى الرسوم الجمركية الأمريكية مرتفعة، لكن يُتوقع أن تؤدي إلى نظام تجاري أكثر عدالة تُخفّض فيه الدول الأخرى تعريفاتها وتتحمّل مزيدًا من أعباء السلع العامة. تتجاوز هذه الرؤية إصلاحات ريجان وتاتشر، إذ تدعو لإعادة ضبط شاملة للنظامين المحلي والعالمي.

لكن نجاح هذا المسار يتطلب ظروفًا مثالية: نموًا اقتصاديًّا سريعًا لتخفيف الديون، صبرًا من الأسواق تجاه الدولار وسندات الخزانة، وثقة دولية بالتزام واشنطن تجاريًّا رغم التوترات مع الصين. كما يجب أن يكون الاحتياطي الفيدرالي مستعدًا لخفض الفائدة، وهو ما يتطلب حل الخلاف بين ترامب وباول، سواء بالتنحي أو بانتظار انتهاء الولاية في مايو.

في السيناريو المتشائم، قد يحصل ترامب على خفض لأسعار الفائدة، لكن ليس بالطريقة التي يتمناها. في هذا السيناريو، تفشل واشنطن في كبح عجزها المالي، وتتراجع الثقة بمؤسساتها وسط مخاوف متزايدة بشأن سيادة القانون وتجاوزات السلطة. يظهر تخلٍّ تدريجي عن الالتزام بالمعايير الدولية، فيما تبدأ دول أخرى بإعادة تقييم موقعها في النظام العالمي، وتسعى للاعتماد على الذات وبناء تحالفات جديدة، مما يُثير قلق الولايات المتحدة اقتصاديًّا وأمنيًّا.

يعيد هذا السيناريو إلى الأذهان أزمة السبعينيات، حين تسببت صدمات العرض وارتفاع الأسعار وسوء السياسات في ركود عالمي. سيكون المشهد قاتمًا: تكاليف مرتفعة وضعف طلب للشركات، عوائد هشة للمستثمرين، وتراجع في القوة الشرائية والأمان الوظيفي للأسر. قد ينزلق العالم إلى ركود عميق يترك ندوبًا طويلة الأمد على الجيل الحالي والمقبل، وسط ديون متزايدة وتفاوت اجتماعي وأزمات مناخية. وفي ظل الغموض، يبقى كل من السيناريو المتفائل والمتشائم مطروحًا، إلى جانب احتمالات أخرى بينهما.

في بداية عام 2025، أشارت مؤشرات الأسواق إلى احتمالية تقارب 80% لانفراج إيجابي، مقابل 20% لاحتمال تفاقم الأوضاع. لكن هذه النسبة تراجعت إلى أقل من 50% في أوائل أبريل، بعد إعلان ترامب عن رسوم جمركية أعلى بكثير مما توقعت الأسواق. ثم ارتفعت التوقعات مجددًا بنهاية الشهر، مع ازدياد ثقة المستثمرين بأن قرار التأجيل لمدة 90 يومًا سيُفضي إلى رسوم يمكن إدارتها، من دون التسبب في صدمة كبرى للنظام التجاري العالمي.

ومع ذلك، يبقى هذا المزيج هشًّا ومتقلبًا بطبيعته، ومن المرجح أن يظل كذلك في المستقبل القريب. ومهما بلغت تطلعاتها، فقلّة من الجهات -سواء كانت حكومية أو خاصة- تستطيع تحصين نفسها بالكامل من موجات التقلب الاقتصادي المستمرة.

رغم التقلبات، هناك استراتيجيات ممكنة لتجاوز المرحلة، أبسطها المراهنة على استمرار الوضع كما كان. فقد تعافت الأسواق من تصريحات ترامب، وحققت المؤشرات الأمريكية مستويات قياسية، ما يفتح الباب لاحتمال تهدئة نسبية مع استمرار التصريحات والمفاوضات.

في هذه الأثناء، قد تقيد بكين صادراتها في آسيا لتجنّب إثارة قلق الدول من إغراق أسواقها بالسلع الصينية، كما فعلت اليابان قبل عقود عندما فرضت قيودًا طوعية على صادراتها. وقد تُعيد الصين النظر جذريًّا في نموذج نموّها، متخلية عن محركاته التقليدية -كالصادرات والاستثمار الحكومي- لصالح تنشيط الاستهلاك المحلي والاستثمار الخاص. لكن في ظل حالة عدم اليقين السائدة، قد لا تميل الشركات ولا الحكومات إلى المراهنة على تحقق مثل هذه النتيجة المتفائلة.

إذا أصبح الدور الأمريكي في النظامين الاقتصادي والمالي العالمي أكثر ضبابية وفوضوية بطبيعته، فسيكون على صنّاع القرار الاستعداد لعالم أكثر تجزؤًا، تزداد فيه المخاطر من حيث التكرار والحِدة. سنكون أمام واقعٍ يُهيمن عليه تقلب السياسات، واضطراب سلاسل التوريد العالمية، وتوتر أسواق الديون المالية.

وقد تسعى الدول إلى الحد من تعرّضها للمخاطر عبر خطوات تُعمق من الانقسام العالمي. وفي هذا السياق، ستشتدّ المنافسة بين بكين وواشنطن، فيما تحاول قلة من الدول المتأرجحة -مثل البرازيل والهند- الحفاظ على توازن في علاقاتها مع الطرفين. أما الغالبية، فستجد نفسها مضطرة للاختيار.

في ظل هذا الواقع المضطرب، ستحتاج القوى الكبرى إلى تحركات استثنائية. على أوروبا، بقيادة ألمانية أكثر جرأة، التغلب على ترددها بشأن الديون المشتركة وتوسيع صلاحيات بروكسل، مع إطلاق مبادرات دفاعية واقتصادية. الصين مطالبة بقبول التضحية بالنمو قصير الأجل مقابل إصلاحات هيكلية، أما دول مثل البرازيل والهند، فقد يدفعها السلوك الأمريكي المتقلّب إلى كسر الجمود وإطلاق إصلاحات بنيوية. وبالنسبة لأوروبا، قد يشكل هذا الاضطراب فرصة للمضي قدمًا في إصلاحات دراغي، وتعزيز الابتكار والإنتاجية، وتطوير سوق رأسمالية أكثر تجانسًا تُقلّل الاعتماد على الأصول الأمريكية.

رغم أن التغيير الجذري ضروري، فإنه محفوف بالمخاطر، والجمود له كلفته أيضًا. لذلك، قد يلجأ البعض إلى نهج وسط: تقليص انكشافهم على الولايات المتحدة تدريجيًّا وبهدوء، تفاديًا لأي تصعيد. وفي ظل عالم سريع التغير، سيتعيّن على كل جهة -حكومية أو خاصة- تحديد المسار الأنسب لها.

ولمواجهة التقلبات، يجب تعزيز المرونة المالية والتشغيلية والبشرية عبر:

- زيادة السيولة وتنويع سلاسل التوريد والمحافظ الاستثمارية.

- تطوير الكفاءات باستخدام أدوات جديدة، وتحسين الاتصال الداخلي والخارجي، كما ينبغي على صانعي القرار تعزيز قدرتهم على استشراف السيناريوهات المستقبلية، واختبار فعالية استراتيجياتهم، وتحديد مكامن الضعف المحتملة. ويعني ذلك تمكين الوحدات المحلية، والمسؤولين، والأفراد من إعداد الخطط واختبار السياسات بمرونة.

في أوقات عدم اليقين، تزداد قابلية الأفراد للوقوع في التحيزات المعرفية، ومنها «القصور الذاتي النشط» -أي إدراك الحاجة للتغيير، مع التمسك بالسلوك المعتاد. مثال بارز على ذلك شركة IBM، التي رغم إدراكها صعود الحواسيب الشخصية في الثمانينيات واتخاذها قرارًا بتحويل مواردها نحو هذا المجال، فشلت في التنفيذ بسبب تمسك إدارتها بالنهج التقليدي.

النتيجة: تفوقت عليها شركات منافسة، واضطُرت إلى إعادة تشكيل نموذجها لتصبح شركة خدمات، وفقدت ريادتها في قطاع التكنولوجيا.

يشهد العالم حالة غير مسبوقة من انعدام الأمن، مع تراجع استقرار الاقتصاد الأمريكي وضعف التنسيق العالمي، ما يهدد بتفكك النظام التجاري الدولي.

في هذا السياق، على صنّاع القرار التحلّي باليقظة والجرأة، وتجاوز الأدوات التقليدية في إدارة الاقتصاد والأعمال. ورغم صعوبة المرحلة، فإن مواجهة التحديات بمرونة وابتكار، مدعومة بابتكارات قادمة، قد تُمكّن العالم من الخروج من العاصفة أكثر قوة وازدهارًا.

مقالات مشابهة

  • السلطة المحلية في شبوة تكرَم طلابها الخريجين من الجامعات بالعاصمة صنعاء
  • السياسات الأمريكية والعبث بالنظام الاقتصادي العالمي
  • التعليم العالي توجه طلاب المرحلة الأولى لسرعة تسجيل رغباتهم بموقع التنسيق
  • أمريكا تفرض رسومًا 50% على الواردات من النحاس
  • أوراق أمريكا المتساقطة في خريف ترامب
  • توافد طلاب الثانوية العامة للتسجيل بالمرحلة الأولى من تنسيق الجامعات 2025
  • إدارات تعليمية تدعو طلاب الأول والثاني ثانوي لاختبار تحديد الميول المهنية والأكاديمية عبر «مدرستي»
  • جامعة الحديدة تدشن المرحلة الثالثة من حملة مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية في الجامعات الأهلية بالمحافظة
  • بدء المرحلة الثانية بتنسيق الجامعات 2025 في هذا الموعد
  • من داخل معامل تنسيق جامعة القاهرة.. أخطاء شائعة عند تسجيل رغبات التنسيق تجنبها