في عالم تتسارع فيه وتيرة التحول الاقتصادي والتقني، أصبحت ريادة الأعمال حجر الزاوية في مسيرة التنمية المستدامة، ومن هذا المنطلق تواصل سلطنة عُمان جهودها في ترسيخ مفاهيم الريادة والابتكار في نفوس النشء منذ مراحل التعليم الأولى، إدراكًا منها لأهمية تأصيل هذه القيم في بناء جيل قادر على تحويل الأفكار إلى مشروعات، والطموحات إلى إنجازات، بما ينسجم مع مستهدفات «رؤية عُمان 2040» التي تؤكد على تمكين الشباب، وتعزيز الاقتصاد القائم على المعرفة والاستدامة.

وتُعد المدارس ميدانًا خصبًا لاكتشاف المواهب الريادية، حيث تنبثق منها أفكار ومشروعات تتجاوز التوقعات، وتفتح آفاقًا جديدة أمام الطلبة في مسارات ريادة الأعمال، ومن أبرز النماذج التي تميزت على مستوى الطلبة في تعليمية محافظة ظفار، شركتا «Cocoil» و«Charcoal»، اللتان أسسهما مجموعة من الطالبات الطموحات من تعليمية محافظة ظفار وتمكنتا من تقديم منتجات طبيعية مبتكرة ترتكز على الجودة والاستدامة.

شركة «Cocoil»: منتج طبيعي بروح عُمانية

شركة «Cocoil» هي مشروع طلابي متميز في إنتاج وتسويق زيت جوز الهند الطبيعي، أسسته ثلاث طالبات هن: نور بنت عبدالله الشنفرية، وريما بنت محمد شجنعة، وزهوة بنت سهيل جعبوب.

وتقوم فكرة المشروع على إنتاج زيت جوز الهند البكر الممتاز المستخلص من ثمار النارجيل الظفارية الناضجة، باستخدام طريقة العصر البارد للحفاظ على القيم الغذائية والطبية للزيت.

المنتج موجه للاستخدامات الغذائية والتجميلية والصحية والمنزلية، ويتميز بكونه طبيعيًا 100%، بتغليف جذاب يعكس نقاءه وجودته.

تقول نور الشنفرية: انطلقنا من رغبتنا في تعزيز الوعي بفوائد الزيوت الطبيعية، وتقديم بدائل صحية وآمنة للمنتجات الصناعية، وواجهتنا منافسة كبيرة في السوق، لكننا ركزنا على التميز بالجودة والابتكار في طريقة الإنتاج والتغليف.

وقد ساهمت مشاركة الفريق في الفعاليات والمعارض الطلابية في تعزيز الثقة بأنفسهن، وتوسيع دائرة الترويج للمنتج، كما فتحت لهن هذه المشاركات أبوابًا للتفاعل مع مختلف فئات المجتمع، والتعرّف على تجارب الآخرين، مما أسهم في تطوير قدراتهن ومهاراتهن الريادية.

وتطمح الشركة في المستقبل إلى توسيع نطاق عملها لتشمل منتجات طبيعية أخرى، وأن تكون من أوائل العلامات التجارية العُمانية الرائدة في قطاع الزيوت العضوية، على المستويين المحلي والدولي.

شركة «Charcoal» استدامة بيئية بفكر طلابي

أما شركة «Charcoal» التي أسستها الطالبات براءة بنت هيثم بن حسن بن علي اليافعية، وأسيل بنت قاسم بن أحمد بن عبدالقوي اليافعية، والألماس بنت علي بن عبدالله المعلم، فتعد نموذجًا آخر يجسّد الوعي البيئي والابتكار.

يقوم مشروع «Charcoal» على إعادة تدوير قشور جوز الهند وتحويلها إلى فحم طبيعي صالح للاستخدام كبخور، بالإضافة إلى إنتاج سماد عضوي مغذٍ للتربة من بقايا الرماد، ويتميز الفحم بكونه خاليًا من المواد الكيميائية والمواد الكبريتية الضارة، مما يجعله منتجًا صحيًا وصديقًا للبيئة.

تقول براءة اليافعية: استلهمنا فكرتنا عندما لاحظنا انتشار قشور جوز الهند في الشوارع بطريقة غير حضارية، وغالبًا ما يتم التخلص منها بالحرق، مما يزيد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ففكرنا في استغلال هذه المخلفات لصنع منتج مفيد ومستدام.

واجه الفريق تحديات عديدة، من أبرزها عدم توفر الأدوات والمعدات، وغياب مساحة مناسبة للعمل، إلا أن الإصرار والطموح دفع الطالبات للتعاون مع دائرة البحوث الزراعية والحيوانية بظفار، حيث حصلن على الدعم والمشورة من المهندس باسم بن بشير، الذي ساعدهن في بدء الإنتاج التجريبي داخل مختبر الأحياء في المدرسة، بمساندة المشرفة تركية بنت ناحي اليافعية، وتوجيه أخصائيات التوجيه المهني أميرة بنت محمد باعلوي وفاطمة الكاف.

ولم تقف إنجازات الشركة عند هذا الحد، بل حصدت الطالبات جائزة أفضل منتج مبتكر على مستوى سلطنة عُمان في ديسمبر 2024، خلال مسابقة «تكنو وابتكار»، كما شاركن في عدد من المعارض والمسابقات الريادية مثل معرض «النقاء الخليجي» المقرر في فبراير 2025، ومعرض «جيدكس العالمي» في أبريل 2025.

تطمح الطالبات إلى إنشاء مصنع متخصص لصناعة الفحم الطبيعي بأنواع وأشكال متعددة، تلبي مختلف أذواق المستهلكين، خاصة في المناسبات والأعياد، ليكنّ بذلك رائدات في تقديم منتج محلي يحمل الهوية الظفارية نحو الأسواق الخليجية والعالمية.

التوجيه المهني دعم مستمر وصناعة فُرص

أوضحت أخصائيات التوجيه المهني أن لريادة الأعمال مكانة بارزة ضمن مسارات التوجيه بعد الصف الثاني عشر، ولذلك يسعى التوجيه المهني إلى تقديم الدعم المعرفي والمعنوي للطلبة، من خلال تنمية المهارات، وبناء شبكة علاقات داخل المدرسة وخارجها، وتعزيز الثقة بالنفس، وترسيخ مبادئ التفكير النقدي وحل المشكلات.

وأكدت الأخصائيات أن اختيار المشروعات يتم بناءً على عدة معايير، منها توافق فكرة المشروع مع موضوع المعرض، والابتكار، وجودة المنتج، واستغلال الموارد الطبيعية، ومدى توافقها مع «رؤية عمان 2040»، بالإضافة إلى شمولية الفكرة وقدرتها على استهداف فئات متعددة من المجتمع.

وعن الأثر التربوي والتعليمي لهذه التجربة، أشرن إلى أن الطالبات اكتسبن مهارات حياتية ومهنية متنوعة، مثل التخطيط والإدارة والتسويق والعمل الجماعي والعرض والإقناع، بالإضافة إلى تعزيز الوعي البيئي والاجتماعي، من خلال توظيف الموارد الطبيعية في مشروعات مستدامة.

توسّع مستقبلي نحو مدارس ومنتجات جديدة

أكدت الأخصائيات وجود خطط مستقبلية لتوسيع مبادرات ريادة الأعمال الطلابية لتشمل مدارس أخرى، وتشجيع المزيد من الطلبة على خوض تجارب مماثلة، بهدف تعزيز ثقافة الاعتماد على الذات، وتنمية الاقتصاد المحلي من خلال المنتجات المبتكرة، وتعزيز مفهوم «البراند المحلي» القادر على المنافسة إقليميًا.

وتُعد هذه المبادرات شاهدًا حيًا على فاعلية الاستثمار في الفكر الطلابي، ومدى قدرة النشء على التغيير الإيجابي متى ما أتيحت له الفرصة، بالدعم والتوجيه والتشجيع.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التوجیه المهنی ریادة الأعمال جوز الهند

إقرأ أيضاً:

مؤتمر الخليج لسوق المال .. رؤية مستقبلية للأسواق المالية في سلطنة عُمان والمنطقة

احتضنت مسقط اليوم مؤتمر جمعية الخليج لسوق المال (GCMA) برعاية معالي الدكتور سعيد بن محمد الصقري وزير الاقتصاد، بمشاركة نخبة من كبار المسؤولين في القطاع المالي والاستثماري من داخل سلطنة عُمان وخارجها، حيث جمع المؤتمر أكثر من 150 مشاركا من التنفيذيين رفيعي المستوى في المؤسسات المالية ومديري الأصول وصناديق الاستثمار إضافة إلى المحللين وممثلي الجهات التنظيمية.

جاء تنظيم المؤتمر بدعم من بورصة مسقط وبرعاية شركة ستيت ستريت، ليشكل منصة متخصصة ناقشت خلالها أبرز التحديات والفرص التي تواجه أسواق المال في المنطقة، كما تطرق المشاركون إلى التطورات الاقتصادية والتقنية المتسارعة، وبحثوا سبل تعزيز بيئة استثمارية أكثر كفاءة وجاذبية في الأسواق الإقليمية.

تطورات بورصة مسقط

قال هيثم السالمي الرئيس التنفيذي لبورصة مسقط: شهد المؤتمر تغطية شاملة لعدد من المواضيع المحورية، وعلى رأسها وضع سوق رأس المال في سلطنة عُمان، كما تم استعراض أبرز التغيرات التي طرأت خلال الفترة الماضية، خاصة فيما يتعلق بتحسن السيولة وجذب الاستثمارات.

وأضاف السالمي إنه تمت مناقشة تطورات السوق في سلطنة عُمان مقارنة بالأسواق الخليجية والإقليمية إلى جانب تحليل الأحداث الجارية في المنطقة، سواء في الشرق الأوسط أو الاقتصاد الأمريكي، لاسيما ما يتعلق بالتعرفة الجمركية الجديدة، حيث إن هذا التحليل الجماعي يساعد على فهم المشهد الحالي واستشراف مستقبل المنطقة خلال الفترة المقبلة، بما يتماشى مع أهداف "رؤية عُمان 2040" وما تتطلبه من أعمال واستعدادات.

وأشار الرئيس التنفيذي لبورصة مسقط إلى أنه هنالك عدة عوامل أدت إلى الارتفاع الملحوظ في حجم التداول في بورصة مسقط، حيث إن السبب الرئيسي يعود إلى دخول المستثمرين بقوة خلال الفترة الماضية، ما زاد من الطلب وبالتالي أدى إلى ارتفاع الأسعار.

وأكد السالمي أن مؤشر بورصة مسقط تجاوز حاجز 4500 نقطة، ويعزى ذلك إلى عدة أسباب، منها إعادة هيكلة المحافظ الاستثمارية على المستوى العالمي والتي كان لسلطنة عُمان نصيب منها وإن كان بسيطا، كما ساهمت بداية نشاط صانع السوق في رفع أحجام التداول، والتي وصلت في بعض الأيام إلى أكثر من 10 ملايين ريال عُماني، وهذا نتيجة مباشرة لعمل صانع السوق ومزودي السيولة.

من جانبه قال فيصل بن سعود النبهاني المدير الإداري في شركة "ستيت ستريت" المسؤول عن سلطنة عُمان ودولة قطر: هذا المؤتمر جاء بدعم من شركة "ستيت ستريت" وبالتعاون مع بورصة مسقط والجمعية الخليجية لسوق المال، حيث تم تنظيم هذا المؤتمر لتحقيق عدة أهداف رئيسية، من بينها تسليط الضوء على سوق المال في عُمان بشكل خاص والسوق الخليجية بشكل عام، مع التركيز على التحديات التي تواجه سوق السندات في المنطقة، وكذلك مناقشة أبرز التحديات التي تواجه سوق السندات وما يحيط بها من ظروف، إضافة إلى توقعات الجمعية لنمو هذا السوق خلال العام الجاري.

قال مصطفى بن أحمد سلمان الرئيس التنفيذي للمتحدة للأوراق المالية: يعد مؤتمر أسواق المال من المؤتمرات المهمة جدا، لأنه يسلط الضوء على قضايا اقتصادية محورية، سواء على مستوى الاقتصاد الأمريكي أو الاقتصاد العالمي، وكذلك اقتصاد دول الخليج. حيث تتضمن أعمال المؤتمر تفاصيل وبيانات ثرية تمنح نظرة معمقة حول أداء الاقتصادات، وتعد بمثابة محفزات تشكل خريطة استثمارية واضحة للمنطقة، وللمستثمرين العُمانيين تحديدا فيما يخص المرحلة المقبلة.

و أضاف: "بدأنا مؤخرا نلحظ بوادر تعاف تدريجي في هذه الأسواق، بعد مرحلة من الهبوط، ونأمل أن تشكل هذه التحديات نقطة انطلاق نحو آفاق أوسع. ما يهمنا في دول مجلس التعاون الخليجي هو موضوع أسعار النفط، والتي تتأثر بشكل مباشر بالقرارات الدولية المتعلقة بالضرائب، كما نأمل ألا تكون لهذه القرارات تأثيرات سلبية كبيرة على اقتصاداتنا، خاصة وأننا اليوم في وضع أفضل نسبيا، كما أن استمرار انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 65 دولارا قد يؤدي إلى آثار سلبية، ونتمنى ألا نصل إلى تلك المرحلة".

وتابع مصطفى سلمان أنه بالنسبة لسلطنة عُمان، فإن الاقتصاد بدأ في التحسن، وقد شهد سوق الأوراق المالية العُماني ارتفاعا في حجم التداول مؤخرا، وذلك بفضل مساهمة صناديق الاستثمار، ما انعكس إيجابا على أداء السوق وأدى إلى تحسن ملحوظ ، مشيرا إلى أن الأسواق الخليجية ما زالت في وضع معتدل، بينما كانت الأسواق الأوروبية أكثر ارتفاعا خلال هذا العام مقارنة ببقية أسواق العالم، ومع ذلك فإن التوقعات تشير إلى أن الأسواق الخليجية مرشحة للتحسن خلال الفترة المقبلة خصوصا مع استقرار السوق الأمريكي بشكل أكبر.

تحسن السيولة والأداء

من جانب آخر، قال عبد العزيز بن خليفة السعدي الرئيس التنفيذي لـ"اوبار كابيتال": يعد هذا المؤتمر خطوة إيجابية تبرز التحسن الكبير في السيولة داخل بورصة مسقط، وهو ما يعكس وجود فرص واعدة للمستثمرين، فقد لاحظنا خلال الفترة الماضية ارتفاعا ملحوظا في حجم التداول، ما يدل على تحرك نشط في السوق.

وأشار إلى أن هذا التطور لا يأتي بمعزل عن السياق العام، بل هو جزء من منظومة التغيير الجاري والذي يندرج ضمن الخطة الاستراتيجية لكل من بورصة مسقط وجهاز الاستثمار، كما أن التحسن الذي نشهده لا يقتصر على جانب السيولة فقط، بل يتضمن أيضا تحسنا في أداء الشركات وارتفاعا في أسعار الأسهم.

وأكد أنه عند الحديث عن هذه التحولات لا بد من التطرق إلى التغيرات الحاصلة في الاقتصاد العالمي، وخاصة تلك المرتبطة بالاقتصاد الأمريكي، فضلا عن التوترات السياسية الراهنة.

مقالات مشابهة

  • فضيحة في الأسواق التركية
  • وزير الزراعة يستعرض رؤية مصر لتنمية قطاعي المصايد والاستزراع السمكي
  • من فرنسا.. وزير الزراعة يستعرض رؤية مصر لتنمية المصايد والاستزراع السمكي
  • “مركز إرشاد الحافلات”: أكثر من مليونٍ و400 ألف مستفيد من خدمات التوجيه خلال موسم الحج
  • بلدي صلالة .. خطط ومبادرات تلبي تطلعات المواطنين
  • محافظ أسيوط: انطلاق برنامج تدريبي للشباب عن ريادة الأعمال والشمول المالي بمركز أبوتيج
  • مؤتمر الخليج لسوق المال .. رؤية مستقبلية للأسواق المالية في سلطنة عُمان والمنطقة
  • الإمارات تعزز التعاون في ريادة الأعمال والتكنولوجيا خلال فيفا تك 2025 بفرنسا
  • وزير التعليم العالي يناقش مع المعهد العالي لإدارة الأعمال HIBA الرؤى المستقبلية والتحديات
  • التنافس الجيوسياسي يواكب تطور العلاقات بين إثيوبيا وفرنسا