بين قصورهم الفخمة وسجادهم المزخرف تسقط صرخات أطفال غزة فلا تبلغ آذانهم ولا توقظ ضمائرهم. يجلس الحكام العرب على عروش صنعتها واشنطن وهندستها تل أبيب، متكئين على وسائد الوهم متظاهرين بالحكمة، فيما شعوبهم تعرف أن ثمن عروشهم كان دوماً دماً فلسطينياً وجوعاً عربياً وقهراً لا يُطاق.
ما الذي تبقى من الكرامة حين تتحول أراضي غزة إلى مقابر جماعية بينما تتوالى البيانات الباردة من عواصم عربية ترفل في الأمن والخبز والجبن المستورد؟ هل بات الصمت دبلوماسية؟ وهل أصبحت الخيانة شطارة سياسية؟
إنهم يدركون أن بقاءهم مشروط بالسكوت، وأن كل كلمة تصدر بحق المحتل قد تُخصم من أرصدتهم في البنوك الغربية أو تُقصيهم من موائد القرار.
يراقبون أشلاء الأطفال على الشاشات ويواصلون طقوس الحكم بدم بارد لا يرتعش. يتبجحون بالاعتدال ويبيعون ما تبقى من مروءة في مؤتمرات السلام والتطبيع، وهم يعلمون أن العدو لا يريد سلاماً، بل استسلاماً كاملاً يبدأ من القدس ولا ينتهي عند بوابة خنوعهم.
العيب ليس في غزة الجريحة، بل في أولئك الذين باعوا الكرامة بكسرة حكم، ورضوا أن تكون عروشهم متخمة فوق بطون خاوية من كل شيء إلا من الكرامة والصبر والإيمان بأن الشعوب لا تموت وأن هذه الأمة لا تُقهر طالما أن فيها من يرفض الذل ويؤمن أن النصر قادم لا محالة.
وما بين صمتهم المريع ودماء الأبرياء تكتب غزة ملحمة من نور تتحدى بها عتمة الخذلان العربي وترسم بدماء أطفالها خريطة الكرامة من جديد بينما القابعون على العروش لا يحركون ساكناً وكأن الدم الفلسطيني لا يعنيهم وكأن صور الجثث والأنقاض لا تمر على شاشاتهم أو تمر دون أن تهز ذرة من ضمير.
يتذرعون بالحكمة وبالحرص على الاستقرار وكأن الوقوف في صف الظالم هو قمة الحياد وكأن الخنوع للمحتل هو قمة الرشد يتحدثون عن القانون الدولي وهم أول من دهسه تحت أقدام مصالحهم يتحدثون عن الإنسانية وقد صارت إنسانيتهم سلعة للبيع في بورصات السياسة.
من المحيط إلى الخليج ننتظر صوتاً واحداً يخرج من قصر عربي لا ينافق لا يخاف لكن لا صوت يعلو فوق صوت التواطؤ والخذلان كل شيء مستباح في فلسطين إلا كرامتهم المصطنعة التي لا تحتمل حتى شجباً صريحاً.
لكن غزة لا تعول على هؤلاء لم تعول يوماً ولا تنتظر منهم نصراً لأنها عرفتهم جيداً وعرفت أن الطريق إلى الحرية لا تمر من قصورهم بل تمر من بين الركام من زقاق الشهداء ومن بين أيدي المقاتلين الذين لا يملكون إلا الإيمان والإرادة.
الجوع في غزة ليس عارضاً طارئاً بل هو سلاح ممنهج يستخدمه العدو وأعوانه لتركع الأرض التي لا تركع، حصار خانق ومستمر يمنع الغذاء والدواء ويخنق الأنفاس والموجع أن بعض الأنظمة العربية تتواطأ بالصمت أو المشاركة المباشرة تحت مظلة المصالح أو الأوامر الدولية.
في الوقت الذي تتآكل فيه أجساد الأطفال من الجوع وتموت الأمهات قهراً أمام أوجاع لا قدرة لهن على شفائها تنعم بعض العواصم العربية بترفٍ فاحش وتبني عروشاً شاهقة على حساب بطون خاوية في غزة ويزداد المشهد وجعاً حين نرى تلك الأنظمة تغلق أبوابها وأجواءها في وجه قوافل الدعم وتفتحها أمام التطبيع والتنسيق الأمني.
لا يمكن فصل الجوع في غزة عن المشهد السياسي العام فهو ليس قدراً بل نتيجة مباشرة لحصار إسرائيلي معلن وصمت عربي مخجل وتآمر دولي واضح ومع كل يوم يمر يصبح الجوع شكلاً من أشكال القتل البطيء تذبح به غزة أمام أعين العالم.
لكن رغم الجوع والصمت العربي تبقى غزة حية بإرادة أهلها وصبر أبطالها وتبقى الكرامة هناك أكثر حضوراً من كل قصور الذهب والكراسي الوثيرة وتبقى دموع الأمهات على جوع أطفالهن أقوى من خطابات الزيف والتبرير وتبقى غزة رغم كل شيء عصية على الانكسار.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
وفاة شاب من غزة قبل قليل نتيجة الجوع الشديد
#سواليف
قصته ليست مجرد خبر عابر، بل هي صرخة مدوية تروي #مأساة_حقيقية يعيشها الآلاف في قطاع #غزة، حيث تحوّل الجوع إلى #قاتل_صامت ينهش #الأجساد ويسرق الأرواح، ويترك خلفه عائلات مفجوعة ومجتمعًا يئن تحت وطأة الحرمان.
كشف مجمع ناصر الطبي في غزة عن وفاة الشاب #عادل_فوزي_صبحي ماضي (27 عامًا)، بسبب #الجوع و #التجويع الذي تمارسه إسرائيل في #غزة.
توفي عادل في مجمع ناصر الطبي نتيجة سوء تغذية حاد، بعدما انهار جسده الهزيل تحت وطأة الحصار والحرمان ونقص الغذاء والرعاية.
لم يكن طفلًا، لكنه مات كما يموت الأطفال في غزة بصمت، وبلا دواء، وبلا تدخل، وبلا التفات من هذا العالم، الوضع في غزة يزداد سوءًا يومًا بعد يوم، حالات سوء التغذية لم تعد تقتصر على الأطفال فقط، بل باتت تهدد الكبار أيضاً.
مقالات ذات صلة يزن العرب يسجل هدفا تاريخيًا بمرمى برشلونة.. فيديو 2025/07/31وفاة عادل دليل آخر على الكارثة الإنسانية غير المسبوقة التي يشهدها القطاع، لقد أنهكه المرض واستنزفه الجوع حتى غدت مقاومته مستحيلة أمام انعدام أبسط حقوقه في الغذاء والدواء والرعاية. إنها وصمة عار على جبين الإنسانية، وتذكير مؤلم بأن هناك أرواحاً تزهق كل يوم ليس بفعل الإبادة المباشرة فحسب، بل بفعل سياسات الحصار والتجويع التي تحرم الناس من حقهم في البقاء على قيد الحياة بكرامة.
لتكن قصة عادل المؤلمة حافزاً للجميع لنعلي الصوت، ونتحرك بكل ما أوتينا من قوة لوقف هذه المجزرة الصامتة، ومخاطبة ضمير حي في العالم للتحرك العاجل لوقف الإبادة وتقديم المساعدات الإنسانية الفورية لإنقاذ ما تبقى من أرواح في غزة، قبل فوات الأوان.