حضرموت بين التاريخ والخيانات: أطماع تتجدد ومشاريع انفصال تُهزم على تراب يمني لا يعترف بالتقسيم
تاريخ النشر: 18th, April 2025 GMT
يمانيون../
في قلب العاصفة، تقف حضرموت شامخةً، لا بوصفها رقعة جغرافية فقط، بل كهوية ضاربة في الجذور، تأبى أن تُقتطع من جسد الوطن كما تحاول ذلك الأيادي الخارجية، القديمة منها والحديثة. فليست حضرموت محض محافظة يمنية ضمن خارطة عابرة، بل هي ذاكرة أرضٍ استعصت على الطمس، وعبق حضاري ما زال يفوح من ترابها رغم محاولات التغريب والانفصال.
لقد كانت حضرموت – وما زالت – محط أنظار قوى طامعة، تنظر إليها لا كجزء من كيان وطني يمني واحد، بل كغنيمة تنتظر القسمة. ثلاث دول عربية، كما حذّر الرئيس اليمني الأسبق علي ناصر محمد في اجتماع مغلق للحزب الاشتراكي عام 1985، كانت تتأهب لاقتطاع أجزاء من جنوب اليمن؛ المهرة، حضرموت، ولحج وأبين وشبوة، في مخطط إقليمي سري مدعوم من قوى استعمارية كبرى، هدفه إعادة تفكيك ما توحد، وإحياء ما اندثر من مشاريع سلاطين وحكام ما قبل الاستقلال.
ومنذ عقود، تتكرر محاولة تجزئة حضرموت وفصلها عن محيطها الطبيعي والتاريخي، سواء عبر أدوات ناعمة كالمؤتمرات السياسية المشبوهة، أو عبر استغلال الاضطرابات الداخلية، أو عبر تمويل حملات إعلامية وسياسية تروّج للهوية “المستقلة” لحضرموت، متناسية أن هذه الأرض هي من حفظت اسمها وحدودها منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة، في حين تلاشت معظم الممالك اليمنية القديمة، ولم تبق إلا عواصمها أطلالاً.
إنه تراب يمني
ويكفي أن نسترجع تلك اللحظة الفارقة، حين وقف الأمير محمد بن الحسين – أحد الوجوه الملكية اليمنية – أثناء معركة الوديعة على أطراف حضرموت، ليُسأل سؤالاً مُحرجًا من قِبل الأمير خالد السديري: هل هذه الأرض سعودية أم يمنية؟ حينها انحنى الأمير اليمني، والتقط حفنة من تراب الأرض، وقال بصوت ما زال يتردد في ذاكرة التاريخ: “والله إن هذا التراب ملمسه يمني ورائحته يمنية، وإنني أقف على أرض يمنية”.
تلك اللحظة وحدها تلخص كل المعركة: ليست حضرموت مجرد جغرافيا يسهل تقسيمها، بل ذاكرة وهوية وحضارة ممتدة من سدود سبأ، إلى معارك التحرير ضد الحملات الوهابية، إلى مقاومة المشاريع البريطانية والانفصالية في القرن الماضي.
حضرموت في صلب اليمن الواحد: التاريخ لا يُشترى بالدولار ولا يُمزق بخطاب انفصالي
لقد كانت حضرموت وما تزال جزءًا لا يتجزأ من الدولة اليمنية المركزية، من مملكة “معين” إلى “سبأ” و”حمير”، مرورًا بالدولة الإسلامية حين قُسم اليمن إلى ثلاثة مخاليف إدارية كانت حضرموت أحدها، تابعة لعاصمة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة. ولم تخرج حضرموت يومًا من عباءة اليمن إلا بفعل ضعف الدولة المركزية، لا برغبة انفصال أو هوية بديلة.
ومع ذلك، لم تنقطع صلتها بالوطن الأم. ومع كل انحسار لسطوة المركز، تعود حضرموت لتلعب دور القاطرة الحضارية والتاريخية في استعادة اللحمة الوطنية، وقد عُرفت دومًا بوفاء أبنائها لتراب اليمن، وانخراطهم في صناعة التاريخ الوطني على كافة المستويات السياسية والعسكرية والدينية والثقافية.
حملات وهابية واستعمار بريطاني: حضرموت في مواجهة الاحتلال القديم
لم تكن حضرموت في منأى عن مطامع آل سعود، فقد شهدت ثلاث حملات وهابية بين عامي 1806 و1811م، كان هدفها المعلن محاربة ما أسموه “البدع والخرافات”، لكن هدفها الحقيقي كان التوغل في العمق اليمني والسيطرة على حضرموت. غير أن هذه الحملات لاقت مقاومة شرسة من قبائل حضرموت، خصوصًا الصيعر والجعدة، بقيادة رجال أمثال علي بن سالم الجعيدي والسيد عيدروس بن الحامد، الذين أوقعوا الوهابيين في هزائم مُذلة، أبرزها معركة “حدبة حريضة” سنة 1224هـ.
وحتى مع الاستعمار البريطاني، ظلت حضرموت تُعامل كمستعمرة فعلية، رغم التفاهمات الشكلية مع السلطان القعيطي والسلطان الكثيري. كان المستشار البريطاني هو الحاكم الفعلي، في حين كان السلطان يعيش في الهند، تاركًا البلاد للإنجليز يفعلون بها ما يشاؤون.
لكن الحلم الاستعماري لم يكتمل؛ فعشية الاستقلال في 1967، وعند عودة سلاطين حضرموت من جدة إلى المكلا على متن باخرة، وجدوا أن حضرموت لم تعد تنتظرهم، بل كان جيش البادية والجبهة القومية قد سبقوهم إليها، وأجبروهم على التنازل، ليعودوا إلى السعودية لا كحكام، بل كلاجئين سياسيين.
مشاريع التقسيم تحت المجهر: أسرار 1985… ووحدة القرار اليمني
في السادس عشر من أكتوبر عام 1985، اجتمع خمسة عشر عضواً من المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني في جلسة مغلقة، لا تزال تفاصيلها حتى اليوم تحفها طبقة من الغموض، لولا ما كشف لاحقًا في وثائق وتقارير تاريخية. حضر الاجتماع، إلى جانب القيادة الحزبية، مندوبي أحزاب شيوعية عربية وشخصيات فلسطينية رفيعة كجورج حبش ونايف حواتمة، في لحظة مصيرية كانت فيها المنطقة تمور بالمؤامرات والتقاطعات الدولية.
في ذلك الاجتماع الخطير، قدّم الرئيس اليمني الجنوبي حينها، علي ناصر محمد، معلومات غاية في الحساسية. إذ كشف للأعضاء، وللحاضرين من الضيوف، عن مخطط يجري طبخه بعناية من قبل قوى استعمارية غربية، عبر وكلائها الإقليميين، لاقتطاع أجزاء واسعة من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. قالها بوضوح لا لبس فيه: “أمامكم ثلاث دول عربية، تسعى الأولى لاقتطاع المهرة، والثانية لاقتطاع حضرموت، والثالثة لاقتطاع ثلاث محافظات؛ لحج وأبين وشبوة”.
وفي ضوء هذه التحذيرات، دارت نقاشات ساخنة داخل المكتب السياسي، حيث طُرحت مقاربتان: الأولى تدعو لإبلاغ الاتحاد السوفيتي بالمخططات فوراً، والثانية ترى أن الحل الاستراتيجي يكمن في الوحدة العاجلة مع الشطر الشمالي من اليمن كوسيلة لإفشال مشاريع التقسيم. وفي ختام الاجتماع، تم التصويت، فمالت الكفة لصالح الوحدة، بأغلبية صوت واحد (8 مقابل 7).
لم يكن ذلك مجرد قرار سياسي لحظي، بل كان استشعاراً عميقًا لحجم الخطر الداهم على الكيان الوطني. وبعد أربعة أشهر فقط، اندلعت أحداث 13 يناير 1986، والتي كانت إحدى أشد المنعطفات السياسية دموية في الجنوب، لكنها مهدت الطريق عمليًا لانطلاق عجلة الوحدة اليمنية، التي تحققت في 22 مايو 1990.
تكتلات انفصالية على وقع الطمع الإقليمي: مؤتمر حضرموت وتحالف السلاطين
لم تستسلم قوى العدوان لمآلات التاريخ، بل أعادت تموضعها منذ اليوم الأول للعدوان على اليمن في مارس 2015. فمنذ اللحظة الأولى، لم يكن العدوان عسكريًا فحسب، بل مثّل تحركًا متكاملاً لاستهداف هوية اليمن الواحد، عبر تشكيلات سياسية جنوبية ظاهرها تمثيل محلي، وباطنها تفكيك الكيان الوطني إلى مشيخات ودويلات تابعة للنفوذ السعودي والإماراتي.
ففي إبريل 2017، تأسس “مؤتمر حضرموت الجامع”، مدعومًا وممولًا من السعودية والإمارات، كواجهة مطلبية تنادي بجعل حضرموت “إقليمًا مستقلًا”، يتمتع بما يُسمى بالحقوق السيادية الكاملة. وهو المطلب ذاته الذي كانت قد تبنته بريطانيا في خمسينات القرن الماضي، حين حاولت فصل حضرموت عن الجنوب، وإعادتها ككيان سلطاني تحت الوصاية.
ثم ظهر لاحقًا “تحالف القوى الوطنية الجنوبية”، الذي أُعلن عنه في جدة عام 2019، بمشاركة أبناء وأحفاد السلاطين والمشايخ الذين كانوا أدوات الإنجليز بالأمس، وأصبحوا اليوم أدوات لأمراء الخليج. ورغم أن السعودية تفرض رقابة صارمة على أي نشاط سياسي داخل أراضيها، إلا أن التحالف الجنوبي أُعلن من الرياض ذاتها، في سابقة تؤكد حجم التورط الرسمي في مشاريع التقسيم.
ويعيدنا هذا المشهد إلى محاولة السعودية في 1967، لاستمالة سلاطين حضرموت بعد الاستقلال، ودفعهم إلى إعلان “دولة حضرمية” مستقلة، لكن جيش البادية والجبهة القومية أجهضوا هذا الحلم، وسيطروا على المكلا عشية عودة السلاطين، الذين اضطروا للتوقيع على وثيقة التنازل، ليعودوا إلى جدة لا كقادة، بل كلاجئين سياسيين فقدوا الأرض والتاريخ.
النفط في مقابل السيادة: الأطماع الاقتصادية تقود مشروع التقسيم
ما من خريطة انفصال تُرسم إلا وخلفها طمعٌ بثروة. وفي حضرموت، كان النفط والذهب والموانئ والموقع الجغرافي عواملَ جذب لكل متربص. فالمحافظة التي تختزن في باطنها ما يزيد على 60% من ثروة اليمن النفطية، وتحتضن سواحلها أحد أطول الشواطئ في شبه الجزيرة العربية، تحوّلت إلى مطمع تتصارع عليه قوى إقليمية بأقنعة يمنية.
منذ العام 2015، وضعت الإمارات يدها على ميناء الضبة النفطي، ومنعت تصدير النفط عبر القنوات الرسمية، متحكمة في حركة السفن الدولية، وكأن الميناء جزء من أملاكها السيادية. كما أنشأت مواقع عسكرية في مناطق الامتيازات النفطية تحت غطاء “قوات النخبة الحضرمية”، وهي في الحقيقة مليشيات ممولة إماراتياً، لا تخضع لقرار الدولة اليمنية، ولا حتى لحكومة المرتزقة.
وفي الوقت ذاته، عملت السعودية على بسط نفوذها في وادي حضرموت، حيث تتركز أنابيب النفط ومصادر المياه الجوفية. سعت لإنشاء خط أنابيب يصل من صافر في مأرب إلى ميناء نشطون في المهرة مروراً بوادي حضرموت، في خطة تهدف لتأمين خط تصدير نفطي بديل عن مضيق هرمز، بمعزل عن السيادة اليمنية.
ولم تقف الأطماع عند النفط، بل شملت الذهب والمعادن النادرة. فقد حصلت شركات أجنبية، بعضها واجهات لأمراء خليجيين، على عقود تنقيب في الهضبة الحضرمية دون علم أو موافقة الجهات الرسمية. وتحولت هذه العقود إلى عمليات نهب منظّم لثروات البلاد، بينما يُحرم أبناء حضرموت من أبسط حقوقهم في التنمية والخدمات.
حضرموت التي تعرف طريقها: إسقاط المشاريع وبوصلة الجمهورية
ورغم تعدد الواجهات وتغيّر الشعارات، ظل صوت حضرموت الشعبي موحّدًا: “لن نكون بوابة لتفكيك اليمن”. ففي كل مفصل تاريخي، وقفت حضرموت مع المشروع الوطني الجامع، بدءاً من طرد السلاطين في 1967، ومروراً بدعم مشروع الوحدة في 1990، وانتهاءً برفض الانخراط في مشاريع المجلس الانتقالي الانفصالي، أو المشاركة في ما يسمى بالمجالس المناطقية.
وفي كل مرة حاولت السعودية أو الإمارات تمرير مشروعها عبر مؤتمر أو تحالف أو كيان محلي، خرجت قبائل ومكونات حضرموت ببيانات تؤكد على وحدة الأرض والهوية والمصير. كما كانت الحشود الجماهيرية في سيئون والمكلا خير شاهد على أن حضرموت ليست للبيع، ولا تُدار من فنادق الرياض وأبوظبي.
بل إن النخبة المثقفة الحضرميّة، من رجال الدين والكتاب والأكاديميين، تصدّت لمحاولات شرعنة الانقسام. فصدرت مواقف جريئة تحذر من خطورة تغليب المشاريع المناطقية على حساب المشروع الوطني، داعية إلى عودة الدولة اليمنية العادلة التي تحترم التنوع وتوزع الثروات بشكل عادل.
إن حضرموت، التي قاومت الاستعمار البريطاني، وأسقطت دويلات المشيخات، وأفشلت مشروع الانفصال الناعم، هي ذاتها اليوم تصنع الوعي الشعبي الذي يُفشل الحصار والاحتلال، ويمهّد الطريق لبناء دولة يمنية قوية، موحدة، عادلة.
خاتمة: حضرموت… الجدار الصلب في وجه التشظي
ما لم تستطع جحافل الاستعمار البريطاني تحقيقه في أكثر من قرن، تحاول قوى صغيرة في جسد كبير أن تحققه اليوم بوهم السلطة والتمويل الخليجي. غير أن التاريخ لا ينسى، والذاكرة الجمعية للحضارم لا تُخترق بسهولة. فحضرموت ليست مجرد جغرافيا خصبة بالثروات، بل ذاكرة روحية، وهوية ثقافية، وتاريخ سياسي طويل في مقاومة الطغيان.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تُحاك فيها الخيوط من الخارج لتقطيع الجسد اليمني، لكن كما فشلت الحملات الوهابية، ومشاريع السلاطين، واتفاقات الحماية، ستفشل أيضًا اليوم مؤامرات التقسيم الجديدة، لأنها ببساطة تصطدم بجدار حضرمي من الوعي العميق والانتماء الراسخ.
حضرموت، التي قاومت التتريك والسيطرة البريطانية، وتحررت من الحكم السلاطيني العميل، ورفضت أن تكون مطية لتمرير مشاريع الرياض وأبوظبي، تعود اليوم لتقول كلمتها من جديد: لسنا مشروع انفصال، ولسنا طُعماً في فم الذئب الخليجي، نحن اليمن… أصل اليمن، وبوابة عودته إلى تاريخه ومجده.
فمن “حدبة حريضة” التي أسقطت جيش ابن قملا، إلى شوارع المكلا التي أسقطت الرايات السوداء للتكفيريين، إلى ساحات سيئون التي تصدح بالهُتاف: “لا انفصال، لا وصاية”، تتكرر العبارة ذاتها على لسان كل حر حضرمي:
حضرموت كانت وستبقى يمنية… عصيّة على الكسر، عصيّة على البيع، عصيّة على الفناء.
26 سبتمبر : علي الشراعي
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: التی ت
إقرأ أيضاً:
سادس أقوى زلزال بالتاريخ.. ما سر الضربة التي تلقتها روسيا اليوم؟
في فجر 30 يوليو/تموز 2025، ضرب زلزال بلغت قوته 8.8 درجات على المقياس ساحل شبه جزيرة كامتشاتكا في أقصى شرقي روسيا، ليصبح أحد أهم الأحداث الزلزالية في التاريخ الحديث.
ألحق الزلزال أضرارا بالمباني وأصاب عدة أشخاص في المنطقة الروسية النائية، وبسبب قوته، صدرت أوامر بإخلاء معظم الساحل الشرقي لليابان، الذي دمره زلزال بقوة 9 درجات على المقياس، مع وتسونامي في عام 2011.
ويوضع هذا الزلزال في الترتيب السادس بقائمة أشد الزلازل المسجلة قسوة إلى الآن، إلى جانب زلزال "بيو بيو"، الذي ضرب دولة تشيلي، قبالة شاطئ منطقة ماولي التشيلية على عمق 35 كيلومترا تحت سطح البحر، يوم السبت 27 فبراير/شباط 2010.
ويأتي ذلك بعد زلزال وتسونامي فالديفيا أو زلزال تشيلي العظيم، الذي حدث في 22 مايو/أيار 1960، وقد وضعته معظم الدراسات عند 9.4-9.6 على المقياس، ورتب على أنه أقوى زلزال تم تسجيله على الإطلاق، استمر 10 دقائق، وتراوحت أعداد ضحاياه بين ألف و6 آلاف شخص.
وقد صنف الزلزال الذي ضرب شبه جزيرة كامتشاتكا في روسيا اليوم على أنه "زلزال دفعي ضخم"، ويحدث هذا عند حدود الصفائح التكتونية المتقاربة، حيث تجبر إحدى الصفائح التكتونية على الانحشار تحت الأخرى.
ولفهم الفكرة تخيل أن الأرض بحجم التفاحة، في هذه الحالة ستكون القشرة الأرضية بحجم قشرة التفاحة الرقيقة، لكن هناك اختلاف، فقشرة الأرض مقسمة إلى "صفائح تكتونية" متداخلة كما تتداخل قطع الأحجيات الورقية التي يطلب منك تجميعها للحصول على صورة جميلة.
الصفائح التكتونية هي قطع ضخمة من صخور القشرة الأرضية تطفو فوق طبقة منصهرة جزئيا تُسمى "الوشاح".
وتتحرك هذه الصفائح ببطء بسبب تيارات حرارية في باطن الأرض، وقد تصطدم أو تبتعد أو تنزلق بجانب بعضها، وتسبب حركتها الزلازل والبراكين وتُشكّل الجبال والمحيطات على مدى ملايين السنين.
في هذه الحالة، وقع الزلزال على طول خندق كوريل-كامتشاتكا، وهو عبارة عن منخفض عميق وضيق تحت سطح البحر يقع في شمال غرب المحيط الهادي، وقد نشأ عبر ملايين السنين نتيجة تقارب صفيحتين تكتونيتن: صفيحة المحيط الهادي وصفيحة أوخوتسك، بعمق 10 آلاف و542 مترا.
إعلانفي هذه المنطقة، تغوص صفيحة المحيط الهادئ تحت صفيحة أوخوتسك، وتُنتج الطاقة المنبعثة من هذه التحولات التكتونية موجات زلزالية قوية، مما يجعل هذه النوعية الزلازل من أقوى الزلازل المسجلة عالميًا.
يحدث الانزلاق بشكل تدريجي على مدار ملايين السنين، حيث تتراكم الضغوط عند حافة الصفائح، وعندما تصبح هذه الضغوط غير قابلة للتحمل، يحدث تحرر مفاجئ للطاقة في شكل زلزال.
بمجرد أن تتحرر الطاقة المخزنة في الصخور الملتوية، تحدث اهتزازات قوية جدا، تنتقل عبر الطبقات الجيولوجية على شكل موجات زلزالية، مما يؤدي إلى تدمير في المناطق المتأثرة.
وتختلف هذه النوعية عن الزلازل المعتادة، التي تحدث عادة بسبب حركات جانبية بين الصفائح التكتونية مثل الانزلاق الأفقي أو العمودي، وليس انحشار صفيحة تكتونية تحت الأخرى.
في الواقع، شهدت المنطقة نفسها من قبل الزلزال الواقع في الترتيب الخامس بقائمة أقوى زلزال على الإطلاق، وهو زلزال كامتشاتكا 1952 بقوة 9 درجات على المقياس، حيث انزلقت صفيحة محيطية (المحيط الهادي) تحت صفيحة أوخوتسك، على امتداد خندق كوريل-كامتشاتكا.
تسونامي متوسط وزلازل تابعةتسبب هذا الزلزال في تسونامي ضخم اجتاح سواحل روسيا، ووصل تأثير التسونامي إلى هاواي وسبب أضرارًا هناك، كما تم تسجيل موجات على شواطئ ألاسكا وتشيلي.
حينما انزلقت صفيحة المحيط الهادي تحت صفيحة أوخوتسك، فإن هذا النوع من الحركة لا يكون أفقيا فقط، بل يتضمن رفعا مفاجئا لقاع البحر خلال ثوانٍ قليلة، بالضبط كما تضع يديك داخل الماء ثم تحركهما للأعلى، فتلاحظ ظهور موجة أعلى سطح الماء.
في حالة المحيط، فهذا الارتفاع يزيح مليارات الأطنان من الماء للأعلى، مسببًا موجات ضخمة تنتشر بسرعة في كل الاتجاهات.
ونظرا لشدة الزلزال الروسي البالغة 8.8 درجات، فقد حدث تسونامي كبير على طول مناطق الاندساس، أثرت على شبه جزيرة كامتشاتكا، ودفعت إلى إصدار تحذيرات بالإخلاء في جميع أنحاء المحيط الهادي، بما في ذلك اليابان وهاواي وألاسكا.
وقد بلغ ارتفاع موجات تسونامي المرصودة حوالي 4 أمتار، ورغم أن هذه الموجات ليست بحجم بعض موجات تسونامي التي شهدناها في التاريخ، فإنها لا تزال قادرة على التسبب في أضرار جسيمة على طول المناطق الساحلية.
ويظل احتمال وقوع المزيد من موجات تسونامي قائما، رغم أنها ستكون على الأرجح أصغر من الموجات الأولية، وقد تتضاءل شدتها مع انتشارها عبر المحيط الهادي، وتواصل السلطات في المناطق المعرضة لتسونامي مراقبة مستويات سطح البحر وإصدار التحذيرات.
ومن العواقب الشائعة الأخرى للزلازل ذات الدفع الهائل حدوث الهزات الارتدادية، وهي زلازل أصغر حجما تتبع الحدث الزلزالي الرئيسي، حيث تتكيف قشرة الأرض مع التحولات الناجمة عن الزلزال الأولي، وتعد الهزات الارتدادية شائعة في المناطق المتضررة من الزلازل الكبيرة، ويمكن أن تستمر لأيام أو أسابيع أو حتى أشهر.
في حالة زلزال اليوم، تم تسجيل عدة هزات ارتدادية بالفعل، بقوة تصل إلى 6.9 درجات، ورغم أن هذه الهزات الارتدادية أقل شدة من الزلزال الرئيسي، فإنها قد تكون قوية بما يكفي لإحداث المزيد من الأضرار، لا سيما في المباني والبنية التحتية التي أضعفها الزلزال الأولي.
إعلان