- 6 % مساهمة القطاع اللوجستي من الناتج المحلي الإجمالي ويحتل المرتبة الثانية بين القطاعات

- الاتفاقيات والمبادرات شملت مختلف مكونات القطاع .. و«الميل الأول والأخير» أبرز المبادرات

- عروض وتخفيضات بنسبة 50% لوكلاء الشحن على صادرات الشحنات في مطارات عمان

وقعت اليوم 18 اتفاقية في القطاع اللوجستي بقيمة استثمارية تتجاوز 100مليون ريال عماني، وذلك ضمن احتفال وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات باليوم اللوجستي 2025، وتاتي الاتفاقيات في عدة مجالات منها الموانئ والمطارات وأنشطة النقل والتخزين وتوظيف التقنيات الذكية في القطاع اللوجستي، كما تم الإعلان خلال الاحتفال عن الفائزين بجائزة أفضل الممارسات في القطاع اللوجستي لعام 2025.

وقال سعادة المهندس خميس الشماخي، وكيل وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات للنقل: يأتي هذا الاحتفال باليوم اللوجستي تأكيدا على أهمية القطاع، ودوره الأساسي والمحوري في تعزيز الاقتصاد الوطني، فالقطاع اللوجستي واسع ومتنوع ويعد منظومة متكاملة يشمل شبكة الطرق، والموانئ، والمنافذ البرية، والمطارات، والمناطق اللوجستية، وأنشطة النقل، والتخزين، وهو الأساس الداعم لمختلف الأنشطة الاقتصادية والخدمية.

لافتا إلى أن الحفل شهد إطلاق مبادرات تمكينية تُعزز من بيئة العمل في القطاع، وقد شملت الاتفاقيات مختلف مكونات القطاع اللوجستي، سواء البري أو البحري أو الجوي ضمن منصة وطنية جمعت صناع القرار والمستثمرين من القطاع الخاص، مما يعكس جاذبية القطاع وتنافسية مجالاته.

وأكد أن القطاع اللوجستي يساهم حاليًا بأكثر من 6% من الناتج المحلي الإجمالي، ليحتل المرتبة الثانية بين أكبر القطاعات المساهمة، كما تجاوز حجم الاستثمار فيه 2.3 مليار ريال عماني، وأضاف أن المستهدف رفع هذا الرقم إلى 2.5 مليار ريال بنهاية العام الجاري، مع طموح لرفع مساهمة القطاع إلى 14% من الناتج المحلي في المستقبل.

وأوضح أن القطاع اللوجستي يُعد ركيزة أساسية لتحقيق أهداف «رؤية عُمان 2040» في التنويع الاقتصادي، ويُستهدف أن يكون ثاني أكبر مصدر للناتج المحلي الإجمالي، وقد بلغت مساهمة القطاع في عام 2024 نحو 2.25 مليار ريال عماني، بما يعادل 5.9% من الناتج المحلي، بينما تشير التقديرات إلى أن مساهمته قد تصل إلى 36 مليار ريال بحلول عام 2040.

سلطنة عمان مركز لوجستي إقليمي وعالمي

من جهته أكد أحمد بن سعيد العامري، رئيس مكتب التحول ورئيس وحدة العمليات التجارية بالإنابة في مطارات عمان، أن هذه الاتفاقيات تجسد جهود مكتب التحول في تعظيم الإيرادات غير الجوية وإبراز الفرص الاستثمارية المتاحة في مدينة المطار، كما تعكس توجهات مجلس إدارة مطارات عمان نحو مواءمة الجهود مع مختلف الأطراف ضمن منظومة القطاع اللوجستي في سلطنة عمان، بما يسهم بفاعلية في تعزيز مكانة سلطنة عمان كمركز لوجستي إقليمي وعالمي.

من جانبه أوضح المهندس عبدالله بن علي البوسعيدي المكلف بتسيير أعمال مركز عمان للوجستيات بوزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات في كلمته أن استراتيجية القطاع اللوجستي 2040 ترتكز على 4 محاور رئيسية منها تنمية الأسواق، وتسهيل التجارة، وتعزيز التشغيل والتعمين، ودعم التقنيات اللوجستية، حيث تهدف الاستراتيجية إلى زيادة الحصة السوقية للنقل بأنواعه، وتسهيل إجراءات الشحن عبر المنافذ، وتمكين الكوادر الوطنية، وتشجيع استخدام التقنيات الحديثة.

كما أكد أن القطاع يشهد تطورًا سريعًا في تبني تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، ما ينعكس على تحسين الكفاءة التشغيلية وتسريع الإنجاز، وأضاف: إن الوزارة تستهدف من خلال هذا التوجه تعزيز الاستدامة، والتنقل الأخضر، وخفض الانبعاثات الكربونية، دعمًا لهدف الحياد الصفري بحلول عام 2050.

النظام الوطني

وشهد الحفل توقيع الاتفاقية الإطارية لإطلاق النظام الوطني لمجتمع الموانئ الذي يُعد من المبادرات الداعمة لتنفيذ الاستراتيجية اللوجستية 2040، إذ يهدف النظام إلى تعزيز القدرة التنافسية لسلطنة عمان، وتسهيل التجارة، وتحسين كفاءة الأداء من خلال رقمنة سلسلة التوريد، مما يسهم في تسريع إنجاز المعاملات وتسهيل الوصول إلى معلومات الشحنات والسفن، كما يعمل النظام على دمج الأنظمة المختلفة التي يستخدمها أصحاب المصلحة في مجتمع الشحن والموانئ البحرية والبرية والمنافذ الجوية والحدودية، عبر منصات إلكترونية لتبادل المعلومات. كما يوفر النظام بيئة متكاملة لإدارة الطلب والعرض، ويعزز التعاون بين الجهات الحكومية والخاصة.

مبـادرات

كما تم خلال الحفل الإعلان عن عدد من المبادرات الجديدة في القطاع اللوجستي لعام 2025 أبرزها مبادرة تطوير خدمة «الميل الأول والأخير» لربط وسائل التنقل الصغرى بالنقل العام في عدد من مؤسسات التعليم العالي بمحافظة مسقط وولاية صلالة، وتهدف المبادرة إلى تسهيل وصول الطلبة والموظفين إلى وسائل النقل العام من خلال استخدام وسائل تنقل مستدامة مثل الدراجات الكهربائية والمركبات الصغيرة، بما يعزز تكامل منظومة النقل، ويقلل الاعتماد على المركبات الخاصة، ويساهم في خفض الانبعاثات الكربونية وتحسين تجربة التنقل اليومي.

وأعلن خلال الحفل عن مجموعة من العروض الترويجية من مطارات عُمان، أبرزها تمديد عرض المواقف طويلة المدى لتكون برسوم ريال واحد فقط لليوم، وذلك تماشيا مع موسم الخريف وحتى 30 سبتمبر 2025. وشملت العروض أيضا تخفيضات متنوعة عبر متجر «سوق عُمان» للمنتجات المحلية مثل التمور والحلوى العمانية، إضافة إلى خدمة «تسوّق واستلم» في السوق الحرة التي تتيح للمسافرين التسوق إلكترونيًا واستلام مشترياتهم قبل الإقلاع أو عند الوصول، وتستمر حتى 31 ديسمبر 2025. كما أعلنت شركة ترانزوم للمناولة عن خصم بنسبة 5% على رسوم دخول قاعة «مَجَان» في مطار مسقط الدولي حتى 29 مايو 2025.

كما أعلنت «عُمان ساتس» عن تقديم مجموعة من التخفيضات تستمر حتى 31 ديسمبر 2025، تشمل خصمًا بنسبة 50% لوكلاء الشحن على صادرات الشحنات القابلة للتلف من مطار مسقط الدولي، وذلك دعمًا لقطاعات الثروة الزراعية والسمكية في عمان، كما تقدم خصمًا بنسبة 50% على الشحنات المعاد تصديرها (الترانزيت)، في إطار تعزيز موقع مطار مسقط الدولي كمركز لوجستي محوري على مستوى المنطقة.

«اتفاقيات»

وضمن الاحتفال باليوم اللوجستي، تم توقيع عدد من الاتفاقيات أبرزها توقيع اتفاقية إنشاء رصيف الغاز الطبيعي المسال وحماية الشاطئ لمشروع مرسى للغاز الطبيعي المسال بين ميناء صحار وشركة Six Construct LLC Oman Branch.

كما تم توقيع اتفاقية تنفيذ أعمال تعميق القناة الملاحية لمشروع مرسى للغاز الطبيعي المسال بين ميناء صحار وشركة Boskalis International Oman Branch، ويشمل ذلك تعميق القناة الملاحية لمشروع مرسى للغاز الطبيعي المسال بميناء صحار، وتشمل إزالة حوالي 3.8 مليون متر مكعب من المواد لتطوير قناة الوصول، وحوض الرسو، وحوض المناورة.

إلى جانب توقيع اتفاقية إدارة مشروع تعميق القناة الملاحية والإشراف على أعمال الموقع لمشروع مرسى للغاز الطبيعي المسال بميناء صحار مع شركة دبليو إس بي العالمية - فرع سلطنة عُمان وتتضمن الاتفاقية تقديم خدمات استشارية تشمل إدارة المشروع، والدعم الإداري، ومراجعة التصاميم، والإشراف على الموقع، وإدارة المناقصات.

ووقّعت مطارات عُمان اتفاقية مع شركة Rakesh Pandey Gold LLC لتطوير منشأة عالمية لتكرير الذهب ضمن المرحلة الثانية من البوابة اللوجستية بمطار مسقط، عبر استثمار أجنبي مباشر، وبطاقة تكرير يومية تصل إلى 200 كيلوجرام، بالإضافة إلى اتفاقية مع شركة ثروات الخليج العالمية لإنشاء أكاديمية ومركز بحث وتطوير للطائرات بدون طيار في «بوابة الأعمال» على أرض بمساحة تتجاوز 21 ألف متر مربع، وتشمل مركز تدريب، وغرفة تصنيع بالطباعة ثلاثية الأبعاد، ومركزًا لتجميع أجزاء الأقمار الصناعية، وحاضنات أعمال ومتجرا إلكترونيا متخصصا.

إلى جانب توقيع اتفاقية مع شركة أنحاء العالم الواحد للممتلكات لإنشاء مستودع جمركي على مساحة 40 ألف متر مربع بمطار مسقط الدولي، لتخزين مختلف أنواع البضائع، واتفاقية مع شركة سِنان للصناعات المتقدمة لإنشاء مركز متخصص في البحث والتطوير وتصنيع التقنيات المتقدمة ضمن البوابة اللوجستية، إلى جانب توقيع اتفاقية امتياز مع شركة Zahara Airport Services LLC لإدارة وتشغيل فندق المطار بالجانب الأرضي لمطار مسقط الدولي لمدة 12 سنة.

المدينة للخدمات اللوجستية

ووقعت المدينة للخدمات اللوجستية وشركة مختبرات لونستار ألفا، وشركة العالمي للمختبرات والفحوصات لتوسعة محطة صحار اللوجستية لاستيعاب عدد أكبر من المختبرات الخاصة لتقديم خدمات الفحص المختبري للإرساليات الصادرة والمستوردة للمنتجات الزراعية والحيوانية والسمكية والغذائية لتعزيز جودة وسلامة الغذاء.

كما وقعت شركة المدينة للخدمات اللوجستية مع الشركة العالمية للمعدات المتكاملة اتفاقية استثمار في أسطول من الشاحنات الخاصة بقطاع الطاقة لتقديم خدمات النقل والشحن وإنشاء محطة خدمة متكاملة بالدقم للاستثمار في أحدث أسطول من الشاحنات (القاطرات والمقطورات) من حيث التقنيات والسلامة وكفاءة الوقود وسلامة القيادة، أسطول خاص لتقديم خدمات النقل والشحن لشركة تنمية نفط عُمان بإدارة وسائقين عُمانيين 100%.

محطة النقل العام التكاملية

ووقع مكتب محافظ شمال الباطنة وشركة النقل الوطنية العمانية «مواصلات» اتفاقية تعاون لتطوير وتشغيل محطة النقل العام التكاملية بالحافلات في ولاية لوى - محافظة شمال الباطنة، تتضمن الاتفاقية تطوير البنية الأساسية للنقل العام في محافظة شمال الباطنة والاستفادة من موقع المحافظة المميز لتطوير محطة نقل عام تكاملية بالحافلات في ولاية لوى بالقرب من محطة الركاب سكة الحديد (صحار- أبوظبي)، مما يجسد التعاون بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص وبما ينسجم مع «رؤية عمان 2040» في الشراكة المجتمعية، جاءت هذه الاتفاقية بين محافظة شمال الباطنة وشركة النقل الوطنية العمانية «مواصلات» لتطوير وتشغيل محطة النقل العام التكاملية بالحافلات في ولاية لوى.

نظام إدارة النقل البري «دربي»

كما شهد الحفل توقيع كل من الجمعية العمانية للوجستيات وشركة دربي للاستثمار اتفاقية نظام إدارة النقل البري «دربي» حيث تهدف المنصة إلى إدارة العمليات اللوجستية بشكل تجاري لدعم سائقي الشاحنات والمركبات الثقيلة وخاصة التابعة للناقل الوطني، لتوفير فرص الحصول على طلبات النقل من الشركات بشكل مباشر وسهولة الدفع المباشر أو الآجل، وتتكون المنصة من أربع وظائف رئيسية ترتكز في تعزيز القطاع اللوجستي وسلاسل التوريد وربط المخازن في جميع أنحاء السلطنة بخطوط النقل المباشرة وغير المباشرة وإنشاء مراكز لتجميع وتفريق بضائع قصيرة الأمد وربطها بتوصيلات الميل الأخير.

خدمات تزويد السفن بالوقود

ووقعت شركة موانئ أسياد والمناطق الحرة وشركة أسطول للتموين اتفاقية لتقديم خدمات تزويد السفن بالوقود في ميناء السلطان قابوس، وتهدف الاتفاقية إلى دعم القطاع اللوجستي البحري، ورفع كفاءة خدمات التزود بالوقود، وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، وتقديم حلول مستدامة وآمنة.

اتفاقيات مركز عمان للوجستيات

ووقع برنامج تعاون بين مركز عمان للوجستيات وبنك التنمية العماني اتفاقية من أجل تحقيق التعاون المثمر في مجالات تمويل مشاريع القطاع اللوجستي تتضمن تقديم تمويل للفرص الاستثمارية المختلفة في القطاع اللوجستي والمشاريع التنموية ذات القيمة المضافة التي لها أثر تنموي في مختلف القطاعات الاقتصادية، بالإضافة إلى توقيع مذكرة تفاهم بين مركز عمان للوجستيات والأكاديمية العمانية للمؤسسات الصغيرة والمتوسط لتعزيز الاستثمار والتمويل في المشاريع اللوجستية الناشئة، وتوفير البيئة الداعمة لنموها ونجاحها.

وجرى خلال الحفل الإعلان عن الفائزين بجائزة أفضل الممارسات في القطاع اللوجستي، وذلك بهدف مكافأة التميُّز وتحفيز الفاعلين بالقطاع، بالإضافة إلى تقديم عدد من أوراق العمل لمتحدثين عمانيين ودوليين، وجلسة نقاشية بعنوان الاستدامة اللوجستية في ضوء التوجهات العالمية.

رعى الحفل معالي السيد سعود بن هلال البوسعيدي محافظ مسقط وبحضور عدد من أصحاب المعالي والسعادة والرؤساء التنفيذيين في الشركات العاملة في القطاع اللوجستي بفندق قصر البستان بمسقط، وكان عنوان الحفل هذا العام تحت شعار (التقنيات اللوجستية والاستثمار)، وذلك دلالة تأكيد لدور التقنيات الحديثة والمتقدمة في تعزيز تنافسية القطاع اللوجستي، وتحسين كفاءته التشغيلية، واستقطابه للاستثمارات.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مرکز عمان للوجستیات فی القطاع اللوجستی من الناتج المحلی اتفاقیة مع شرکة توقیع اتفاقیة لتقدیم خدمات شمال الباطنة مسقط الدولی النقل العام تقدیم خدمات ملیار ریال سلطنة عمان مطارات ع فی تعزیز سلطنة ع عدد من

إقرأ أيضاً:

فهد الخليلي: تراجع معدلات الإنجاب مؤشر له تبعات اقتصادية تمسّ نمو السوق ونجاح الخطط التنموية

انطلاقا من أهمية استقراء التحولات التنموية من منظور المستثمرين الذين يشكلون ركيزة أساسية في تعزيز الاقتصاد الوطني وتنفيذ توجهاته الاستراتيجية ، حاورت «عمان» فهد بن محمد الخليلي، المؤسس ورئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لـ»بيت بيان للاستثمار» منذ عام 2015، لتسليط الضوء على واقع الاستثمار في سلطنة عُمان، ومدى تفاعله مع رؤية «عُمان 2040»، وما يرافق ذلك من تحولات ديموغرافية واجتماعية، وتغيرات في البنية الاقتصادية وأسواق العمل.

وخلال الحوار، يضع الخليلي بين أيدينا قراءة معمقة للمشهد الاستثماري الحالي، ويستعرض أبرز ملامح العلاقة المتجددة بين القطاعين العام والخاص، والتحديات والفرص المرتبطة بانخفاض معدلات الإنجاب، إضافة إلى رؤيته لدور القطاع الخاص في بناء بيئة استثمارية أكثر تنافسية.

كرجل يقود مؤسسة استثمارية منذ عام 2015، كيف تقرأ التحولات الاقتصادية والاجتماعية في سلطنة عمان؟

إن التحولات الاقتصادية التي شهدناها في سلطنة عُمان جاءت بشكل رئيسي بعد تولّي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله – مقاليد الحكم، كونه كان يقود رؤية «عُمان 2040» منذ بدايتها،

وهي الرؤية التي نسترشد بها كمستثمرين، وتمثل خريطة طريق واضحة للمستقبل.

ما يلفت النظر خلال السنوات الأخيرة هو التغيير في أداء المسؤولين، ونمط تعاملهم مع المستثمرين والمطورين. على سبيل المثال، في مؤتمر ومعرض عمان العقاري الأخير، كان معالي وزير الإسكان والتخطيط العمراني يشرح بنفسه المشاريع المطروحة، ويتواصل مباشرة من هاتفه الشخصي مع المستثمرين والمطورين لمتابعة التفاصيل وتحفيزهم على الانخراط. هذا الأسلوب لم يكن موجودًا في السابق، ويعكس تحولًا حقيقيًّا نحو الشفافية والتواصل المباشر. كما أن التحول الرقمي أحدث نقلة نوعية في إنجاز المعاملات. اليوم يمكن إنجاز العديد من الإجراءات إلكترونيًّا بكل سلاسة، وهذا في حد ذاته تقدم كبير خلال ثلاث سنوات فقط.

ولا ننسى المشروعات الجديدة التي أعلنت عنها الحكومة في قطاعات حيوية مثل الطاقة النظيفة، والبنية الأساسية، والمشاريع الإنشائية، هذه المشروعات، في تقديري، ستخلق عشرات الآلاف من الوظائف خلال الأعوام القادمة، وستُحدث فرقًا كبيرًا في السوق المحلي، خاصة في السنوات الخمس إلى العشر المقبلة، التي أتوقع أن تكون مختلفة تمامًا عما سبقها.

ماذا عن واقع الاستثمار، كيف تقيمونه؟

الواقع الاستثماري في سلطنة عُمان يختلف بطبيعة الحال من قطاع إلى آخر، لكن إذا ما تحدثنا تحديدًا عن قطاع البناء والتشييد والتطوير العقاري، فإننا نمر حاليًّا بفترة خضراء، وهي فترة مربحة وواعدة، خصوصًا بعد التحديات الكبيرة التي فرضتها جائحة كورونا على القطاع خلال الأعوام الماضية.

وما نشهده اليوم هو انتعاش مدفوع بسلسلة من التسهيلات الحكومية، والسعي الجاد والحقيقي من الجهات المعنية لتذليل الصعوبات أمام المستثمرين، وتمكين القطاع الخاص من أداء دوره الحيوي في الاقتصاد الوطني. هناك أيضًا تغير واضح في النهج الحكومي، وفي العقلية الاقتصادية التي تدير المشهد؛ حيث أصبح التركيز منصبًا على التوفيق بين القطاعين العام والخاص، وتمكين الشراكات، ورفع وتيرة الإنجاز.

وخلال الأسابيع الثلاثة الماضية فقط، شهدنا توقيع اتفاقيات تتجاوز قيمتها 10 مليارات دولار في قطاعات استراتيجية مثل الطاقة والمعادن والإسكان، إضافة إلى مشروعات تتعلق ببناء السدود والطرق الخدمية، وغيرها من المبادرات الاستثمارية الكبرى. هذه أرقام كبيرة ومؤثرة، وهي تبعث برسالة واضحة عن وجود بيئة استثمارية جاذبة، وتبشر بخلق وظائف وفرص نوعية لمختلف القطاعات خلال المرحلة المقبلة.

هل هناك تداخل في الأدوار بين القطاعين العام والخاص برأيكم؟

التداخل بين القطاعين أمر طبيعي وموجود في كل مكان، لكن ما يمكن قوله بوضوح هو إن المحرك الأساسي للاقتصاد العُماني خلال السنوات الماضية كان القطاع الحكومي، وكان هو من يدفع القطاع الخاص للتحرك. اليوم، هناك رغبة واضحة لتغيير هذا النمط، والبدء بتمكين القطاع الخاص ليأخذ زمام المبادرة، ويساهم بشكل فعّال في التنمية.

ونلحظ اليوم -كما أسلفت- توجها حقيقيا من الجهات الرسمية نحو تذليل الصعوبات أمام المستثمرين، وتأسيس آليات عمل توافقية بين الطرفين، وهذا ليس مجرد حديث بل واقع ملموس، فالآن يمكنك التواصل مع أي مسؤول عبر الهاتف، وتجد منه انفتاحًا واستعدادًا للدعم، وهو تغير جذري في طريقة التفاعل الرسمي مع القطاع الخاص.

وفي القطاع الصحي، على سبيل المثال، بات 40% من عدد الأسرّة يتبع للقطاع الخاص، وهو مؤشر مهم على التمكين، وكذلك الحال في قطاع التعليم، حيث تسجل المدارس الخاصة حضورًا متزايدًا. كل ذلك يشير إلى أن هناك بيئة محفزة وجاذبة، لدرجة أن عددًا من المستثمرين من خارج عُمان باتوا يزورون البلاد بحثًا عن فرص استثمارية.

بالحديث عن المستثمرين الخارجيين، ومن خلال تواصلكم المستمر معهم، ما الذي يبحثون عنه عند التفكير في الاستثمار بسلطنة عمان؟

المستثمر الخارجي يبحث أولا عن الاستقرار، وهذا ما تتميز به سلطنة عمان، ليس فقط استقرارًا ظرفيًّا بل تاريخيًّا، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. نحن شعب اعتاد على التباين والتنوع، ومتعايش بطبعه، وهذه سمة تجعل من البيئة العمانية بيئة جاذبة ومتقبلة للاختلافات، وهو أمر مهم بالنسبة للمستثمرين.

إلى جانب ذلك، الاستقرار المالي عنصر محوري، فالريال العُماني مرتبط بالدولار الأمريكي، ولا يعاني من تذبذبات تقلق المستثمر. أيضًا التصنيفات الائتمانية لعُمان بقيت مرتفعة رغم الأزمات، وهذا يعطي ثقة في المسار المالي والاقتصادي للدولة.

أما المستثمرون الخارجيون فهم يقرؤون رؤية عمان 2040 من زاوية استشرافية؛ حين يرون أن الحكومة تفتح أبواب التوسع في قطاع معين، يبادرون بالدخول فيه. لكن ما يحتاجه المستثمر اليوم هو وضوح أكبر، لا تكفيه العناوين العريضة، بل يبحث عن تفاصيل دقيقة للفرص والعوائد المتوقعة، لأنه ببساطة أمامه خيارات كثيرة عالميًّا، ولا يمكن جذب اهتمامه دون عرض واضح ومُفصّل.

في ظل التراجع الملحوظ في معدلات، كيف ترون أثر ذلك على الاقتصاد مستقبلا؟

في عام 2012، التقيت بأحد المسؤولين في ماليزيا، وكان حينها يتحدث عن استهداف بلاده لوصول عدد السكان إلى 50 مليون نسمة. استغربت ذلك، لأن التعداد وقتها كان 27 مليونًا، وهو رقم كبير بحد ذاته. لكنه أوضح لي أن المنافسة في المنطقة تحتّم عليهم تعزيز قوتهم البشرية لمواكبة جيرانهم الأكبر عددًا.

اليوم أصبح النمو السكاني مؤشرًا تنافسيًّا بحد ذاته. نرى أوروبا -أو ما يُسمى اليوم بـ«القارة العجوز»- تبذل جهدًا مضاعفًا لتعزيز نسب الإنجاب واستقطاب الكفاءات من الخارج. وفي اليابان، حسب ما قرأت، فإن استمرار معدلات الإنجاب الحالية قد يؤدي -نظريًّا- إلى انقراض سكاني بحلول عام 3000، إذ إن عدد الوفيات بات يتجاوز عدد المواليد، وهو ما يضعهم في مأزق وجودي.

الصين أيضًا تراجعت عن سياسة الطفل الواحد بعد أن بدأت تشعر بأثر ذلك على بنيتها الاقتصادية. وبالتالي، لا يمكن فصل قضية

الإنجاب عن التخطيط الاقتصادي؛ لأنها تمسّ جوهر القوة الإنتاجية للبلد، واليد العاملة، واستدامة النمو.

بالنسبة لسلطنة عمان، تراجع معدلات الإنجاب مؤشر لا يجب تجاهله. فهو إنذار مبكر بضرورة اتخاذ تدابير تساعد العائلات العُمانية على الإنجاب ضمن ظروف معيشية مستقرة؛ لأن هذه الأجيال هي من سيقود التنمية غدًا.

ولكن ما التأثيرات الاقتصادية المباشرة التي قد نشهدها من تراجع معدلات الإنجاب خلال السنوات القليلة القادمة؟

كل منتج أو خدمة في السوق، من العقارات إلى المواد الاستهلاكية، مرتبط بالنمو السكاني. فعلى سبيل المثال، عند إطلاق مشروع عقاري جديد، فإن الفئة المستهدفة غالبًا ما تكون من العائلات الصغيرة والجيل الجديد المقبل على تأسيس حياة أسرية. وبالتالي، كل تأخر أو تراجع في الإنجاب يعني تراجعًا مباشرًا في الطلب على السكن، المدارس، المستلزمات المنزلية، وحتى الخدمات الصحية والتعليمية.

القوة الشرائية مرتبطة بالتعداد، وزيادة السكان مؤشر لا يقلق فقط سلطنة عمان بل العالم بأسره. فنجاح أي منتج أو استثمار يعتمد على وجود سوق حي ونشط، وهذا لا يتحقق إلا بوجود فئة شابة متزايدة. من هنا تأتي أهمية أن تُدرج الحكومة موضوع دعم الإنجاب ضمن خططها الاستراتيجية، سواء على المدى القريب أو البعيد، من خلال تعزيز الحوافز التي تسهّل الزواج وتخفف أعباء تكوين الأسرة.

تراجع معدلات الإنجاب ليس مجرد رقم غير مريح، بل مؤشر له تبعات اقتصادية عميقة تمسّ نمو السوق، وتوسع المشاريع، ونجاح الخطط التنموية بأكملها.

ما أبرز القطاعات التي يركّز عليها «بيت بيان للاستثمار» حاليًّا، وما مدى انسجامها مع رؤية عُمان 2040؟

رؤية عُمان 2040 شدّدت على أهمية تحسين نمط وجودة الحياة، سواء للمواطن أو المقيم، ونحن في «بيت بيان» نضع هذا الهدف في صميم مشاريعنا. من يتابع ما نطرحه يلاحظ أننا لا نكتفي بتقديم مشاريع إنشائية، بل نُقدّم أنماطًا استثنائية من حيث الجودة والمرافق والموقع، ونعمل على مواءمة مشاريعنا مع محاور الرؤية الوطنية، خاصة ما يتعلق بالاستدامة الحضرية والتكامل المجتمعي.

نحن نركز حاليًّا على قطاع التشييد والخدمات، مع حرصنا على توفير بيئات سكنية آمنة ومتكاملة، ومواقع تتسم بالكثافة السكانية المناسبة، لتكون قريبة من الناس وقريبة من بعضهم بعضًا. نسعى لتقريب الخدمات، وتفعيل الأثر الاقتصادي والاجتماعي في مواقع مشاريعنا، بما يحقق مساهمة مباشرة في الناتج المحلي ويستجيب لتطلعات المجتمع.

أما على مستوى الموارد البشرية، فقد وصلنا إلى نسب تعمين تتجاوز 90%، بكفاءات عُمانية مشهود لها. وأستغرب حقيقةً من بعض الأصوات التي تُقلل من كفاءة الموظف العُماني؛ فالعبرة في التمكين السليم، والتدريب، والثقة، والتعامل معه باحترام لخصوصيته، حينها يبرز تميّزه الحقيقي.

في ظل التحولات الحالية، ما المهارات التي يحتاجها الموظف أو المستثمر في بيئة العمل اليوم؟

بصراحة، من لا يمتلك مهارة التعامل مع الذكاء الاصطناعي اليوم يقترب من الأمية بمفهومها الجديد. هذه الأداة تشبه في تأثيرها اختراع الإنترنت من حيث النقلة المعرفية التي أحدثتها للبشرية. المهم ليس فقط معرفة الأدوات، بل القدرة على إدخال المعطيات الصحيحة واستثمار الذكاء الاصطناعي للحصول على النتائج المرجوة.

أما من جانب المستثمر، فعليه أن يكون مستعدًا لتأهيل وتدريب الكفاءات؛ لأن النجاح لا يتطلب فقط تمويلًا أو فكرة جيدة، بل بيئة عمل تدعم التطوير والتعلّم المستمر، وهذا يتطلب التزامًا حقيقيًّا من القيادات.

واليوم لم يعد هناك مبرر لعبارة «لا أعرف». كل شيء متاح، وكل مصادر التعلم أصبحت في المتناول. التحدي الحقيقي يكمن في وجود الشغف، والرضا، والإيمان بالتدرج في المسار المهني. على الشباب ألا يمانعوا من دخول سوق العمل من الرواتب البسيطة، فالتطور الحقيقي يبدأ من الخطوة الأولى، ومن هناك تبدأ رحلة النضج المهني.

مقالات مشابهة

  • بتكلفة 21 مليون جنيهاً.. تنفيذ أعمال المشروعات الخدمية والتنموية بحي ثان الزقازيق
  • «جمارك دبي» تطلق برنامجاً تدريبياً لتمكين الكوادر الوطنية في القطاع اللوجستي
  • فهد الخليلي: تراجع معدلات الإنجاب مؤشر له تبعات اقتصادية تمسّ نمو السوق ونجاح الخطط التنموية
  • توقيع 42 اتفاقية تعاون بين مصر وفرنسا.. حصاد وزارة التعليم العالي للتعاون الدولي في العام المالي 2024 _ 2025
  • الشركة الوطنية للخدمات الزراعية توقع اتفاقية لتعزيز التحول الرقمي في القطاع الزراعي بالمملكة
  • «يقين المالية» تعلن توقيع اتفاقية لغرض الترتيب لعملية طرح أسهم الشركة للإدراج في السوق الموازية
  • رئيس الوزراء يؤكد التزام الحكومة بتوفر الدعم اللازم للقطاع الصحي
  • اتفاقية بين «مورو» و«أوبن تكست» لتسريع التحول الرقمي
  • المملكة تسرّع خطواتها نحو النقل الكهربائي ضمن مبادرة "السعودية الخضراء"
  • توقيع اتفاقية تعاون بين ابرشية مار مارون في كندا وراهبات العائلة المقدسة