حرية الصحافة جزءٌ لا يتجزأ من الحريات العامة عند الأفراد والجماعات. ولأن الحرية نفسها خضعت فلسفيا وفكريا، منذ الفلسفة الإغريقية، مرورا بقرن الأنوار بأوروبا، لعدة تأويلات وشروح وتفاسير، بما في ذلك تآويل النصوص والتعاليم الدينية في أكثر من دين، وأكثر من عقيدة، فإن الحرية هي جزء من بنية الإنسان في حد ذاته، باعتباره كائنا مفكرا، اجتماعيا، لغويا، وعاملا، يتطلب جنسه التفكير الحر من أجل التطور والارتقاء والنمو.
غير أن هذه الحريات، ينبغي أن لا تتعارض مع حرية الآخر، الذي يملك حق تملّك الحرية في حدود ما لا تتعدى هذه الحريات على حرية الآخر أيضا. هذه الجدلية الفلسفية المعيشية، هي صلب كل النقاشات التي لخّصها الفكر الفولتيري في القرن الـ18، عندما حدد حدود الحرية.
حرية الإعلام، والصحافة، والتعبير بشكل عامّ، هي جزءٌ أساسي من الحريات الفردية والجماعية التي يجب أن تنعم بها المجتمعات من أجل مجابهة الرأي بالرأي، ومقارعة الحجة بمثيلتها والبيان وبالتبيين، والأطروحة بنقيضها، بحثا عن الحقيقة والتوافق. هذا، يفيد أن الحرية تتطلب تنازلات من كل الأطراف، كون الحريات إذا أطلقنا لها العنان، فإنها ستطالب بالمزيد، وبلا حدود، على اعتبار أن الذات الإنسانية أنانية بطبعها وتطلب المزيد لها ولو على حساب الآخرين، وهذا ما يفسر الصراعات والخصومات بين الأفراد في العائلة الواحدة وفي المجتمع، ويفسر الحروب والنزاعات المسلحة بين الدول والشعوب، والتوسُّعات الإمبراطورية على حساب بلدان وشعوب أخرى.
يُحيي العالم اليوم، اليوم العالمي لحرية الصحافة، والكل يرى ويسمع، كيف تُغتال الحرية، على محدوديتها في فلسطين وغزة ولبنان وفي كل مكان، وكيف يُستهدف الصِّحافيون على المباشر من طرف القوة الغاشمة المحتلة في غزة، وكيف تجري إبادة شعب بأكمله في ظل تكميم الأفواه وتعمية الأبصار في كبريات وسائل الإعلام العالمية الأمريكية والغربية بشكل عامّ، مما يجعل شعار “حرية الصحافة” مجرد يافطة فارغة، لا معنى لها، مسلوبة من أي مضمون ومن أي اعتبار، بما في ذلك اعتبارها “سلطة رابعة”.
الصوت الإعلامي والصحافي في العالم، رغم أنه غير مستقل، ومنتم، مهما كان التغني بالموضوعية والمهنية، إلا أنه يمثل صوتا معبّرا عن جزء، صغيرا كان أم كبيرا، من الأمة والمجتمع والضمير الجمعي، حتى ولو كان صوت “لوبي” أو جماعة ضغط، كما هو الشأن في العالم للأسف مع لوبيهات الصورة والصوت والحرف.
في مجتمعاتنا العربية والنامية، ما زالت الصحافة وحريتها مرتبط بتطوُّر المجتمع نفسه، وتطور المجتمع مرتبط بتطور مفهوم المواطنة، التي يمكِّنه من ممارسة حقه الاجتماعي والسياسي والثقافي والإعلامي، أحزابا ونقابات وتكتلات ومعارضة وبالتالي، وسائل إعلام معبِّرة عن الامتدادات الاجتماعية بما فيها من نخب ثقافية وفكرية واجتماعية.
هذا التطور مرهونٌ بالزمن وبطريقة تعاملنا مع متغيرات الزمن الاجتماعي، في إطار المجتمع والدولة والمؤسسات المجتمعية والإدارية والسياسية. وبقدر ما غلّبنا الصالح العامّ، عن المصالح الفردية والضيقة، الاجتماعية والفئوية والقبلية والتكتلات المصلحية، وبقدر تنازلنا عن أنانية النظر للأنا على أننا أفضل وأرقى وأجدر وأجدى وأولى من الآخر، نعطي لأنفسنا الحق في سحب حق الآخر من التداول لصالح الأنا الجشعة المركزية، وهذا ما يتسبب في نشوب تجاذبات الآراء التي ستتطور باتجاه صراع مصالح ضيقة.
حرية الصحافة في بلادنا اليوم، لا تزال تبحث عن رؤية ومخرج من عنق الزجاجة، لأنها مرتبطة بوضع بلد واقتصاد ونمط تسيير، والحريات فيها مشروطة وانتقالية باستمرار.
صحيفة الشروق الجزائرية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الصحافة الحرية الجدلية الحرية الصحافة جدل التعبير سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حریة الصحافة
إقرأ أيضاً:
اتحاد الكتّاب يعيد عضوية المفصولين لأسباب سياسية ويؤكد احترام حرية التعبير
دمشق-سانا
أعلن اتحاد الكتاب العرب في سوريا، عن إعادة عضوية الأعضاء الذين تم فصلهم سابقاً لأسباب سياسية تتعلق بمناهضة النظام البائد.
وقال رئيس الاتحاد محمد طه العثمان في تصريح لـ سانا: إن القرار جاء بعد مراجعات داخل المكتب التنفيذي، ويهدف إلى ردّ الاعتبار للأدباء الذين فصلوا نتيجة مواقفهم السياسية، مشيراً إلى أن الاتحاد أقر إعفاءهم من الرسوم المالية المترتبة خلال فترة الفصل مع إعادة كامل حقوقهم المعنوية والمادية وفق النظام الداخلي.
وأكد العثمان أن القرار ينسجم مع التوجه نحو احترام حرية التعبير ضمن أطر أدبية وأخلاقية تليق بدور الاتحاد كمؤسسة ثقافية وطنية.
تابعوا أخبار سانا على