إيران والغرب صراع دائم أم بوادر من التفاهم؟
تاريخ النشر: 3rd, May 2025 GMT
د. إسماعيل بن صالح الأغبري
قبل عام 1979م، كانت العلاقات بين إيران من جهة وأمريكا والدول الغربية من جهة أخرى على أفضل ما يكون من التَّفاهم والتنسيق الدبلوماسي والتعاون الاستخباراتي والعسكري أيام الشاه؛ بل كانت إيران- آنذاك- بمثابة الذراع المتقدم للغرب في منطقة الخليج والشرق الأوسط، ولعلَّها تكون في تلك المرحلة لها المرتبة الثانية من الأهمية الاستراتيجية بعد إسرائيل.
وكانت العلاقات الدبلوماسية بين إيران وإسرائيل أيام الشاه قائمة على قدم وساق، وكان لإسرائيل سفارة في طهران، والنفط الإيراني يتدفق على إسرائيل، ومن الغريب أنَّ الدول العربية لم تكن توجه سهامًا حادة ضد الشاه ونظام حكمه كما لم تمارس إعلامًا مُضادًا مُشوَّهًا لصورة إيران، أو- على أقل تقدير- لم تكن الدول العربية مُنتقِدة لإيران في علاقاتها الراسخة مع العالم الغربي أو مع إسرائيل، ولعلَّ ذلك ناتج من احتمال أنَّ أكثر الدول العربية كانت تدور في الفلك الأمريكي والغربي، وبذلك كان منطقيًا عدم انتقاد نظام الحكم في إيران على علاقاته الراسخة مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب.
أما عن عدم انتقاد علاقاتها مع إسرائيل رغم أن الدول العربية قبل عام 1979 لم تُعلن أي منها الاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية معها، وما ذلك إلا بسبب أنَّ أكثر الدول العربية لا تُريد تعكير صفو علاقاتها مع العالم الغربي الذي استثمر مشروع قيام إسرائيل وقدم له الدعم اللازم وتعهد بحمايتها وجعلها الرقم الأول والأوحد في المنطقة قوة سياسية وعسكرية وتقنية.
وقد يكون سبب عدم انتقاد أكثر الدول العربية لإيران في تلك الفترة يعود إلى خشية هذه الدول من إثارة غضب نظام الحكم في إيران؛ فهو من حيث القوة يتفوق على بعض أنظمة الحكم في العالم العربي، ويكاد الغرب يجعل من إيران الشاه شرطيًا على مياه الخليج الدافئة.
كما إن نظام الحكم في إيران- آنذاك- كان يُعد ذراعًا متقدمةً للغرب في مواجهة خطر الاشتراكية السوفييتية الزاحفة بخطى حثيثة على مياه الخليج الدافئة بصفة خاصة؛ حيث كانت إيران بمثابة خط الدفاع الأول في وجه الزحف الشيوعي لمجاورتها عددًا من الدول والجمهوريات الإسلامية الدائرة في فلك الاتحاد السوفيتي السابق. ولا شك أن دول الخليج تتوجَّس خيفةً من زحف التيار الشيوعي أو الماركسي إلى شعوبها، إلّا أنها لا طاقة لها بمواجهته بمفردها فالتقت مصالحها مع مصالح إيران في الرغبة في تحجيمه ومحاصرته.
شهدت إيران اضطرابات ومظاهرات في كثير من مدنها، ومنها طهران، نتيجة لما كان عليه رأس النظام آنذاك من حياة مُرفهة إلى حد الإسراف، مع ما يُعانيه الشعب من ضيق المعيشة وتضييق عليه في الحريات السياسية، إلّا أنَّ نظام الحكم كان قادرًا على المناورة مع ما أوتي من قُدرات وعلاقات مع عواصم الغرب.
حتى إذا ما اندفع رجال الدين في الحوزة الدينية "قم" معارضين لنظام الشاه الرأسمالي، خاصة بعد أن اتخذ إجراءات مشابهة لخطى الرئيس التركي السابق كمال أتاتورك؛ حيث ألغي من النظام الأساسي للدولة الإيرانية (الدستور) النص الذي يَعتبِر الشريعة الإسلامية من مصادر التشريعات، كما ألغى الحجاب، ولم يعترف بأنَّ الفقه الجعفري من مصادر التشريع، ما حرَّك فقهاء الحوزة العلمية. وقد برز الإمام آية الله الخميني كشخصية مُؤثرة مُعارِضة بشدة للنظام القائم ولبعض الفقهاء الذين لا يرون رأيه؛ بل أفتى الإمام الخميني بأنَّه بعد ما قام به الشاه لا تجوز التقية، وأن الإسلام والشريعة في خطر. ومَثَّلَ انضمام عُلماء الدين للمعارضة الشعبية تحولًا خطيرًا لما يعنيه ذلك من وجود قيادة للمعارضة والتفاف للناس حولها؛ بل إنَّ الحوزة الدينية سوف تتمكن من إذكاء روح المعارضة والتحدي لنظام الشاه من خلال الفتاوى الشرعية.
وتمكن الإمام الخميني من خلال ما عُرف بـ"ثورة الكاسيت" من تحريك شوارع طهران والمدن الإيرانية، حتى قلب نظام الشاه الرأسمالي الوثيق الصلة سياسيًا واستخباراتيًا بالغرب، واستبدله بنظام حكم آخر ذي أيدلوجية مُغايرة للنظام السابق مصدرها الشريعة الإسلامية، وكان ذلك عام 1979م، وبذلك تأسس في إيران نظام حكم مناوئ للغرب ومُعادٍ له، وخسرت أمريكا والدول الغربية قلعةً من قلاعها المتقدمة في المنطقة. ومنذ ذلك الحين صارت العلاقات الغربية مع إيران علاقات شك ورِيبة؛ بل وتطورت إلى محاولات خنق النظام في إيران الجديد عن طريق دعم الحرب التي شنها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عليه عام 1980م، وهو لم يزل حديث عهد بتسيير أمور الدولة، إلّا أن النظام الجديد سرعان ما جمع شمله ورصَّ صفه، وامتصَّ نتائج الاغتيالات الكبيرة والكثيرة التي طالت كثيرًا من رموزه وقياداته.
نظام الحكم الجديد- وقتذاك- وباعتبار مرجعية حكمه الدينية لم يكن ليرتضي علاقات مع إسرائيل؛ فأغلق سفارتها في طهران، ومنع تصدير النفط الإيراني إليها، واعتبرها غير شرعية في وجودها؛ مما زاد تأزم العلاقات مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية.
حاولت إيران الاستقلال التام والخروج من العباءة الغربية في الميادين السياسية والعسكرية والاقتصادية والتقنية، وبدت عازمة على كسر الهيمنة والاحتكار الغربي لكل شيء من الإبرة حتى الذرة، مدفوعة بهذه النزعة الاستقلالية بتاريخها الضارب بجذوره في القدم أيام الإمبراطورية الفارسية، وكذلك نوع النظام الحاكم حاليًا الذي يعتبر دين الإسلام هو مرجعيته ومنطلق إدارته للدولة، إلّا أن الغرب لا يمكن أن يستسيغ هذه الاستقلالية أو هذه المنطلقات في إدارة الدولة لما تشكله من خطورة على بقاء هيمنته وتحكمه في مصائر الدول وأقواتها ومواردها.
شكَّلت إيران بهذا النوع من الحكم والإرادة تحديًا للإرادة الأمريكية، خاصة وأن إيران أخذت تطور مفاعلاتها النووية للأغراض السلمية لكي تستفيد من ذلك في مجالات الطب والطاقة الكهربائية، إلّا أن الغرب وجد هذا الطريق هو السبيل الأكثر إقناعًا من أجل التخويف من إيران، فاتهمها بأنها عازمة على صناعة أسلحة نووية، تُهدد بها إسرائيل وجيرانها وهي عين التهمة الموجهة ضد العراق أيام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
أيضًا صواريخها البالستية كانت مادة من مواد تلك الدول لتكون ذريعة للضغط على إيران سياسيًا واقتصاديًا، من أجل محاولة ثنيها عن التقدم في هذا المجال؛ ما يعني تكبيل إيران في المجالين النووي والبالستي، إضافة إلى منع إيران من شراء الطائرات لتقوية سلاحها الجوي ومنعها حتى من الحصول على قطع الغيار؛ حيث إنَّ مُراد عواصم الغرب أن تكون قوانين التسلح وكمياته وأنواعه تحت سمعه وبصره وبإذنه، وكأن عواصم الغرب تريد أن تصبح إيران دولة منزوعة السلاح أو أشبه بالدولة الفلسطينية التي يتم الحديث عنها خالية من السيادة الحقيقية.
الغرب فتح بابًا آخرَ للضغط على إيران وهو اتهامها بخلق ما يصفها بـ"أذرع" لها في المنطقة تحمل أيدولوجيات مناوِئة لإسرائيل والغرب، واعتبار ذلك تدخلًا من إيران في شؤون الدول والمنطقة، بينما تتغافل عواصم الغرب أنها ليست من المنطقة، ورغم ذلك فإنَّ أساطيلها تجوب بحار ومحيطات العالم، كما إنَّ قواعدها العسكرية تنتشر في مواقع كثيرة من هذه المنطقة، إضافة إلى أنها زرعت إسرائيل في قلب الشرق الأوسط. يبدو أن الغرب لا يسعى فقط إلى كبح البرامج التقنية والتسليحية الإيرانية أو إلى تقليم أظافر إيران؛ بل يسعى لجعلها دولة عاجزة عن وجود ظفر واحد لها.
الإيرانيون عمومًا دُهاة في تفاوضهم ولهم أقدام راسخة في نسج السياسة، وقد لا يُعييهم الانحناء للعاصفة في سبيل بقاء دولتهم واستقرار النظام السياسي الذي ناضلوا من أجله عقودًا من الزمن.
وكان حريًّا بالدول العربية إقامة أفضل العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدلًا من الدخول في مناكفات معها أو اعتبارها عدوًا، تناغمًا مع ما يسوقه الغرب وإسرائيل ضدها.
كان يُمكن للدول العربية اعتبار إيران درعًا لها يصُد الضغوط الغربية والإسرائيلية من أجل التطبيع؛ فالاحتماء بالجار القريب المُتمَكِن من الصناعات والاختراعات، أَوْلَى من الميل تجاه قوى لها أطماع تخدم إسرائيل وأجندتها.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
إسرائيل: اعترضنا صواريخ ومسيرات حزب الله بأشعة الليزر
كشفت إسرائيل لأول مرة عن استخدامها أشعة الليزر في اعتراض صواريخ وطائرات مسيرة أطلقها حزب الله، خلال المعارك الأخيرة.
وقالت وزارة الدفاع الإسرائيلية إنها استخدمت لأول مرة أشعة الليزر لاعتراض صواريخ حزب الله وطائراته المسيرة.
وتوقع محللون أن يؤدي اعتماد هذه المنظومة التي تحمل اسم "الدرع الضوئي" وتقلل من تكلفة اعتراض الصواريخ بشكل كبير للغاية، مقارنة بما يتطلبه تفعيل منظومة القبة الحديدية.
وأضافت وزارة الدفاع الإسرائيلية أن اعتماد نظام الليزر يأتي بعد سنين من العمل على تطوير هذه المنظومة.
وكان رواد وسائل التواصل الاجتماعي تداولوا في نوفمبر 2023، مقاطع فيديو عن أشعة ضوئية ظهرت في سماء إسرائيل، قال عنها خبراء إنها الحالة الأولى للنظام المضاد للصواريخ بالليزر بالعمل القتالي لاصطياد المسّيرات والصواريخ التي تُطلقها الفصائل الفلسطينية.
وبحسب ما ورد، حينذاك، تم تفعيل نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي الأول من نوعه "الشعاع الحديدي" أو الذي بات يعرف حاليا باسم "الدرع الضوئي"، لاعتراض صواريخ المقاومة الفلسطينية في غزة، قبل سنوات من الموعد المقرر لتنفيذه.
أبرز المعلومات المتوفرة عنه حتى الآن:
"الدرع الضوئي" عبارة عن شعاع ليزر عالي القوة تم تصنيعه بواسطة شركة رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة، لاعتراض الصواريخ والقذائف قصيرة المدى. شعاع ليزر مضاد للصواريخ. يسمى بـ"الدرع الضوئي" وطوّرته شركة "رافائيل" الإسرائيلية. التوقعات كانت تشير إلى أن النظام سيدخل الخدمة في الجيش الإسرائيلي بحلول عام 2025. يهدف إلى استكمال نظام القبة الحديدية الدفاعي الإسرائيلي. منخفض التكلفة حيث تبلغ كلفة اعتراض الصواريخ حوالي 3-4 دولارات مقابل 50 ألف دولار عند استخدام منظومة "القبة الحديدية".