الأموال المجمدة.. ورقة ضغط غربية تتعارض مع القانون الدولي ومبدأ السيادة الليبية
تاريخ النشر: 3rd, May 2025 GMT
في سياق متجدد يعكس تعقيدات العلاقة بين الدول الغربية وليبيا ما بعد 2011، تعود إلى الواجهة قضية الأموال الليبية المجمدة في الخارج، والتي تقدّر بمليارات الدولارات المودعة في بنوك أوروبا وأمريكا الشمالية.
ووفقاً لتقرير نشره المركز الأوروبي للدراسات السياسية والاستراتيجية، فإن استمرار تجميد هذه الأموال، ومحاولات بعض الدول التصرف بها بشكل أحادي، يهدد مبادئ القانون الدولي ويضع سيادة ليبيا واستقرارها المالي على المحك.
أداة ابتزاز
تعود جذور القضية إلى أعقاب الثورة الليبية في عام 2011، عندما قامت قوى دولية، وعلى رأسها بريطانيا، بتجميد أصول مالية ليبية ضخمة، كانت تعود في معظمها للمصرف الليبي الخارجي وهيئات استثمار سيادية. ورغم مرور أكثر من عقد على انتهاء حكم معمر القذافي، وتغير المعادلة السياسية في ليبيا، فإن هذه الأموال ما تزال مجمدة، في تجاهل واضح للتحولات الداخلية وحق الليبيين في التصرف في ثرواتهم الوطنية.
ويحذر المركز من أن هذه الأموال بدأت تُستغل من قبل بعض الدول الغربية كورقة ضغط سياسي، أو كوسيلة لتعويض ضحايا نزاعات لا علاقة لليبيا الجديدة بها، ما يثير علامات استفهام حول نوايا الجهات التي تحتفظ بها.
بريطانيا في الصدارة
يشير التقرير إلى تحركات بريطانية متكررة لمحاولة شرعنة استخدام الأموال الليبية المجمدة داخل المملكة المتحدة، تحت ذريعة تعويض ضحايا هجمات الجيش الجمهوري الإيرلندي (IRA).
وتأتي هذه المحاولات استناداً إلى اتهامات قديمة موجهة للنظام الليبي السابق بدعم جماعات مسلحة في أيرلندا الشمالية، وهي اتهامات لا يمكن تحميل الدولة الليبية الحالية تبعاتها، لا سياسياً ولا قانونياً.
وقد برزت مؤخرًا مطالبة علنية من عضو مجلس اللوردات البريطاني، البارونة هوي، باستخدام هذه الأموال لتعويض الضحايا، على غرار ما فعلته الحكومة البريطانية مع الأموال الروسية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
ويرى المركز الأوروبي أن هذا الطرح يفتح سابقة خطيرة تخرق مبدأ الحصانة السيادية للأموال العامة للدول.
أبعاد قانونية مقلقة
ينبه المركز إلى أن التصرف في الأموال الليبية المجمدة دون موافقة السلطات الليبية يُعد انتهاكاً صريحاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، كما يُعد خروجاً على قواعد القانون الدولي التي تحمي ملكية الدول لأصولها المالية.
كما أن تسييس هذه القضية من شأنه أن يزعزع الثقة في النظام المالي العالمي، ويخلق سوابق تهدد أموال دول أخرى قد تجد نفسها مستقبلاً في وضع مشابه.
الأبعاد الليبية
يؤكد التقرير أن ليبيا تمر بمرحلة حساسة من إعادة البناء السياسي والاقتصادي، وأن هذه الأموال المجمدة تمثل ركيزة أساسية في أي خطة مستقبلية للتنمية.
ويضيف أن حرمان الشعب الليبي من هذه الأصول، أو التلاعب بها تحت ذرائع سياسية، يُعد حرماناً من حقوق أساسية، ويؤخر جهود الاستقرار الوطني.
ويشدّد الباحث الليبي حسون بركات، في تصريح للمركز، على أن هذه الأموال ليست مجرد أرصدة مصرفية، بل هي رصيد من الحقوق السيادية التي لا يجوز لأي جهة المساس بها.
وأضاف أن ليبيا، كدولة ذات عضوية كاملة في الأمم المتحدة، لها الحق في المطالبة باستعادة هذه الأموال دون قيد أو شرط، وعلى المجتمع الدولي أن يدعم هذا المطلب العادل.
دعوة لتحرك دولي
ختامًا، يدعو المركز الأوروبي للدراسات السياسية والاستراتيجية الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف موحد من هذه القضية، وممارسة ضغوط حقيقية على الدول الغربية المعنية بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الأموال الليبية المجمدة.
كما يؤكد أن التراخي في معالجة هذه الأزمة قد يفتح الباب أمام مزيد من الانتهاكات التي تطال حقوق الشعوب في التصرف بثرواتها الوطنية.
المصدر: صحيفة الساعة 24
كلمات دلالية: الأموال اللیبیة المجمدة هذه الأموال
إقرأ أيضاً:
الأزمة الليبية.. من يُعطّل الحل؟
مقدمة
ليبيا، الدولة الغنية بثرواتها والمتميزة بموقعها الجغرافي، تعيش منذ أكثر من أربعة عشر عامًا أزمة معقدة، امتزجت فيها الصراعات السياسية بالانقسامات المناطقية، وغابت فيها الدولة لصالح التشكيلات المسلحة والولاءات الضيقة.
ورغم تعاقب الحكومات والمبادرات الأممية والدولية، ما زال السؤال مشروعًا وملحًا: من يُعطّل الحل في ليبيا؟
من الثورة إلى الفوضى
بعد أحداث 2011، اتضح لكثير من الليبيين، حتى لمن شاركوا في تلك الأحداث، أن ما جرى لم يكن ثورة بمعناها النقي، بل كان خدعة كبرى مهدت لتدخلات أجنبية أطاحت بالسيادة، ومزقت البلاد إلى كانتونات تتحكم فيها جماعات مسلحة، وسط غياب مشروع وطني حقيقي.
لقد شعر الليبيون بالخذلان، إذ تحوّلت مطالبهم بالحرية والعدالة إلى فوضى، وعمّ الصراع المناطق والقبائل، وبرزت نخبة جديدة مستفيدة من الانقسام، تحكمت في القرار السياسي والاقتصادي، بينما بقيت الغالبية تعاني من الفقر والمرض والتهميش.
مفارقات المشهد الليبي
كيف تُبنى دولة والسلاح خارج شرعيتها؟ العاصمة تحت قبضة التشكيلات المسلحة التي تفرض قراراتها على الحكومات، وسط صمت أممي مريب.
كيف لمناطق معينة أن تسيطر على مفاصل الدولة دون كفاءة أو شرعية؟ فيما يُقصى الكفاءات الحقيقية.
كيف تُصرف الملايين على سفارات وهمية وتُهمل مستشفيات الداخل والخارج؟ بينما يعاني المواطن من غياب الدواء وفرص العمل.
كيف يمرّ القفز على استحقاقات انتخابية كـ25 ديسمبر 2021 دون مساءلة؟ كأن إرادة الليبيين لا قيمة لها.
دور الإعلام والمثقفين
إن استمرار هذه الأزمة هو أيضًا نتيجة صمت النخب، وضعف الوعي الجماهيري. وعلى الإعلام والمثقفين الوطنيين مسؤولية كبرى في فضح التضليل، وخلق رأي عام فاعل يواجه حملات التشويه التي تقودها الأطراف المتنفذة لحماية مصالحها على حساب الشعب.
من المسؤول؟
الحقيقة أن الليبيين لا يكرهون بعضهم، بل تم التغرير بهم بخطابات الكراهية والمظلومية، وتورط الشباب في حروب خاسرة عادوا منها بجراحات وآلام، تُركوا بعدها دون رعاية أو تعويض، بينما استمرت النخب المتنفذة في مكاسبها.
ومع تنامي الوعي، باتت عديد المناطق تدرك حقيقة الأزمة ومن يقف وراءها، وبدأ صوت الشارع يعلو، رافضًا للواقع المرير، ومطالبًا بتغيير حقيقي.
المؤسسة العسكرية.. ضمانة الاستقرار
يُجمع كثير من الليبيين اليوم على ضرورة تمكين المؤسسة العسكرية الوطنية، وفي مقدمتها القيادة العامة للجيش الليبي، التي نجحت في محاربة الإرهاب في الشرق، وتحرير الجنوب من العصابات الإجرامية، فيما بقيت مناطق أخرى رهينة للجماعات المسلحة المدعومة من أطراف خارجية.
ورغم حملات التشويه الإعلامية التي تتعرض لها هذه المؤسسة، فإن دورها كان واضحًا في حماية وحدة البلاد ومنع تمدد الفوضى.
قرارات 5+5 وإرادة الشارع
إن تنفيذ قرارات اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 هو مفتاح العودة إلى المسار السياسي الحقيقي، ويجب أن تحترمه الحكومات المحلية والدول الراعية.
كما أن حراك الشارع في طرابلس ومدن أخرى دليل على أن الشعب كسر حاجز الخوف، وبدأ يستعيد زمام المبادرة، رغم محاولات بث الفرقة وشيطنة الاحتجاجات.
الانتخابات لن تُجرى تحت فوهة السلاح
لا يمكن الحديث عن انتخابات في ظل هيمنة السلاح، وهو ما يدركه الليبيون جيدًا. فكل دعوة للانتخابات دون نزع السلاح وتفكيك التشكيلات المسلحة هي دعوة للتمديد لا للتغيير.
لذلك فإن تمكين المؤسسة العسكرية أولًا هو شرط لضمان نزاهة أي عملية انتخابية.
بين خيارين
تقف ليبيا اليوم أمام خيارين مصيريين:
خيار الإرادة الشعبية التي تفرض مسار العدالة الانتقالية والدستور وتداول السلطة، وهو مسار يتطلب وعيًا جماعيًا ونضالًا سلميًا طويل النفس. خيار السلطة القوية القادرة على ضبط الفوضى، وبناء المؤسسات، وقيادة البلاد نحو استحقاقات ديمقراطية حقيقية، وهو ما يتطلب شخصية وطنية تمتلك الإرادة والشجاعة.خاتمة
لقد سقطت شعارات “الثورة” المزيفة، وانكشفت خرافة “رفض الحكم الفردي” التي قادت البلاد إلى فوضى عارمة.
آن الأوان لأن ينتفض الشعب الليبي بكل وعي ومسؤولية، لاستعادة دولته المختطفة، وبناء وطن يُحكم بقوة القانون لا بقانون القوة.
فليبيا ليست ملكًا لفئة أو جماعة، بل وطن لكل الليبيين، ولا خلاص إلا بوحدة الصف، وكسر دائرة الفساد، وبناء دولة مدنية ديمقراطية تحفظ كرامة المواطن وتعيد الهيبة للمؤسسات.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.