هل ينجح حلفاء إسرائيل الغربيون في عزل قادتها المتطرفين؟
تاريخ النشر: 11th, June 2025 GMT
لندن- تزداد عزلة إسرائيل الدولية في ظل إصرار حكومتها اليمينية -بعناد ودعم أميركي كامل- على الاستمرار في حرب الإبادة ضد الفلسطينيين في القطاع، حيث يحاول كثير من حلفائها الغربيين التقليديين تضييق الخناق على قادتها اليمينيين لدفع حكومة نتنياهو لمراجعة سياساتها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
فقد اختارت بريطانيا الالتحاق بكل من كندا وأستراليا والنرويج ونيوزيلندا في فرض حظر على السفر وتجميد الأصول المالية بحق وزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بسبب تحريضهما العنصري ضد الفلسطينيين وتشجيعهما توسيع عمليات الاستيطان في الضفة الغربية.
خطوة فضّل خلالها الحلفاء الغربيون عدم التحرك بشكل منفرد، وتنسيق مواقفهم بعناية شديدة، مع من يتقاسمون معهم الرؤية نفسها لطبيعة مسار حل الحرب في غزة، ويشاطرونهم القناعة بضرورة ممارسة المزيد من الضغط على الحكومة الإسرائيلية اليمينية لإجبارها على وقف جرائمها بحق الفلسطينيين.
ويحرص البريطانيون على اقتفاء النهج نفسه، حيث تتجه الحكومة البريطانية لاتخاذ خطوات تصعيدية ضد إسرائيل، في سياق حراك منسق منذ أسابيع مع دول غربية أخرى، تجنبا لأي صدام مباشر مع الحليفين الإسرائيلي والأميركي.
إعلان حراك منسقأكد البيان المشترك الصادر عن الدول الخمس، أن قرار فرض العقوبات يسعى بشكل حثيث للحفاظ على مسار حل الدولتين، بينما تعمل الحكومة الإسرائيلية المتطرفة جاهدةً لنسفه، ويمثل الوزيران الإسرائيليان في تقدير الموقّعين على البيان نموذجا للسياسيين المتطرفين في المنطقة الذين يهددون بالقضاء على أي احتمال لتحقيقه.
وكانت الحكومة البريطانية قد قررت تعليق محادثات التجارة الحرة مع إسرائيل، وفرضت قبل أيام عقوبات على بعض قادة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، إلى جانب كل من فرنسا والنرويج.
كما أعلنت في سبتمبر/أيلول الماضي حظرا على كل الصادرات المباشرة للأسلحة لإسرائيل، لكنها حافظت على إرسال قطع الغيار لطائرات "إف 35" العصب الحيوي لسلاح الجو الإسرائيلي.
وكشفت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية -نقلا عن مصادر قالت إنها على اطلاع على خلفية العقوبات- أن تلك الخطوة تمثل تحولا في تعاطي حكومة حزب العمال البريطانية مع حكومة نتنياهو، في ظل اشتداد حملتها العسكرية ضد قطاع غزة، وإصرارها على منع دخول المساعدات الإنسانية.
وقالت صحيفة الغارديان البريطانية إن وزير الخارجية السابق ديفيد كاميرون كان قد تردد في اتخاذ خطوة مماثلة الصيف الماضي، ورفض فرض عقوبات على الزعيمين الإسرائيليين المتطرفين، حيث حذرت أصوات داخل حزب المحافظين من الكلفة الانتخابية لذلك القرار على قواعد الحزب اليمينية.
يواصل نواب برلمانيون من أحزاب سياسية بريطانية مختلفة الضغط على الحكومة العمالية للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، فيما يحذر رئيس الوزراء البريطاني من أي مبادرة غير محسوبة قد تخاطر بتصعيد التوتر مع الإدارة الأميركية بشأن الموقف من الحرب في غزة، أو إثارة تحفظ الأوساط اليمينية الداعمة لإسرائيل.
إعلانوحاصر نواب برلمانيون وزير الدولة المعني بقضايا الشرق الأوسط في الحكومة البريطانية، هاميش فالكونر، الأسبوع الماضي في جلسة أسئلة، وطالبوه بإفصاح الحكومة عن خططها في هذا الاتجاه، في الوقت الذي تصر الحكومة على أنها بصدد التشاور مع الحلفاء.
وكان البرلمان البريطاني طوال الأشهر الماضية، ساحة سجال حاد حول موقف الحكومة من السياسات الإسرائيلية، حيث أدان وزير الخارجية ديفيد لامي في أكثر من مرة تصريحات القادة اليمينين التحريضية ضد الفلسطينيين، دون المبادرة لاتخاذ قرار واضح بشأن فرض عقوبات ضدهم، وسط اتهامات من اليمين الشعبوي لحزب العمال بالاصطفاف إلى جانب الفلسطينيين ضد الحليف الإسرائيلي.
ويرى صباح المختار، رئيس جمعية المحامين العرب في بريطانيا، في حديث للجزيرة نت، أن فرض عقوبات على هؤلاء القادة المتطرفين الإسرائيليين "ليس جرأة سياسية، بل مجرد انسجام مع القانون الدولي الإنساني، الذي ينص على فرض عقوبات على الأشخاص المهددين للسلم والمحرضين على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية".
وأضاف المختار، أن فرض بريطانيا إلى جانب حلفاء غربيين آخرين لهذه العقوبات، يرسل إشارات مشجعة لدول أخرى أقل أثيرا في الساحة الدولية على اتخاذ خطوات مماثلة، لتشديد الخناق والعزلة على زعماء اليمين المتطرف الإسرائيلي وتوسيع دائرة ملاحقتهم القانونية والقضائية.
غضب أميركي وإسرائيلييبعث المسؤولون البريطانيون ومعهم قادة أوروبيون آخرون منذ أسابيع رسائل في أكثر من اتجاه لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، والذي هدد برد انتقامي على القرار.
بينما تقف حكومة حزب العمال ومعها أيضا حكومات أوروبية أخرى على مفترق طرق في علاقتها مع الإدارة الأميركية في أكثر من ملف، حيث يعد رفع الدعم عن حكومة نتنياهو المتطرفة أحد بواعث الخلاف الجديدة مع واشنطن.
إعلانفي المقابل تحاول واشنطن إعادة رص الصفوف بين إسرائيل وحلفائها الغربيين الغاضبين من سلوكها السياسي، حيث خاطب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو حلفاءه مطالبا إياهم بـ"عدم إغفال هوية العدو الحقيقي الذي تجب مواجهته"، وأدان القرار وأكد أن الولايات المتحدة تقف صفا واحدا إلى جانب إسرائيل.
وفي تحد للقرارات الغربية الأخيرة، قالت صحيفة الغارديان إن بن غفير رد على القرار بتشبيهٍ شعبوي لرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بـ"فرعون"، مؤكدا أن الإسرائيليين قادرون على تحدي عقوباته.
فيما اتهم سموتريتش الحكومة البريطانية بمحاولة منع اليهود مرة أخرى من توطين أنفسهم في المنطقة، في إشارة إلى صراع المنظمات الصهيونية مع الاحتلال البريطاني لفلسطين في ثلاثينيات القرن الماضي.
جهود دوليةتواصل فرنسا ومعها دول عربية و أوروبية أخرى الحشد لمؤتمر دولي مرتقب في غضون أيام في نيويورك، لدعم مسار حل الدولتين، لم يستبعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاعتراف خلاله بدولة فلسطينية مستقلة، في محاولة للحفاظ على إمكانية الدفع بحل سياسي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
فيما حذرت الإدارة الأميركية الأوروبيين من خطوة مماثلة، في وقت تبدو فيه حكومة نتنياهو قد حسمت خيارها بمواصلة عملياتها العسكرية ضد أهالي القطاع.
لكن حشد الدعم لفرض عقوبات مماثلة ضد القادة اليمينيين الإسرائيليين في الاتحاد الأوروبي قد لا يبدو مهمة سهلة، حيث يتطلب إجماعا من كافة دول الاتحاد، في مهمة قد لا تبدو يسيرة، واكتفى الاتحاد بتعليق الشراكة وفرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل.
وفي الوقت الذي حافظت فيه ألمانيا على دعم مطلق للسياسات الإسرائيلية ضد قطاع غزة منذ بداية أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بدأت تصريحات الساسة الألمان وفي مقدمتهم المستشار الألماني الجديد فريديريش ميرتس تشي بانزياح واضح لذلك الدعم.
إعلانوبعد قرارها عدم استثناء الوزيرين في التحالف اليميني الإسرائيلي من العقوبات، تتصاعد الخشية من اكتفاء الحكومة في بريطانيا بتلك الخطوة وتفضيلها عدم الاندفاع لاعتراف صريح بالدولة الفلسطينية المستقلة أو وقف شامل لتصدير الأسلحة لإسرائيل قد يُقرأ في واشنطن تحديا للحليف الأميركي.
وقال نهاد خنفر، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة لندن، في حديث للجزيرة نت، إن تلك الخطوات التي تتخذها العواصم الغربية ضد إسرائيل قد تأخرت وليست إلا محاولة لتنفيس ضغط الشارع الغاضب من بشاعة الصور القادمة يوميا من غزة، وسط انخفاض غير مسبوق لمستوى التأييد للسياسات الإسرائيلية في صفوف الرأي العام والنخب السياسية معًا.
ويضيف خنفر، وهو رئيس رابطة الجالية الفلسطينية في بريطانيا، أن القادة اليمينيين المتطرفين الإسرائيليين لم يتورطوا فقط في تصريحات محرضة ضد الفلسطينيين ومشجعة على توسيع الاستيطان، ولكن أيضا في ممارسة انتهاكات موثقة من قبل جمعيات حقوقية مستقلة ضد المعتقلين الفلسطينيين، دون أن تبادر الدول الغربية لاتخاذ إجراءات عقابية ضدهم.
ويشير المتحدث إلى أن الحكومات الغربية مطالبة بإجراءات أخرى ملموسة وأكثر جدية للضغط من أجل إنهاء الحرب والتوسع الاستيطاني، بدلا من المساعي الدبلوماسية الناعمة التي ما زالت الدول الغربية تتبعها في التعاطي مع الوحشية الإسرائيلية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحج حريات الحج الحکومة البریطانیة ضد الفلسطینیین حکومة نتنیاهو فرض عقوبات عقوبات على إلى جانب
إقرأ أيضاً:
كيف تنظر إسرائيل إلى عقوبات أوروبا على المستوطنين؟ وما تأثيرها؟
وافق الاتحاد الأوروبي -بضغط من الشارع الرافض للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة– على فرض عقوبات على المستوطنين الذين يعتدون على فلسطينيي الضفة الغربية المحتلة، مما يثير تساؤلات بشأن تداعيات الخطوة وتأثيرها ورد حكومة بنيامين نتنياهو.
وعدت باريس اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية "عملا إرهابيا"، مشيرة إلى اتساع دائرة الدول التي تعتزم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، في معارضة واضحة لتحركات ودعوات داخل إسرائيل لضم الضفة الغربية، مما يعني عمليا تقويض حل الدولتين.
تأثير العقوباتوتنظر إسرائيل إلى هذه العقوبات على أنها إجراءات دولية "استجابة لواقع أو إشكالية بعينها، وليس لتغييره على المدى البعيد"، وفق حديث الكاتب المختص في الشؤون الإسرائيلية إيهاب جبارين لبرنامج "ما وراء الخبر".
ولا يزال المجتمع الدولي يتعامل مع إسرائيل "ضمن باقات، وليست كتلة واحدة"، إذ يفصل بين ما يجري في غزة والضفة، حيث يقصر العقوبات على إجراءات معينة في ملف الاستيطان وليس الاحتلال برمته.
كما لا تزال "المؤسسة العميقة" في إسرائيل في مأمن ومحصنة من الإجراءات العقابية -حسب جبارين- التي قال إنها تبقى "شريكة في داخل الغرف المغلقة".
بدوره، وصف نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني حسن خريشة العقوبات على بعض المستوطنين بالانتقائية، ولا تعبر عن حجم الاستيطان وتغول المستوطنين، معربا عن قناعته بأن فرنسا وبريطانيا "لا يمكنهما التحرك دون موافقة الإدارة الأميركية".
وحسب خريشة، كان الأولى أوروبيا تنفيذ أوامر المحكمة الجنائية الدولية واعتقال نتنياهو، ووضع حد نهائي للمستوطنين الذين يسرقون الأرض ويمنعون أي تواصل جغرافي بينها.
وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أصدرت "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال لنتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهمتي ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة.
إعلانورفض الوزير وعضو البرلماني البريطاني سابقا السير آلان دونكن التقليل من حجم الخطوة الأوروبية "المهمة"، لكنه أقر بأن العقوبات لن يكون لها تأثير فعال ومستدام "إذا لم تغير الولايات المتحدة موقفها من نتنياهو"، مشددا على أن أي خطوة يجب أن تكون صارمة.
المطلوب أوروبيا
وفي ضوء تزايد عزلتها الدولية، تعتمد إسرائيل -التي فقدت كثيرا من الأدوات الأمنية في مسألة الحسم العسكري- على نقطتين اثنتين، الأولى: سياسة فرّق تَسُد داخل الشرق الأوسط، والثانية الاتكال على الولايات المتحدة الحليف السياسي الأهم، كما يقول جبارين.
واستنادا إلى هاتين النقطتين، لا تسعى واشنطن إلى تصحيح مسار إسرائيل ضمن سياق المجتمع الدولي، بل لكي يتماهى الأخير مع ما تصبو إليه تل أبيب.
وبناء على هذا المشهد، أعرب جبارين عن قناعته بأن الأوروبيين مطالبون برسم خارطة طريق و"ليس التعامل مع عناوين فضفاضة مشروطة"، في ظل استمرار إسرائيل في فرض إجراءات ميدانية، مشيرا إلى أنها انتهجت المراوغة بعد عقوبات أوروبية سابقة.
بدوره، شدد خريشة على ضرورة فرض الأوروبيين عقوبات على إسرائيل ومنع توريد السلاح إليها، ووقف الشراكة الأوروبية مع الإسرائيليين في كافة المجالات، ووقف حرب الإبادة والتجويع والاستيطان لكي تتماهى مع المؤتمر الأممي لتطبيق حل الدولتين.
وفي هذا الإطار، تتداول أروقة الاتحاد الأوروبي مقترح عقوبات أخرى تدعو لمنع إسرائيل جزئيا من المشاركة في مشروع أوروبي للأبحاث، وهو ما يلقى معارضة ألمانية وبعض الدول الأعضاء الأخرى.